ثورة العازبات الصامتة 1-2
الأربعاء / 12 / رمضان / 1430 هـ الأربعاء 02 سبتمبر 2009 20:11
ابتهال مبارك
تخرجت أنا وصديقاتي من جامعة الملك عبدالعزيز ـ كلية الآداب ـ قسم الأدب الإنجليزي ـ العام 2001. ننتمي أربعتنا إلى عائلات محافظة معتدلة ليست بالليبرالية ولا بالمتشددة المنغلقة كما هي حال السواد الأعظم من الطبقة المتوسطة السعودية. بطبيعة الحال كبرنا وتبلورت رؤانا وتوجهاتنا الفكرية فينا المحافظة والليبرالية وبين البين وأيضا اللامبالية، لكن خلفياتنا الاجتماعية كانت تقريبا متشابهة، دراستنا كانت بالكامل ضمن نظام التعليم السعودي العام لم نكبر ونحن نقضي صيفنا في الهايد بارك ولم نتسوق في المتجر اللندني الشهير هارودز، نعم سافر البعض منا للخارج صيفاً ولكن ما تسمح به ميزانية آبائنا التي لا تقوى على الجنيه الاسترليني. لم نعش الحياة الغربية بتفاصيلها الصغيرة لنعي كيف تعيش المرأة حرة من ولي على أمرها، ولم يستهونا يوماً خطاب ديني متزمت لا يرى فينا إلا إماء لاحول لها في أمرها ولاقوة. نشبه كثيراً عزيزي القارئ أختك وقريباتك من النساء اللواتي أكاد أجزم أن بينهن أكثر من امرأة عزباء.
نحن كذلك عازبات، نعم أقول عازبات ولسنا بعانسات وسأشرح الفرق لاحقاً، وصلنا لسن الثلاثين ونيف ولم نتزوج، وليست بيننا واحدة تتأفف وتولول نادبة حظها باكية على قطار الزواج الذي لم يتوقف في محطتها. الحق أن الكليشيه إياه «قطار الزواج» الذي يتكرر ذكره في المسلسلات والمقالات السامجة على استفزازه الممجوج، هو مدعاة دائمة للسخرية بيننا ومع الآخرين، نتندر دائماً بأن القطار لم يمر مسرعاً من أمامنا، بل الأصح أنه دهسنا مارقاً ونحن لم نلق له بالا. تخرجنا واستقبلتنا البطالة، اضطررنا بعدها للعمل في مهن لا نريدها لأنها المتوفرة حينها، أكثرنا تفوقا الثانية على الدفعة اضطرت للعمل لأكثر من سنة في استقبال أحد المستشفيات الخاصة في جدة تجدول مواعيد المرضى وترتب الملفات الطبية. وظيفة كما ترون يستطيع شغلها أي خريج / خريجة بشهادة الابتدائية، لا تحتاج إلى دراسة الرواية الأمريكية الحديثة ولا مسرحيات شكسبير، لكنها كانت الوظيفة المتوفرة أمامها، لم يشفع لها تفوقها بوظيفة أفضل، وهي الخالية الوفاض من الوساطات والمحسوبيات، ألم أقل لكم طبقة وسطى وسواد أعظم؟ المهم مرت ثماني سنوات على أحلامنا الغضة وهنات البدايات، واستطاعت كل واحدة منا أن تتحصل على الوظيفة الحلم إن صح التعبير، وهذه قصة أخرى لايسعني سرد تفاصيلها هنا.
أنتم إذاً أقراني القراء الذكور أمام الجيل الثاني من النساء المتعلمات في عائلاتنا التي أظهرت تململا في بداية عملنا في بيئات عمل مختلطة، كوننا الجيل الأول الذي خرج عن شرنقة اقتصار عمل المرأة على سلك التعليم، ولكنهم لم يجدوا بداً إلا بالتصالح مع الأمر الواقع الذي يقول باستحالة توظيف كل خريجات البلد في جهاز واحد. في خضم الدراسة الجامعية والبحث عن تحقيق الذات. بعد ذلك ظل موضوع الزواج يظهر على السطح كهدف إنساني طبيعي، والذي وإن كنت شخصياً استبعدته واستعديته منذ سنوات المراهقة الأولى بتشجيع من والدي في حالة فردية أعرف أنها نادرة، في حين كانت البقية من صديقاتي ولازلن ليس لديهن مشكلة أو رغبة صادمة لرفض فكرة الزواج قطعياً. كل ما في الأمر أن الرجل المناسب في رأيهن لم يظهر بعد، ولم يرغمهن أهلهن على الزواج رغم الإلحاح من حين لآخر، والأهم من كل هذا أنهن لم يشعرن أبداً برضوخهن تحت ضغط المجتمع الأبوي الذي لا يرحب بأي تصرف يوحي بانفرادية أصحابه وخروجهم على سياسة القطيع خصوصاً لو كانوا نساء. لماذا ؟ وكيف ؟ الظاهر أننا لسنا الوحيدات في ذلك حسب آخر الإحصائيات في مسح ديموجرافي للمملكة في عام 2007، حيث صنفت النتائج سن الـ30 بالنسبة للفتاة السعودية بأنه سن «العنوسة» الذي يعتقدون بأن «احتمال الزواج بعده ضئيل جدا»، وكانت نسبتهن ما يقارب الـ 4 في المائة، في زيادة من الأعوام السابقة مع ملاحظة أن هذه النسبة لاتشمل المطلقات والأرامل العازبات أيضاً.
أؤمن تماماً بأنه بعيداً عن السجالات القائمة بين قطبين متنافرين حول حقوق المرأة السعودية وفي غياب مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات غير ربحية تتيح لغالبية النساء المشاركة في صنع خطاب حقيقي نسوي وعملي عوضاً عن المحاولات الفردية التي تتصف غالباً بالنخبوية وعدم الوصول إلى الجماهير لانعدام الوسيلة بالأساس تقوم جماعة صامتة وليست بالقليلة أبداً من النساء السعوديات بثورة اجتماعية مثيرة للاهتمام خالية من الجعجعة والصوت العالي، أحب أن أسميها مجازاً بحركة العصيان العفوية على منظومة الزواج السعودي. لا تبالي الجماعة المتعلمة من النساء العازبات بالأنظمة والأعراف الاجتماعية التي تحاول الضغط عليها بإظهار الشفقة حينا والتشكيك في نوايا قراراتها أحيانا أخرى، مستخدمين خطاباً دينياً يصور النساء العازبات كخطر نووي عظيم وجبت الوقاية منه وتجييش الهمم للقضاء عليه، قائلين بأن تعدد الزوجات هو الحل مدعين كذباً بأن نسبة النساء تفوق بمراحل نسبة الرجال بينما يقول تقرير اخباري ناقلا عن نائب مدير عام مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بوزارة الاقتصاد والتخطيط مهنا المهنا، أن آخر نتائج مسح ديموغرافي قامت به الوزارة يؤكد بأن «نسبة السعوديين 102 ذكر لكل 100 أنثى، وتدل هذه النسبة على أن تركيبة المجتمع السعودي طبيعية حيث يقترب فيها عدد الذكور من عدد الإناث». ما هو الخطر المحدق إذا في جماعة من النساء العازبات؟ وماذا تستطيع هذه الثورة الصامتة والعفوية تحقيقه على أية حال؟ هناك الكثير لأخبركم به عنا ... وعنكم.
ebtihalus@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة
نحن كذلك عازبات، نعم أقول عازبات ولسنا بعانسات وسأشرح الفرق لاحقاً، وصلنا لسن الثلاثين ونيف ولم نتزوج، وليست بيننا واحدة تتأفف وتولول نادبة حظها باكية على قطار الزواج الذي لم يتوقف في محطتها. الحق أن الكليشيه إياه «قطار الزواج» الذي يتكرر ذكره في المسلسلات والمقالات السامجة على استفزازه الممجوج، هو مدعاة دائمة للسخرية بيننا ومع الآخرين، نتندر دائماً بأن القطار لم يمر مسرعاً من أمامنا، بل الأصح أنه دهسنا مارقاً ونحن لم نلق له بالا. تخرجنا واستقبلتنا البطالة، اضطررنا بعدها للعمل في مهن لا نريدها لأنها المتوفرة حينها، أكثرنا تفوقا الثانية على الدفعة اضطرت للعمل لأكثر من سنة في استقبال أحد المستشفيات الخاصة في جدة تجدول مواعيد المرضى وترتب الملفات الطبية. وظيفة كما ترون يستطيع شغلها أي خريج / خريجة بشهادة الابتدائية، لا تحتاج إلى دراسة الرواية الأمريكية الحديثة ولا مسرحيات شكسبير، لكنها كانت الوظيفة المتوفرة أمامها، لم يشفع لها تفوقها بوظيفة أفضل، وهي الخالية الوفاض من الوساطات والمحسوبيات، ألم أقل لكم طبقة وسطى وسواد أعظم؟ المهم مرت ثماني سنوات على أحلامنا الغضة وهنات البدايات، واستطاعت كل واحدة منا أن تتحصل على الوظيفة الحلم إن صح التعبير، وهذه قصة أخرى لايسعني سرد تفاصيلها هنا.
أنتم إذاً أقراني القراء الذكور أمام الجيل الثاني من النساء المتعلمات في عائلاتنا التي أظهرت تململا في بداية عملنا في بيئات عمل مختلطة، كوننا الجيل الأول الذي خرج عن شرنقة اقتصار عمل المرأة على سلك التعليم، ولكنهم لم يجدوا بداً إلا بالتصالح مع الأمر الواقع الذي يقول باستحالة توظيف كل خريجات البلد في جهاز واحد. في خضم الدراسة الجامعية والبحث عن تحقيق الذات. بعد ذلك ظل موضوع الزواج يظهر على السطح كهدف إنساني طبيعي، والذي وإن كنت شخصياً استبعدته واستعديته منذ سنوات المراهقة الأولى بتشجيع من والدي في حالة فردية أعرف أنها نادرة، في حين كانت البقية من صديقاتي ولازلن ليس لديهن مشكلة أو رغبة صادمة لرفض فكرة الزواج قطعياً. كل ما في الأمر أن الرجل المناسب في رأيهن لم يظهر بعد، ولم يرغمهن أهلهن على الزواج رغم الإلحاح من حين لآخر، والأهم من كل هذا أنهن لم يشعرن أبداً برضوخهن تحت ضغط المجتمع الأبوي الذي لا يرحب بأي تصرف يوحي بانفرادية أصحابه وخروجهم على سياسة القطيع خصوصاً لو كانوا نساء. لماذا ؟ وكيف ؟ الظاهر أننا لسنا الوحيدات في ذلك حسب آخر الإحصائيات في مسح ديموجرافي للمملكة في عام 2007، حيث صنفت النتائج سن الـ30 بالنسبة للفتاة السعودية بأنه سن «العنوسة» الذي يعتقدون بأن «احتمال الزواج بعده ضئيل جدا»، وكانت نسبتهن ما يقارب الـ 4 في المائة، في زيادة من الأعوام السابقة مع ملاحظة أن هذه النسبة لاتشمل المطلقات والأرامل العازبات أيضاً.
أؤمن تماماً بأنه بعيداً عن السجالات القائمة بين قطبين متنافرين حول حقوق المرأة السعودية وفي غياب مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات غير ربحية تتيح لغالبية النساء المشاركة في صنع خطاب حقيقي نسوي وعملي عوضاً عن المحاولات الفردية التي تتصف غالباً بالنخبوية وعدم الوصول إلى الجماهير لانعدام الوسيلة بالأساس تقوم جماعة صامتة وليست بالقليلة أبداً من النساء السعوديات بثورة اجتماعية مثيرة للاهتمام خالية من الجعجعة والصوت العالي، أحب أن أسميها مجازاً بحركة العصيان العفوية على منظومة الزواج السعودي. لا تبالي الجماعة المتعلمة من النساء العازبات بالأنظمة والأعراف الاجتماعية التي تحاول الضغط عليها بإظهار الشفقة حينا والتشكيك في نوايا قراراتها أحيانا أخرى، مستخدمين خطاباً دينياً يصور النساء العازبات كخطر نووي عظيم وجبت الوقاية منه وتجييش الهمم للقضاء عليه، قائلين بأن تعدد الزوجات هو الحل مدعين كذباً بأن نسبة النساء تفوق بمراحل نسبة الرجال بينما يقول تقرير اخباري ناقلا عن نائب مدير عام مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بوزارة الاقتصاد والتخطيط مهنا المهنا، أن آخر نتائج مسح ديموغرافي قامت به الوزارة يؤكد بأن «نسبة السعوديين 102 ذكر لكل 100 أنثى، وتدل هذه النسبة على أن تركيبة المجتمع السعودي طبيعية حيث يقترب فيها عدد الذكور من عدد الإناث». ما هو الخطر المحدق إذا في جماعة من النساء العازبات؟ وماذا تستطيع هذه الثورة الصامتة والعفوية تحقيقه على أية حال؟ هناك الكثير لأخبركم به عنا ... وعنكم.
ebtihalus@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة