يا سمو الوزير ويا معالي الوزير

وليد احمد فتيحي

إن أحد عناصر وعوامل قوة أي دولة وشعب هي ازدياد نسبة الشباب عن المسنين وعندما تنظر إلى تاريخ كثير من الدول الغربية المتقدمة تجد أنها مرت بهذه المرحلة (مثل الولايات المتحدة الامريكية) واستخدمت هذه الحقبة الزمنية لبناء نهضتها، وبعد أربعة عقود أو يزيد انتقلت من مرحلة الشباب «Baby boom» إلى مرحلة ازدياد نسبة المسنين. إن الشعوب التي تعاني اقتصاديا بالرغم من أنها في مرحلة الشباب ستكون معاناتها مضاعفة عندما تدخل عقود الشيخوخة التي أصبحت حقيقة حتمية خاصة مع تطور علم الطب مما أدى إلى ارتفاع معدل العمر عند الوفاة ليصل إلى السبعينات والثمانينات.
وإنها لمصيبة كبرى عندما يصبح الشباب عبئا ثقيلا ولا ُيؤهل التأهيل الصحيح ويصبح إعداده عبئا وتفعيله عبئا وتوظيفه عبئا أكبر.
إن بلادنا تمر الآن بعقود الشباب ولن تطول هذه الحقبة وسننتقل شئنا أم أبينا في خلال ثلاثة عقود إلى مرحلة أخرى يزداد فيها عدد المسنين، وان الاستثمار الحقيقي في بلادنا في هذه المرحلة ليس في زيادة أرصدة البنوك أو في ارتفاع الأسهم ولا في الاحتياطي المالي العام بقدر ما يكون في زيادة الرصيد الجسدي العقلي النفسي في شباب هذا المجتمع وارتفاع قيمة الواحد منهم داخليا ودوليا في عصر العولمة.
فكل أموال الأرض في أيد لا تعرف كيف تستخدمها وتسخرها وتجندها في بناء مجتمعاتها سيكون وبالا على المجتمع ومعول هدم لا بناء.
ولذلك سيكون حديثي اليوم عن أهم استثمار في أي مجتمع، ألا وهو الاستثمار في صحة المجتمع بمفهومه الشامل من جسد وعقل وروح.
إن الدول المتقدمة تصرف ما بين (8ــ16في المائة) من دخلها القومي على الصحة في حين نصرف في بلادنا مايقل عن (5في المائة)، وقد فكرت كثيرا ما هي أنجح وأسرع وأفضل طريقة لنشر الوعي الصحي السليم في المجتمعات وخاصة المجتمعات الشابة مثل مجتمعاتنا هذه التي مازالت في فترة الشباب علما بأن معظم ما يصرف على الصحة يمكن تفاديه بالوقاية وانتشار الوعي الصحي واتباع أسلوب حياة صحي.
فالريال الذي يصرف اليوم في الوقاية يمكن أن يوفر عشرات الريالات بل مئات الريالات في معالجة تبعات ومضاعفات هذه الأمراض، وهذا ما تبينه الدراسات، فعلى سبيل المثال وجد أن صرف 248 مليون دولار في البرامج التوعوية لمحاربة التدخين في أمريكا وفر خمسة بلايين دولار في الأمراض الناجمة عن التدخين وذلك لحماية 450 ألف شخص من أن يصبحوا مدخنين، أي كل دولار يوفر 22 دولارا (22 ضعفا)، وقد وصلت إلى قناعة أن أنجع وأسرع طريقة هي تحريك هذا الجيش من الأطفال والطلبة والشباب لتغيير مجتمعاتهم ليصبحوا هم الضمير الحي لكل عائلة ويصبحوا هم المعلم والمدرس في البيت والشارع والسوق.. ولكن كيف يتم ذلك؟
إنني أؤمن بأن وضع منهج قوي نظري وميداني للتربية الصحية ينفق عليه بإغداق ويصبح هذا المنهج منهجا رئيسيا في المدارس يبدأ في مرحلة الابتدائية ويتدرج في عمقه وتفاصيله والجزء العملي منه والميداني لمرحلة الثانوية ويختبر فيه الطلبة تحريريا (لايتم إنجاح أي طالب لم ينجح في هذه المادة وإن نجح في كل المواد الأخرى)، واستنفار أفضل الكوادر في هذا المجال وإخراجها من منظومة وشروط السعودة. إننا إن نجحنا في تطبيق مثل هذ المنهج فإننا سنفعل أكثر من ربع المجتمع خمسة ملايين من المجتمع كسفراء في كل بيت وكل شارع وكل سوق وكل مسجد ليصبحوا ضمير هذا المجتمع.
نعم .. لنجعل من أبنائنا أساتذة لنا.. ليصححوا طريقة حياتنا إن كانت غير صحية.
لنجعل طالب الابتدائي يفهم كيف يؤذيه استنشاق دخان المدخنين (التدخين السلبي) والأمراض التي ستصيبه من جراء استنشاقه لدخان الكبار الذين يجلسون معه ويطالب بحقه في استنشاق هواء نقي نظيف، ولنجعل الطالب والطالبة في المرحلة الإعدادية يغيرون طريقة التغذية في بيوتهم، ولنجعل الطالب في الثانوية يدرك كل الإدراك منذ مراحله الأولى ماذا يعني التدخين له وكيف يدمره وماذا تعني المخدرات وكيف ستنهي حياته إن سلك هذا الطريق، ولنجعل طالب وطالبة الثانوية على إدراك تام بخطورة ممارسة الجنس خارج الإطار الشرعي والتبعات المترتبة عليه من أمراض نفسية وجسدية فتاكة وفاضحة، ولنجعل كل طالب وطالبة مؤهلين لإجراء الاسعافات الأولية فبدلا من أن نجد عشرات الشباب يوقفون سيارتهم للتفرج ويحيطون بإنسان يموت أمامهم بعد حادث سيارة أوسقوط من عمارة نجد شبابنا وشاباتنا يوقفون سياراتهم ويخرجون ليتنافسوا من منهم سيكتب له اليوم أن يحيي نفسا تفعيلا لقول الله تعالى «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».
ويدعم المنهج بزيارات ميدانية للمستشفيات ومرضى يحكون قصة حياتهم ومعاناتهم من جراء التقصير والإهمال في الأخذ بأسباب السلامة والصحة وما أكثر هؤلاء الذين يحبون أن يجعلوا من مأساتهم دروسا لغيرهم ليكسبوا أجر عرض العبرة لغيرهم وإرضاء ربهم.
وقد يكون من المناسب تصحيح كثير من السلوكيات الخاطئة غير الصحية في المجتمع مثل إلقاء النفايات في الشارع والبصق في الأماكن العامة وإلقاء أعقاب السجائر وإهمال الأخذ بشروط السلامة في قيادة السيارة، ومرة أخرى الزيارات الميدانية إلى المستشفيات ومرضى أصيبوا بعواقب وخيمة من جراء هذا الإهمال تصل إلى الشلل الرباعي وهم في مقتبل العمر. يا سمو وزير التربية والتعليم ويا معالي وزير الصحة:
لو لم أعلم من أخاطب لم أكن لأكتب عن هذا المشروع الآن وهو في عقلي يعمل منذ أعوام طويلة ولكني أجد أنكما خير من يتبنى مثل هذا المشروع الحضاري لمعرفتي الجيدة بكما وإنني أتطوع أن أكون جنديا في هذا المشروع الذي هو جزء رئيسي في صناعة المواطن الصحيح الصالح وتفعيل التطبيق الصحيح لمعنى المواطنة على أرض الواقع.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير لوطننا الغالي.
طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة
والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa








للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة