توحيد الفتوى ممكن وكثيرون تسلطوا على منابرها

مخالفاً آراء كثير من العلماء.. كبير المفتين في دبي لـلدين والحياة:

توحيد الفتوى ممكن وكثيرون تسلطوا على منابرها

حوار : نعيم تميم الحكيم

أكد كبير المفتين في دبي الدكتور أحمد الحداد على أهمية توحيد الفتوى لافتا إلى أن ذلك أمر ممكن مخالفا بذلك آراء عدد كبير من العلماء.
وقال في حوار لـ«الدين والحياة»: إن تضاربها في العالم الإسلامي أمر طبيعي وصحي، مشددا على أن العلماء الذين يتقون ربهم لا يخالفون الإجماع في القضايا الفقهية، مبينا أن المجامع الفقهية قادرة على توحيد الفتوى ومنع تضاربها بما تملكه من سلطة معنوية وأدبية.
وأبدى الحداد استياءه ممن يتصدون للفتوى بمجرد حصولهم على درجة الدكتوراة في الفقه دون ممارستها عمليا أو قدرة على استنباطها مكتفين بالتلمذة على يد بعض العلماء، مبينا أن الهدف من تجارب دبي في بعض القضايا الفقهية كتوحيد الأذان وتعيين المفتيات لأجل تقديم الإسلام بصورته العصرية المغيبة عن الغرب، وفتح قنوات للحوار مع الآخر لتصحيح صورته.
وطالب بتطويع أصوات عقلاء المسلمين في دعم الحوار مع الآخر للخروج برؤية متقاربة حيال هذه القضية الملحة، مبينا أن الفضائيات العربية والإسلامية تسخر من أمتنا، لأنها تقدم أنموذجا للتخلف والتبعية للغير وتشويه صورة الإسلام، مشددا على أن أمتنا تعيش حاليا في حالة من الضياع بسبب تخلفها العلمي، وبعدها عن الدين، داعيا إلى توافر النية الصالحة مع العمل الجاد المخلص للنهوض بها من جديد.. فإلى تفاصيل الحوار :
? كانت لكم تجارب مثيرة في دبي كقضية توحيد الأذان، وتعيين مفتيات وخلافها.. لماذا تسعون لتقديم هذه النماذج؟
- هذه التجارب فيها جدل فقهي كبير، والمعلوم أن مثل هذه الأمور ترجع لولي الأمر الذي يختار ما فيه مصلحة البلاد والعباد، فمسألة توحيد الأذان مثلا لم تكن في دبي، وإنما في بعض الإمارات الأخرى، وقد اختار ولاة الأمر، قولا من الأقوال الفقهية وقاموا بتوحيده في الإمارة لكن بقية الإمارات لم تأخذ بتلك الأقوال، ومعروف أن من حق ولي الأمر أن يأخذ من الأقوال ما يرى أن فيه تحقيق المصلحة ويكون له أصل ووجاهة، أما قضية تعيين نساء مفتيات في مجال الإفتاء فلا مجال للحديث في هذا الأمر، لأن الإفتاء ليس من الولايات إنما هو مكانة علمية، فمتى تمكنت المرأة منها فلا مانع من أن تفتي، وكانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن من المفتيات، وكم لهن من الإفتاءات والاستدراكات كالسيدة عائشة رضي الله عنها، وفي أمة الإسلام من بلغن درجة من العلم والإفتاء وكن يفتين في الأمور الخاصة والعامة.
نحن أعددنا برنامجا يقضي بتدريب ست نساء من الإمارات، خلال عدة أشهر لإصدار الفتاوى التي هي حكر على الرجال حتى الآن، وفي حال أنجزن التدريب بنجاح وفق المذهب السني المالكي، فقد يتم تعيينهن مفتيات اعتبارا من نهاية 2010م.
? لكن الأزهر يعارض تعيين نساء في مجال الإفتاء؟
- معارضة الأزهر في هذه القضية لا تتعلق إلا بمنصب كبير المفتين، أما المفتون العاديون ممن يصدرون الفتاوى حول ممارسة قواعد الإسلام وأي مسألة أخرى تتعلق بحياة المسلمين، فهي غير معنية بهذا الحظر.

? هل تسعون من خلال هذه الخطوات إلى أن تقدموا أنموذجا للإسلام الحديث «المودرن»؟
- أبدا، الإسلام هو الإسلام لكن الإشكالية في كيفية عكس تعاليمه وتحميله الوجه الصحيح، ولا شك أنه دين يسر، وعظمة هذا الدين يتماشى مع أي زمان ومكان، ونحن في دبي لدينا عدد كبير من الجاليات غير المسلمة، لذلك فنحن نحاول أن نفتح مسار حوار مع الآخر والتعريف بالدين من خلال بيان سماحته وعظمة تعاليمه وقدرتها على التفاعل مع معطيات العصر، ونحاول أن نقدم تعاليم الدين بأسلوب قريب من هذه الجاليات، فالإسلام دين عصري، لكن كيف نستخرج ما في تعاليمه من أسرار وكنوز ونعرضها على الوجه الصحيح.
رؤية للحوار
? في رأيك هل يمكن وضع رؤية حقيقية للحوار مع الآخر في ظل الخلافات الإسلامية التي نشاهدها في الوقت الراهن؟
- الحوار الإسلامي مع الآخر ليس فقط ممكناً، بل هو مطلوب، والفرص متاحة جداً لنجاحه والوصول إلى نتائجه، وذلك لأن الآخر لديه استعداد للقبول لأن مبادئه الديمقراطية تسمح بوجود الرأي الآخر، ولا يقتضي حراك الحوار الوصول إلى نتائج القبول، قد يكون الحوار عقيماً لكن هذا لا يعني أن نسد الباب أمامه، علينا كمسلمين أن نبادر به لأن هذا منهجنا وشرعنا، والله عز وجل جعل الدعوة بالحكمة شرطاً من شروط الحوار «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»،كذلك يأمر الله تعالى نبيه بالحوار في قوله «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم... الآية».
أما الخلاف الإسلامي الداخلي فهو خلاف فكري لا يؤدي إلى الخروج من الملة، والمذاهب الإسلامية المتعددة التي لها طروحات متعددة تلتقي عند قاسم مشترك وهو الإيمان بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا والقرآن كتاباً والكعبة قبلة والإيمان بالحشر والمعاد والجنة والنار والثواب والعقاب، لذلك فإن الانقسام الذي بينهم توحده كلمة الغير.
والمسلمون جميعاً يتفقون على توصيل كلمة الله إلى الغير، والإسلام يأمرنا بإحسان معاملة أهل الكتاب، حتى الكفار، وأن نتعايش معهم وفق قواسم دنيوية وإنسانية بما ينفعنا وينفعهم ويعيننا وإياهم على هذه الحياة، نحن لا نملك السيطرة على أحد، وإنما ندعوهم بالتي هي أحسن، فهذا لا يتأتى إلا عن طريق الحوار.
أصوات وعقبات
? لكن لا زالت هناك أصوات متشددة ومتطرفة، قد تقود إلى اضطراب في مسيرة هذا الحوار؟
- مما لا خلاف فيه حتى لدى الآخر، أن هناك موجة تطرف وغلو في العالم كله، وهذه الظاهرة العالمية موجودة عند أصحاب الديانات الوضعية قبل الديانات السماوية وفي الأديان الأخرى قبل الإسلام، التطرف موجود، لكن كيف نتغلب عليه؟ يمكن ذلك عن طريق عقلاء الرجال وحكمائهم، وعلماء الأمة هم الذين يبينون الحق ويحكمون على كل تصرف بأنه تطرف أو غلو أو خروج على دين الله، وإذا علم الناس أن هذا الرجل مغال في دينه سينبذونه، وعلى الآخر أن يفعل مثل هذه الطريقة، وعلى قديسيهم وحاخاماتهم أن ينبذوا المتطرفين منهم والمغالين، وبهذه الطريقة سيكون الحوار محصوراً بين العقلاء والحكماء، أما الأصوات النشاز فلا يمكن أن تتغلب على صوت الحكمة والعقل، لأن الصراط المستقيم سوف يغلب الطريق المعوج.
? ماذا عن النخب في الجانب الآخر مثل المسيحيين واليهود، هؤلاء قد يقومون بحجب الصورة الحقيقية لرسالة هذا الحوار، كيف يمكننا أن نتجاوز مثل هذه العقبات، لا سيما إذا علمنا أن بعضهم يتمتعون بمناصب سياسية وتنفيذية عليا قد تمكنهم من حجب بعض المعلومات المتعلقة بالحوار؟
- في عصرنا الحالي لا يمكن لأي شخص أن يحجب أي معلومة لأنه عصر الاتصالات والشفافية، ويمكن لنا أن نوصل معلوماتنا إلى الآخرين داخل بيوتهم وداخل الغرف المظلمة كما يقولون، والوسائل متاحة الآن بقدر كبير لتبليغ رسالة الله تعالى، وإيصال صوت الحق والدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة. وليس هناك حجر على أحد.
ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بشرنا بقوله: «والذي نفسي بيده لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا ودخله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل». لا يمكن أن تبقى الكهنوتية مسيطرة وتمنع الحق عن عقول الناس، الكرة الآن في ملعبنا لتوظيف التقنية والإنترنت والفضائيات لخدمة الدعوة إلى الله، فكيف نوظف الإعلام والدعاة ونجعل من أقلياتنا المنتشرة في بلاد الغرب نماذج إسلامية صالحة تستطيع التأثير في محيطها وتنشر دعوة ربها؟ تؤثر ولا تتأثر، تبني ولا تخرب. هذه وسائل فعالة يمكنها أن تنشر الدين إذا ما أحسن استغلالها.
استغلال الفضائيات
? ذكرت في معرض حديثك استغلال الفضائيات، لكننا نشاهد معظم الفضائيات العربية لا تستغل بشكل صحيح لتصحيح صورة ديننا وعرض قضايانا العادلة؟
- أوافقك تماماً على ما ذكرته، فهنا يأتي دور رؤوس الأموال والحكومات ورجال الأعمال المخلصين في بلادنا، وعلى هؤلاء أن يتحملوا عبء الدفاع عن دينهم بتصحيح الفضائيات وأن تكون قنوات بانية لا هادمة وأن تكون ذات أهداف عالية وطموحة، وأن تسهم في إيصال رسالة الله إلى الناس، وأن تبتعد عن السماجة والسخف وما نراه من عري وفضائح، وأن تكون معولا صالحاً لبلادنا.
أما بهذه الطريقة التي نراها حالياً فنحن نسخر من أنفسنا، وهؤلاء الغربيون يدركون جيداً أن الإسلام الذي انطلق من مكة للعالم كله إنما انتشر بفعل دعوته للأخلاق الفاضلة وبفضلها وصل إلى الأرض كلها، أما الانحسار الذي يعاني منه الإسلام هذه الأيام فسببه أمران: أولهما أنه لا يقدم بصورة صحيحة بل اعتراه تشويه كثير، وثانيهما أن أهله والمنتسبون له لا يصلحون لتكوين نموذج مشرف، فللأسف الشديد نحن نتراجع يومياً في كل المجالات بسبب بعدنا عن ديننا كنا في السابق سادة الأرض والآن أصبحنا نستجدي الغير ونعيش على فتات ما يقوم بتصديره إلينا، كنا أهل العلوم والحضارة عندما كانوا يعيشون في ظلام الأمية والتخلف، فانظر كيف تبدل الحال؟
? هذا يعني أنك ترى أن المسلمين يفتقدون هذه الأيام للطموح وقوة الإرادة التي قد تقودهم إلى تحقيق النهضة العلمية؟
- إذا أسهم كل أفراد الأمة بما عليهم وقاموا بأدوارهم على الوجه المطلوب فلن يطول انتظارنا، وإذا قام الحكماء والعلماء والشباب والمفكرون والمثقفون ورجال الأعمال والمال بأدوارهم وبما يستطيعون القيام به فسوف نعود ثانية كما كنا في السابق فقط إذا توفرت النية الصالحة فلن يقف أمامنا شيء.
تضارب الفتوى
? ماذا عن تضارب الفتوى في المجتمع الإسلامي اليوم بعد أن أصبحت ظاهرة تستحق الوقوف عندها؟
- الفتوى أنواع منها أحكام فقهية متخصصة في الشؤون الفقهية مثل أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الأسرية ومسائل القضاء وما شابهها فهذا النوع من المعلوم أن فيه خلاف فقهي، وهو خلاف لا غبار عليه.
أما النوع الآخر من الفتاوى ففي النوازل والأمور المستجدة والله سبحانه وتعلى يقول «ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم» والخلاف الذي له مصدر من الشريعة الإسلامية لا بأس به، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أقر للصحابة عندما اختلفوا في فهم نصه عندما قال «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» فصلى بعضهم في منتصف الطريق ولم يصل بعضهم إلا بعد وصوله فأقر عليه الصلاة والسلام الجميع، فالمسألة اجتهاد في فهم النص وهذا خلاف صحي.
أما الخلاف المشوش في المسائل المستجدة التي تبحث هنا وهناك مثل بعض القضايا المالية أو الاجتماعية أو الفكرية التي تحدث هنا وهناك. ففي هذه الحالة لا يمكن الحسم بقول شيخ واحد، بل يكون الحسم عن طريق المجامع الفقهية، ففكر الجماعة أفضل من فكر الفرد.
?? هل المجامع الفقهية تقوم بأدوارها كاملة، رغم أن ليست لها سلطة الإلزام؟
- هناك إلزام أدبي والفتوى باتفاق أهل العلم ليست ملزمة لكن القضاء هو الملزم، فالفتوى لها إلزام أدبي، لكن العالم الذي يتقي ربه لا يمكن له أن يخالف آراء مجموعة من العلماء التي التقت وتحاورت وتذاكرت فيما بينها، ووصلوا إلى صيغة معينة، وكثير من العلماء بحمد الله متقيدون بذلك سواء كان في القضايا المالية أو الفكرية، بهذه الطريقة يمكننا أن نصل إلى فتاوى موحدة.
توحيد الفتوى
? هل يمكن أن تتوحد الفتوى؟
- نعم، ويكون ذلك من خلال الوسائل التي ذكرتها مسبقا.
? لكن لا يمكن إلزام الدول الإسلامية بالعمل وفق فتوى معينة؟
- كما ذكرت لك فإن الفتوى ليست ملزمة والإلزام يكون أدبياً، والعالم الجاد يلتزم بالفتاوى الجماعية الصادرة عن مرجعيات معتبرة حتى وإن لم يوافقها ولكنه يحترم اجتماع المجموعة ويلتزم برأيها.
? بعض العلماء يتهمون طلبة العلم وأشباه المتعلمين بالتعدي على الفتوى وهو ما أثر عليها، مما جعلها سوقاً رائجة في مجال الإعلام.. كيف يمكننا الحد من ذلك؟
- هذا صحيح، كثير من الناس تسلطوا على هذا المنبر العظيم وهذه المزية الكبيرة، فالفتوى اجتهاد كبير، والمفتي هو الذي وصل من العلم إلى مرحلة أهلته لأن يميز القول الصحيح من الضعيف، وأن يأخذ بذلك الحديث أو غيره فهي فن لا يحسنه إلا من وفقه الله واجتباه، فهذا ليس ميسوراً لكل أحد، ولا يكفي لشخص نال درجة الدكتوراة أن يكون أهلا للفتوى، ولا يكفي أن يكون الشخص تلميذاً للشيخ الفلاني كي يفتي للناس.