التجديد مسؤولية جماعية
الاثنين / 24 / رمضان / 1430 هـ الاثنين 14 سبتمبر 2009 22:09
وليد احمد فتيحي
ينصب كل إنسان لنفسه شاء أم أبى راية تحدد وجهته ومهما خفيت هذه الراية على كثير من الناس إلا أنها ظاهرة جلية للخالق البصير الخبير، ويرى آثارها على القول والعمل من حباهم الله النظر في الأمور بعين الآخرة ونور الإيمان بها... لا بعين الدنيا وزيف بريقها.
وهذه الراية تكون واحدة من ثلاث إما أنانية أو إنسانية أو ربانية... أما الأنانية فهي راية (الأنا) فترى الهم الشاغل لصاحبها أن يحقق أكبر قدر من متاع الدنيا وزخرفها في أقصر وقت ممكن وبأي وسيلة كانت... وأما راية الإنسانية فهي راية من كان فيه وازع خير يوجهه في خدمة الإنسان ومن أجل الإنسانية، ويحاول تحقيقه على أرض الواقع ولكنه لا يربطها بالسماء لا بنية ولا بغاية... وأما الربانية فهي راية أراها نادرة في عصرنا هذا وهي أوسع من سابقتها إذ يحقق حاملها خدمة الإنسانية في أجمل صورها وأعلى غاياتها حين يربطها بالسماء غاية وأسلوبا وشرعا من لدن حكيم عليم.
وحملة هذه الراية الربانية دائما هم أصحاب رسالات وقضايا يتحرقون لرؤية روح السماء متمثلة متجسدة في مشاريع حضارية تخدم الإنسان بشرع وهدى السماء ومن سيرة هؤلاء يستقى العلم وتستوحى الأفكار وتستخلص الدروس.
وقد آليت على نفسي أن أجند قلمي لخدمة هذه الأفكار البناءة لأصحاب الرايات الربانية الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإنسان والإنسانية، ولتجسيد روح هذا الشرع العظيم حركة فاعلة وواقعا مشهودا ومشروعا حضاريا رائدا لينهض مرة أخرى بالأمة ويعيدها إلى مكانتها العالية التي وعدها الله لكل من يحمل آخر رسالات السماء حق حملها... وقد سبق أن كتبت في الرابع من مارس 2008م مقالا بعنوان (حتى يكون عمل الأمة كلها عمل النبي الواحد) وذكرت في ذلك المقال مفهوما هاما جدا في تقديري لنهضة أمتنا... أذكره هنا:
وسلطت الضوء على فلسفة القدوة في الفرد (بحيث لا نجعل تقصير الفرد في نواح من شخصيته مغفلا لجوانب القدرة فيه) بل نظهر هذه الجوانب ونبرزها لنحث الآخرين على الاقتداء بها.
وبذلك يمكن أن تتجسد في مجموع تلك القدوات صورة النبي الواحد من خلال صفاته وهو يدعو الناس لله، وبذلك يكون عمل الأمة كلها من مثل عمل النبي الواحد ولا تكون نهضتها إلا من خلال هذا المجموع التراكمي لمشروعات الأفراد فيها.
كما بينت أن القراءة القاصرة والفهم الخاطئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها).
فبدلا من أن يكون هذا الحديث باعثا للأمل في النهضة يصبح سببا في التكاسل والانتظار الحالم، وبمثل هذا المنطق فإن انتظار الصورة الكاملة لذلك المسلم المجدد ليغير حال الأمة فكر قاصر يحتاج إلى تصحيح.
وهذا فهم خاطئ أشار إليه علماء أفاضل منهم د. يوسف القرضاوي في كتاب «من أجل صحوة راشدة»، حين لمح في كتابه إلى أن التجديد مسؤولية جماعية وليس بالضرورة أن يناط بفرد واحد، والقارئ الدارس المتمعن لتاريخ العصور الذهبية لسيادة أمتنا يجد هذا واضحا جليا فهذا صلاح الدين الأيوبي مثلا لم يكن في بدايته سوى نبتة في أرض حرثها ومهدها من قبله أجيال تعاقبت كل يضيف على سابقه، فلما تم تمهيد وحرث عقول وقلوب أبناء ذلك الجيل وألقيت بذور الخير فيها فتضافر كل فكر نير وعلم أصيل على تهيئة المناخ لظهور النبات ونموه، وأحال تعهده ورعايته وحمايته نبتته إلى شجرة ذات جذور راسخة وثمار يانعة وعملت مؤازرتها بفكر العمل الجماعي ورفع راية (الربانية) وتنكيس راية (الأنا) أو الأنانية على إخراج أبناء ذلك الجيل كشطء يؤازر أشجاره التي استغلظت واستوت على سوقها فكان صلاح الدين الأيوبي من تلك الأشجار.
فصلاح الدين «لم يكن في بدايته سوى خامة من خامات جيل جديد مر في عملية تغيير غيرت ما بنفوس الناس من أفكار وتصورات وقيم وتقاليد وعادات ثم بوأتهم أماكنهم التي تتناسب مع استعدادات كل فرد وقدراته النفسية والعقلية والجسدية فانعكست آثار هذا التغيير على أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية» وهكذا ظهر جيل صلاح الدين (من كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين للدكتور ماجد الكيلاني).
ولا يشك أحد في عبقرية صلاح الدين الأيوبي وتميزه كقائد عظيم فذ، إلا أن إرجاع سبب النصر لصلاح الدين وحده يعتبر اختزالا لدور أفراد كثيرين قبله وبعده وأثر مؤسسات عديدة بل وأمة بأكملها فالقارئ لتاريخ هذه الحقبة سيعرف دور الغزالي وفلسفته في التربية والتغيير ودور عبد القادر الجيلاني ومدرسته القادرية ومثلها المدرسة العدوية والبيانية، كما لا ننسى دور الشيخ الجعري والجوسقي والجبائي وغيرهم كثيرون.
إن مشروع دور القيادات والأفراد في نهوض الأمة لا يمكن فصله عن تلاحم مدارس الإصلاح عبر السنين في تخريج مثل نور الدين محمود زنكي وأسد الدين شيركوه قبل أن يظهر صلاح الدين الأيوبي بطلا يخلده التاريخ، ونخلص مما سبق إلى أن مشروع النهضة الحضارية للأمة هو مسؤولية كل فرد في المجتمع وهو المجموع التراكمي لمشروعات الأفراد وهو مسؤولية جماعية كل من موقعه الذي سوف يسأله الله عنه وللحديث بقية إن شاء الله...
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة
والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة
وهذه الراية تكون واحدة من ثلاث إما أنانية أو إنسانية أو ربانية... أما الأنانية فهي راية (الأنا) فترى الهم الشاغل لصاحبها أن يحقق أكبر قدر من متاع الدنيا وزخرفها في أقصر وقت ممكن وبأي وسيلة كانت... وأما راية الإنسانية فهي راية من كان فيه وازع خير يوجهه في خدمة الإنسان ومن أجل الإنسانية، ويحاول تحقيقه على أرض الواقع ولكنه لا يربطها بالسماء لا بنية ولا بغاية... وأما الربانية فهي راية أراها نادرة في عصرنا هذا وهي أوسع من سابقتها إذ يحقق حاملها خدمة الإنسانية في أجمل صورها وأعلى غاياتها حين يربطها بالسماء غاية وأسلوبا وشرعا من لدن حكيم عليم.
وحملة هذه الراية الربانية دائما هم أصحاب رسالات وقضايا يتحرقون لرؤية روح السماء متمثلة متجسدة في مشاريع حضارية تخدم الإنسان بشرع وهدى السماء ومن سيرة هؤلاء يستقى العلم وتستوحى الأفكار وتستخلص الدروس.
وقد آليت على نفسي أن أجند قلمي لخدمة هذه الأفكار البناءة لأصحاب الرايات الربانية الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإنسان والإنسانية، ولتجسيد روح هذا الشرع العظيم حركة فاعلة وواقعا مشهودا ومشروعا حضاريا رائدا لينهض مرة أخرى بالأمة ويعيدها إلى مكانتها العالية التي وعدها الله لكل من يحمل آخر رسالات السماء حق حملها... وقد سبق أن كتبت في الرابع من مارس 2008م مقالا بعنوان (حتى يكون عمل الأمة كلها عمل النبي الواحد) وذكرت في ذلك المقال مفهوما هاما جدا في تقديري لنهضة أمتنا... أذكره هنا:
وسلطت الضوء على فلسفة القدوة في الفرد (بحيث لا نجعل تقصير الفرد في نواح من شخصيته مغفلا لجوانب القدرة فيه) بل نظهر هذه الجوانب ونبرزها لنحث الآخرين على الاقتداء بها.
وبذلك يمكن أن تتجسد في مجموع تلك القدوات صورة النبي الواحد من خلال صفاته وهو يدعو الناس لله، وبذلك يكون عمل الأمة كلها من مثل عمل النبي الواحد ولا تكون نهضتها إلا من خلال هذا المجموع التراكمي لمشروعات الأفراد فيها.
كما بينت أن القراءة القاصرة والفهم الخاطئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها).
فبدلا من أن يكون هذا الحديث باعثا للأمل في النهضة يصبح سببا في التكاسل والانتظار الحالم، وبمثل هذا المنطق فإن انتظار الصورة الكاملة لذلك المسلم المجدد ليغير حال الأمة فكر قاصر يحتاج إلى تصحيح.
وهذا فهم خاطئ أشار إليه علماء أفاضل منهم د. يوسف القرضاوي في كتاب «من أجل صحوة راشدة»، حين لمح في كتابه إلى أن التجديد مسؤولية جماعية وليس بالضرورة أن يناط بفرد واحد، والقارئ الدارس المتمعن لتاريخ العصور الذهبية لسيادة أمتنا يجد هذا واضحا جليا فهذا صلاح الدين الأيوبي مثلا لم يكن في بدايته سوى نبتة في أرض حرثها ومهدها من قبله أجيال تعاقبت كل يضيف على سابقه، فلما تم تمهيد وحرث عقول وقلوب أبناء ذلك الجيل وألقيت بذور الخير فيها فتضافر كل فكر نير وعلم أصيل على تهيئة المناخ لظهور النبات ونموه، وأحال تعهده ورعايته وحمايته نبتته إلى شجرة ذات جذور راسخة وثمار يانعة وعملت مؤازرتها بفكر العمل الجماعي ورفع راية (الربانية) وتنكيس راية (الأنا) أو الأنانية على إخراج أبناء ذلك الجيل كشطء يؤازر أشجاره التي استغلظت واستوت على سوقها فكان صلاح الدين الأيوبي من تلك الأشجار.
فصلاح الدين «لم يكن في بدايته سوى خامة من خامات جيل جديد مر في عملية تغيير غيرت ما بنفوس الناس من أفكار وتصورات وقيم وتقاليد وعادات ثم بوأتهم أماكنهم التي تتناسب مع استعدادات كل فرد وقدراته النفسية والعقلية والجسدية فانعكست آثار هذا التغيير على أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية» وهكذا ظهر جيل صلاح الدين (من كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين للدكتور ماجد الكيلاني).
ولا يشك أحد في عبقرية صلاح الدين الأيوبي وتميزه كقائد عظيم فذ، إلا أن إرجاع سبب النصر لصلاح الدين وحده يعتبر اختزالا لدور أفراد كثيرين قبله وبعده وأثر مؤسسات عديدة بل وأمة بأكملها فالقارئ لتاريخ هذه الحقبة سيعرف دور الغزالي وفلسفته في التربية والتغيير ودور عبد القادر الجيلاني ومدرسته القادرية ومثلها المدرسة العدوية والبيانية، كما لا ننسى دور الشيخ الجعري والجوسقي والجبائي وغيرهم كثيرون.
إن مشروع دور القيادات والأفراد في نهوض الأمة لا يمكن فصله عن تلاحم مدارس الإصلاح عبر السنين في تخريج مثل نور الدين محمود زنكي وأسد الدين شيركوه قبل أن يظهر صلاح الدين الأيوبي بطلا يخلده التاريخ، ونخلص مما سبق إلى أن مشروع النهضة الحضارية للأمة هو مسؤولية كل فرد في المجتمع وهو المجموع التراكمي لمشروعات الأفراد وهو مسؤولية جماعية كل من موقعه الذي سوف يسأله الله عنه وللحديث بقية إن شاء الله...
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة
والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة