أبكيت شخصيات وقتلتني الوحدة وذهبت ضحية المعجبين

رفضوا التجديد لي رغم رغبتي في البقاء.. العائد إلى المايكروفون المذيع غالب كامل لـ «عكاظ»:

أبكيت شخصيات وقتلتني الوحدة وذهبت ضحية المعجبين

حوار : بدر الغانمي

يبدو أن الطعنات التي أصابت قلب المذيع السعودي غالب كامل كانت أقوى من المرض الذي تراجع شبحه والخوف منه أخيرا.. فالرجل الذي التقيته في عمان ظل وفيا لعشقه الأبدي لكنه لم يعد قادرا على إخفاء جروحه بعد أن أجبر على التقاعد والابتعاد عن المايكروفون بجرة قلم.. ظل يلعب بكلماته على خطوط التماس دون أن يقترب من مناطق الانفجار ففهمت من حديثه أن في الفم ماء كثير، وأن بيده أحجارا يمكن أن تحرك المياه الراكدة في الإذاعة والتلفزيون.. حديث أتركه ينساب إليكم بكل إشاراته وعناوينه التي قد يلاحظها البعض وقد يغفلها البعض الآخر، لكنها ستظل تعبر عن مرحلة من أهم مراحل الإعلام السعودي في مجال الإذاعة والتلفزيون، مبتدئا معه بسؤال الشارع السعودي عن أسباب مرضه وقصة اختفائه أو هروبه..

• لم نعرف أسباب مرضك حتى الآن؟
أساس المرض تقصيري في علاج لفحة هواء تطورت إلى فيروس لم يجد مقاومة من الرئتين بسبب اختراقها من فترة سابقة بسبب التدخين فأصبحت الرئة معطلة.
• البعض فسر بقاءك في عمان بحالة هروب؟
هذا غير صحيح فوجودي في الأردن نتيجة لنصائح بعض الأطباء لتغيير جو الرياض وكنت قد جربت الذهاب إلى المدينة المنورة، ومكثت فيها سنة كاملة، لكنني اضطررت لدخول المستشفى مرتين بسبب صعوبة الجو فعدت إلى الرياض في الصيف ولكنني دخلت المستشفى مرة أخرى، فجاءتني النصيحة بالبحث عن جو معتدل في بلاد الشام فاخترت المجيء إلى عمان؛ لأنها أقرب المناطق إلى المملكة ولقرب البيئة الاجتماعية ولوجود بعض الأقارب والأصدقاء الذين كانوا معي في الإعلام ورجعوا إلى الأردن مما أوجد لي سلوى هناك ومنهم محمد أمين ـ رحمه الله ـ وغالب الحديدي وعلي غرايبة وسلام محاسنة، والحقيقة أنني شعرت بتحسن كبير بعد ثلاثة أشهر فأصبحت أقضي الصيف في عمان والشتاء في الرياض، ولكنني تعرضت لنكسة أخرى فاضطررت لدخول المستشفى في الرياض لمدة شهرين فنصحني الأطباء بأن أستمر في أجواء الأردن، وساعدني البرنامج الغذائي الذي عملته لإنقاص وزني في التخلص من السمنة الزائدة، كما أصبح التدخين عدوي الأول في البيت وخارج البيت ورحم الله الشيخ بن باز الذي كان يقول عنه: إنه عمل مخز. كذلك تخلصت بفضل الله من عدوي الثاني وهو الغضب بعد أن مرت بي أحداث عملية ومنزلية بسبب ذلك.
• هل هذه أسباب توقفك عن العمل الإعلامي؟
لا، أنا بقيت لمدة سنة بعد تقاعدي أتعاون مع مجلس التعاون في الرياض، كما تعاونت نصف سنة مع أخبار التلفزيون، ثم ذهبت للمدينة المنورة وعملت من خلال تلفزيونها ثم توقفت.
• وهل يتقاعد الإعلامي يا أبا سائد؟
في التلفزيونات الحكومية ـ مثل التلفزيون السعودي الذي يطبق فيه كادر الخدمة المدنية ـ فإن بلوغك سن التقاعد يعني أن تتقاعد مهما كانت إمكانياتك.
• حتى ولو لم يوجد البديل ؟
إذا لم يوجد البديل فهناك ظروف خاصة فلان يجدد له وآخر لايجدد له وهذه كانت تعود للعلاقات الشخصية مع مكتب الوزير السابق.
• بمعنى أن علاقتك لم تكن جيدة معهم؟
كنت أؤدي عملي كما ينبغي وهم اتخذوا إجراء قانونيا نظاميا تجاهي.
• كان يمكن أن تستثنى؟
بالطبع، والدليل على ذلك أن وكيل الوزارة للشؤون الإعلامية الدكتور عبد الله الجاسر كتب عدة خطابات في هذا الشأن ولم يكن لدي مانع للتجديد، ورفعت هذه الخطابات واتصل هو شخصيا أكثر من مرة، فجاءته الإجابة بأن أوراقي لم تعرض حتى الآن إلى أن جاءت أوراق التقاعد من الخدمة المدنية ولم يكن لي خيار آخر.
• لا شك أنها آلمتك كثيرا؟
تأثرت بهذا الموقف بعد السنوات الطويلة من العمل الشاق والمضني، ولكنني بقيت متعاونا بالمجان مع التلفزيون إلى أن تركت العمل بسبب المرض.
• هذا وأنت من مؤسسي التلفزيون؟
إيه والله.. وكان معي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي وبدر كريم وعبد الله راجح وكذلك كان وزير الإعلام الأسبق الشيخ جميل الحجيلان وهو رجل إعلامي من الطراز الأول، وهؤلاء أعتبرهم أساتذتي كما وجدت أمامي أيضا محمد حيدر مشيخ ومحمد صبيحي ثم لحق بنا عبد الرحمن يغمور الذي كان يعمل في البرامج التمثيلية ثم تحول إلى مذيع.
• تقاعدت على أي مرتبة وظيفية؟
عن هذه حدث ولا حرج فأنا عينت عام 1401هـ بعد أن حصلت على المواطنة بالمرتبة التاسعة مذيعا في التلفزيون؛ لعدم وجود شواغر في المرتبة العاشرة التي كنت أستحقها قياسا لشهاداتي وخبراتي العملية، وتمت إحالتي إلى التقاعد على المرتبة العاشرة عام 1420 هـ بنصف راتب تقاعدي لايتجاوز 7000 آلاف ريال وهذه مأساة لوحدها، ولو طبق علي نظام الترقية في الخدمة المدنية بشكل سليم لكنت خرجت بالمرتبة الرابعة عشرة.
• لهذه الدرجة؟
يكون في علمك أن بعض المذيعين أصبحوا يتسابقون على وظيفة محاسب أو إداري من أجل الترقية، وهذا أمر فيه ظلم للقدرات الإعلامية.
• مع بداية التلفزيون عام 1385هـ انتقلت إليه سريعا؟
لا، تم اختيار مجموعة من المذيعين للتلفزيون مع تواجدهم في الإذاعة، وكان معنا خالد التويجري ثم جاء محمد الرشيد، وبعد أن عين فوزان الفوزان مديرا للتلفزيون طلب تعييني مديرا تنفيذيا فكنت أختبر المذيعين الجدد مثل عبد الله حمزة وحامد الغامدي إضافة إلى من أشرفنا عليهم في الإذاعة.
• لكنك لم تدرس الإعلام بتاتا كما أعرف؟
بدأت خطواتي في الإذاعة بشهادة الثانوية العامة، وكنت راغبا في إكمال دراستي الجامعية في مصر، بينما كان الوالد حريصا على أن أدرس في تركيا أو سوريا؛ ليكون مطمئنا لقربي منه حيث كان يسافر للتجارة إلى هذين البلدين ولكنني اعتذرت منه ـ رحمه الله، وأدرك الوالد نيتي المبيتة في حب الإعلام، ووسط هذه التفاعلات تولدت في داخلي تطلعات حب التعبير والإلقاء، فأخذت أنميها من خلال قراءة الواجبات المنزلية بصوت جهوري ثم القراءة من الصحف والمجلات.. وتطور الأمر إلى شراء آلة تسجيل كان ثمنها في تلك الأيام إرهاقا لميزانية الوالد ولم يكن في جيلنا من يتجرأ على مخاطبة والده مباشرة، فصارحت والدتي ـ رحمها الله ـ لتدبير الأمر فوافق والدي بشرط أن أحصل على درجات ممتازة، وفعلا نفذت طلبه وأصبح المسجل صديقي الدائم للوصول إلى عالم الإعلام، وفي تلك الفترة كنت أتواصل بالاستماع إلى تجارب فنية كانت تجرى وتبث من إذاعة الرياض.. ويطلب من المستمعين إرسال آرائهم حول مدى سماع الإذاعة ووضوح الصوت.. وكنت آنذاك في دولة الكويت التي شكلت جزءا مهما في هذه المرحلة عندما سجلت متعاونا مع إذاعة الكويت، فأرسلت رسالة من هناك لإذاعة الرياض أبديت فيها رأيي ورغبتي في العمل في هذه الإذاعة الفتية.. وكم سعدت أن يأتيني بعد أسبوعين خطاب من مدير عام الإذاعة السعودية في جدة الأستاذ عباس فائق غزاوي ـ رحمه الله ـ متضمنا شكره وطلب مني إرسال شهاداتي العلمية وتسجيل صوتي في استديو إذاعي، فأتممت ذلك بإشراف الزميل حمد المؤمن ـ رحمه الله ـ كبير المذيعين الكويتيين آنذاك، والذي كنت معجبا بصوته وإلقائه، كما كنت معجباً بجلال معوض أيضاً وبعدها جاءت الموافقة على تعييني مذيعا في إذاعة الرياض.
• في هذه الفترة كنت متزوجا برغبة الأهل فكيف تخلصت من قيود الوالد؟
اشترط علي ـ رحمه الله ـ ألا أعمل إلا في إذاعة المملكة العربية السعودية لثقته واطمئنانه على سلامة الإعلام السعودي، وظللت وفيا للتلفزيون والإذاعة السعودية وما زلت إلى الآن رغم العروض التي جاءتني من قنوات فضائية ومحطات إذاعية عربية وعلى رأسها الـ«إم. بي. سي» حيث عرض علي الشيخ وليد البراهيم إدارة إذاعة الـ«إف. إم» في لندن إلا أنني اعتذرت منه، ولو كنت أعلم بعد أن استلم الموقع جورج قرداحي أنني كنت سأقدم البرنامج الشهير (من سيربح المليون) لكنت طلبت إعارة لمد سنة أو سنتين من أجل هذا البرنامج فقط، لما له من شهرة عالمية ولكنها الأرزاق.
• مع أن الكثير من المذيعين ينتظر فرصة الهروب من التلفزيونات الحكومية حاليا؟
ما يحصل عليه المذيع في الإعلام الرسمي بالمقارنة مع التلفزيونات التجارية لا يصل لنسبة 5 % وهذا ما يستدعي إلى هروب المذيعين وبالمناسبة فقد كنت أقدم برنامج (لقاء على الهواء)، وكانت تدعمه شركة تتولى إنتاجه والصرف عليه، فكنت أتقاضى كمذيع رسمي 3750 ريالا في مقابل الحلقة فيما كان زميلي الذي سبقني جاسم العثمان يتقاضى سبعة آلاف ريال؛ لأنه مذيع من الخارج وقارن هذا المبلغ الزهيد بما يتقاضاه جورج قرداحي عن الحلقة الواحدة من برنامج (من سيربح المليون) والتي بدأت بستين ألف دولار عن الحلقة وانتهت إلى مائة ألف دولار.
• وواصلت دراستك الجامعية؟
بالانتساب وحصلت على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة الاسكندرية عن طريق فرعها في جامعة بيروت العربية في لبنان، كما وضعت قدما في رسالة الماجستير في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ولكنهم اشترطوا علي نسبة حضور لا تقل عن 75 % فتوقفت عن هذا الطموح لانشغالي بالتزامات عملية وعائلية ذلك الوقت.
• وهل لديك القدرة حاليا على العودة إلى المايكروفون؟
أنا أتوق إلى ذلك الآن بعد أن تحسنت صحتي كثيرا.
• وهل ستعود للتلفزيون السعودي؟
ما زلت وفيا له إلى الآن ويكفي أن أحقق رغبة والدي.
• مع أن البعض يرى أن تستثمر تجربتك الطويلة من خلال تلفزيون تجاري؟
أنا بطبيعتي قنوع ولدي ارتباط وحنين لا ينقطع مع التلفزيون السعودي، وما زلت حتى الآن أتابع كل برامجه يوميا، وهذا الجانب من الوفاء والارتباط يذكرني بموقف الزميل العزيز ماجد الشبل شافاه الله بعد إصابته بالجلطة إذ أصر على أن يأتي إلى التلفزيون على كرسي متحرك لكي يقرأ نشرة الأخبار ولم يتوقف إلا بعد أن اشتد عليه المرض.
• كل هذا الإخلاص ويأتيك التكريم من مهرجان القاهرة للإعلام العربي؟
أنا منصف من الناس وهذا يكفيني، ولا أخفيك أننا كرمنا بساعات ودروع من قبل الوزير، ولكنني سأظل أطالب وهذا الكلام سبق لي كتابته في الصحف بأن يكون هناك كادر خاص بالإعلاميين من صحفيين ومذيعين، بحيث يميزوا في التعامل ليبدعوا في مجال عملهم، ولاحظ مثلا علي الظفيري مذيع قناة الجزيرة حاليا وهو من آخر من دربناهم، فمثل هذه المواهب إذا لم تجد الرعاية تخرج سريعا..
• وجدت فرصتك سريعا في التلفزيون ؟
يا بدر كان فيه فطاحلة قبلي (عبدالرحمن الشبيلي وعلي النجعي ومحمد كامل خطاب ومحمد عبد الكريم (عراقي) ومحمد حيدر مشيخ ومحمد صبيحي وبدر كريم وزهير الأيوبي ثم ماجد الشبل، لكنني كنت عاشقا للعمل وأقضي في الاستديو مابين 14 إلى 16 ساعة يوميا وتصور أنني في تلك الفترة كنت أعد وأنفذ أربعة برامج إذاعية وبرنامجين تلفزيونيين، إضافة إلى النشرات الإخبارية في الإذاعة والتلفزيون.
• وأول راتب استلمته كمذيع؟
ألف ريال وكانت الخمسين ريالا في تلك الفترة تعبئ السيارة بالخضار والفواكه واللحم.
• وأول مهمة رسمية لك كمذيع؟
بدأت في الداخل أولا فكنت أغطي جميع مناسبات الملك فيصل ــ رحمه الله ــ في الرياض وبدر كريم يغطيها في جدة وكان هو المرافق الدائم خارجيا مع جلالته في أسفاره، كما هو سليمان العيسى حاليا مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، ولكن أصبح داخليا وخارجيا.
• كانت لك صلة قوية بالملك فيصل ــ رحمه الله؟
كان يحبني كثيرا، ولي مع جلالته مواقف لا تنسى، ففي يوم افتتاحه لكلية القيادة والأركان في شارع المطار سابقا (الملك عبدالعزيز حاليا) في الرياض بدأ جلالته بكتابة كلمة في سجل الزيارات بعد أن انتهى من جولته بالكلية فكتب (بسم الله الرحمن الرحيم)، فقلت أنا في المايكروفون: بسم الله الرحمن الرحيم هذه الآية الخالدة التي يستهل بها دائما الفيصل كل قول وعمل.. وانتظرت أن يكمل جلالته الكتابة إلا أنني فوجئت به ــ رحمه الله ــ يضع القلم ويلتفت إلي قائلا: «الآن فيصل قال تذيعوه، فيصل عمل برضه تذيعوه، طيب فيصل كتب واش عليكم منه»، فقلت لجلالته: حتى ما يكتبه جلالتكم نحن لنا فيه، فضحك وقال : «ما دمتم مصرين ــ حسبي الله»، وعاد يكتب من جديد.. كما أتذكر لجلالته موقفا عندما ذهبنا لتغطية افتتاح معهد الدراسات الفنية في الخرج وبعد أن انتهى من رفع الستار عن اللوحة التذكارية واتجه جلالته لقص الشريط فتسابقنا أنا والمصور لنأخذ مكاننا في المقدمة، فعلق شريط الافتتاح في كاميرا المصور وانقطع ووقع على ظهري فأمسكت به وعندما رفعت رأسي وإذا بالملك فيصل أمامي وهو يقول: «سلامات سلامات، فقلت له: آسفين طال عمرك، فقال: على راحتكم»، وانتظرنا ــ رحمه الله ــ حتى تم إعادة الشريط، ثم نظر إلينا وقال: «جاهزين الآن، فقلت له : نعم، فقال: بسم الله وقص الشريط» .. وهذه المواقف أبكتني على جلالته كثيرا عندما كنت أول من تحدث في نقل جثمانه إلى المقبرة، فهذا الرجل خلق ليكون زعيما وقد كان، وما زلت أتذكر الأمير محمد بن عبد العزيز ــ رحمه الله ــ عندما استدعاني بعد الدفن إلى بيته وقال لي كلمة لا أنساها: لقد أبكيتنا اليوم يا غالب مع أننا لم نكن نبكي كثيرا.
• كنت ترتجل الكلمات دون ورقة؟
أقولها بلا شعور وفي قناعتي أن القدرة على الارتجال هي التي تصنع الفارق والمذيع المتميز، وهذه القدرة تنمو بالقراءة المستمرة والمتنوعة وأن يعرف المذيع (شيء عن كل شيء).
• هذا يستدعيني لأسأل عن سبب هبوط مستوى المذيعين هذه الأيام؟
كل شيء هبط يا بدر حتى سوق الأسهم السعودية، فلا تستغرب أن يأتيك مذيع لم يمض عليه شهرين فقط ويطلب أن يذيع النشرة، مع أننا تمرغنا في الوحل حتى وصلنا لنكون مذيعي نشرة.
• وأبرز عيوب مذيعي اليوم ؟
من العيب أن يخطئ المذيع في النحو أو أن يخلط بين العامية والفصحى، ومن ثم فإن سلامة اللغة ومخارجها تظل أبرز متطلبات المذيع الجيد.
• أنت اشتهرت كمذيع شامل؟
الإعلام السعودي جعل منا مذيعين شاملين وقادرين على فعل أي شيء، فتجد في المذيع الشامل القدرة على أن يكون معدا ومنفذا ومعلقا وملقيا ومقدما، وأنا تعلمت من بدر كريم المونتاج عندما كنت أشاهده يعد برنامجه (في الطريق) وكان يعمل عليه كـ «فني الأشرطة والصوت» فأصبحت أقلده في القيام بذلك في كل برامجي.
• المونتاج لوحده كان معركة يومية؟
يالطيف.. كان يأخذ نصف وقتنا، وأتذكر أنني كنت أعد وأقدم برنامج (من الشاشة إلى المايكروفون) وكان معي مهدي الريمي وزملاء آخرون، وكنا نختار فيلما فنقوم باقتطاع الكلمات واللقطات التي لا يجب نشرها ثم نقوم بعرضه من خلال الإذاعة، وكان له إقبال كبير لعدم وجود تلفزيون في تلك الفترة كما أن السينما محدودة جداً.
• الفارق بين المونتاج الإذاعي والتلفزيوني كبير؟
كنا نمشي بستر الله، وقد حدث لي موقف محرج مع معالي وزير الإعلام حاليا الدكتور عبد العزيز خوجة عندما كان وكيلا لوزارة الإعلام، فقد قمت بتحويل برنامج من الشاشة إلى المايكروفون بعد أن بدأ البث التلفزيوني إلى برنامج (فيلم الأسبوع) وكنت قد اخترت فيلم (نغم من حياتي) لفريد الأطرش وعملت له مونتاجا، وكان موعد عرضه بعد ثلاثة أيام، فسافرت إلى لندن في مهمة رسمية وتركت هواتفي في الفندق لدى الزملاء للاتصال بي، ويبدو أنهم استخدموا النسخة الأصلية في العرض، ونسوا الفيلم الممنتج فظهرت في العرض لقطات خادشة، وفوجئت بمعالي الدكتور خوجة يتصل بي في لندن وهو يصرخ: «يا غالب إش سويت فينا»، فأوضحت لمعاليه الموقف وقلت له: بإمكانكم كلما جاءت لقطة خادشة أن تضعوا لوحة لوردة كنت قد أعددتها لكي لا يشاهد الناس اللقطة المحرجة، واستمروا على ذلك إلى أن وجدوا النسخة الممنتجة فقطعوا الفيلم لعطل فني ثم عرضوا ما تبقى من الفيلم ممنتجا.
• أكثر البرامج التي عملت عليها؟
برنامج (سلامات)، واستمر لمدة 14 سنة وشاركني فيه جيل من الزميلات بدءا من دنيا بكر يونس ثم شقيقتها وفاء ثم شقيقتهم سناء أيضا ثم نوال بخش، كما شاركني من جدة مريم الغامدي وهند شيخ وسارة القريني.
• كنت تميل إلى البرامج الفنية كثيرا؟
نعم، وأنا بطبيعتي أهوى سماع صوت الآلات الموسيقية وكنت أطرب لصوت طلال مداح كثيرا.
• ومحمد عبده؟
كلهم أصدقائي، وأحب سماعهم لكن الفارق بين الاثنين كالفارق بين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، فالأول كان ذكيا وينتقي الفرقة الموسيقية ويهمه الإعلام كثيرا ومنضبطا بشكل أكبر وحريصا على صحته ومثله محمد عبده، فيما كان طلال شبيها بفريد في انفتاحه وثقته في أصدقائه وكرمه وبساطته.
• وكنت تطرب لسميرة توفيق أيضا؟
والله سوت لي مقابلتها التي أجريتها معها في دبي مشكلة مع وزير الإعلام الشيخ إبراهيم العنقري ــ رحمه الله، ففي تلك الفترة كانت أشرطة المقابلات التلفزيونية تعرض في الرياض ثم ترسل لعرضها في تلفزيون جدة، فعندما عرضت المقابلة في جدة اتصل بعدها وزير الإعلام وطلب أن يخصم علي أسبوع وعلى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي الذي أجاز المقابلة ثلاثة أيام؛ بسبب أن لقاء للشيخ محمد الحركان ــ رحمه الله وكان وزيرا للعدل ــ قد بث قبل لقاء سميرة توفيق، فغضب الشيخ واتصل بالوزير وجاء الخصم على رأسي وأنا ليس لي ذنب سوى أنني أجريت المقابلة، ولكن الحقيقة أن الشيخ العنقري أرسل لي اعتذاره عن هذا الموقف بعد أن اتضحت له الصورة وقرر مكافأتي بعد ذلك على هذا اللقاء.
• مواقف محرجة تعرضت لها في عملك؟
ما أكثرها.. ففي إحدى المرات كنت أقرأ نشرة الأخبار في استديو الإذاعة في شارع الفرزدق في الرياض، فانحرقت لمبة الاستديو ولم أجد منقذا لي وأنا على الهواء إلا أن أحمل المايكروفون وأجري مسرعا إلى اللمبة الحمراء التي نستخدمها في الاستديو كإشارة لفتح الخط، وظللت أقرأ النشرة واقفا بجوارها إلى أن انتهيت دون أن يشعر المستمعون بشيء، وفي إحدى المرات كنت منتدبا في الكويت ضمن برامج التبادل الإعلامي كمذيع نشرة إخبارية ومعي المذيعة الكويتية نداء النابلسي، وكانت بداية العمل بنظام الرول الذي يوضع أمام المذيع فكانت نداء تقول النشرة فتعطل جهازها ومن حسن الحظ أنني كنت أتابع معها من الأوراق فالتفتت إلي في ثوان ففهمت أنها في موقف حرج، وبسرعة أعطيت المخرج إشارة فأحال المايكروفون والكاميرا إلي، وواصلت النشرة مكملا الخبر الذي توقفت عنده ومر الموقف بسلام.
• يقال إنك كنت عدوانيا في برامجك مع المسؤولين؟
كنت أتقمص شخصية المواطن وأنقل احتياجاته للمسؤول وأعتقد أن هذه النقطة هي التي دفعت الملك فهد ــ رحمه الله ــ والذي كان لا يترك شاردة وواردة ولديه حس إعلامي كبير ليلاحظ ذلك بعد لقائي مع وزير البرق والبريد والهاتف علوي درويش كيال في برنامج (وجها لوجه) وكانت حلقة حادة في تساؤلاتها وعلق عليها في اليوم التالي تركي السديري ــ رئيس تحرير صحيفة الرياض ــ ووصف إجابات الوزير بأنها ضعيفة، مما استدعى أن يتصل الملك فهد ويطلب مشاهدة الحلقة فذهبت له بالشريط، وبعد أن انتهى من مشاهدته أثنى على الحوار وقال لي: نريد مثل هذه البرامج التي تفيد الوطن والمواطن، وأريدك أن تكثف مثل هذه الحوارات وأن تعمل حوارا آخر مع الكيال ليتحدث عن البريد وكيف أن رسالة مواطن تخرج من الرياض إلى جدة فتصل إلى اليمن، وفعلا أجريت هذا الحوار وكان مثيرا للجدل أيضا، وكان لي برنامج اسمه (آخر العنقود) وكنت أقرأ فيه أدعية وابتهالات ويعده عمر عودة الخطيب، وكان يبث بعد نشرة الواحدة والنصف ليلا فكان الأمير فيصل بن فهد ــ رحمه الله ــ يقول لي: «والله يا غالب ما كنت أنام قبل أن أسمع برنامجك».
• كانت بينكم صداقة حميمة؟
كنا نجتمع دائما مع صديق الإعلاميين سمو الأمير سلمان في منزله كل ليلة، وظللت أسعد وأعتز بهذه العلاقة ولم يكدرها شيء من مطالب الدنيا والحمد لله إلى الآن مع سموه.
• الغريب أنك جربت كل مجالات الإذاعة إلا التعليق الرياضي؟
والله ورطني في هذا الموضوع محمد عبد الرحمن رمضان متعللا بزحمة السير عندما تأخر في نهائي على كأس الملك فبدأت المباراة، وأنا في حرج شديد لعدم معرفتي باللاعبين ولكونها مباراة إذاعية فقد وفقني الله لأن أكون معلقا لمدة عشر دقائق إلى أن وصل الرمضان وظللت طوال هذه الفترة أقول الكرة مع رقم خمسة ويعطيها لرقم سبعة وهكذا.
• لكنك كنت مبدعا في قراءة التعليق السياسي للدولة؟
لن تصدق أنهم كانوا يستدعونني من المنزل لقراءة التعليق السياسي، والذي كان يمثل موقف الحكومة من الأحداث العالمية، وأتذكر في إحدى المرات أن تم استدعائي، وعندما حضرت على عجل فوجدت وزير الإعلام الشيخ جميل الحجيلان أمامي ممسكا بالأوراق، وتم دفعي للاستديو دون أن أطلع على الكتابة فدخلت مستعجلا، وكانت عيني تسبق قراءة الكلمات على السطر، وكنت على الهواء مباشرة، ولم أكن أعلم أن الملك فيصل يستمع إلى النشرة ووفقني الله لقراءتها بشكل متميز وعند خروجي من الاستديو فوجئت بالوزير الحجيلان وهو يعانقني ويقول لي: الآن وضعت السماعة مع الملك فيصل وطلب مني أن أشكرك فقد أبدعت في قراءتك وهذا من فضل رب العالمين.
• جئت إلى الإعلام وخرجت منه فقط براتبك التقاعدي؟
لو قلت لك الحقيقة الآن لقال البعض إنني أمد يدي، وأنا الذي كنت على صلة بكل الملوك والأمراء والوزراء ولم أكدر علاقتي بأحد لدرجة أن بعض الزملاء أحرجوني مع مسؤولين أعزهم وأقدرهم مستغلين علاقتي معهم، وأقولها صادقا: خرجت بلا بيت ولا قطعة أرض ولا قرض ولم أبني لي بيتا لكي أستقر فيه، لكنني استثمرت في أولادي وتكفيني محبة الناس وتقديرهم لي وسؤالهم عني دائما.
• يقولون «إن ابن الوز عوام» لكننا لم نر أحدا من أبنائك مذيعا؟
كل واحد من أبنائي الذكور الأربعة أخذ اتجاها «سائد وخالد ورائد ومحمد» إلا أن خالد كانت له تجربة صوت في الإذاعة ولم أتدخل فيها إطلاقا، ونجح وتم قبوله إلا أن ارتباطه بعمله الرسمي في وزارة التربية والتعليم استدعته للتأخر عن حضور جلسات تدريب المتعاونين، وتكرر منه هذا الموقف أكثر من مرة فأحضروا لي ملفه فقررت إيقاف تدريبه؛ لأن العمل الإعلامي ليس تسلية بقدر ما هو عشق قبل كل شيء ولذلك نجح فيه زملاء مثل سبأ باهبري وعوني كنانة رغم كونهم متعاونين.
• والآن تقيم عندهم عندما تعود للرياض؟
يتنافسون فيما بينهم لاستضافتي.
• ومنزلك في الرياض ؟
كانت عندي شقتين أكرمني بهما سمو الأمير نايف ــ حفظه الله ــ وقمت بتسليمهما بعد أن أعطيت أثاثهما لجمعية خيرية.
• لم تفكر في الزواج مرة ثالثة؟
ما زلت أبحث في ظل الوحدة القاتلة التي أعيشها حاليا عن بنت الحلال التي تقبل بي.
• رجل يخسر زواجه من أجل المعجبين ولا يجد زوجة أخرى؟
هذا ما خرجنا به من الإعلام؛ حب الناس وإن بلغ مرحلة تضر بي إلا أنني لا أنسى ولا أستطيع أن أثمن هذه المحبة بثمن، ولا أنسى أنها وصلت في بعض المراحل أن وصلتني رسالة في أحد الأيام كتبت بالدم واقشعر لها بدني كثيرا، وقد كتب فيها (أكتب لك هذه الرسالة بدمي)، هذه المشاعر وهذا الإعجاب كان من أسباب عدم قدرتي على الخروج مع الأهل إلى السوق في احايين كثيرة.
• عودتك إلى العمل الإعلامي كيف ستكون ؟
لم تتحدد معالمها بعد، ولكنني قد أعود متعاونا مع التلفزيون، ولدي فكرة أن ينشأ مكتب إعلامي سعودي يغطي بلاد الشام، وكنت قد كتبت للأستاذ إياد مدني عندما كان وزيرا للإعلام وكتبت لمعالي الدكتور عبد العزيز خوجة حاليا وما زلت أنتظر الرد.
• وكيف تقضي وقتك حاليا ؟
رهين الجهازين الكمبيوتر والتلفزيون.
• رجل بمثل موقعك وقدرتك الإعلامية يجلس في المنزل، فيما يقف رجل قارب التسعين مثل لاري كنج خلف الكاميرا إلى الآن؛ بم تفسر ذلك ؟
أترك الإجابة لمن يقرأ هذا الحوار.