لاجئو «حرب الإخوة»: الكوارث قدر الرحمن والحرب صنيعة طالبان
عكاظ ترصد من الميدان الحرب على طالبان .. أكبر نزوح جماعي في تاريخ الباكستان
الثلاثاء / 24 / جمادى الأولى / 1430 هـ الثلاثاء 19 مايو 2009 01:48
فهيم الحامد ـ موفد عكاظ إلى باكستان
للحرب منطق غريب لا يستند إلى مرجعيات العقل ضمن إرهاصاتها ومخرجاتها. ففي حالة الذهاب إلى الحرب، يتعين التعاطي مع منطق الحرب، الذي يعتبر أن الدافع مهما إلى حد تبرير القوة، وأن أي نفع سيأتي من بعد ذلك يجب أن يركز على مضاعفة أهمية المعاناة والدمار. وفي أحداث ثنايا الحرب هناك تقييم لأي نشاط على أساس قيمته العسكرية في تحقيق النصر مقابل احتمالات الضرر التي تلحق بالمدنيين.
بيد أن الثنايا الآنفة تتضمن من يطلق عليهم أثرياء الحرب، أي من عرفوا كيف تؤكل كتف المآسي لتعود بالنفع المادي. وهناك فقراء ونازحون ولاجئون نتيجة لهذه الحرب. والفرق أن أثرياء الحرب يراقبونها في منتجعاتهم الفارهة عبر شاشات التلفزة, فيما يدفع اللاجئون ثمنها في مخيمات تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة, هذا أبسط ما يمكن أن يقال عن ثنايا الحرب التي تدور رحاها لتغييب معاقل طالبان باكستان، والتي تمخضت عن أكبر حالة نزوح جماعي في تاريخ باكستان منذ استقلالها.
تتوجه "عكاظ" من العاصمة إسلام آباد إلى مخيم خوزخيلا جلالة الذي يقع في مدينة مردان، على مبعدة 25 كلم من منطقة العمليات في أول يوم من بداية الحرب، وكان ذلك من قبيل المصادفة المحضة. يعتبر مخيم جلالة أحد أكبر معسكرات اللاجئين في مردان التي كانت يوما, البوابة لاستقبال السياح الذين يرغبون في زيارة سوات "سويسرا باكستان"، التي تحولت إلى مدينة الحزن والكآبة والمعاناة والوقوف على أطلال الماضي.
في الطريق إلى مردان هناك مئات من الحافلات مكتظة بالنازحين, والعشرات يمشون على أقدامهم, وفي مدخل نقطة شاشكي زي، توجهنا بالسؤال إلى أشرف خيل أحد النازحين، إلى أين تتوجه؟ قال " :لا أدري، تركت عائلتي في منزلي في دير بعد أن أصابته قذيفة مجهولة". وتابع بمرارة «للأسف لم أستطع حماية أبنائي ولا أدري إن هم أحياء أم تحت الأنقاض». وأضاف إنني أشم رائحة الدم في كل مكان.
عائلات بلا مأوى
الوصول إلى معسكر خوزخيلا جلالة تكتنفه صعوبات بالغة نظرا لاكتظاظه بمئات الآلاف من النازحين، أطفال عرايا، نساء محجبات، شيوخ طاعنين في السن، شباب في مقتبل العمر، عائلات بلا مأوى، انتقلوا من الحياة الكريمة والمزرعة والماشية والمنزل المطل على جبل سوات الجميل إلى المجهول.
الوضع في المخيم مترد بكل المعايير، خاصة في ظل عدم تواجد منظمات إغاثة عالمية، فيما عدا بعض المنظمات الداخلية، بالإضافة إلى مراكز استقبال اللاجئين التي أنشأتها الحكومة بهدف تسجيل أسماء النازحين.
«هربنا من جحيم طالبان إلى المجهول» بهذه العبارة المشحونة بالغضب والحسرة, تحدث عدد كبير من اللاجئين في مخيم خوزخيلا جلالة الذين قدموا إليه على الأقدام حاملين ما تبقى من مستلزمات بيوتهم التي لحقها القصف العسكري وطالبان.
جهان أكبر (45) عاما روى قصة النزوح التي وصفها بالمرعبة والمأساوية إذ قتلت زوجته عندما قصفت قوات الجيش منطقة كانت تتحصن داخلها قوات حركة طالبان، يقول: لقد هربت من مسقط رأسي وتركت منزلي ومزرعتي.
أطفالنا يموتون جوعا
مأساة أخرى ترويها امرأة عجوز تدعى نزرين حسين (60) عاماً قادمة من مالاكند. ففي خيمتها التي لا يوجد فيها شيء ماعدا سجادة الصلاة والمسبحة التي في يدها، تحدثت وهي تبكي عن مأساة مقتل زوجها وأربعة من أبنائها تقول: «ليس لنا علاقة بطالبان، ننام في الطرقات وأطفالنا يموتون أما جوعا أومرضا، أو حسرة وقهرا».
مدير مخيم جلالة في مردان أوضح وهو في حالة نفسية سيئة، ماذا نفعل؟ إمكانياتنا متواضعة والنازحون بالآلاف سجلنا أسماء ثلاثة آلاف عائلة منكوبة.
نزوح أكثر من مليونين
وبدورها أفادت السلطات في إقليم الحدود الشمالية الغربية، أنه مع احتدام القتال، فإنهم يتوقعون نزوح أكثر من مليوني شخص إضافي من منطقة سوات.
وكلما رفع حظر التجول أو سمحت الفرصة يسارع الآلاف من سكان سوات إلى الفرار من منازلهم راجلين أو راكبين.. الكل يفر باتجاه واحد إلى المخيمات القريبة في مردان.
"عكاظ" زارت مركز تشتلام الواقع في مدينة رستم والتي تبعد 15 كلم من بونير حيث النازحون يحملون ما تبقي من متاع. في هذا المركز لا توجد خيام، فافترش أكثر من 25 ألف لاجئ الأرض، وبثوا "عكاظ" شجونهم في قوالب مأساوية ومرعبة نتيجة الحرب الدائرة. وفي هذا المركز جلس الحاج فتح خان، وأسرته الكبيرة المكونة من ثمانية أفراد على الأرض، فيما تقاطر آلاف الفارين من ديارهم التي دمرتها طالبان.
ويروى خان أن منطقته التي يعيش فيها تعرضت للنهب والسرقة من قبل عصابات طالبان، موضحا أن هناك عصابات مندسة داخل صفوف طالبان تعمل على نشر الرعب بين المدنيين.
وانتقد عدد كبير من اللاجئين الذين التقتهم "عكاظ" القصور من قبل الحكومة التي لم تقدم يد العون أو المساعدة، بينما تؤكد إسلام آباد أنها رصدت (2.49 مليون دولار) لدعم النازحين. الحاج مزرا متوكل الذي ضاق ذرعا بعبء عشرين من أسرته وأقاربه معظمهم نساء وأطفال يتحمل مسؤوليتهم:"انظر إلى حالنا لقد وصلنا المخيم في تمام الساعة العاشرة مساء أمس، وها نحن بدون خيمة لليوم الثاني على التوالي".. بهذه الكلمات عبر متوكل عن جزء يسير من معاناته، مضيفا أنه راجع إدارة المخيم أربع مرات دون أن يجد آذانا صاغية.
طوابير طويلة من النازحين تمتد لأكثر من ثلاثين أو أربعين مترا أمام مكتب التسجيل في المخيم, ومعارك طاحنة أخرى يخوضها النازحون وأطفالهم أمام بوابة المطبخ للحصول على ما يسد الرمق، وأخرى للحصول على الخيام والفرش ومستلزمات الإقامة، بينما يبدو الوضع أكثر هدوءا عند محطات مياه الشرب.. هكذا تبدو أجواء مخيم جلالة في مدينة مردان.
تسجيل الأسماء في مردان
مسؤول في مؤسسة الخدمة في مخيم جلالة زرياب خان ذكر أن باب التسجيل في المخيم أقفل رغم استمرار النزوح، مضيفا أن الحكومة إذا لم تجد حلا سريعا للأزمة فإن الوضع قد يتحول إلى مأساة إنسانية أو كارثة يصعب السيطرة عليها.
وعلى صعيد الوضع الصحي تتواجد بعض العيادات المفتوحة في المخيم وسط ضغط كبير من النازحين عليها، ويقول أحد الأطباء المتطوعين سرنجام خان إن أمراضا مثل التهابات الجلد والإسهال تنتشر بين النازحين، وكان سرنجام قد عمل خلال زلزال عام 2005 في باكستان. ولكن الفرق بين الوضع الحالي والزلزال أن الأخير من صنع الله, وأما الأول فمن صنع البشر.
النازحون في مردان يتساءلون متى تضع الحرب أوزارها وهل سيعودون يوما إلى منازلهم.. هذا السؤال الذي لم نستطع الإجابة عليه.
بيد أن الثنايا الآنفة تتضمن من يطلق عليهم أثرياء الحرب، أي من عرفوا كيف تؤكل كتف المآسي لتعود بالنفع المادي. وهناك فقراء ونازحون ولاجئون نتيجة لهذه الحرب. والفرق أن أثرياء الحرب يراقبونها في منتجعاتهم الفارهة عبر شاشات التلفزة, فيما يدفع اللاجئون ثمنها في مخيمات تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة, هذا أبسط ما يمكن أن يقال عن ثنايا الحرب التي تدور رحاها لتغييب معاقل طالبان باكستان، والتي تمخضت عن أكبر حالة نزوح جماعي في تاريخ باكستان منذ استقلالها.
تتوجه "عكاظ" من العاصمة إسلام آباد إلى مخيم خوزخيلا جلالة الذي يقع في مدينة مردان، على مبعدة 25 كلم من منطقة العمليات في أول يوم من بداية الحرب، وكان ذلك من قبيل المصادفة المحضة. يعتبر مخيم جلالة أحد أكبر معسكرات اللاجئين في مردان التي كانت يوما, البوابة لاستقبال السياح الذين يرغبون في زيارة سوات "سويسرا باكستان"، التي تحولت إلى مدينة الحزن والكآبة والمعاناة والوقوف على أطلال الماضي.
في الطريق إلى مردان هناك مئات من الحافلات مكتظة بالنازحين, والعشرات يمشون على أقدامهم, وفي مدخل نقطة شاشكي زي، توجهنا بالسؤال إلى أشرف خيل أحد النازحين، إلى أين تتوجه؟ قال " :لا أدري، تركت عائلتي في منزلي في دير بعد أن أصابته قذيفة مجهولة". وتابع بمرارة «للأسف لم أستطع حماية أبنائي ولا أدري إن هم أحياء أم تحت الأنقاض». وأضاف إنني أشم رائحة الدم في كل مكان.
عائلات بلا مأوى
الوصول إلى معسكر خوزخيلا جلالة تكتنفه صعوبات بالغة نظرا لاكتظاظه بمئات الآلاف من النازحين، أطفال عرايا، نساء محجبات، شيوخ طاعنين في السن، شباب في مقتبل العمر، عائلات بلا مأوى، انتقلوا من الحياة الكريمة والمزرعة والماشية والمنزل المطل على جبل سوات الجميل إلى المجهول.
الوضع في المخيم مترد بكل المعايير، خاصة في ظل عدم تواجد منظمات إغاثة عالمية، فيما عدا بعض المنظمات الداخلية، بالإضافة إلى مراكز استقبال اللاجئين التي أنشأتها الحكومة بهدف تسجيل أسماء النازحين.
«هربنا من جحيم طالبان إلى المجهول» بهذه العبارة المشحونة بالغضب والحسرة, تحدث عدد كبير من اللاجئين في مخيم خوزخيلا جلالة الذين قدموا إليه على الأقدام حاملين ما تبقى من مستلزمات بيوتهم التي لحقها القصف العسكري وطالبان.
جهان أكبر (45) عاما روى قصة النزوح التي وصفها بالمرعبة والمأساوية إذ قتلت زوجته عندما قصفت قوات الجيش منطقة كانت تتحصن داخلها قوات حركة طالبان، يقول: لقد هربت من مسقط رأسي وتركت منزلي ومزرعتي.
أطفالنا يموتون جوعا
مأساة أخرى ترويها امرأة عجوز تدعى نزرين حسين (60) عاماً قادمة من مالاكند. ففي خيمتها التي لا يوجد فيها شيء ماعدا سجادة الصلاة والمسبحة التي في يدها، تحدثت وهي تبكي عن مأساة مقتل زوجها وأربعة من أبنائها تقول: «ليس لنا علاقة بطالبان، ننام في الطرقات وأطفالنا يموتون أما جوعا أومرضا، أو حسرة وقهرا».
مدير مخيم جلالة في مردان أوضح وهو في حالة نفسية سيئة، ماذا نفعل؟ إمكانياتنا متواضعة والنازحون بالآلاف سجلنا أسماء ثلاثة آلاف عائلة منكوبة.
نزوح أكثر من مليونين
وبدورها أفادت السلطات في إقليم الحدود الشمالية الغربية، أنه مع احتدام القتال، فإنهم يتوقعون نزوح أكثر من مليوني شخص إضافي من منطقة سوات.
وكلما رفع حظر التجول أو سمحت الفرصة يسارع الآلاف من سكان سوات إلى الفرار من منازلهم راجلين أو راكبين.. الكل يفر باتجاه واحد إلى المخيمات القريبة في مردان.
"عكاظ" زارت مركز تشتلام الواقع في مدينة رستم والتي تبعد 15 كلم من بونير حيث النازحون يحملون ما تبقي من متاع. في هذا المركز لا توجد خيام، فافترش أكثر من 25 ألف لاجئ الأرض، وبثوا "عكاظ" شجونهم في قوالب مأساوية ومرعبة نتيجة الحرب الدائرة. وفي هذا المركز جلس الحاج فتح خان، وأسرته الكبيرة المكونة من ثمانية أفراد على الأرض، فيما تقاطر آلاف الفارين من ديارهم التي دمرتها طالبان.
ويروى خان أن منطقته التي يعيش فيها تعرضت للنهب والسرقة من قبل عصابات طالبان، موضحا أن هناك عصابات مندسة داخل صفوف طالبان تعمل على نشر الرعب بين المدنيين.
وانتقد عدد كبير من اللاجئين الذين التقتهم "عكاظ" القصور من قبل الحكومة التي لم تقدم يد العون أو المساعدة، بينما تؤكد إسلام آباد أنها رصدت (2.49 مليون دولار) لدعم النازحين. الحاج مزرا متوكل الذي ضاق ذرعا بعبء عشرين من أسرته وأقاربه معظمهم نساء وأطفال يتحمل مسؤوليتهم:"انظر إلى حالنا لقد وصلنا المخيم في تمام الساعة العاشرة مساء أمس، وها نحن بدون خيمة لليوم الثاني على التوالي".. بهذه الكلمات عبر متوكل عن جزء يسير من معاناته، مضيفا أنه راجع إدارة المخيم أربع مرات دون أن يجد آذانا صاغية.
طوابير طويلة من النازحين تمتد لأكثر من ثلاثين أو أربعين مترا أمام مكتب التسجيل في المخيم, ومعارك طاحنة أخرى يخوضها النازحون وأطفالهم أمام بوابة المطبخ للحصول على ما يسد الرمق، وأخرى للحصول على الخيام والفرش ومستلزمات الإقامة، بينما يبدو الوضع أكثر هدوءا عند محطات مياه الشرب.. هكذا تبدو أجواء مخيم جلالة في مدينة مردان.
تسجيل الأسماء في مردان
مسؤول في مؤسسة الخدمة في مخيم جلالة زرياب خان ذكر أن باب التسجيل في المخيم أقفل رغم استمرار النزوح، مضيفا أن الحكومة إذا لم تجد حلا سريعا للأزمة فإن الوضع قد يتحول إلى مأساة إنسانية أو كارثة يصعب السيطرة عليها.
وعلى صعيد الوضع الصحي تتواجد بعض العيادات المفتوحة في المخيم وسط ضغط كبير من النازحين عليها، ويقول أحد الأطباء المتطوعين سرنجام خان إن أمراضا مثل التهابات الجلد والإسهال تنتشر بين النازحين، وكان سرنجام قد عمل خلال زلزال عام 2005 في باكستان. ولكن الفرق بين الوضع الحالي والزلزال أن الأخير من صنع الله, وأما الأول فمن صنع البشر.
النازحون في مردان يتساءلون متى تضع الحرب أوزارها وهل سيعودون يوما إلى منازلهم.. هذا السؤال الذي لم نستطع الإجابة عليه.