السعودية- روسيا والمكاسب المتبادلة

مطلق سعود المطيري

من بين المعايير الأساسية، التي يستند إليها علماء السياسة، في قياس قوة الدول، طبيعة علاقاتها الخارجية، ومدى تنوع هذه العلاقات وتشابكها وتعدد أبعادها وتنوع قضاياها، وخاصة مع القوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي القائم، فهذا التنوع من شأنه أن يزيد من اتساع حرية الحركة التي تتمتع بها الدولة في علاقاتها الدولية، ومدى قدرتها على المناورة في حال تعرض بعض هذه العلاقات لأزمات مرجعها ما يشهده العالم من تطورات وتحولات، وفق القاعدة المعروفة «صديق اليوم عدو الأمس، وعدو اليوم صديق الأمس».
في أعقاب أزمة الحادي عشر من سبتمبر، تزايدت معدلات اتجاه المملكة إلى تنويع علاقاتها، وتوسيع شبكة تحالفاتها الاستراتيجية، الإقليمية منها والدولية، وكان في مقدمة الدول التي حرصت المملكة على توثيق العلاقات معها، روسيا الاتحادية، فكانت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان ولياً للعهد، في سبتمبر عام 2003، ثم زيارات الأمير سلطان ولي العهد، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، إلى موسكو، وفي المقابل تعددت زيارات المسؤولين الروس إلى المملكة، وكان آخرها زيارة وزير الخارجية الروسي «لافروف» في مايو الماضي، والآن يقوم الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بزيارة رسمية إلى العاصمة الروسية موسكو تستغرق 5 أيام تلبية لدعوة من عمدة موسكو.
والزيارات المتبادلة لا تمثل إلا ملمحاً واحداً من ملامح تطور العلاقات بين الجانبين في السنوات الأخيرة، والتي شهدت العديد من التطورات لعل أبرزها الدعم السعودي لقبول روسيا كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي في سبتمبر 2003، ثم التوسع الهائل في العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين، وكانت مؤشراته انعقاد المنتدى الاقتصادي الروسي السعودي في دورته الأولى في موسكو في يوليو 2003، ثم زيارة وفد اقتصادي روسي للمملكة خلال الفترة من 15-18 ديسمبر 2003م.
كما احتضنت الرياض أعمال اجتماعات الملتقى الخامس لمجلس الأعمال الروسي- العربي، خلال الفترة من 28 فبراير وحتى الأول من مارس 2006، بحضور مجموعة من رجال الأعمال الروس الكبار ورؤساء الغرف التجارية والصناعية العربية ورؤساء الشركات ورجال الأعمال العرب، ويتم الآن الإعداد للملتقى السادس الذي سيعقد في مدينة سان بطرسبرج الروسية في سبتمبر القادم.
ومع هذه التطورات يكون من المهم التأكيد على عدد من الاعتبارات، في مقدمتها:
- التذكير بأن الاتحاد السوفيتي، قبل انهياره عام 1990، كان أول دولة في العالم اعترفت بالمملكة العربية السعودية في 6 فبراير 1926، وفي عام 1932 قام الملك فيصل رحمه الله (الأمير فيصل آنذاك) بزيارة الاتحاد السوفيتي، وكان لهذه الزيارة أثر بارز في بناء جسور العلاقات بين الرياض وموسكو، وإذا كانت العلاقات قد انقطعت في أعقاب الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1980، فإنها قد استؤنفت في أعقاب أزمة الغزو العراقي للكويت، بعد الموقف الإيجابي لروسيا من الأزمة.
إن روسيا، وإذا كانت، وفق علماء السياسة، ليست دولة عظمى بالمنظور السياسي الراهن، المحكوم بنظام القطب الواحد للعالم، فإنها تظل قادرة على تحقيق دور توازني عظيم في المنطقة، كما أنها لا تزال دولة عظمى من منظور صناعاتها الحربية وترسانتها النووية، ومساحتها الشاسعة التي تمتد من أقصى شرق الكرة الأرضية، بإطلالة على الغرب الأمريكي، إلى حدود فنلندا غرباً، وتتاخم حدود روسيا قرابة خمس عشرة دولة آسيوية وأوروبية شرقاً وغرباً وجنوباً. وتضم هذه الأرض الشاسعة ثروات طبيعية هائلة من النفط والغاز والماس والذهب والأخشاب، والماء، إضافة إلى تعدد أعراق روسيا وثقافاتها وإرثها التاريخي، وما تملكه من قدرات بشرية مؤهلة لمواصلة دورها الفاعل في العلاقات الدولية.
- إن قوة العلاقات السعودية- الروسية، تتوقف في جانب رئيسي منها، على مدى قدرتنا، نحن السعوديين، على إعادة تقديم صورة للشعب السعودي عن روسيا، تغاير الصورة النمطية المكرّسة عن روسيا «المغلقة»، من ناحية وتغيير الصورة النمطية للمملكة في روسيا، والعمل على إظهار القواسم الثقافية المشتركة بين الحضارتين، الإسلامية والروسية، وإبرازها على السطح الإعلامي والميداني، خاصة أن روسيا الاتحادية بها واحدة من أكبر الأقليات الإسلامية في العالم يصل تعدادها إلى نحو مائة مليون مسلم، يمكن أن يشكلوا جسراً هائلاً للتواصل الحضاري، بين الجانبين، وبناء تكتل قادر على مواجهة سياسات الهيمنة الفكرية والثقافية التي يحاول البعض فرضها على العالم.
- ضرورة تجاوز عثرات الماضي، والحذر من أزمات الحاضر، وخاصة ما يتعلق منها بالشيشان والإرهاب، وتعزيز الثقة المتبادلة المبنية على حاجة كل من طرفي العلاقة إلى الآخر، والتأكيد على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به روسيا، والقدرة على الإفادة منها، بدلاً من الاعتقاد بأنها كانت دولة عظمى وسقطت، في المقابل، وكذلك التأكيد للروس على أن المملكة ليست دولة نفطية فحسب، أو أنها دولة تصدر الإرهاب، وفق بعض الجهات التي تحاول تصويرها كذلك، ولكنها دولة تملك من القدرات الدينية والاقتصادية والسياسية، ما تستطيع به التأثير في مسار العلاقات الدولية وقضاياها الرئيسية، ليس في العالمين العربي والإسلامي فقط، ولكن في العالم أجمع.
إن إدراك كل طرف لقدرات الآخر نصف الطريق نحو توثيق العلاقات بين الجانبين، بما يعود بالخير على شعبي الدولتين وعلى شعوب المنطقة.