«فحولة» المتشددين

كاظم الشبيب

هزني بعنف ما نقلته إحدى الصحف يوم الأربعاء قبل الماضي عن إقدام أب على تعذيب ابنته بسلك كهربائي، وكان للصورة المرفقة بالخبر ما يثير الحمية في وجدان المتلقي. لا يمكن فصل هذه الصورة بمعزل عن أخبار متنوعة وكثيرة تعكس حقيقة ما يستبطنه الواحد منا من ثقافة مغلوطة وقيم متحجرة وأعراف ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن بعضها يصطدم مع ما يراد به من خير للوطن والمواطن كقول أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الوحدة الوطنية الدكتور عبد الرحمن بن محمد عسيري: إن جهات مجتمعية تنظر إلى الاحتفاء باليوم الوطني على أنه عبث في الأمن العام ويتنافى مع المعتقدات الدينية! كما نشرته الصحافة المحلية قبل أسبوعين.
نتشدد في التمسك الحرفي والظاهري عند كل أداة أو وسيلة أو دائرة نشرف عليها أو مكننا الله من إدارتها. إذا تصدينا للفتوى نتشدد، ويكفي الواحد منا التقلب بين الفضائيات ليشاهد التناقض الصارخ بين كل فتوى متشددة وأختها. إذا كنا مديرين تشددنا. إذا تصدينا لإدارة منازلنا «استفحلنا» التشدد وامتطيناه. المدرس يتشدد في تعامله مع التلاميذ. رجل المرور يتشدد في سلوكه مع الناس. القاضي يتشدد في تعامله مع المتقاضين أو الخصوم. تتشدد أهل القبيلة برفض تزويج بناتهم إلا لأبناء القبيلة ذاتها، ورفض زواج أبناء القبيلة من بنات غير القبيلة.
يكاد المرء من جل تلك الشواهد أن يقتنع بأنه يعيش في دوامة من التشدد لا تنتهي. وهي بالفعل كذلك، لأننا نعيش ونتنفس من ثقافة التشدد وعلى مستوياتنا العمرية وشرائحنا الاجتماعية المختلفة، فالوزير يتشدد أمام الوكلاء ومديري الدوائر، ثم يتشدد هؤلاء بدورهم على المنسوبين لدوائرهم، وبالتالي تتوالى درجات التشدد لتصل إلى المنازل والأسر والأبناء الذين يعكسون التشدد الذي ينتابهم على أقرانهم في المدارس والمجتمع والشارع. ولن تكون آخر تلك الصور التشدد الجاري ضد ممارسة المرأة للرياضة الذي تدور رحاه في الوسائل الإعلامية حاليا.
كل ذلك يساهم في استمرار حياة وثقافة التشدد. بمعنى آخر الاستغراق في التكيف العام مع البيئة العامة للتشدد، وهو ما قد يستجيب لرغبات بعض الرجال لتعزيز «الفحولة» عبر اتخاذ سفينة التشدد أمام أهل بيته ومجتمعه ومحيطه.. وبالتالي هذه البيئة المتشددة وتلك الثقافة المنتشرة للتشدد، إذا تكيف أبناء المجتمع معهما، سيفضيان إلى سلوكيات قاسية ومظاهر اجتماعية قد يندهش بعضنا عندما يسمع عنها أو يتابع أخبارها لحدتها وخروجها عن إنسانيتها الطبيعية، بينما هي نتاج طبيعي لتلك الثقافة والبيئة المتشددين، لأن «كل إناء بالذي فيه ينضح».
الأخطر في هذا الموضوع، وهو مربط الفرس كما يقولون، استمرار المجتمع والفرد في قبولهما الظاهري لثقافة وبيئة التشدد، أي «التكيف» مع مظاهرهما، بخاصة عندما تصدر تلك الممارسات من الأقرب فالأقرب، بينما المطلوب رفض كل تصرف متشدد حتى لو صدر من أقرب الناس إلينا. لذا لا نلوم إلا أنفسنا عندما تجتاح العالم موجة إعلامية عارمة ضدنا لتؤكد على أن مجتمعنا يصدر ويفرخ الإرهاب والإرهابيين بسبب تشددنا الأولي ضد أنفسنا. أعاننا الله على أنفسنا لترويضها كي لا تطلب «الفحولة» بالتشدد، وأعان الله مجتمعنا كي لا يستقوي بعضنا على بعض بالتشدد، ومن ثم إعمال العقل الفردي والجماعي لمحاربة الفكر المتشدد والسلوكيات المتشددة. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة