صحافة استجداء أم تكرار خاوٍ؟

ابتهال مبارك

رغم أن الصحافة السعودية قطعت في العقد الأخير أشواطا هامة في الانتقاد وجرأة تناول ملفات شائكة إلا أن غياب خطة وطنية واضحة المعالم لتطوير الإعلام السعودي لازال يوقع صحفنا في تخبط وغياب مهنية واضحين.. يتضح غياب الرؤية التخطيطية في مقال نشر قبل أمس في «عكاظ» لوكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد للإعلام الداخلي السيد عبد الرحمن بن عبد العزيز الهزاع يصف فيه الصحافة السعودية بالاستجداء لنشرها أخبار «طلبات للمساعدة، واستجداء للمحسنين الكثير منها مصحوب بصور مأساوية». يعتقد الهزاع أن الاستمرار في عرض هكذا أخبار وتخصيص صفحات أسبوعية لها إنما «يعطي الانطباع للآخرين بأن بلدنا بلغ حدا من الفقر والعوز دفع بالمحتاج إلى الاستجداء عبر الصحف للفت نظر المواطن والمسؤول لحالاتهم بعد أن سدت الأبواب أمامهم».
الغني عن الذكر أن هذه القصة في السعودية وخروجها إلى الرأي العام كان على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ــ حفظه الله ــ ولكن ليست «الأخبار المأساوية» ذات الطبيعة الاستجدائية كما يصفها الهزاع ماتعنيني هنا. فما أثار اهتمامي هو أن المقال سرد تكوين لجنتين إحداهما في وزارة الثقافة والإعلام والأخرى في الشؤون الاجتماعية خلصتا بإصدار تعميم من ثلاثة محاور لرؤساء الصحف للحد من نشر هكذا أخبار وذلك بضرورة إطلاع رئيس التحرير بالمادة الصحافية قبل النشر لمراعاة عرضها بطريقة «غير استجدائية»، وثانيا: المساعدة في إحالة إلى الجهات المختصة من جمعيات خيرية أو ضمان اجتماعي. وأخيرا عدم المبالغة في نشر الحالات إلا إذا كانت إنسانية خالصة «وتستحق المساعدة فعلا».
بداية سأتفق مع السيد وكيل الوزارة في جزئية هامة ومفصلية وهي حتما ليست تغييب أو تجاهل مشكلات هذه الطبقة بل في طريقة السرد الصحافية الساذجة والفاشلة لتلك الحالات. عشرات الأخبار تنشر بطريقة بدائية ولغة ركيكة رتيبة تحيل المأساة الإنسانية إلى مجرد خبر ساندويتشي خاوٍ من التحليل واستحضار الصورة الأكبر خلف القصة الخبرية ليتحول إلى خبر مجرد يملأ فراغ الصفحات المحلية مجاورا الأخبار الرسمية المعلبة الصادرة عن مكاتب العلاقات العامة في الدوائر الحكومية والوزارات التي تنشر هي الأخرى بذات اللغة الصماء ومن غير تمحيص أو مساءلة.
ولكن ألم يكن أجدى بالوزارة تشكيل لجنة مستقلة للوقوف على مستوى الطرح المتدني في صحافتنا للخروج بأسباب عملية للارتقاء بالإعلام السعودي عوضا عن تضييع الوقت والجهد في تشكيل لجان تنتهي بقرارات تخلص بالدوران حول المشكلة عوضا. عن مواجهتها ؟، إن تطور الصحافة لن يتم بمجرد تحديث النموذج الطباعي الورقي وموقع الصحيفة الالكتروني. التطوير الحقيقي الذي سيعكس «الصورة المشرقة» لإعلامنا المحلي يبدأ بتدريب كوادرنا الصحافية لصياغة أخبارنا بلساننا بشفافية ومهنية عالية لتنافس ليس مثيلاتها العربية والعالمية بل وسائل الإعلام الغربية التي تكتب عننا للعالم.
المحزن في المقال بالنسبة لي شخصيا كصحافية سعودية عانت كبقية الزملاء والزميلات من التعامل مع الكثير من الجهات والمصادر الذين قد لايعون في كثير من الأحيان جهلا بطبيعة العمل الصحافي، صدور هذا الكلام من جهة حكومية كنت أتوقع أنها الأكثر قدرة على فهمنا في ظل تزمت وتحفظ الوزارات الأخرى التي قد ألتمس لها العذر لعدم وعيها بأنه ليس من واجب الصحافي أن يشتغل مخبرا للجهات الحكومية ليقوم بتنبيهها عن تقصير ما لتنافي ذلك كلية مع ضرورة الحياد الصحافي وأيضا هدف وواجب الصحافة الأساسي أن تكون صوت من لاصوت له.
ألم ينبه الملك عبد الله ــ حفظه الله ــ مجلس الشورى العام الماضي في كلمته خلال افتتاح الدورة الرابعة بضرورة «النقد العنيف» لأن «الحرية المسؤولة هي حق لكل النفوس الطاهرة المحبة لمكتسبات هذا الوطن الروحية والمادية ليبقى شامخا عزيزا» متفوقا في زمن لا مكان فيه للضعفاء والمتردين.
السبيل للوعي المسؤول لا يمر عبر تعميمات بل يتحقق أولا وقبل كل شيء بوجود ميثاق شرف صحافي سعودي في المقام الأول طال انتظارنا له لينظم علاقة الصحافة بالمجتمع والمسؤولين مؤسسا قاعدة صلبة لصحافة متينة، حرة ونزيهة.. للناشر الصحافي الأمريكي الشهير ويليام هيرست مقولة شهيرة كنت ولازلت أضعها نصب عيني قبل الخوض في أية كتابة صحافية حيث يقول: «الخبر الحقيقي هو كل مالا يرغب في نشره شخص ما، ماعدا ذلك فهو محض دعاية». إلى أن نصل إلى اليوم الذي تخلو صحفنا فيه من الدعايات وتقتصر على «الأخبار الحقيقية» ستظل صحافتنا صحافة استجداء.
ebtihalus@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة