الأمن الفكري أساس حماية الوطن والمجتمع من الأخطار الداخلية والخارجية

مثمنين دور المملكة في الاهتمام بهذه المؤتمرات.. مثقفون وأكاديميون:

الأمن الفكري أساس حماية الوطن والمجتمع من الأخطار الداخلية والخارجية

عبدالله الداني ـ جدة

أكد مختصون وباحثون في شؤون الفكر على أهمية الدور القيادي والريادي الذي تقوم به المملكة في لم شمل الأمة العربية والإسلامية وبسط السلام في العالم أجمع، وقالوا: إن إقامة مؤتمر الأمن الفكري الذي تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بعد غد بحضور وزراء الشؤون الإسلامية في العالم الإسلامي لهو دليل على الحرص الدؤوب لقائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي ينطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف في إرساء الفكر الوسطي المعتدل وتحقيق الأمن الفكري.. وطالب المشاركون في الاستطلاع الذي أجراه (الدين والحياة) الباحثين والمشاركين في المؤتمر الخروج بنتائج فعالة تصب في صالح الأمة الإسلامية والعربية. بداية أكد الكاتب والمهتم بشؤون الفكر الإسلامي الدكتور محمد بن علي الهرفي أن العالم كله يحتاج إلى الأمن الفكري، مستدلا بقول الله تعالى (لإيلاف قريش*إيلافهم رحلة الشتاء والصيف*فليعبدوا رب هذا البيت*الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فامتن الله على قريش ببسط الأمن وإرسائه.. وقال: إن المملكة أقامت عدة مؤتمرات حول هذه القضية، وكان أولها قبل خمس سنوات تقريبا وكان مؤتمرا عالميا عن مكافحة الإرهاب والآخر مؤتمر الأمن الفكري الذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، فالقضيتان قريبتان إلى بعضهما.
وأضاف: المؤتمر الذي سيرعاه خادم الحرمين الشريفين له خصوصية عن المؤتمرات السابقة وهذه الخصوصية تكمن في مشاركة وزراء الأوقاف الذين يشغلون منصبا هاما في العمل الإسلامي بغض النظر عن المسميات بين كل دولة وأخرى، وبالنسبة لنا نحن المسلمين إننا حينما نسمع قول الله تعالى أو أحكاما فقهية فإن تأثرنا يكون كبيرا.. هذا بالنسبة لعموم المسلمين وغالبيتهم، فالدين هو المحور الذي نرتكز عليه فوزراء الشؤون الإسلامية عليهم دور كبير جدا في ترسية الحس الأمني على مستوى الشباب والأسر وعامة الناس وخاصتهم وعلى مستوى الإعلام والتعليم، إن القضايا التي سيبحثها المؤتمر ستكون قضايا متنوعة، لكن في الغالب ستصب في ناحية كيف يمكن أن يكون شبابنا ونساؤنا ورجالنا يتمتعون بفكر يغلب عليه الحس الإسلامي الوسطي بحيث أننا لا نرغب في الإرهاب والتدمير، وبالمقابل لا نقبل أن يكون عندنا تهتك أو إباحية أو بغض لله ورسوله أو الإساءة للإسلام بأي نوع كان، ففي عالمنا العربي والإسلامي لدينا تجاوزات من الممكن إدراجها في الإرهاب الفكري وهي التي يفعلها أناس خارجون عن الإطار الإسلامي ويسيئون للدين بانتقادهم القرآن أو أحكاما معروفة وهي بالضرورة من الدين، أو استهزاء بالمسلمين وتصرفاتهم فهم في الحقيقة إنما يستفزون تيارا آخر من الشباب المسلمين الذين يرون أن الدين يهان وأنهم غير قادرين على الدفاع عنه إلا بالعنف، وللأسف فنحن بحاجة إلى أن نكون وسطيين.
إن وزارات الشؤون الإسلامية تحوي عددا من القطاعات الهامة ومنها المساجد والدعاة والخطباء، وأنه يجب أن يكون لهم دور كبير في الإعلام فدوره مهم جدا في توعية الناس، مع العلم أن الأمن الفكري ليس مسؤولية طرف واحد فلا ينبغي أن نلقي بالمهمة على خطباء المساجد مثلا أو نركز على التعليم وحده دون تكاتف من الجميع.
ويرى د. الهرفي أن رعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز لهذا المؤتمر تعتبر رمزا لأهمية هذا اللقاء، لافتا إلى أن للاقتصاد تأثيرا على الأمن، فنحن بحاجة ماسة إلى تغذية كافة الأطراف المساهمة في الأمن الفكري لأننا نحتاج إليه في كثير من أمور حياتنا وكذلك نحن نحتاج إلى الأمن الإعلامي والاقتصادي، وهذه كلها تنبع من الأمن الفكري.. وفي ختام حديثه قال: آمل من وزراء الشؤون الإسلامية أن يؤدوا دورا جيدا في هذا المجال، وستكون رعاية الملك لهذا المؤتمر لها ثمار كثيرة، وكذلك نأمل أن تفعل توصيات وأوراق عمل هذا المؤتمر لنرى آثارها تنعكس إيجابا على المستوى العربي والإسلامي ونستفيد منها.
رؤية شاملة
من جانبه أكد الكاتب السعودي شتيوي الغيثي أن الأمن الفكري في المجتمع السعودي يهدف إلى إعادة رؤية شاملة للحراك الإسلامي في المنطقة عامة، وليس في الداخل السعودي فقط، أو هذا ما يتضح من خلال المؤتمر، وعلى الرغم من اتساع مصطلح الأمن الفكري إلا أن قصره هنا على دور وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف في العالم الإسلامي ككل في تحقيقه أو تعزيزه ينم عن رؤية شمولية تجديدية للفكر الإسلامي وهو إحساس بعمق الأزمة الفكرية التي تمر على الخطاب الديني المحلي أو العربي والإسلامي. وأضاف: إن هذه الأزمة تتضح من خلال إشكالية التطرف الفكري والديني لدى القطاع الأعرض من شباب الإسلام ومعاداتهم أو مجافاتهم للقيم الحضارية والإنسانية، إضافة إلى أن إشكالية التأخر الحضاري والثقافي في البلدان الإسلامية كان أحد أسبابها الانغلاق الفكري والتمسك برؤى تقليدية ضيقة تجاه فهم الإسلام فهما حضاريا. والإحساس بالأزمة لم يأت هذه المرة من خارج الخطاب الإسلامي بل جاء من عمقه الرسمي والفكري، فقد جاء من محاولة تفعيل دور وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف بمعنى أنها خطوة إلى العمل على كل الفكر الديني الداخلي من خلال تجديده بحيث تكون المساجد هي منابره الفكرية والدينية التي من خلالها يمكن البدء بتجديد الفكر الإسلامي تجديدا ينزل إلى المستوى العام ولن يقتصر في المدونات الفكرية، فكما كانت منابر الجمعة وسيلة للضخ الإيديولوجي في سنوات الصحوة فإنها يمكن أن تعيد تصحيح مسارها في سنوات الإصلاح الشاملة التي تنتهجها الدولة لتبدأ في تجديد الفكر الإسلامي من الداخل والذي سوف ينسحب بلا شك على كافة مجريات حياتنا اليومية إذا ما تم العمل عليها بشكل صحيح ودقيق.
اهتمام المملكة
ويرى الكاتب السعودي وأحد المهتمين بالفكر سعود البلوي أنه في السنوات القليلة الماضية كثر الحديث عن قضية «الأمن الفكري» وأهمية هذا الجانب بعد موجة الإرهاب العاتية وأحداث التفجيرات الدامية التي عاشها المجتمع السعودي منذ 2003، فالمملكة لديها هم واهتمام إسلامي بهذا الموضوع من واقع تجربة، وهنا أنوه بدور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز حفظه الله الذي سيرعى المؤتمر بمشاركة وزراء الشؤون الإسلامية والأوقاف في العالم الإسلامي لبحث هذا الموضوع ومناقشته.
وقال عند الحديث عن هذه القضية: يجب أن نحاول أولا تحديد المفهوم، فقضية الأمن الفكري مرتبطة أساسا بقضية الأمن الوطني الذي يعني «حماية الوطن والمجتمع» من أي أخطار تهدده سواء داخلية أو خارجية. وبالنسبة لمجتمعنا ووطننا السعودي فإنه يعاني من خطر الإرهاب والفكر الديني المتزمت، حيث أصبح خطر تبني الشباب لهذا الفكر خطرا يهدد مؤسسات المجتمع قبل مؤسسات الدولة، وأول هذه المؤسسات: الأسرة. حيث أصبح انقلاب الأبناء على أهاليهم ومجتمعهم أمرا مقلقا وخصوصا أن معتنقي هذا الفكر ينطلقون من وجهة نظر يعتبرونها «إسلامية» وهنا تكمن المشكلة.. مبينا أن قضية الإسهام في معالجة هذا الخطر (الأمني) لا تقع فقط على عاتق مؤسسات الدولة كوزارة الداخلية أو وزارة الشؤون الإسلامية، إنما نحن كمواطنين شركاء في البحث عن الأسباب قبل البحث عن العلاج سواء كانت مواقعنا في مؤسسات الدولة أو مؤسسات المجتمع ككل، ولذلك أشير إلى أهمية إتاحة الفرصة للفكر المتسامح والمستنير سواء وصف ذلك الفكر بأنه إسلامي أو غير إسلامي، فالنقطة الجوهرية هي الانطلاق من الهم الوطني المتمثل في «الوطنية» و «المواطنة» لما فيه تقدم وطننا ومجتمعنا السعودي الذي نتفيأ جميعا ظلاله مهما اختلفت أفكارنا وأعراقنا ومذاهبنا ولهجاتنا واهتماماتنا الاجتماعية، وهنا يجب ألا يزايد أحدنا على الآخر، وأعتقد أن أهم الأولويات الآن هي الإيمان بوجود «الاختلاف» و «الحوار» وهذا ما يدعم الأمن الفكري ويضع التطرف على المحك.
أما بالنسبة لوزارات الشؤون الإسلامية، فأعتقد أنها تستطيع أن تؤدي دورا كبيرا في تعزيز الأمن الفكري من خلال ترسيخ المفاهيم على أرض الواقع، فالتسامح مثلا لا يكفي أن نأتي بأشخاص يتحدثون عنه بل يجب أن نسعى لتطبيقه فعليا، وخاصة في المنابر ذات الصبغة الإسلامية التي تجد آذانا صاغية جدا من مرتاديها الذين يتأثرون بالخطباء والدعاة أشد تأثر، وخاصة أن بعض الدعاة والفقهاء يسهمون في توسيع الفرقة بين أفراد المجتمع بآرائهم المتشددة.
ووزارة الشؤون الإسلامية السعودية لديها فرصة كبيرة جدا في ترسيخ الأمن الفكري من خلال مراقبة المنابر ومحاسبة الداعين إلى الفرقة والتشدد، ودعم الحوار وتفعيل مبدأ الاختلاف على أرض الواقع داخل الإطار الوطني.. ولتعزيز هذه الأفكار هي بحاجة إلى استراتيجيات جديدة بعيدة عن البيروقراطية والتواصل مع مختلف النخب الثقافية.