حج بلا أخطاء ومخالفات

خطط محكمة لمنع التسلل إلى المشاعر .. وتسهيلات وتدقيق في المنافذ

حج بلا أخطاء ومخالفات

عبد الرحمن الختارش، إبراهيم القربي ـ جدة

مع دخول موسم الحج وتدفق ضيوف الرحمن إلى الأراضي المقدسة، تأهبت الجهات المعنية لتأمين وسلامة الحجيج وتسهيل انسيابية حركتهم، مع الحرص على الالتزام بجداول القدوم والمغادرة في جميع المنافذ وعلى رأسها مطار الملك عبد العزيز الدولي وميناء جدة الإسلامي، لكن الملفت للانتباه أن هناك عنصرا أهم لضمان نجاح الموسم، ألا وهو توعية الحجيج في بلدانهم قبل القدوم حتى لا تتبخر هذه الجهود أمام «عدم المعرفة».
شدد عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الدكتور ثامر بن حمدان الحربي على ضرورة توعية الحجاج في بلدانهم قبل وصولهم إلى المملكة، مشيدا بتجربة وزارة الحج فيما يتعلق بتقدم كتيبات توعوية بلغات توزع على جميع الحجاج القادمين عبر المنافذ البرية، والبحرية، والجوية.
وأضاف الحربي أن التوعية المبكرة مفيدة على أكثر من صعيد، لأنها تنأى بالحجاج عن الأخطاء وفي مقدمتها ظاهرة الافتراش، موضحا أن دراسات سابقة أجراها معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج أثبتت أن أكثر المفترشين من القادمين بحرا، باعتبار أن هؤلاء قدموا عبر مؤسسات لا تقدم خدمات متميزة لانخفاض رسوم الاشتراك لديها، ومن ثم يكون سكن هذه المؤسسات في أطراف المشاعر المقدسة، أو غير مناسبة، فيضطر الحجاج إلى الافتراش، ولذلك تم تطبيق نظام صارم أخيرا يمنع الافتراش، وينفذ هذا النظام وزارة الحج بمشاركة إمارة منطقة مكة المكرمة، وشرطة العاصمة وتتولى بمقتضاه فرق خاصة البحث عن المفترشين وإيوائهم في مساكن قريبة على حساب شركاتهم التي استقدمتهم.

في السياق ذاته يقول الكاتب والناقد مصطفى محمد كتوعة: التجربة التي تنفذها وزارة الحج لتوعية الحجاج في بلدانهم خطوة حميدة، حيث درجت الوزارة أخيرا على تنظيم لقاءات وندوات في العديد من الدول الإسلامية التي أبدت تجاوبا كبيرا مع هذه الخطوة، وتشهد هذه اللقاءات مناقشة أبرز السلبيات والأخطاء التي يقع فيها الكثير من الحجاج أو يتعرضون لها، وهي كثيرة وتتعلق بالسلامة، الصحة العامة، والتزاحم أثناء الطواف والسعي وفي المشاعر المقدسة خاصة عند رمي الجمرات، وحثهم على ضرورة التقيد بالهدوء والسكينة والتنظيم الجيد الذي يضمن سلامة الحجاج والأداء الصحيح لمناسك الحج.
ويؤكد كتوعة على أن هذه المبادرة حققت نتائج طيبة، ولكن ما تزال مواسم الحج في انتظار المزيد من الجهد، لتغطي جهود التوعية بقية دول العالم، وما يشجع على ذلك النجاحات التي تحققت على أرض الواقع وهذا ما تشهد به سلوكيات وتصرفات حجاج الدول التي شهدت الدورات التأهيلية واللقاءات الجماهيرية.
فمن الضروري التأكيد على موجبات الهدوء والسكينة في الحج بما يحقق لجميع الحجاج السلامة والخشوع، منوها بجهود حكومة خادم الحرمين الشريفين المتواصلة على كـــافة الصـــعـــد لتهيئة المناخ الذي يليق بالركـــن الخامس في الإسلام عن طريق توفــيـــر المزيد من الإمكانات والمشروعات في الحـــرمين الشـــريفين وفي المشـــاعر المقــدســـة، إلى جانب ما يضطلع به القــطــاع الخاص من دور مهم في توفــيــر الخدمة والمساندة والتي تشمل زيادة وحدات الإسكان، وسائل النقل، واحتياجات معيشة الحجاج، إضافة إلى دور مؤسسات الطــــوافـــة، والتي تترجم بصـــورة مباشرة أهداف وخطط الدولة لراحة ضيــوف الرحمن في إطــار الخطــة العـــامة للحج التي تشترك في تنــفــيـذهــــا كــافـــة الوزارات والقطاعات والأجهزة المعنية.
التعريف بالإنجازات
من جانبه، يؤكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة حجاج جنوب آسيا عدنان كاتب أن الدولة أنجزت مشاريع عملاقة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة لإيجاد أفضل وسائل الراحة للحجاج والمعتمرين ليؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة، ورغم هذه الجهود إلا أن بعض الحجيج لا يستفيدون منها لعدم توعيتهم في بلادهم بما تم إنجازه في المملكة، وأيضا عدم تعريفهم بمناسك الحج وكيفية أدائها على الوجه الشرعي، لذلك يجب أن توعي كل دولة حجاجها توعية شاملة قبل قدومهم إلى المملكة، أما هنا فالتوعية مستمرة من خلال مؤسسات الطوافة ووزارات الحج، والشؤون الإسلامية، والثقافة والإعلام، والداخلية.. ولكن هذه الجهود مهما بلغت لن تغني عن الجهود التوعوية التي ينبغي على الحاج أن يتلقاها في وطنه، نظرا لاعتبارات كثيرة منها اللغة، والوقت الكافي للشرح والتعريف، خصوصا في الجوانب التي تتعلق بسلامة الحاج وهي: تجنب الزحام في الطواف، استلام الحجر الأسود، ورمي الجمرات.
التجربة الماليزية
سعيد القرني مدير شركة للحج والعمرة، يشير إلى أن غالبية الحجاج من كبار السن وغير المتعلمين، إضافة إلى اختلاف اللغة التي تمثل عائقا كبيرا أمام التوعية، لذلك تبرز أهمية التوعية في بلد الحاج وبلغته لما يكون لذلك من فائدة مباشرة حتى لو أدى ذلك إلى سفر أهل العلم إلى الخارج لنشر العلم وتقديم النصائح بالتعاون مع علماء من الدول الخارجية حتى تكون الفائدة أعم وأشمل.
وأشاد القرني بتجربة ماليزيا في توعية حجاجها، واصفا هذه التجربة بأنها الأفضل على مستوى العالم حيث يعتبر الحاج الماليزي الأكثر تنظيما، وسلوكا، والتزاما بالتعليمات.. وهذا يدل على أن هذه الدولة تقدم توعية مسبقة لحجاجها قبل مجيئهم، لذلك ندعو بقية الدول إلى حذو التجربة الماليزية.
إحباط التسلل
حول ظاهرة التسلل إلى المشاعر المقدسة دون تصريح يقول قائد جوازات الحج العقيد عائض اللقماني: وضعت إدارة الجوازات خططا أمنية محكمة كفيلة بمنع المتسللين من دخول مكة المكرمة أو المشاعر المقدسة، حيث نشرت نقاط موزعة على مداخل العاصمة المقدسة الرئيسية يتولى من خلالها رجال الجوازات التدقيق في أوراق المقيمين الراغبين في دخول مكة المكرمة ومنع من يحاول الدخول، واستثناء المقيم المرتبط بعمل في المشاعر المقدسة على أن يكون ذلك بتصريح مصدق من الجوازات والمؤسسة المعنية.
وأكد اللقماني أنه لم يعد بمقدور المهربين الذين درجوا على تهريب المخالفين من غير حملة تصاريح الحج من دخول مكة المكرمة والتسلل إلى المشاعر المقدسة، وقال: إن المهربين كانوا يعمدون إلى التسلل عبر الأودية والشعاب مقابل 1000 ريال من كل متسلل. وأهاب بجميع الحجاج إبراز الوثائق قبل الوصول إلى نقطة التفتيش حتى يسهل على رجال الجوازات إنجاز عمليات التفتيش بالسرعة المطلوبة، مؤكدا أن من يحاول نقل المخالفين أو المتخلفين إلى مكة المكرمة في هذه الأيام يعرض نفسه للعقوبات، مشيرا إلى أن جهود الجوازات في المنطقة أسفرت عن ضبط عدد من سماسرة الحج من جنسيات مختلفة يستدرجون أبناء جلدتهم لتنظيم حملات حج خاصة بهم بمقابل مالي يصل إلى 2000 ريال مقابل إدخالهم للمشاعر المقدسة.
وحول دور الجوازات في التصدي لوافدين يوفرون إسكانا للحجاج من بني جلدتهم في مكة قال اللقماني: نتصدى لهذه الظاهرة، فهناك لجنة مشكلة من إمارة المنطقة بمشاركة الجوازات لمتابعة مثل هذه المخالفات، حيث يتم القبض على من يرتكب مثل هذه الأعمال، مضيفا أن الجوازات تنظم حملات تفتيشية مكثفة في مكة المكرمة ومحافظة جدة من أجل متابعة أوضاع المعتمرين المتخلفين الذين يقصدون الحج بالتخفي لدى أقاربهم، وحذرت الجوازات المواطنين والمقيمين من مغبة التستر على المعتمرين ولابد من التبليغ عنهم، موضحا أن للحج غير النظامي مشكلات كثيرة منها الافتراش والتكدس في الموانىء والمطارات بعد انتهاء الموسم.
دعوة للتعاون
على الصعيد نفسه أكد وكيل وزارة الحج المساعد والمشرف على لجان المتابعة والمراقبة في الحج عادل بلخير أن عمل لجان المتابعة ورصدها للحالات المخالفة يهدف إلى الإصلاح والمعالجة، نافيا أن تكون لجان المراقبة والمتابعة مصدرا لتصيد الأخطاء، مطالبا بتعاون الجميع لخدمة الحجاج في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، مؤكدا على أهمية استقبال الحجاج من قبل رؤساء مجموعات الخدمة لما في ذلك من انطباع مميز يشعر الحاج بأهميته ومكانته، كما أنها تعكس الوجه الحضاري الحقيقي للمملكة التي تسعى جاهدة لتقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله.
وتطرق بلخير إلى آليات التقويم في المشاعر المقدسة والاستمارات الخاصة بذلك والتي وضعت أخيرا بمشاركة مؤسسات الطوافة، وقال: «إنها تهدف إلى الوصول إلى أقصى درجات التعاون والتكامل مع المؤسسات والجهات ذات العلاقة»، وتطرق إلى أهمية تطبيق اشتراطات النظافة، الصحة، والتوعية التي حددتها الصحة في مساكن الحجاج
ومخيماتهم، مطالبا بتكثيف التوعية وتوزيع المنشورات التي زودت بها المؤسسات في هذا الصدد.
فيما أكد عاملون في مؤسسات «الطوافة» الجهة المسؤولة عن الخدمات التشغيلية للحجاج، استعدادهم التام للموسم، وقال محمد فلمبان، أحد المسؤولين في مؤسسة مطوفي حجاج جنوب شرق آسيا: لدينا اهتمام كبير بالنظافة في جميع الأماكن، من خلال تخصيص شركات خاصة للنظافة.. وإن مؤسسات الطوافة تولي أهمية كبيرة لمواجة مرض انفلونزا الخنازير، وجاري التنسيق والاتصال مع الصحة للتعرف على تطورات المرض، مؤكدا أنهم يلتزمون بكل التعليمات الصادرة من الصحة.
مخالفات شرعية
من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الحجاج إصرار بعضهم على صعود جبل ثور، الجبل الشهير في مكة المكرمة الذي يضم غار حراء، ويقع جنوب شرق المسجد الحرام بمسافة تبعد أربعة كيلو مترات مرتفعا 748 مترا عن سطح البحر، مطلا على الطريق الدائري ومخطط حي الهجرة ومستشفى النور التخصصي، وصعود الجبل محفوف بالمخاطر، لكنه لم يثن الزائرين عن ذلك، إذ يشهد هذه الأيام ذروة الزحام من قبل الحجاج القادمين من خارج المملكة.
ويؤكد مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة أحمد قاسم الغامدي، أن صعود جبل ثور فيه تعرض للتهلكة، وأن فريضة الحج لا تقتضي زيارة هذه المواقع، موضحا أن الهيئة تحوطت جيدا لإزالة المخالفات الشرعية في غار ثور، مضيفا: لدينا مركز أسفل الجبل فيه أكثر من 18 عضوا وداعية وخمسة مترجمين، من بين خمسة مراكز أخرى منتشرة في المواقع التاريخية التي يقصدها الحجاج، بغية تبصير الحجاج وتوجيههم دون الوقوع في دائرة الشرك، وإفهامهم خطأ التمسح والتبرك بحجارة الجبل، وعدد الغامدي الأخطاء التي يقع فيها قاصدو الجبل في الطواف بالغار، استدبار القبلة عند الصلاة، حمل التراب والحجارة من الجبل، ربط العقد والخرق، وأكل شيء من تراب الموقع لتفريج الكرب أو طلب رزق أو نحو ذلك، مؤكدا أن الهيئة تدرس إمكانية إعداد فيلم توعوي يرصد صورا حية لتلك المخالفات بهدف التوعية.
مدير الدفاع المدني في العاصمة المقدسة العقيد جميل أربعين الذي أشرف على أكثر من حالة وفاة واحتجاز وسقوط في جبل ثور، أكد أن الحاجة تبدو ملحة لرفع مستوى التوعية بين أوساط الحجيج خاصة الذين عرفوا بكثرة الصعود إلى الجبل، وعلى مؤسسات الطوافة وحملات وبعثات الحج أن تعالج هذه الظاهرة المزمنة بأساليب إعلامية مصورة وميسرة تحقق الهدف.
ولم يسلم جبل الرحمة في صعيد عرفات كعادته كل عام عند قرب بداية موسم الحج وقدوم الأفواج لزيارته من الممارسات الخاطئة التي يقوم فيها بعض الحجاج من التبرك والمعتقدات غير الصحيحة، فهناك من يجلس فوق الجبل كاشفا رأسه تحت أشعة الشمس شاقا قميصه ويقوم بالتلطيم على وجهه ويجهش بالبكاء، طالبا من الجبل أن يتوسط له عند الله ـ عز وجل ـ بأن يغفر له عن ذنب اقترفه في حياته. والبعض يتمسح بالجبل، معتقدا أن للجبل قدرة على استجابة طلباتهم الدنيوية والدينية، ناسيا أن هذا الجبل لا يسمن ولا يغني من جوع، وإنما هو مشعر مقدس يقوم الناس بالدعاء عنده، وليسوا ملزمين به أثناء الحج لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة».