12 مواطنا يتدربون لحفظ ماء وجه الآثار
الخميس / 23 / رجب / 1430 هـ الخميس 16 يوليو 2009 22:47
عبد الرحمن الختارش ـ جدة
هل تدعو الحاجة لإنشاء وزارة مستقلة للآثار والسياحة حتى يمكن الحفاظ على كنوز المملكة الأثرية ذات الأهمية العلمية والتاريخية في تجسيد هويتها الحضارية والثقافية، وذلك في ظل ما تتعرض له بعض المناطق الأثرية من حرائق وطمس لمعالمها وإحلال لسكانها الوطنيين، حتى إن المنطقة التاريخية في مدينة جدة أصبحت نسبة سكانها من غير السعوديين تصل إلى 99 في المائة، فضلا على 35 مبنى أثريا آيلا للسقوط، ومنها ما هو مصنف كدرجة أولى وثانية، وهل نحن بحاجة إلى قيام متاحف كبرى على غرار المتاحف العالمية، حتى يمكن لنا الحفاظ على نحو 58 مبنى أثريا في منطقة جدة التاريخية (أنموذجا) مصنفة من الدرجة الأولى، إضافة إلى 236 مبنى من الدرجة الثانية و243 منزلا من الدرجة الثالثة.
ورغم كل الجهود المبذولة من الهيئة العليا للسياحة في هذا المجال، وتوقيع أمانة جدة عقدا مع فريق خبراء من فرنسا لترميم المباني التاريخية، وتوقيعها ثلاثة عقود أخيرا بقيمة 30 مليون ريال لصيانة هذه المباني واعتمادها 42 مشروعا لتطويرها، رغم كل ذلك هل تحتاج كنوزنا الأثرية لإيجاد هذه الوزارة المقترحة أو المتاحف التاريخية؟
عبد الوهاب الأحمر أحد سكان حي الشام الواقع في المنطقة التاريخية منذ 45 عاما يقول: لا أحد يختلف على أن المنطقة التاريخية في جدة اختلفت كثيرا عن السابق، فهي الآن تعاني من الإهمال والحرائق المتكررة التي أتت على مبان كانت يوما معلما من معالم المنطقة التاريخية، ويمتد هذا الإهمال حتى يصل ملاك المباني بتأجير هذه البيوت كمستودعات للبضائع ، وكسكن لأعداد كبيرة من الوافدين الذين يقومون باستخدام الغرف الخشبية كمطابخ، ناهيك عن تمديدات أسلاك الكهرباء العشوائية، ويعود ذلك أن المنطقة التاريخية هي في الأساس سوق تجاري نشط؛ دفع الكثير من أصحاب المحلات التجارية إلى البحث عن هذه البيوت وتحويلها إلى مخازن لبضائعهم حتى وإن كان ذلك يتم بطرق غير نظامية وغير آمنة، فرغم التحركات القليلة من قبل الجهات المسؤولة عن المنطقة التاريخية؛ لإعادة بناء وترميم بعض المباني إلا أننا نطمح في تحرك أسرع وأكبر للنهوض بهذه المنطقة من جديد وحماية التاريخ من أيدي العابثين الذين حولوا هذه المنطقة التاريخية إلى ملجأ لهم وطمسوا هويتها الحقيقية بعد أن هجرها أصحابها الأساسيون.
ويقول عبد الله بن عبد الله الاسماعيل: أسكن في هذه المنطقة منذ ما يقارب 40 عاما، ففي هذه المنطقة نشأت بعد أن قدمت إليها من موطني اليمن وأنا صغير في السن، وفي جنباتها وأزقتها ترعرعت حتى أصبحت أعرف كل شبر فيها ــ ويشير بيده إلى أحد البيوت ــ ويقول: هذا البيت مثلا كانت تسكنه أسرة جداوية عريقة ومع الوقت هجروه وبقى زمنا خاليا من السكان حتى استيقظنا يوما على جالية يمنية بداخله وفرحت كثيرا بوجودهم دون غيرهم؛ لأنهم سيهتمون كثيرا بقيمته عكس الجنسيات الأخرى التي لا تعرف القيمة التاريخية للبيوت القديمة، ففي اليمن بيوت كثيرة وبالذات في مدينة صنعاء تحمل نفس القيمة التاريخية إن لم تزد عما هو موجود في جدة.
السقوط يتوالى
ويذكر نبيل سليمان ــ أحد سكان المنطقة التاريخية ــ العديد من الحوادث والحرائق في السنوات الماضية التي قضت على عدد من المباني التراثية المهمة في المنطقة قائلا: فقدت المنطقة التاريخية بسبب الحرائق والانهيارات والإهمال خلال الأعوام القليلة الماضية، بيوت تاريخية شهيرة ومعروفة، منها 3 بيوت في حارة الشام وبيتان في حارة المظلوم منها بيت باناجه التاريخي الذي كان قد سكنه الملك عبد العزيز ــ طيب الله ثراه ــ كما فقدت المنطقة العديد من البيوت التاريخية منها بيت الجخدار: وهو عبارة عن 3 بيوت تاريخية متلاصقة انهار أحدها وتبقى آخران ،غير أنهما مهددان بالسقوط مثلما حدث مع بيت قطاب الذي احترق وكذلك بيت الكابلي، كما اندلعت النيران في بيت باقيس وقبل ذلك التهمت النيران بيت الدخاخني، وقبله عدة منازل منها: بيت البغدادي الشهير والذي أتت عليه النيران كاملاً ،كما احترقت سابقاً بيوت العمودي الذي كان يطلق عليه بيت عطية، إضافة إلى بيت أبو زنادة، وبيت باعوضه الأثري، ولأني أحب هذه المنطقة وأعرف جيدا قيمتها التاريخية عن الكثير بدليل ما تشهده المنطقة من زيارات لملوك ورؤساء دول وشخصيات كبيرة، أطالب بانتشالها من الإهمال باعتبارها كنوزاً تاريخية تشكل عقدا فريدا يزين العروس.
السكان الأصليون
عمدة حي الشام والمظلوم سامي عمر باعيسى أحد أبناء المنطقة التاريخية حيث يسكنها منذ ولادته وحتى اليوم يقول: تطوير المنطقة التاريخية لا يتم إلا بتطوير مفهوم سكانها الحاليين لمعنى الآثار والإرث التاريخي الذي هو أمامهم، وعودة سكانها الأصليين لإحيائها من جديد، فسكانها الحاليون من الجنسيتين الأفريقية والآسيوية لا يدركون قيمتها التاريخية، ويستغلون رخص الإيجارات فيها، فتجد عائلتين تسكن في شقة واحدة من شقق تلك المباني الأثرية بدلا من أن تكون عائلة واحدة، ويشير باعيسى أن نسبة سكان المنطقة التاريخية الحاليين من غير السعوديين يصل تقريبا إلى 99 %، ما أثر بشكل كبير على طبيعة المنطقة وساهم في تدهور أوضاع المباني، وأوضح أن هناك دراسة توصي بشراء جميع البيوت الأثرية في المنطقة التاريخية؛ لحمايتها وإعادة بنائها وترميمها والحفاظ عليها كإرث تاريخي ومعلم من معالم المملكة، وليس مدينة جدة فقط، إلا أن تلك الدراسة ما زالت لم تطبق على أرض الواقع، وأضاف: إن الأربطة الموجودة في المنطقة والتي يسكنها بعض كبار السن من النساء والرجال قامت وزارة الأوقاف بإخلائها بهدف ترميمها إلا أن ذلك لم يتم، وألمح باعيسى إلى أنه في حي الشام والمظلوم فقط يوجد أكثر من 35 مبنى أثريا آيلا للسقوط، منها ما هو مصنف كدرجة أولى، وأخرى درجة ثانية .
حماية التاريخ
الدكتور عدنان عباس عدس مدير إدارة المنطقة التاريخية في جدة أوضح لـ «عكاظ» أن المباني التراثية في منطقة جدة التاريخية مصنفة إلى 3 درجات، الدرجة الأولى عددها 58 مبنى، تمثل 11 في المائة مثل بيت نصيف، بيت الجمجوم، بيت البترجي، بيت نور ولي، المساجد التاريخية كمسجد الشافعي ومسجد المعمار وغيرها من المباني التراثية المهمة التي استخدمت في الماضي كمقر للجهات الحكومية وللقنصليات أو شهدت أحداثا تاريخية مميزة ومهمة، وعدد مباني الدرجة الثانية 236 مبنى، تمثل نحو 44 في المائة، أما مباني الدرجة الثالثة هي 243 مبنى، تمثل ما نسبته 45 في المائة، مشيرا إلى أن المنطقة التاريخية تشكل جزءا مهما من الهوية الثقافية والحضارية لشعب المملكة، وخلال 20 عاما السابقة تعرضت المنطقة وعدد كبير من مبانيها التاريخية للتدهور، نتيجة العوامل الطبيعية وسوء الاستخدام، ويتطلب إحياؤها إلى إعادة تأهيلها اجتماعيا، واقتصاديا بمشاريع لتنميتها وتطويرها بما يتلاءم مع روح العصر، وأضاف أن أمانة محافظة جدة تقوم بالتنسيق مع جميع الشركاء في عملية التطوير، وإعادة التأهيل للمنطقة كالهيئة العامة للسياحة والآثار وشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني والشركة المطورة، ومن خلال هذه الشراكة تم إعداد خطط لإدارة وحماية وتطوير المنطقة ستدخل حيز التنفيذ قريباً ــ إن شاء الله ــ خاصة وأن المنطقة تحظى برعاية كريمة خاصة من خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ تبرع لترميم مسجدي الشافعي والمعمار بكلفة تجاوزت 15 مليون ريال، ووجه أيضا بتنفيذ شبكة إطفاء حريق في المنطقة التاريخية على نفقته الخاصة.
خبراء فرنسيون
وأوضح عدس أن أمانة جدة وفي سبيل ترميم المباني التراثية بالطريقة الصحيحة، وقعت أخيرا مع فريق من الخبراء الفرنسيين عقدا لإعداد الدليل الفني لترميم المباني التاريخية، تضمن العقد دورات تدريبية للمهندسين، والمهنيين والمختصين، للتدريب على التطوير والتأهيل العمراني بالمنطقة التاريخية والمهنيين المختصين للتدريب على معالجة حوائط الحجر المنقبي وتقويتها، ومعالجة الأسقف الخشبية والرواشين الخشبية وترميمها، مشيراً إلى أن الدورات التدريبية، تشمل محاضرات نظرية وبرامج عملية ميدانية ينفذ من خلالها الاستشاري شرحا عن الطرق الفنية للترميم، وكيفية الإنجاز في المواقع التاريخية بطريقة مفصلة بأعلى جودة وأقل تكلفة، مؤكدا أن ذلك سيسهم في عمليات الترميم لحماية المنطقة التاريخية من جهة، وإعادة تأهيلها فنياً وتوظيفها في استخدامات ملائمة، لتنميتها اقتصادياً، واجتماعيا، وسياسيا للمحلات التجارية، وشمل العقد أيضا، على إعداد دليل فني جار طباعته حاليا وسيوزع مجاناً لجميع المهتمين، وسيكون متاحا من موقع الأمانة على شبكة الانترنت، يشمل الدليل على واجهة المحلات التجارية، واللوحات الإرشادية بالمنطقة التاريخية، لإلزام المحلات التجارية في تلك المنطقة بها، معترفا أن الوضع حرج للغاية بالمنطقة التاريخية، مما يستلزم سرعة إنجاز الدليل الفني والذي أكد أن الانتهاء منه قريباً حتى تتمكن الأمانة من طرحه للجميع لاستخدامه والاستفادة منه من قبل المختصين بطريقة محترفة.
3 عقود صيانة
وقال عدس أيضا: وقعت أخيرا الشؤون البلدية والقروية ثلاثة عقود، مع مؤسسات محلية، لتحسين وصيانة رصف وإنارة الشوارع والممرات والبرحات بالمنطقة بقيمة 30 مليون ريال، وجار تسليم المواقع إلى المقاولين للبدء في التنفيذ فوراً لمدة 24 شهراً، موضحا أن لجنة من محافظة جدة والأمانة والدفاع المدني كلفت بإعداد دليل فني سيتم توفيره مجاناً للمقاولين وإلزامهم بتطبيقه في أعمال الترميم بالمنطقة وعند استخراج رخص البناء، انتهت من حصر المباني التاريخية، وأشعرت أصحاب المباني التي تحتاج إلى الترميم لمراجعة إدارة المنطقة التاريخية بأمانة جدة لاستكمال بقية الإجراءات، مبينا أنه اعتمد برنامج لتطوير المنطقة يشمل نحو 42 مشروعا يتكفل بتمويلها القطاع العام ممثلا بأمانة جدة وبعض الجهات الحكومية، إضافة إلى القطاع الخاص بالمشاركة مع شركة جدة للتطوير والتنمية العمرانية والجهة المطورة للمنطقة التاريخية، وأن هذه المشاريع ستتم على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى مدتها 4 أعوام، والمرحلة الثانية مدتها 3 أعوام، أما المرحلة الثالثة والأخيرة مدتها 3 أعوام، من أهم مشاريع هذه المراحل: إنشاء نفق خدمي خرساني للبنية التحتية تحت السطح، توضع فيه جميع التمديدات الخاصة بشبكة إطفاء الحريق وتمديدات شبكة المياه والهاتف والكهرباء، تسهيلا لعملية الصيانة، وضمانا لعدم الإضرار بأحجار الرصف الخاصة التي تستخدم في رصف أرضيات المنطقة، وتشمل أيضا مشاريع التنمية والتطوير المقترحة من ترميم وإعادة تأهيل للبيوت التاريخية وتوظيفها لاستخدامات مكتبية وسكنية وتجارية مختلفة، تساعد على تأصيل الهوية التاريخية للمنطقة، وتخصيص عدد من المباني التراثية بعد ترميمها كمتاحف، ومراكز ثقافية، ومعهد للحرف اليدوية، وكلية للسياحة، أما مشاريع الخدمات العامة فمن ضمن المخطط لها ترميم وإعادة تأهيل مبان تاريخية، كمقر لإمارة منطقة مكة المكرمة، ومحافظة جدة، ومبنى للجهات الحكومية الأمنية، وإنشاء مواقف سيارات متعدد الأدوار في محيط المنطقة، وتوفير واسطة نقل خفيفة ومناسبة للنسيج التاريخي من وإلى المواقف. موضحا أن مراحل ترميم المباني التاريخية ستمر بعدة مراحل تبدأ بتشخيص البيت القديم هندسيا بالكامل وكتابة تقرير فني عن حالته وأعمال الترميمات اللازمة له ووضع خطة ترميمه وكيفية تأهيله، وبعد ذلك يتم إصدار رخصة بناء لإعادة الترميم ثم يبدأ الترميم باستخدام المواد التقليدية كالحجر القديم والخشب الأصلي بعد معالجتها، كما يتم التعامل مع بعض العناصر الحديثة كالأسمنت وغيره بمعايير محددة، حيث يجري عمل تمديدات الكهرباء والمياه في أضيق الحدود حتى لا تكون ظاهرة، وللوصول إلى الهدف دربنا العديد من العمال والمهندسين، على أعمال الترميم واللياسة بالمواد التقليدية، وحسب الطرق القديمة المعروفة، وأفاد أنه بعد تشخيص المشاكل الإنشائية الموجودة في المبنى التاريخي يتم تقوية وتدعيم المبنى، ومن ثم يتم ربط الحوائط الحاملة ببعضها وربطها بالأسقف المركبة بأعصاب حديدية، بالإضافة إلى حقن مسامات وفراغات الحائط لتجعله أكثر تماسكا، مع ربط الأسقف بجسم المبنى بطريقة تزيد تماسكه، ثم تعالج وترمم العناصر الخشبية الموجودة به كالرواشين والنوافذ والأبواب، وأول مبنى تم ترميمه هو بيت أبو صفية التاريخي الذي تملكه الدولة بالتعاون مع استشاري الترميم الفرنسي، حيث تمت إزالة الترميمات العشوائية التي تمت من قبل وتم ترميمه الإنشائي، وتتواصل حاليا أعمال التشطيب النهائي فيه، أيضا ننفذ حاليا أعمالا ترميمية في وقف الفلاح ومبنى البسيوني.
الملاك يتحملون المسؤولية
ولم ينس عدس ملاك هذه المباني، حيث وجه الاتهام له وقال: إنهم يتحملون مسؤولية ما حدث لمبانيهم من تدهور حاصل لعدم صيانتها بشكل مستمر، وتأجيرها على الوافدين الذين يستخدمونها بشكل جائر غير مناسب من خلال مخالفات: كاستخدام المبنى من قبل أعداد كبيرة من المستأجرين تفوق طاقة المبنى، ووضع الأسلاك والتوصيلات الكهربائية في الرواشين الخشبية، إضافة إلى وضع أوعية تخزين المياه على أسطح تلك المباني التي تعاني من الإهمال، وقد اتخذت أمانة جدة منذ 4 أشهر بعض الإجراءات لمعالجة هذه المشكلة، منها تشكيل لجنة من عدة جهات حكومية للكشف على المباني وحصر المخالفات فيها، وتوجيه إشعارات للملاك المخالفين ضرورة ترميمها وإخلائها فورا، ومنع استخدامها كمستودعات، كما طرحت الأمانة مبادرة في هذا الصدد إضافة إلى أنها مستعدة لمنح المشورة الفنية للملاك حيال الموضوع لدعم التوجه الحكومي للحفاظ على هذا التراث، وعن حوادث الحريق التي وقعت في المنطقة التاريخية في وقت سابق قال: إن ما يحدث في المنطقة التاريخية من حرائق وانهيارات يمثل فقدانا لتراث عمراني معماري ذي قيمة عالية وبشهادة جميع المختصين والمهتمين، ويجب على الجميع التكاتف من أجل المحافظة عليه، مرجعا أسباب الحرائق والانهيارات للمباني التاريخية إلى الترميم الخاطئ والاستخدام الجائر الذي يحدث نتيجة قيام ملاك المباني بتأجيرها كمستودعات للبضائع وكسكن لأعداد كبيرة من الوافدين. وسبق أن أشار أمين جدة المهندس عادل فقيه إلى أن هناك فكرة لإعادة صياغة خطط السلامة لحماية المنطقة التاريخية من مخاطر الحرائق التي باتت تهدد المنطقة التاريخية من حيث ضيق أزقتها وصعوبة وصول مركبات الدفاع المدني إليها، وأضاف أن هناك برنامج حماية متكامل لأكثر من 500 مبنى ومعلم أثري بوسائل أكثر تطورا بدلا من الاقتصار على توزيع عبوات الإطفاء في المباني، حيث أن الحرائق باتت خطرا محدقا يهدد المناطق التاريخية والتي تشكل كنزا تاريخيا وإرثا حضاريا وثقافيا وسياحيا مهما، والتي تعد قابلة للحرائق؛ نظرا لكثافة المواد الخشبية المستخدمة في بنائها وصعوبة وصول سيارات الدفاع المدني إليها، علاوة على ما تشكله من خطورة تهدد ساكنيها، كما أشار أيضا إلى تحديد 18 محورا استراتيجيا تعتمد عليها دراسة تطوير المنطقة التاريخية وبلغت ميزانية الدراسات 40 مليون ريال، حيث ركزت الاستراتيجيات التي تعتمد عليها الدراسة على وضع برامج صيانة مستمرة للمنطقة التاريخية.
فقدنا الكثير
المهندس سامي نوار مدير السياحة في أمانة جدة قال: لا بد أن نعترف لأنفسنا أن كثيرا من المباني التاريخية في منطقة جدة القديمة حالتها سيئة وتوجد فيها العديد من المشاكل، وفي المقابل لا بد أن نعترف أيضا أن هناك جانبا مضيئا وهناك مبان حالتها جيدة وتم الحفاظ عليها، والأمل ما زال قائما للحفاظ على ما تبقى منها، فقدنا الكثير من كنوز المنطقة التاريخية لأسباب مختلفة، وبقي الكثير، ولكن ينبغي الاستعجال في ترميمها والاهتمام بها، وعن الفترة السابقة التي عمل بها وأشرف على المنطقة التاريخية قال عنها: إنه نفذ العديد من الأعمال، وتم إنقاذ الكثير من المباني، منها بيت الشربتلي، وبيت الصيرفي وبوابة باب شريف، واكتشفنا بئراً يتجاوز عمرها 500 عام، ما زالت موجودة، ورممنا بيت نصيف الذي يعتبر الآن من أبرز المباني الأثرية، ويقصده الكثير من السياح، وتنفذ فيه العديد من المهرجانات والمعارض، ومع تقديري لكل الجهود المبذولة حاليا في ترميم وصيانة المباني التاريخية في المنطقة مازلت مؤمناً ومؤيدا للطريقة التي كنا نلجأ إليها في عملنا التي كنا نعتمد فيها على الأيدي العاملة السعودية «المحلية» أو كما نسميه «ابن البلد».
مشيرا إلى أن المباني الأثرية كان عددها في ذلك الوقت يزيد عن 550 مبنى، لكن الحرائق المتكررة والعوامل الطبيعية، وظروف المناخ، أدت إلى فقدان الكثير منها، حتى قل عددها وأصبحت تتراوح بين 300 و400 مبنى أثري، وهذا ما يتطلب تحركا سريعا للحفاظ على ما تبقى منها.
وزارة للآثار والسياحة
الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي عضو مجلس الشورى الأستاذ بجامعة الملك سعود طالب إقامة متاحف كبرى مثلا تفعل الدول الأخرى، منها على سبيل المثال المتحف البريطاني، أو اللوفر وهي مشروعات قد لا ينهض بها أفراد، بل هيئات ومؤسسات ودول وإن كانت للأفراد جهودهم غير المنكرة في هذا المضمار، فهناك مشروع عملاق نهض به أحد المواطنين، يتمثل في قصر في مدينة النماص جنوب المملكة، يمثل هذا المشروع، عددا من الآثار الحضارية منذ العهد النبوي، والحضارات المتعاقبة وصولا إلى العهد السعودي، وهذا نموذج رائع بل إن تلك المبادرات الفردية لا تحظى حتى بالاهتمام الإعلامي، وحتى نحقق ما نريد في هذا المجال لا بد من وجود وزارة للآثار والسياحة تفْرغ لهذا المجال الواسع والمتشعب والمهم جدا، ذلك أن ثروة السعودية الخالدة وغير الناضبة لا تتمثل في النفط، بل تتمثل في تاريخها وآثارها وثقافتها.
إعداد شباب الوطن
الدكتور عبد الله بن سليمان الوشيل المدير العام للمشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية في الهيئة العامة للسياحة والآثار أوضح أن المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية في الهيئة العامة للسياحة والآثار، نفذ برنامجاً تدريبياً في مجالي إعادة ترميم وتأهيل المباني التاريخية، ضمن جهود تشجيع الاستثمار في تنمية وتطوير الصناعات والحرف اليدوية، مشيرا إلى أهمية برامج إعداد شباب الوطن الحرفيين وتشجيعهم وتدريبهم لأنهم الوحيدون الذين يمكنهم الاهتمام والحفاظ على آثار الوطن بدافع الوطنية والإخلاص لمقتنيات الوطن، وأضاف أن برنامج إعادة ترميم وتأهيل المباني التاريخية استهدف تدريب مجموعة من الحرفيين الشباب في منطقة المثناة في محافظة الطائف على أحد البيوت القديمة بالمنطقة، ليصبحوا من أوائل الشباب الذين يتم تدريبهم في المنطقة على حرفة تشكيل الحجر وترميم المباني القديمة، إضافة إلى هدف الحفاظ على تلك الحرفة من الاندثار، وأن المتدربين 12 شاباً أنهوا برنامجهم بنجاح بعد أسبوعين من التدريب العملي المكثف، من خلال برنامج بالتعاون مع جهاز التنمية السياحية والآثار بالطائف والقطاع الخاص، وكشف أن المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية سيسعى مع عدد من الشركاء لتأمين حاضنات أعمال لخريجي البرنامج لتفعيل ما تدربوا عليه من خلال العمل الحرفي مما يساعدهم على تأمين مصدر دخل لهم يسهم في تخفيف أعباء الحياة عليهم وعلى أسرهم ويجعل الاستفادة من مثل هذه البرامج حافزا لغيرهم من الشباب .
سلوكيات خاطئة
العميد محمد بن عبد الرحمن الغامدي مدير عام الإدارة العامة للدفاع المدني بجدة، أرجع أسباب الحرائق المتكررة في المنطقة التاريخية، إلى بعض السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها سكان المنطقة من الوافدين ومنها: وضع الإضافات من الزنك والخشب فوق المنازل، واستخدام بعض السكان المنازل كمستودعات للأقمشة وبعض المواد الأخرى، وشدد على ضرورة وجود طريقة جديدة للحفاظ على الرواشين القديمة سريعة الاشتعال، وذلك بدهنها بدهان خاص يقلل من سرعة اشتعالها أو إعادة بنائها بطريقة معينة توازن بين بقائها وجعلها أكثر أمنا، وضرورة وضع شبكة إطفاء داخل المدينة التاريخية لصعوبة وصول آليات الدفاع المدني إليها، ودعا مدير عام الإدارة العامة للدفاع المدني في جدة إلى ضرورة استمرار الدراسات المتعلقة بالمنطقة ومقارنتها بتجارب الدول الأخرى لوضع حلول توازن الجانبين التراثي وجانب الأمن والسلامة لها.
ورغم كل الجهود المبذولة من الهيئة العليا للسياحة في هذا المجال، وتوقيع أمانة جدة عقدا مع فريق خبراء من فرنسا لترميم المباني التاريخية، وتوقيعها ثلاثة عقود أخيرا بقيمة 30 مليون ريال لصيانة هذه المباني واعتمادها 42 مشروعا لتطويرها، رغم كل ذلك هل تحتاج كنوزنا الأثرية لإيجاد هذه الوزارة المقترحة أو المتاحف التاريخية؟
عبد الوهاب الأحمر أحد سكان حي الشام الواقع في المنطقة التاريخية منذ 45 عاما يقول: لا أحد يختلف على أن المنطقة التاريخية في جدة اختلفت كثيرا عن السابق، فهي الآن تعاني من الإهمال والحرائق المتكررة التي أتت على مبان كانت يوما معلما من معالم المنطقة التاريخية، ويمتد هذا الإهمال حتى يصل ملاك المباني بتأجير هذه البيوت كمستودعات للبضائع ، وكسكن لأعداد كبيرة من الوافدين الذين يقومون باستخدام الغرف الخشبية كمطابخ، ناهيك عن تمديدات أسلاك الكهرباء العشوائية، ويعود ذلك أن المنطقة التاريخية هي في الأساس سوق تجاري نشط؛ دفع الكثير من أصحاب المحلات التجارية إلى البحث عن هذه البيوت وتحويلها إلى مخازن لبضائعهم حتى وإن كان ذلك يتم بطرق غير نظامية وغير آمنة، فرغم التحركات القليلة من قبل الجهات المسؤولة عن المنطقة التاريخية؛ لإعادة بناء وترميم بعض المباني إلا أننا نطمح في تحرك أسرع وأكبر للنهوض بهذه المنطقة من جديد وحماية التاريخ من أيدي العابثين الذين حولوا هذه المنطقة التاريخية إلى ملجأ لهم وطمسوا هويتها الحقيقية بعد أن هجرها أصحابها الأساسيون.
ويقول عبد الله بن عبد الله الاسماعيل: أسكن في هذه المنطقة منذ ما يقارب 40 عاما، ففي هذه المنطقة نشأت بعد أن قدمت إليها من موطني اليمن وأنا صغير في السن، وفي جنباتها وأزقتها ترعرعت حتى أصبحت أعرف كل شبر فيها ــ ويشير بيده إلى أحد البيوت ــ ويقول: هذا البيت مثلا كانت تسكنه أسرة جداوية عريقة ومع الوقت هجروه وبقى زمنا خاليا من السكان حتى استيقظنا يوما على جالية يمنية بداخله وفرحت كثيرا بوجودهم دون غيرهم؛ لأنهم سيهتمون كثيرا بقيمته عكس الجنسيات الأخرى التي لا تعرف القيمة التاريخية للبيوت القديمة، ففي اليمن بيوت كثيرة وبالذات في مدينة صنعاء تحمل نفس القيمة التاريخية إن لم تزد عما هو موجود في جدة.
السقوط يتوالى
ويذكر نبيل سليمان ــ أحد سكان المنطقة التاريخية ــ العديد من الحوادث والحرائق في السنوات الماضية التي قضت على عدد من المباني التراثية المهمة في المنطقة قائلا: فقدت المنطقة التاريخية بسبب الحرائق والانهيارات والإهمال خلال الأعوام القليلة الماضية، بيوت تاريخية شهيرة ومعروفة، منها 3 بيوت في حارة الشام وبيتان في حارة المظلوم منها بيت باناجه التاريخي الذي كان قد سكنه الملك عبد العزيز ــ طيب الله ثراه ــ كما فقدت المنطقة العديد من البيوت التاريخية منها بيت الجخدار: وهو عبارة عن 3 بيوت تاريخية متلاصقة انهار أحدها وتبقى آخران ،غير أنهما مهددان بالسقوط مثلما حدث مع بيت قطاب الذي احترق وكذلك بيت الكابلي، كما اندلعت النيران في بيت باقيس وقبل ذلك التهمت النيران بيت الدخاخني، وقبله عدة منازل منها: بيت البغدادي الشهير والذي أتت عليه النيران كاملاً ،كما احترقت سابقاً بيوت العمودي الذي كان يطلق عليه بيت عطية، إضافة إلى بيت أبو زنادة، وبيت باعوضه الأثري، ولأني أحب هذه المنطقة وأعرف جيدا قيمتها التاريخية عن الكثير بدليل ما تشهده المنطقة من زيارات لملوك ورؤساء دول وشخصيات كبيرة، أطالب بانتشالها من الإهمال باعتبارها كنوزاً تاريخية تشكل عقدا فريدا يزين العروس.
السكان الأصليون
عمدة حي الشام والمظلوم سامي عمر باعيسى أحد أبناء المنطقة التاريخية حيث يسكنها منذ ولادته وحتى اليوم يقول: تطوير المنطقة التاريخية لا يتم إلا بتطوير مفهوم سكانها الحاليين لمعنى الآثار والإرث التاريخي الذي هو أمامهم، وعودة سكانها الأصليين لإحيائها من جديد، فسكانها الحاليون من الجنسيتين الأفريقية والآسيوية لا يدركون قيمتها التاريخية، ويستغلون رخص الإيجارات فيها، فتجد عائلتين تسكن في شقة واحدة من شقق تلك المباني الأثرية بدلا من أن تكون عائلة واحدة، ويشير باعيسى أن نسبة سكان المنطقة التاريخية الحاليين من غير السعوديين يصل تقريبا إلى 99 %، ما أثر بشكل كبير على طبيعة المنطقة وساهم في تدهور أوضاع المباني، وأوضح أن هناك دراسة توصي بشراء جميع البيوت الأثرية في المنطقة التاريخية؛ لحمايتها وإعادة بنائها وترميمها والحفاظ عليها كإرث تاريخي ومعلم من معالم المملكة، وليس مدينة جدة فقط، إلا أن تلك الدراسة ما زالت لم تطبق على أرض الواقع، وأضاف: إن الأربطة الموجودة في المنطقة والتي يسكنها بعض كبار السن من النساء والرجال قامت وزارة الأوقاف بإخلائها بهدف ترميمها إلا أن ذلك لم يتم، وألمح باعيسى إلى أنه في حي الشام والمظلوم فقط يوجد أكثر من 35 مبنى أثريا آيلا للسقوط، منها ما هو مصنف كدرجة أولى، وأخرى درجة ثانية .
حماية التاريخ
الدكتور عدنان عباس عدس مدير إدارة المنطقة التاريخية في جدة أوضح لـ «عكاظ» أن المباني التراثية في منطقة جدة التاريخية مصنفة إلى 3 درجات، الدرجة الأولى عددها 58 مبنى، تمثل 11 في المائة مثل بيت نصيف، بيت الجمجوم، بيت البترجي، بيت نور ولي، المساجد التاريخية كمسجد الشافعي ومسجد المعمار وغيرها من المباني التراثية المهمة التي استخدمت في الماضي كمقر للجهات الحكومية وللقنصليات أو شهدت أحداثا تاريخية مميزة ومهمة، وعدد مباني الدرجة الثانية 236 مبنى، تمثل نحو 44 في المائة، أما مباني الدرجة الثالثة هي 243 مبنى، تمثل ما نسبته 45 في المائة، مشيرا إلى أن المنطقة التاريخية تشكل جزءا مهما من الهوية الثقافية والحضارية لشعب المملكة، وخلال 20 عاما السابقة تعرضت المنطقة وعدد كبير من مبانيها التاريخية للتدهور، نتيجة العوامل الطبيعية وسوء الاستخدام، ويتطلب إحياؤها إلى إعادة تأهيلها اجتماعيا، واقتصاديا بمشاريع لتنميتها وتطويرها بما يتلاءم مع روح العصر، وأضاف أن أمانة محافظة جدة تقوم بالتنسيق مع جميع الشركاء في عملية التطوير، وإعادة التأهيل للمنطقة كالهيئة العامة للسياحة والآثار وشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني والشركة المطورة، ومن خلال هذه الشراكة تم إعداد خطط لإدارة وحماية وتطوير المنطقة ستدخل حيز التنفيذ قريباً ــ إن شاء الله ــ خاصة وأن المنطقة تحظى برعاية كريمة خاصة من خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ تبرع لترميم مسجدي الشافعي والمعمار بكلفة تجاوزت 15 مليون ريال، ووجه أيضا بتنفيذ شبكة إطفاء حريق في المنطقة التاريخية على نفقته الخاصة.
خبراء فرنسيون
وأوضح عدس أن أمانة جدة وفي سبيل ترميم المباني التراثية بالطريقة الصحيحة، وقعت أخيرا مع فريق من الخبراء الفرنسيين عقدا لإعداد الدليل الفني لترميم المباني التاريخية، تضمن العقد دورات تدريبية للمهندسين، والمهنيين والمختصين، للتدريب على التطوير والتأهيل العمراني بالمنطقة التاريخية والمهنيين المختصين للتدريب على معالجة حوائط الحجر المنقبي وتقويتها، ومعالجة الأسقف الخشبية والرواشين الخشبية وترميمها، مشيراً إلى أن الدورات التدريبية، تشمل محاضرات نظرية وبرامج عملية ميدانية ينفذ من خلالها الاستشاري شرحا عن الطرق الفنية للترميم، وكيفية الإنجاز في المواقع التاريخية بطريقة مفصلة بأعلى جودة وأقل تكلفة، مؤكدا أن ذلك سيسهم في عمليات الترميم لحماية المنطقة التاريخية من جهة، وإعادة تأهيلها فنياً وتوظيفها في استخدامات ملائمة، لتنميتها اقتصادياً، واجتماعيا، وسياسيا للمحلات التجارية، وشمل العقد أيضا، على إعداد دليل فني جار طباعته حاليا وسيوزع مجاناً لجميع المهتمين، وسيكون متاحا من موقع الأمانة على شبكة الانترنت، يشمل الدليل على واجهة المحلات التجارية، واللوحات الإرشادية بالمنطقة التاريخية، لإلزام المحلات التجارية في تلك المنطقة بها، معترفا أن الوضع حرج للغاية بالمنطقة التاريخية، مما يستلزم سرعة إنجاز الدليل الفني والذي أكد أن الانتهاء منه قريباً حتى تتمكن الأمانة من طرحه للجميع لاستخدامه والاستفادة منه من قبل المختصين بطريقة محترفة.
3 عقود صيانة
وقال عدس أيضا: وقعت أخيرا الشؤون البلدية والقروية ثلاثة عقود، مع مؤسسات محلية، لتحسين وصيانة رصف وإنارة الشوارع والممرات والبرحات بالمنطقة بقيمة 30 مليون ريال، وجار تسليم المواقع إلى المقاولين للبدء في التنفيذ فوراً لمدة 24 شهراً، موضحا أن لجنة من محافظة جدة والأمانة والدفاع المدني كلفت بإعداد دليل فني سيتم توفيره مجاناً للمقاولين وإلزامهم بتطبيقه في أعمال الترميم بالمنطقة وعند استخراج رخص البناء، انتهت من حصر المباني التاريخية، وأشعرت أصحاب المباني التي تحتاج إلى الترميم لمراجعة إدارة المنطقة التاريخية بأمانة جدة لاستكمال بقية الإجراءات، مبينا أنه اعتمد برنامج لتطوير المنطقة يشمل نحو 42 مشروعا يتكفل بتمويلها القطاع العام ممثلا بأمانة جدة وبعض الجهات الحكومية، إضافة إلى القطاع الخاص بالمشاركة مع شركة جدة للتطوير والتنمية العمرانية والجهة المطورة للمنطقة التاريخية، وأن هذه المشاريع ستتم على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى مدتها 4 أعوام، والمرحلة الثانية مدتها 3 أعوام، أما المرحلة الثالثة والأخيرة مدتها 3 أعوام، من أهم مشاريع هذه المراحل: إنشاء نفق خدمي خرساني للبنية التحتية تحت السطح، توضع فيه جميع التمديدات الخاصة بشبكة إطفاء الحريق وتمديدات شبكة المياه والهاتف والكهرباء، تسهيلا لعملية الصيانة، وضمانا لعدم الإضرار بأحجار الرصف الخاصة التي تستخدم في رصف أرضيات المنطقة، وتشمل أيضا مشاريع التنمية والتطوير المقترحة من ترميم وإعادة تأهيل للبيوت التاريخية وتوظيفها لاستخدامات مكتبية وسكنية وتجارية مختلفة، تساعد على تأصيل الهوية التاريخية للمنطقة، وتخصيص عدد من المباني التراثية بعد ترميمها كمتاحف، ومراكز ثقافية، ومعهد للحرف اليدوية، وكلية للسياحة، أما مشاريع الخدمات العامة فمن ضمن المخطط لها ترميم وإعادة تأهيل مبان تاريخية، كمقر لإمارة منطقة مكة المكرمة، ومحافظة جدة، ومبنى للجهات الحكومية الأمنية، وإنشاء مواقف سيارات متعدد الأدوار في محيط المنطقة، وتوفير واسطة نقل خفيفة ومناسبة للنسيج التاريخي من وإلى المواقف. موضحا أن مراحل ترميم المباني التاريخية ستمر بعدة مراحل تبدأ بتشخيص البيت القديم هندسيا بالكامل وكتابة تقرير فني عن حالته وأعمال الترميمات اللازمة له ووضع خطة ترميمه وكيفية تأهيله، وبعد ذلك يتم إصدار رخصة بناء لإعادة الترميم ثم يبدأ الترميم باستخدام المواد التقليدية كالحجر القديم والخشب الأصلي بعد معالجتها، كما يتم التعامل مع بعض العناصر الحديثة كالأسمنت وغيره بمعايير محددة، حيث يجري عمل تمديدات الكهرباء والمياه في أضيق الحدود حتى لا تكون ظاهرة، وللوصول إلى الهدف دربنا العديد من العمال والمهندسين، على أعمال الترميم واللياسة بالمواد التقليدية، وحسب الطرق القديمة المعروفة، وأفاد أنه بعد تشخيص المشاكل الإنشائية الموجودة في المبنى التاريخي يتم تقوية وتدعيم المبنى، ومن ثم يتم ربط الحوائط الحاملة ببعضها وربطها بالأسقف المركبة بأعصاب حديدية، بالإضافة إلى حقن مسامات وفراغات الحائط لتجعله أكثر تماسكا، مع ربط الأسقف بجسم المبنى بطريقة تزيد تماسكه، ثم تعالج وترمم العناصر الخشبية الموجودة به كالرواشين والنوافذ والأبواب، وأول مبنى تم ترميمه هو بيت أبو صفية التاريخي الذي تملكه الدولة بالتعاون مع استشاري الترميم الفرنسي، حيث تمت إزالة الترميمات العشوائية التي تمت من قبل وتم ترميمه الإنشائي، وتتواصل حاليا أعمال التشطيب النهائي فيه، أيضا ننفذ حاليا أعمالا ترميمية في وقف الفلاح ومبنى البسيوني.
الملاك يتحملون المسؤولية
ولم ينس عدس ملاك هذه المباني، حيث وجه الاتهام له وقال: إنهم يتحملون مسؤولية ما حدث لمبانيهم من تدهور حاصل لعدم صيانتها بشكل مستمر، وتأجيرها على الوافدين الذين يستخدمونها بشكل جائر غير مناسب من خلال مخالفات: كاستخدام المبنى من قبل أعداد كبيرة من المستأجرين تفوق طاقة المبنى، ووضع الأسلاك والتوصيلات الكهربائية في الرواشين الخشبية، إضافة إلى وضع أوعية تخزين المياه على أسطح تلك المباني التي تعاني من الإهمال، وقد اتخذت أمانة جدة منذ 4 أشهر بعض الإجراءات لمعالجة هذه المشكلة، منها تشكيل لجنة من عدة جهات حكومية للكشف على المباني وحصر المخالفات فيها، وتوجيه إشعارات للملاك المخالفين ضرورة ترميمها وإخلائها فورا، ومنع استخدامها كمستودعات، كما طرحت الأمانة مبادرة في هذا الصدد إضافة إلى أنها مستعدة لمنح المشورة الفنية للملاك حيال الموضوع لدعم التوجه الحكومي للحفاظ على هذا التراث، وعن حوادث الحريق التي وقعت في المنطقة التاريخية في وقت سابق قال: إن ما يحدث في المنطقة التاريخية من حرائق وانهيارات يمثل فقدانا لتراث عمراني معماري ذي قيمة عالية وبشهادة جميع المختصين والمهتمين، ويجب على الجميع التكاتف من أجل المحافظة عليه، مرجعا أسباب الحرائق والانهيارات للمباني التاريخية إلى الترميم الخاطئ والاستخدام الجائر الذي يحدث نتيجة قيام ملاك المباني بتأجيرها كمستودعات للبضائع وكسكن لأعداد كبيرة من الوافدين. وسبق أن أشار أمين جدة المهندس عادل فقيه إلى أن هناك فكرة لإعادة صياغة خطط السلامة لحماية المنطقة التاريخية من مخاطر الحرائق التي باتت تهدد المنطقة التاريخية من حيث ضيق أزقتها وصعوبة وصول مركبات الدفاع المدني إليها، وأضاف أن هناك برنامج حماية متكامل لأكثر من 500 مبنى ومعلم أثري بوسائل أكثر تطورا بدلا من الاقتصار على توزيع عبوات الإطفاء في المباني، حيث أن الحرائق باتت خطرا محدقا يهدد المناطق التاريخية والتي تشكل كنزا تاريخيا وإرثا حضاريا وثقافيا وسياحيا مهما، والتي تعد قابلة للحرائق؛ نظرا لكثافة المواد الخشبية المستخدمة في بنائها وصعوبة وصول سيارات الدفاع المدني إليها، علاوة على ما تشكله من خطورة تهدد ساكنيها، كما أشار أيضا إلى تحديد 18 محورا استراتيجيا تعتمد عليها دراسة تطوير المنطقة التاريخية وبلغت ميزانية الدراسات 40 مليون ريال، حيث ركزت الاستراتيجيات التي تعتمد عليها الدراسة على وضع برامج صيانة مستمرة للمنطقة التاريخية.
فقدنا الكثير
المهندس سامي نوار مدير السياحة في أمانة جدة قال: لا بد أن نعترف لأنفسنا أن كثيرا من المباني التاريخية في منطقة جدة القديمة حالتها سيئة وتوجد فيها العديد من المشاكل، وفي المقابل لا بد أن نعترف أيضا أن هناك جانبا مضيئا وهناك مبان حالتها جيدة وتم الحفاظ عليها، والأمل ما زال قائما للحفاظ على ما تبقى منها، فقدنا الكثير من كنوز المنطقة التاريخية لأسباب مختلفة، وبقي الكثير، ولكن ينبغي الاستعجال في ترميمها والاهتمام بها، وعن الفترة السابقة التي عمل بها وأشرف على المنطقة التاريخية قال عنها: إنه نفذ العديد من الأعمال، وتم إنقاذ الكثير من المباني، منها بيت الشربتلي، وبيت الصيرفي وبوابة باب شريف، واكتشفنا بئراً يتجاوز عمرها 500 عام، ما زالت موجودة، ورممنا بيت نصيف الذي يعتبر الآن من أبرز المباني الأثرية، ويقصده الكثير من السياح، وتنفذ فيه العديد من المهرجانات والمعارض، ومع تقديري لكل الجهود المبذولة حاليا في ترميم وصيانة المباني التاريخية في المنطقة مازلت مؤمناً ومؤيدا للطريقة التي كنا نلجأ إليها في عملنا التي كنا نعتمد فيها على الأيدي العاملة السعودية «المحلية» أو كما نسميه «ابن البلد».
مشيرا إلى أن المباني الأثرية كان عددها في ذلك الوقت يزيد عن 550 مبنى، لكن الحرائق المتكررة والعوامل الطبيعية، وظروف المناخ، أدت إلى فقدان الكثير منها، حتى قل عددها وأصبحت تتراوح بين 300 و400 مبنى أثري، وهذا ما يتطلب تحركا سريعا للحفاظ على ما تبقى منها.
وزارة للآثار والسياحة
الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي عضو مجلس الشورى الأستاذ بجامعة الملك سعود طالب إقامة متاحف كبرى مثلا تفعل الدول الأخرى، منها على سبيل المثال المتحف البريطاني، أو اللوفر وهي مشروعات قد لا ينهض بها أفراد، بل هيئات ومؤسسات ودول وإن كانت للأفراد جهودهم غير المنكرة في هذا المضمار، فهناك مشروع عملاق نهض به أحد المواطنين، يتمثل في قصر في مدينة النماص جنوب المملكة، يمثل هذا المشروع، عددا من الآثار الحضارية منذ العهد النبوي، والحضارات المتعاقبة وصولا إلى العهد السعودي، وهذا نموذج رائع بل إن تلك المبادرات الفردية لا تحظى حتى بالاهتمام الإعلامي، وحتى نحقق ما نريد في هذا المجال لا بد من وجود وزارة للآثار والسياحة تفْرغ لهذا المجال الواسع والمتشعب والمهم جدا، ذلك أن ثروة السعودية الخالدة وغير الناضبة لا تتمثل في النفط، بل تتمثل في تاريخها وآثارها وثقافتها.
إعداد شباب الوطن
الدكتور عبد الله بن سليمان الوشيل المدير العام للمشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية في الهيئة العامة للسياحة والآثار أوضح أن المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية في الهيئة العامة للسياحة والآثار، نفذ برنامجاً تدريبياً في مجالي إعادة ترميم وتأهيل المباني التاريخية، ضمن جهود تشجيع الاستثمار في تنمية وتطوير الصناعات والحرف اليدوية، مشيرا إلى أهمية برامج إعداد شباب الوطن الحرفيين وتشجيعهم وتدريبهم لأنهم الوحيدون الذين يمكنهم الاهتمام والحفاظ على آثار الوطن بدافع الوطنية والإخلاص لمقتنيات الوطن، وأضاف أن برنامج إعادة ترميم وتأهيل المباني التاريخية استهدف تدريب مجموعة من الحرفيين الشباب في منطقة المثناة في محافظة الطائف على أحد البيوت القديمة بالمنطقة، ليصبحوا من أوائل الشباب الذين يتم تدريبهم في المنطقة على حرفة تشكيل الحجر وترميم المباني القديمة، إضافة إلى هدف الحفاظ على تلك الحرفة من الاندثار، وأن المتدربين 12 شاباً أنهوا برنامجهم بنجاح بعد أسبوعين من التدريب العملي المكثف، من خلال برنامج بالتعاون مع جهاز التنمية السياحية والآثار بالطائف والقطاع الخاص، وكشف أن المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية سيسعى مع عدد من الشركاء لتأمين حاضنات أعمال لخريجي البرنامج لتفعيل ما تدربوا عليه من خلال العمل الحرفي مما يساعدهم على تأمين مصدر دخل لهم يسهم في تخفيف أعباء الحياة عليهم وعلى أسرهم ويجعل الاستفادة من مثل هذه البرامج حافزا لغيرهم من الشباب .
سلوكيات خاطئة
العميد محمد بن عبد الرحمن الغامدي مدير عام الإدارة العامة للدفاع المدني بجدة، أرجع أسباب الحرائق المتكررة في المنطقة التاريخية، إلى بعض السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها سكان المنطقة من الوافدين ومنها: وضع الإضافات من الزنك والخشب فوق المنازل، واستخدام بعض السكان المنازل كمستودعات للأقمشة وبعض المواد الأخرى، وشدد على ضرورة وجود طريقة جديدة للحفاظ على الرواشين القديمة سريعة الاشتعال، وذلك بدهنها بدهان خاص يقلل من سرعة اشتعالها أو إعادة بنائها بطريقة معينة توازن بين بقائها وجعلها أكثر أمنا، وضرورة وضع شبكة إطفاء داخل المدينة التاريخية لصعوبة وصول آليات الدفاع المدني إليها، ودعا مدير عام الإدارة العامة للدفاع المدني في جدة إلى ضرورة استمرار الدراسات المتعلقة بالمنطقة ومقارنتها بتجارب الدول الأخرى لوضع حلول توازن الجانبين التراثي وجانب الأمن والسلامة لها.