هدية ملوثة من أوروبا

فاطمة بنت محمد العبودي

لم تجد جوليا طريقة تعبر بها عن امتنانها لحسن تعاملنا معها سوى أن تهدينا كيساً مملوئاً بعبوات صغيرة، حوالى المائة، تحوي أغطية بلاستيكية للرأس تستخدم عند الرغبة في الاستحمام دون أن يبتل الشعر، وهي عبوات جرت العادة على وجودها في الفنادق مع عبوات أخرى كالشامبو والبلسم ومرطب الجسم وغيرها، وجوليا هي عاملة نظافة فنلندية تعمل في فندق في مدينة توركو، في فنلندا. أحضرت جوليا الكيس من مستودع الفندق وشرحت لنا كيف أن الحكومة الفنلندية حظرت استخدام هذه الأغطية حفاظاً على البيئة، فأعطتنا إياها، وكأنها تعلم أننا شعب لا تهمه البيئة وتلوثها، وحرصاً على مشاعرها قبلت هديتها شاكرة، وبيت النية على التخلص منها لاحقاً.
لاحظت في رحلتي الأخيرة إلى الدول الأكثر تحضراً، اليابان والسويد وفنلندا، عاملا مشتركاً بينها وهو الاهتمام الشديد بالبيئة، يتمثل ذلك في أنظمة التدوير (إعادة التصنيع) المتطورة، وكيف تقسم سلال المهملات في الفنادق والجامعات والأسواق، وهي الأماكن التي ارتدتها، إلى ثلاثة أجزاء، لون كل قسم بلون مختلف وكتب عليها طعام أو ورق أو أشياء أخرى، معظم النفايات يعاد تصنيعها، كما تميزت الدول الاسكندنافية باستبدال العبوات الصغيرة من الشامبو والبلسم والتي تزود بها الغرف الفندقية يومياً بعبوة واحدة كبيرة مثبتة على الجدار تعبأ متى ما فرغت.
وكذلك منعت أغطية الرأس البلاستيكية كما ذكرت، ذلك أن البلاستيك سواء الأكياس البلاستيكية أو أغطية الرأس أو غيرها، وهي مصنوعة من مادة البولي إثيلين من أكثر النفايات ضرراً بالبيئة، حيث لا تتحلل في التربة فتضر بالنباتات، وعند حرقها تتصاعد منها أبخرة سامة، وقد تأكلها الحيوانات فتتسمم، أو تأكلها بعض الأسماك عند انجرافها إلى البحار معتقدة أنها حيوان قنديل البحر، فتقضي عليها.
إلى جانب ما تسبب من ضرر على الصحة عند وضع الأطعمة الحارة فيها، ولذا فقد حظرت بعض الدول المتحضرة استخدامها، فأصبحت تستخدم الأكياس الورقية عوضاً عنها، وحصرت استخدامها فيما لا غنى عنه.
يحز في نفسي كمية الأكياس البلاستيكية التي نستخدمها عند كل تسوق ومن ثم نرميها، غير مبالين بما ستؤول إليه، وما ستنتج من أضرار بالبيئة، ثم تأتي السيدة جوليا لتعطينا أغطية الرأس البلاستيكية لتضيف إلى نفاياتنا المزيد من الضرر، أصدقكم القول إنني كنت سأتخلص منها في أوروبا، ليس حفاظاً على بيئتنا فحسب، لكن تخفيفاً عما أحمله من وزن، لكنني خفت الملاحقة القانونية لجوليا، لو اكتشفها أحد بالصدفة في سلة المهملات، فكان أن أحضرتها معي لتضاف إلى أطنان النفايات البلاستيكية التي تلوث بيئتنا.
أتطلع إلى اليوم الذي نصل فيه إلى أن يكون الحفاظ على البيئة هاجس شبابنا قبل الكبار، وإلى أن يسعى رجال الأعمال إلى الاستثمار في تدوير النفايات، فهذه إحدى علامات تحضرنا، خاصة وأننا من أكثر الشعوب استهلاكاً وأغزرها انتاجاً للنفايات.
fma34@yahoo.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 135مسافة ثم الرسالة