موتو.. موبايل

صلاح الدين الدكاك

* «أعز مكان في الدنا» ـ خلافا للمتنبي ـ متن دراجة نارية، تميل بسائقها لتلامس ركبتاه الإسفلت، وتعتدل ليلامس بخياله سماء «نجوم الأكشن» ساحبا خلفه خصلات شعر طويل مهمل، ونهر دخان يحبس أنفاس العابرين!
ـ «وخير جليس في الزمان» هاتف محمول بمزايا متعددة وذاكرة رحبة، تتسع لمقاطع الفيديو «الطويلة والقصيرة والمربربة والرشيقة» والمتخففة من عبء ملابس الفصول الأربعة، هكذا أصبح الحال.
ـ تكتظ مدينتنا الصغيرة والأكبر كثافة سكانية في اليمن، بعشرة آلاف جواد حديدي، أي بعشرة آلاف فارس عصري، من فئات عمرية دنيا ومتوسطة، تطاردهم دوريات الشرطة أحيانا، لأسباب لاعلاقة لها بسلامة البيئة والبشر، ويطاردون قمر المدينة وشمسها ونسائمها ليل نهار.
وتكتظ حقائل التلاميذ وأفنية المدارس وأزقة الحارات، بـ «خير جليس» سهل الحمل والتحميل يجود على جلسائه بأسرار الغرف المغلقة، ولا يبوح بسرهم.
ـ يمكن لوزارة العمل أن تقرأ وفرة الدراجات النارية، بمعيار وفرة فرص العمل، وأن يرى «التخطيط الحضري» في الانتشار المثابر لـ «الموبايل» فتحا حضريا ورقيا في نمط الاستهلاك التقني، لكن القضية تأخذ بعدا مغايرا، في مدينتنا التي لا تحلم العصافير بفتات موائدها الشحيحة.
ـ ليست الدراجة وسيلة مواصلات في حالة مدينتنا، قطعا، كما ليست الهواتف المحمولة وسيلة اتصال.
يتعلق الأمر بفوضى عاصفة في الاقتصاد الأسري واقتصاد البلد، ترعرعت في كنفها، هذه الميول الشبقة والمتفلتة لدى الفئات العمرية المتوسطة والمراهقين، لاكتساب مزايا الشارب والقفز على سياج الأسرة المقدس، ولو إلى فراغ.
إن دخل عائلة ما، من أربع دراجات قد يرتفع لكن مصحوبا بتدني مستوى التعليم والصحة، وفيما توفر الثقافة البصرية اطلاعا أوسع على مجاهيل الحياة، فإن عجزا متناميا في توجيه القيم الخاصة والعامة ينشأ بالتوازي مع عملية الاطلاع. إن وسائط الاتصال والثقافة البصرية ـ بطبيعة الحال ـ مدارس مفتوحة بلا ضوابط، ويصعب التحكم في مناهجها ومقرراتها، عوضا عن توجيهها لغايات نافعة على مستوى الذات والمجتمع.
ـ حتى أبناء الميسورين تغريهم فكرة اقتناء دراجة نارية، إذ أصبحت هذه الأخيرة جسرا ممهدا للرغبة في الانعتاق من هيمنة المحاذير العائلية والذهاب بعيدا، صوب نهايات غير محسومة سلفا بقرارات أبوية.
Salah_Aldkak@yahoo.com