قمة زعماء مجموعة الثماني.. هل يمكن التعويل عليها؟

نجيب الخنيزي

افتتحت قمة زعماء مجموعة الثماني G-8 أعمالها في لاكويلا (إيطاليا) يوم الأربعاء الماضي وحضر القمة إلى جانب زعماء دول G-8 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان وروسيا)، ومجموعة الخمسة التي تضم قادة (الصين والبرازيل والهند والمكسيك وجنوب أفريقيا)، إضافة إلى أستراليا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والدانمرك، كما شارك فيها زعماء الجزئر ونيجيريا وسيراليون والصومال ومصر وأثيوبيا وأنغولا وليبيا بصفتها رئيسة الاتحاد الأفريقي. في إشارة رمزية من القمة للاهتمام بما تواجه الغالبية الساحقة من دول القارة الأفريقية المنهكة بالفقر، الجوع، البطالة، المديونية، والحروب والصراعات الأهلية والحدودية، والتي فاقمتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. تفاقم الأزمة والمصادمات الدامية في إقليم شينجيانغ (الذي تقطنه أغلبية مسلمة)، والتي ذهب ضحيتها المئات من القتلى والجرحى والمعتقلين من سكان الإقليم الذين يطالبون بحقوق أقلية «الويغور»، ألقت بظلالها قبل الافتتاح. حيث اضطر الرئيس الصيني، هوجينتاو، إلى الانسحاب من القمة وعاد إلى بلاده فجأة. رشح عن القمة صدور إعلان يتضمن الحد من الاحترار الكوني بحيث لا يتعدى مستويات ما قبل العصر الصناعي إلا بدرجتين مئويتين (3,6 فارنهايت)، وذلك مع حلول عام 2050. وتهدف مجموعة الثماني إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة في العالم إلى نصف ما كانت عليه في 1990، وخفض انبعاثاتها هي إلى 80 في المئة أو أقل، حسبما جاء في الإعلان الختامي لقمة لاكويلا في إيطاليا، وأضاف الإعلان أن «هذا التحدي العالمي لا يمكن مواجهته إلا بتحرك عالمي. لهذا السبب نجدد رغبتنا في أن نتقاسم وجميع الدول هدف خفض الانبعاثات العالمية بحلول 2050 إلى 50 في المئة على الأقل.» وقد تزامن هذا مع صدور هذا الإعلان احتلال المتظاهرين المحتجين على القمة أربعة مصانع للفحم في إيطاليا مطالبين بإجراءات أكثر حزما لمواجهة التغير المناخي حسبما قالت منظمة السلام الأخضر «غرينبيس» التي عززت أحزابها حضورها الفاعل في البرلمان الأوروبي إثر الانتخابات الأخيرة. وعلى صعيد آخر، التزمت مجموعة الثماني بالوفاء بوعودها بزيادة مساعداتها من أجل التنمية في أفريقيا، وكذلك «رفعها بمعدل 25 مليار دولار سنويا ما بين 2004 و2010، بدعم مانحين اخرين,»، وفي مجال النفط، اتفق قادة الدول الثماني على أن سعرا عادلا لبرميل النفط ينبغي أن يراوح بين 70 و80 دولارا، حسبما نقلت وكالة فرانس برس عن متحدثة باسم الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف. يذكر أن أسعار النفط عادت إلى الارتفاع تدريجيا بعد أن هوت أسعارها قبل أشهر (في ذروة الأزمة) ولامست الثلاثين دولارا بعد أن وصلت إلى سعر قياسي فاق 147 دولارا للبرميل في يوليو تموز 2008. يأتي انعقاد القمة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت كافة اقتصادات البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. ففي الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي أقر نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مقابلة تلفزيونية مع قناة «ABC» الأحد الماضي أن إدارة واشنطن أخطأت في قراءة الوضع الاقتصادي، عند وضع خطة التحفيز في مطلع العام الحالي. وذكر أن الرئيس، باراك أوباما، وطاقمه الاستشاري لا يفضلون تخصيص خطة تحفيز ثانية في الوقت الحالي لخفض معدلات البطالة، الأعلى منذ أكثر من ربع قرن. وفي هذا السياق أوضح قائلا: «في الحقيقة لم نحسن قراءة الاقتصاد وإلى أي درجة كان الاقتصاد الذي ورثناه سيئا». الجدير بالذكر إن معدلات البطالة في الولايات المتحدة وصلت لمعدل غير مسبوق (9,5 في المائة) ويعد الأسوأ منذ 26 عاما. في حين حذر برنانكه محافظ المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، من خطر ارتفاع ديون الولايات المتحدة واعتبر المسؤول الأمريكي أن حزم مساعدة الاقتصاد البالغة أكثر من ترليون و 487 مليون دولار كانت «ضرورية»، لكنها سترفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الكلي من 40 إلى 70 في المائة عام 2011، أما في حال نفذ البيت الأبيض مشاريعه الاقتصادية، فستقفز تلك النسبة إلى 82 في المائة عام 2019. وكان الكساد قد خفض عائدات الضرائب، وأدى بالمقابل إلى زيادة الإنفاق الحكومي بشدة وفي الوقت نفسه عانى الدولار الأمريكي من استمرار انخفاض وتآكل قيمته إزاء العملات خلال الست السنوات الماضية مما أدى لأن يفقد الدولار 40 في المائة من قيمته خلال تلك الفترة، ومما زاد الأمر تفاقما دعوة الصين المتكررة لاحلال عملة عالمية بديلة عن الدولار الأمريكي. حيث دعا البنك المركزي الصيني إلى اتباع قواعد أكثر صرامة في ما يتعلق بالدول التي تطبع كميات أكبر من العملة للحد من الأزمة الاقتصادية الراهنة وقال «إن سيطرة عملة وحيدة على النظام النقدي العالمي يؤدي إلى زيادة مخاطر توسع انتشار الأزمات المالية». وتعد الصين أكبر دولة في العالم من حيث حجم احتياطي النقد الأجنبي الذي يقدر بنحو تريليوني دولار، وأكثر من نصف هذا الاحتياطي عبارة عن سندات خزانة لدى الولايات المتحدة وغيرها من السندات المقومة بالدولار. وكان رئيس الوزراء الصيني «ون جيا باو» قد قال في تصريحات سابقة إنه يشعر بالقلق إزاء سلامة هذه الأصول، في ضوء وجود خطة ضخمة لتحفيز الاقتصاد الأمريكي قد تؤدي إلى ارتفاع العجز في الولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يغرق الدولار في دوامة الهبوط. وعدد الخبراء عجز الموازنة الأمريكية الذي تعدى التريليون دولار في عام 2008 ومن المتوقع أن يتعدى 1,5 تريليون دولار في نهاية هذا العام وارتفاع الدين العام الأمريكي إلى 11,305 تريليون دولار في النصف الأول من عام 2009 وتحذيرات الصين من اللجوء إلى عملة احتياط جديدة،على أنها المخاطر الرئيسية التي تهدد أسعار الدولار، مما سيعني مزيدا من الاضطراب في السوق المالية العالمية. وفي الواقع فإن الأزمة تشمل مجمل الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الدول الصناعية المتطورة حيث حذر البنك الدولي في تقريره الأخير الصادر في الأسبوع الماضي عن تمويل التنمية الدولية من أن مستقبل الاقتصاد العالمي يظل «محل شك كبير» رغم بعض إشارات التحسن مؤخرا. وكان البنك أعلن عن خفض توقعات للاقتصاد العالمي محددا نسبة انكماش متوقعة عند 2,9 في المائة من توقعاته في مارس بنمو سلبي 1,7 في المائة للعام الجاري. وفي توقعاته المفصلة، خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي من انكماش بنسبة 2,4 في المائة إلى انكماش بنسبة 3 في المائة. أما اليابان فتوقع التقرير تراجع اقتصادها بنسبة نمو سلبي 6,8 في المائة مقابل توقعات سابقة بانكماش 5,3 في المائة. وبالنسبة لأوروبا خفض البنك توقعات النمو من سالب 2,7 في المائة إلى سالب 4,5 في المائة. أما أكبر تخفيض لتوقعات النمو فكانت من نصيب الاقتصاد الروسي الذي عدل البنك نسبة النمو السلبي المحتملة من 4,5 في المائة إلى 7,5 في المائة. ومن بين الاقتصادات الرئيسية توقع البنك الدولي نموا أفضل لاقتصادي الهند والصين. وعدل البنك توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني بالارتفاع من نسبة 6,5 في المائة إلى 7,2 في المائة. أما الهند فتوقع أن ينمو اقتصادها إيجابا بنسبة 5,1 في المائة مقابل توقعات سابقة بنمو بنسبة 4 في المائة للعام الجاري. إذ كانت اللوحة غير زاهية على الإطلاق في البلدان الصناعية المتطورة والاقتصادات الناشئة فماذا عن أحوال اقتصادات البلدان النامية والفقيرة. وللحديث صلة.


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة