افتتاح أكبر مركز حضاري إسلامي في أمريكا

وليد احمد فتيحي

مرت قرابة عقدين من الزمان منذ بدأت الجمعية الإسلامية في بوسطن رحلتها في إنشاء أكبر مركز حضاري إسلامي في أمريكا في مدينة بوسطن.
وكتب الله بفضله أن يتم المشروع ويرتفع الأذان لأول مرة في مدينة بوسطن في السادس والعشرين من شهر يونيو لعام 2009م.
مرت الأيام والسنون، ومرت معها كل ذكريات المعاناة والتحديات المادية والقانونية وكل من وقف في وجه بناء بيت الله، وقد كتبت عن المشروع في مراحله الأولى مقالا في الثامن والعشرين من شهر ديسمبر لعام 1999م وآخر عام 2000م.
إنها قصة نجاح لابد أن تسجل للتاريخ عبرة ودرسا ونموذجا يحتذى به، بداية متواضعة للجمعية الإسلامية في بوسطن في حجرة صغيرة كانت تحجز لإقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والدروس الأسبوعية منذ عام 1981م.
ثم انتقلت الجمعية إلى موقع بين جامعتي هارفرد وMIT، وقدمت نشاطات ثقافية وإعلامية وتربوية واجتماعية مشهودا بها في بوسطن، حتى أنها اكتسبت ثقة ودعم الجاليات الإسلامية وغير الإسلامية لتصبح الجهة الرسمية المتحدثة باسم المسلمين في الولاية، وبذلك نجحت الجمعية لأول مرة في تاريخ أمريكا في الحصول على أرض تقع في قلب المدينة على بعد دقائق من الجامعات الكبرى مثل هارفرد وMIT والمدينة الطبية.
ومدينة بوسطن ليست كباقي مدن أمريكا، فهي تعد أم المدن الأمريكية، فمنها انطلق التاريخ الأمريكي ولها فضل على سائر المدن الأمريكية الأخرى، باعتبارها مدينة الفكر والعلم والثقافة وخاصة في مجال الطب والعلوم والقانون والاقتصاد والتربية التي تشتهر بها جامعاتها.
وقررت الجمعية منذ أكثر من عقد من الزمن بناء مركز حضاري إسلامي متكامل من مسجد ومركز للثقافة والدعوة والإعلام ومدرسة، واستطاعت الجمعية الإسلامية مد جسور وثيقة مع أمين مدينة بوسطن (توماس منينيو Thomas Menino) الذي أصبح على مدى عقد من الزمن داعما ومؤيدا للمشروع ومدافعا عنه ضد كل من حاول ايقاف المشروع في مراحله المختلفة.
ويعد موقع المركز الحضاري الإسلامي موقعا استراتيجيا ومن المواقع الأعلى ثمنا في بوسطن نظرا لقربه من سبعة مستشفيات عالمية تقع في شارع واحد، والتي يتدرب فيها طلبة كلية جامعة هارفرد للصحة العامة ومؤسسات أخرى عديدة كلها تقع على بعد دقائق مشيا على الأقدام.
نعم.. مرت الأيام والسنون ومرت معها كل ذكريات المعاناة والتحديات المادية والقانونية والهجوم الإعلامي الشرس الموجه، مر كل ذلك وارتفع الأذان لأول مرة في بوسطن يوم السادس والعشرين من شهر يونيو لعام 2009م.
وتحققت كلمة أخي الذي قال لي قبل عقد من الزمن عندما اشتدت الأزمة حولنا وتكالبت علينا المحن والمعاناة من كل مكان: «ما بدأ بناء بيت من بيوت الله إلا وانتهى واكتمل.. سنة الله في الأرض» وقد تحقق ذلك وتم.
وهذا المشروع هو نقلة تاريخية لمسلمي أمريكا، كلف ما يربو على أربعة عشر مليون دولار، وهو مركز حضاري شامل سيمثل بإذن الله حضارة الإسلام وثقافته، فهو مركز لحوار الأديان وفيه مكتبة ثقافية جامعة ومركز تعليمي بالتعاون مع جامعتي هارفرد وروكسبري، وفيه قاعات متعددة للنشاطات الاجتماعية والمؤتمرات والمحاضرات مزودة بأجهزة عرض مرئية حديثة.
وبشهادة الجميع يعتبر هذا المركز الشامخ بتصميمه الإسلامي البديع الذي صممه الدكتور سامي عنقاوي هو سابقة إسلامية في أمريكا، ليس فقط في مظهره أو موقعه، إنما أيضا في مضمونه كنموذج حي لرسالة الإسلام الشاملة في الغرب متجسما في محاوره الخمسة من: توحيد المسلمين وإبراز عالمية الإسلام ودعم المسلمين وتقويتهم سياسيا والتنسيق مع أهم وأعرق الجامعات الأمريكية وتوصيل رسالة الإسلام إلى مئات التيارات الدينية وخدمة المجتمع وحماية الشباب.
ولهذا أصبح المركز بفضل الله محط اهتمام وسائل الإعلام والمسؤولين في المنطقة، ففي سابقة هي الأولى من نوعها اجتمع في السابع والعشرين من يونيو لعام 2008م أكثر من مائتي قائد ديني ممثلين لحوالى خمسين مؤسسة دينية يعلنون مساندتهم ودعمهم للمشروع التاريخي، وقد عرف هذا اليوم بيوم «التضامن»، وكان من بين الحاضرين نائب ممثل لبابا الفاتيكان، والمدير التنفيذي للمجلس الكنائسي لولاية ماساتشوستس ممثلا لأكثر من ألف وسبعمائة كنيسة وقيادات المسيحيين السود والعديد من الحاخامات السياسيين، كلهم جاءوا دعما للمشروع والجالية المسلمة في بوسطن، في مناسبة تناقلتها عديد من الصحف الأمريكية ونقلت محطات التلفزيون الأمريكي وقائعها، ولقد كان هذا الحدث فرصة ذهبية لدعوة الآلاف من غير المسلمين لزيارة المركز والتعرف على الدين الإسلامي الحنيف من خلال اتباعه ومؤسساته بدلا من وسائل الإعلام التي لا تنفك تظهر الإسلام والمسلمين بصورة سلبية.
وقد حضر تدشين المركز الحضاري الإسلامي بتاريخ السادس والعشرين من شهر يونيو لعام 2009م السيد (كيث إليسون Keith Ellison) أول عضو كونجرس مسلم ممثلا لاتجاه الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما الذي ألقى كلمة خلال الحفل أكد فيها على أهمية دور هذا المركز في تجسيد الحرية الدينية كحق مكتسب لكل مواطن في أمريكا على اختلاف عرفه أو جنسه.
ومن جهته خاطب حاكم ولاية ماساتشوستس (ديفال باتريك Deval Patrick) الحاضرين من خلال رسالة تلفزيونية أكد فيها على دعمه هذا المشروع منذ انطلاقه واصفا إياه «محطة مهمة» في تأصيل ضمان حرية الأديان في الولايات المتحدة، وعندما قص (توماس منينيو Thomas Menino) عمدة مدينة بوسطن شريط الاحتفال قال: «إني فخور بوجودي معكم اليوم»، وأكد دعمه للمركز وسعادته بما حقق على مدى عقد من الزمن.
وحضر الافتتاح آلاف، منهم عشرات الممثلين الحكوميين بأمريكا الذين أكدوا استمرار دعمهم وتأييدهم للمشروع.
ما أحوجنا كمسلمين في الغرب لدعم هذا المركز الحضاري الإسلامي للتعريف بالإسلام العالمي الشامل في ظل الهجمات الدعائية الشرسة المتلاحقة ضد الإسلام والمسلمين.
كتب الله الأجر والثواب لمن ساهم في بناء المشروع على مدى عقد من الزمن ووفق الله كل من سيساهم في دعم المشروع وبرامجه في مرحلته القادمة ليحقق الغاية والهدف من بنائه.



للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة