العرضة والفقهاء

عبدالله بن بجاد العتيبي

حظي الأمير سلطان باستقبالٍ حافلٍ يليق بمقدمه بعد طول غيابٍ بشخصه وإن كان حاضرا بمتابعته وقراراته لكل الشؤون التي تهم المواطن والوطن. لقد كان الحفل جميلا والاحتفاء مميزا سياسيا واجتماعيا ودينيا.
حضر الحفل العديد من الرموز السياسية محليا وعربيا كملك البحرين ورئيس وزراء لبنان، وكثير من رموز المجتمع والشعب، كما حضره عدد من الفقهاء على رأسهم المفتي العام عبدالعزيز آل الشيخ ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ صالح بن حميد ووزير العدل الشيخ محمد العيسى والمستشار بالديوان الملكي الشيخ عبدالمحسن العبيكان وغيرهم، وشهد الجميع العرضة السعودية التي أقيمت ابتهاجا بهذه المناسبة السارة.
ولنا أن نستحضر في السياق أن هذه العرضة التي هي جزء أصيل من تراثنا الزاخر، لها تاريخ طويل وحافل وكانت حاضرة في معارك توحيد البلاد، يستعين بها الجند وتزيدهم حماسة في ساعات الوغى، وليس غريبا أن تشهدها كل فعاليات المجتمع ورموزه، وحضور بعض الفقهاء لها فيه قصة تستحق أن تروى.
في مقتبل التسعينيات الميلادية حضر الشيخ الراحل محمد بن عثيمين عرضة نجدية في إحدى المناسبات الرسمية، وثار جدل حينها بين بعض الذين يشادون الدين و«لا يشاد الدين أحد إلا غلبه» كما جاء في النص، فنشر بعضهم اللغط وسعى بعضهم للإرجاف على تلك الحادثة ولكن الشيخ ابن عثيمين أجاب إجابة محكمة حين سأله بعض أولئك عنها في مجالسه الشهرية التي نشرت لاحقا، ففي الجزء الثاني من مجالسه وفي ص48 قال عن الحادثة: «وأما ما نسب إلي من الجلوس في العرضة النجدية فهذا صحيح، جلست لأني كنت أخاطب شخصا أعتقد أن في مخاطبته فائدة كبيرة أكبر من قيامي، على أن العرضة النجدية يجوزها بعض العلماء في المناسبات كالأعياد وشبهها، ويستدل بفعل الأحباش في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث كانوا يلعبون برماحهم أمام عين الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أذن لعائشة أن تنظر إليهم فكان يخفيها وهي تنظر من على كتفه». وحديث الأحباش في أصح كتب السنة كما هو معلوم. وسئل عنها مرة أخرى فأجاب بصوته: «العرضة النجدية إذا لم يكن لها سبب فإنها من العبث واللهو، وإذا كان لها سبب كأيام الأعياد فإنه لا بأس بها ــ أي لا بأس أن يلعب الناس بالسيوف والبنادق وما أشبهها ــ وأن يضربوا بالدف».
وفي منتصف عام 2008م تسرب مقطع فيديو للشيخ عبدالمحسن العبيكان وهو يشارك في العرضة النجدية في مناسبة زواجٍ حضرها، فأعاد بعض المتشددين نفس الانتقادات التي وجهوها من قبل للشيخ ابن عثيمين، فرد عليهم الشيخ العبيكان بالعديد من الأدلة التي أسكتتهم وأفحمتهم.
وها هو هذا الاحتفال البهيج يشهد حضور حشدٍ من الفقهاء للعرضة النجدية في انتصار للاعتدال وثقافة الحوار والتسامح التي تبناها خادم الحرمين الشريفين ضمن رؤيته التطويرية في كثير من المجالات وخاصة المجال الديني التي كان البعض يتعنت في بعض جزئيات تلك الرؤية حتى يأتي جمع من الفقهاء فيثبتون بوضوح أنها صائبة ولا غبار عليها.
ونستحضر في هذا السياق قضية دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات سابقا بوزارة المعارف سابقا في وزارة جديدة هي وزارة التربية والتعليم، ونستحضر قضية المسعى وتوسيعه وتطوير الموقف الفقهي منه تلك التوسعة التي جاءت تخفيفا على المسلمين، رغم معارضة بعض المتشددين، وكذلك تطوير المشاعر المقدسة لخدمة أفضل للحجيج، وتطوير الموقف الفقهي منها، والتي تم تنفيذ مشروعاتها الضخمة واستفاد منها الملايين من المسلمين رغم معارضة بعض المتشددين لها.
وقل مثل هذا في إعادة تنظيم القضاء وهيكلته والتي أثار البعض حولها شيئا من اللغط وتم تنفيذها سعيا للأصلح والأنفع. وكذلك ما أثير حول الاختلاط أخيرا. وهكذا دواليك.
Bjad33@gmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي
أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة