صيَّـاد المديح

صلاح الدين الدكاك

يتسلل العربي، حين يرغب في امتداح شخص ما، إلى البراري والغابات والحظائر، ليصطاد ما يليق بممدوحه من الصفات والمزايا، وحين يرغب في أن يذمه ويشتمه فإنه يلجأ إلى الأمكنة نفسها!
لم يشهد قاموس المديح والذم العربي تحولاً من أي نوع في المفاهيم يعكس حركة الحياة، فبينما يتخذ الجمهوريون من الحمار في أمريكا شعاراً لحزب يحبس أنفاس العالم، لا يزال هذا الحيوان الخدوم جداً شتيمة مقذعة ونقيصة فادحة يلحقها العربي بالآخر.
ــ لم تطرأ متغيِّـرات تطيح بالأسد الذي يتربع عرش المدائح منذ زمن المرقـَّـش، ولا يزال هذا الحيوان المتوحش المفترس سبباً رئيساً لانتفاخ أوداج الموصوفين به. إن الأشرس والأفتك والأغدر والأمكر والأكثر ضرراً، هي القواعد الذهبية العريقة التي يصطاد بموجبها المادح نظائر حيوانية تكافئ قدر الممدوح.
في الاستعارة القرآنية يصف ذو الجلالة نوره بالمشكاة، ويشبه المؤمنين بـ«امرأة فرعون»، كما تحمل ثلاث سور كريمة أسماء «النمل، البقرة، والنساء»؛ وهو خروج واضح على قيم الاستعارة البلاغية حينها، لكنه خروج لم يتأصل لدى العرب، وظلت شهوة التحقير العريقة متسيِّـدة، وظل الشعراء أنفسهم يُـفرزون في معيار النقد، بحسب «فحولتهم» إلى طبقات.
ــ هاهي أم آخر أمراء الأندلس توبِّخ ابنها عبر تشبيهه ببنات جنسها:
إبك مثل النساء مُلكاً مضاعاً
لم تحافظ عليه مثل الرجالِ
ويصف أحد الشعراء شيطان شعره بـ «الذكر» وشياطين غيره بالإناث.
ــ تمثِّــل الحيوانات المتوحشة، المفترسة، الماكرة، والرجال ـ بطبيعة الحال ـ النماذج المثلى للقوة والدهاء، التي ينبغي القياس عليها في التصوُّر العربي، وإذا أظهرت المرأة قوَّة أو دهاء في شخصيتها فقد «استرجلت»، أو هي «امرأة بألف رجل»، تماماً كما يقال:
«استأسد البغاث، أو تنمَّـرت القطة» في وصف الحيوانات والحشرات الدنيا، حين تسبح على العكس من ضعفها وهوانها «الأصيل».
ــ تكشف الاستعارات والتشبيهات السابقة عن اختلالات عميقة في المفاهيم الجمالية، كما تؤكد ثبات مواقع الأفراد في التراتبية الاجتماعية لثبات وظائفهم القائمة على رافعة «الجين، النوع، العرق، واللون» التي لا تتبدل استجابة للجديد والطارئ!
ــ ربما تنقرض الغابات والحيوانات على الطبيعة، لكن المؤكد أنها ستبقى حية تتكاثر بوفرة في القاموس العربي.
تلك بشرى نزفها لأنصار وأصدقاء البيئة.
Salah_Aldkak@yahoo.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 216 مسافة ثم الرسالة