امــرأة مــن الكــريســتال

صلاح الدين الدكاك

* تنتهي مطاردة الرجل للمرأة بدخولها قفص الزوجية، فيما تبدأ هي بمطاردته لحظة خروجه إلى الشارع عقب انقضاء آخر يوم في شهر العسل.
هو يبحث عنها ليضعها تحت سقفه، ويغادر، لتشرع هي بالبحث عنه تحت وفوق سقوف الجيران والأصدقاء والمعارف.
يقول لها قبل الارتباط سأجن إن لم تجيبي بـ «أحبك»، وبعد الارتباط: سأجن إن لم تكفي عن السؤال «هل تحبني؟! ».
خاتم الخطوبة في إصبعه يتحول إلى مشنقة على عنق الحب، بينما تنظر إليه هي باعتباره طوق محبة ونافذة حياة.
ـ وفي النصوص المدرسية والمأثور الشعبي وأغاني الأفراح، تمتد سلسلة طويلة من الوصايا التي يتحتم على الزوجة أن تتحزم بها طيلة الحياة ؛ كأن تعيش في ثياب السهرة ـ على الدوام ـ وتحرس أنف الزوج وعينيه من رائحة البصل ومريلة المطبخ .. لكن لاشيء بين هذه الوصايا الأحادية القطب، يحث الرجل على أن يتخفف من شروط الشهريار، ويتكيف مع الأطوار اليومية للمرأة، ويطالع فيها أبعادا إنسانية أخرى لا يشوِّش عليها دخان الطبخ.
لا وجود للمرأة التي يتغنى بها الأدب العربي على الواقع . إنها كائن ورقي يولد ويترعرع ويتأبد في بحيرة من الحبر، وفي الشق الفارغ من دماغ الأديب والشاعر والرجل العادي .. الشق المفتوح بلا منطق ولا ضوابط ، على الأخيلة والتهويمات.
ـ خارج هذا الدورق الشعري الشفيف والهش، لن تعثر سوى على كائنات تعيسة تعيش لتتملق مزاج الرجل، وتفرز جواربه بحسب اللون والمقاس والماركة، وتتآكل أصابعها في البحث عن الوجبة التي تجعله «يأكل أصابعه وراءها».
ـ اقتران الرجل بالمرأة في إطار علاقة منطقية واقعية، لا يصب في مصلحة الشعر، فهذا الأخير يستمد ديمومته وازدهاره، من الفراق والصد والهجر والجفاء والبعد واستحالة اللقاء و .. من «الإبحار دون سفينة وشعورنا أن اللقاء محال» كما يقول قـبَّـانــي . تلك هي «الشعرية والنسق الشعري» كما يسميها المفكر «عبد الله الغذامي»، وينتقدها بشدة في العقل العربي.
ـ من السهل ـ إذن ـ اكتشاف لماذا كانت أعظم قصص العشق، هي تلك التي لا تنتهي باقتران طرفي العلاقة ؟! . ولو أن ملحمة «قــيـس» كللت بالزواج، لكان الجنون من نصيب «ليلــى»!.
Salah_Aldkak@yahoo.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 216 مسافة ثم الرسالة