سعوديتان تَعْلقان في تايلاند..وبانكوك تحرمهما من التعليم

سعوديتان تَعْلقان في تايلاند..وبانكوك تحرمهما من التعليم

محمد حضاض ـ جدة

رغم ضجيج المسافرين والمودعين وأزيز الطائرات الهابطة والمقلعة، وصخب حمّالي الأمتعة في صالات وساحات مطار الملك عبدالعزيز الدولي ظل سائق التاكسي حسين العقبي (46 عاما) محايدا حيال هذه الضجة، منكفئا على نفسه، غارقا في همومه الشخصية، يتحرق شوقا لابنتيه (سارة،ملكة) اللتين تنتظران عودته لأخذهما من شمال تايلاند منذ 19 عاما، لكنه لم يستطع بعد أن تكالبت عليه الظروف، مفضلا بقاءهما مع والدتهما التايلندية ريثما تتحسن أوضاعه لاستعادتهما، متذرعا بالأمل، رغم الإخفاقات المتكررة التى مني بها خلال السنوات الأربع الماضية فى تحقيق مبتغاه. العقبي والذي أصبح يقضي معظم أوقات فراغه في تقليب البوم يحتوى على صور ابنتيه روى لـ «عكاظ» قصته بكل تفاصيلها المفرحة والمحزنة منذ هروبه إلى بانكوك قبل 23 عاما حتى محاولاته الأخيرة لاستعادة زهرتيه اليانعتين، والتي تسببت في حرمانهما من إكمال تعليمهما فى بانكوك، بعد أن قدم طلبا بإسقاط جنسيتهما التايلندية يقول حسين: «بدأت قصتي عام 1986م عندما كنت في الثالثة والعشرين من عمري وعقب وفاة والدي بفترة قصيرة دخلت عالم التجارة ولكنني لم أوفق، وتعثرت في أحد المشاريع وأصبحت مطالبا بمبلغ 60 ألف ريال، وقررت أن لا أواجه هذه المشكلة، وهربت برفقة أحد أصدقائي إلى تايلاند، ولكن الرحلة امتدت لعشر سنوات متواصلة. يضيف العقبي، مستذكرا تلك الأيام: تعرفت خلال وجودى هناك على «رينا» التي تعمل في مدرسة محلية، ونشأت بيننا قصة حب مشبوبة طلبت على إثرها يدها للزواج، فوافقت على الفور، وعاد صديقي إلى السعودية في حين فضلت أن أبقى هناك، وعشت مع رينا وأسرتها في المزرعة الخاصة بهم، حيث قررت أن أستثمر بقية أموالي هناك ونجحت في تكوين تجارة لا بأس بها.
ويستطرد: في عام 1989 م رزقت «سارة» وفي عام 1990 م رزقت «ملكة» اللتين ملأتا حياتى فرحا وسرورا، وواصلت بقائي هناك رغم وصول أحد أنسابي إلي في ضاحية فياو شمال تايلاند في محاولة لإقناعي بالعودة، ولكني رفضت، وفي عام 1992م، أصبح لازما علي أن أعود لتجديد الجواز السعودي، وبالفعل عدت من أجل ذلك، وفوجئت بحكم غيابي ضدي لدفع مبلغ 60 ألف ريال، مكثت على إثره في السجن فترة قصيرة، بعدها حكم علي القاضي بالإعسار وغادرت مسرعا إلى تايلاند وواصلت حياتي هناك.
ويواصل العقبي حديثه، شارحا الأحداث التي دارت في تلك الفترة «بعد عودتي بفترة وجيزة بدأت تجارتي تصاب بالكساد حتى أعلنت إفلاسي عام 1996م، وقررت بعد عشرة أعوام العودة إلى المملكة لجمع الأموال من جديد، ولكن فور عودتي فوجئت بأحد أقاربي استغل فترة غيابي والتهم أغلب أملاكي مستغلا الوكالةالشرعية التي أعطيته إياها، ولذلك لم أجد بدا من العمل سائقا للتاكسي لعلي أجمع مبلغا يساعدني على توفير حياة كريمة لسارة وملكة، ولكن بعد عدة سنوات طلبت مني الزوجة الطلاق بسبب غيابي المتواصل، وأرسلت لها ما تريد وتركت البنتين لديها؛ لتستكملا دراستهما، ولكنني لم أهنأ بالنوم ليلة واحدة بشكل مريح، فقد كنت أفكر فيهما وأتابع مسيرتهما الحياتية عبر الصور التي ترسلانها لي بشكل متواصل، وكنت أمني النفس بجمع المال، ولكن السنوات كانت تتلاحق دون أن أحقق هدفى. و في العام الماضي، وبعد أن أصبحت على حافة الجنون ذهبت إلى البنك واقترضت مبلغ 70 ألف ريال وسافرت إليهما على أمل أن أنجح في إعادتهما».
يصف حسين الموقف حين مشاهدة ابنتيه بعد غياب طويل، ويقول «أخبرتهما بأن نلتقي في إحدى ساحات بانكوك في اليوم الذي أصل فيه، وهناك انشقت السماء عن قمرين صغيرين عندما شاهدتهما بكيت في أحضانهما، ولامتاني كثيرا على الغياب، ووعدتهما أن أعيدهما معي مهما كلف الثمن، وعلى الفور ذهبت برفقتهما إلى السفارة السعودية في تايلند، وتقدمت بطلب إعادتهما إلى السعودية مرفقا أوراق الزواج، ولكنني وقعت في مشكلة أن إحداهما كانت مسجلة باسمي والأخرى باسم والدتها، وطلبت السفارة السعودية من الفتاتين التقدم بطلب إسقاط الجنسية التايلندية وقامتا بذلك فورا، ولكن وقع ما لم يكن في الحسبان.
ويشرح الأب المكلوم ما حدث، والدمعة تتردد في الانسياب على وجهه المكتسي بسمرة شمس جدة الحارقة صيفا، بعد أن تقدمتا بطلب إسقاط الجنسية كانت المعاملة تحتاج إلى وقت طويل وبعد الانتظار لفترة عدت إلى السفارة السعودية لمراجعة الموضوع ولكنني صدمت عندما أخبرني موظف السفارة بأن المعاملة فقدت وطلب مني أوراقا من جديد، وقررت العودة إلى المملكة والعودة مرة أخرى إلى هنالك، ولكن المشكلة أن ابنتي الكبرى سارة والتي كانت تدرس في مجال الأدب الياباني، وملكة المتخصصة في هندسة الطاقة أوقفتهما الحكومة التايلندية عن الدراسة بعد طلب إسقاط الجنسية، في حين لم أتمكن من العودة بعد أن استنفدت المبلغ الذي كان بحوزتي .
العقبي يتمنى أن يجد تفاعلا من وزارة الخارجية بمساعدته في حل مشكلته، والمساهمة في إعادة ابنتيه إلى وطنهما، مؤكدا أنه ما عاد يحتمل فراقهما بعد هذه السنوات.