أراضٍ بلا صكوك.. من لا يملك باع لمن لا يعلم
مكاتب العقار الوهمية صنعت المشكلة والأمانات فشلت في حلها
الخميس / 07 / محرم / 1431 هـ الخميس 24 ديسمبر 2009 20:44
عبد الرحمن الختارش ، إبراهيم القربي ، جدة ــ عبد الكريم المربع ــ مكة المكرمة ، خالد الشلاحي ــ المدينة المنورة
بين شح المنح وغلاء المخططات يعيش ذوو الدخل المحدود صراعا مع الأمانات وتجار العقارات ومطوري المخططات السكنية للحصول على أراض للبناء والسكن، وهنا تبرز مشكلة البناء على أراض بدون صكوك، كيف يمكن تقديم الحلول العملية، التي تتمثل في الرغبة في البناء مع قلة الإمكانات، وشح المنح، ورغبة مطوري المخططات في الكسب السريع، والضحايا دائما هم من الفــئـات الأقــل دخلا أو الطامحين في البناء وتملك منازل حتى لو كانت على أراض في أطراف المدن، ومن دون صكوك أو في مجاري الأودية.
يقول علاء باعنتر أحد الذين لجأوا إلى هذه المخططات: المشكلة قائمة ويبدو أنها سوف تستمر في ظل رفض الأمانة توفير البديل، ولن يكون هناك حل سوى تأهيل المناطق الجديدة بما تحتاجه من خدمات لتحقيق الاستقرار لساكنيها.
سالم باوزير أيد ماسبق وأضاف: المنطقة المركزية في مكة المكرمة مثلا تتوسع من أجل تطوير هذه المنطقة الهامة وهو ما يتطلب ضرورة أن تتمدد مكة المكرمة إلى الأطراف وحتى يتحقق هذا التمدد، لابد من أن تسبقه خدمات البنية التحتية وتوفير الخدمات التي تجذب الساكن وترغبه للإقامة فيها بشكل دائم وهذا التأهيل تكلفته باهظة تتجاوز مقدرة ذوي الدخل المحدود، وهذا ما يجعلهم يبحثون عن المخططات العشوائية غير المعتمدة من قبل الأمانة لرخصها ومواءمتها مع إمكانيات الفرد المادية.
مايعانيه سكان مكة المكرمة ينطبق أيضا على سكان المدينة المنورة، فخلال السنة الماضية نشطت لجنة مراقبة الأراضي الحكومية والتعديات وأزالت المنازل التي لايملك ساكنوها صكوك ملكية للبناء خوفا من أن تكون نواة لولادة أحياء عشوائية، ولكن أين البديل، وكيف يتصرف متوسطو ومحدودو الدخل حيال ذلك، فقد شهد طريق تبوك وطريق ينبع عدة حالات إزالة لمساكن مواطنين لعدم حصولهم على صك ملكية الأرض التي بنوا عليها، ورفضت المحكمة الإدارية في المدينة المنورة الدعوى التي رفعها المواطن محيا محسن الحربي ضد أمانة المدينة بعد إحيائه أرضا على مساحة 63 ألف متر مربع قبل ثمانية أعوام، تشتمل على منزلين يسكنهما الحربي وأسرته المكونة من 19 فردا وتحتوي مزروعات ومرافق أخرى وبئرا ارتوازية، وهدمت آليات لجنة الإزالة المنزلين لعدم إثبات (الحربي) ملكيته، واعتبرته متعديا على أرض بلا صك، فيما يصر الحربي على أنه لم يعتد على أرض كانت مملوكة لطرف آخر وهو اشتراها وزرعها وشيد عليها بنيانا أسوة بالعديد من سكان المخطط المجاور لمنطقة تعج بمحلات التشاليح على طريق تبوك شمالا.
مسعد المطيري هدم منزله الكائن على طريق ينبع القديم والذي يقيم فيه وأسرته ووالدته منذ عشرة أعوام بعد أن اشتراه من مواطن آخر، إلا أن لجنة الإزالة لم تمهله طويلا وحضرت إلى الموقع وباشرت في هدمه، ومع أن اللجنة نفذت القانون والنظام طبقا للوائح البلدية، إلا أن المطيري انتقد تصرف اللجنة وعدم اكتراثها بخطاب تسلمه من رئيس المحكمة العامة في المدينة المنورة يطلب من اللجنة التريث في الإزالة لحين انتهاء المعاملة المنظورة أمام القضاء بشأن طلب استخراج حجة استحكام لتملك الأرض التي تم البناء عليها، معتبرا أنه لم يعتد على أرض عامة، وإنما اشتراها بـ 50 ألف ريال من مواطن آخر.
فيما تفاجأ عوض السحيمي بآليات ومعدات لجنة الإزالة تهدم منزله الصغير في حي حمراء الأسد في المدينة المنورة في وقت ينتظر عودة بناته من المدرسة، إلا أنه لم يتمالك نفسه فسقط مغشيا عليه ونقل للمستشفى حين وجد منزله الذي كان يأويه وأطفاله قد هدم.
وفي جدة يقول حسين محمد لم أجد أمامي إلا الهروب بأسرتي المكونة من 11 فردا إلى شرق جدة، فهو الحل الوحيد المتاح، لارتفاع أسعار الأراضي شمال ووسط جدة، ويرى أنه لا يلام على ذلك ويطلب ممن يلومه على السكن في بطن الوادي توفير الأرض البديلة أولا.
إبراهيم الحربي لا يبتعد عن غيره، كثيرا، اذ هو الآخر الذي دفعته أسعار الأراضي شمال جدة إلى شراء أرض بعيدا عن النطاق العمراني.
صالح الصاعدي الذي يعيش في حي الصواعد شرقي جدة يقول: أسكن في هذه المنطقة منذ عشرة أعوام، ولجأت إلى هنا بسبب الأسعار المناسبة والتي في متناول يدي، لذلك قبلت السكن في حي بدون خدمات أو مرافق لعدم مقدرتي على السكن في المخططات الراقية.
عبد العزيز الصاعدي يشترك مع سابقه في الأسباب ذاتها ويقول: لجأت إلى السكن شرقي الخط السريع رغم بعد المسافة عن وسط جدة لأسباب كثيرة منها الارتفاع الجنوني للأسعار غربي وشمالي جدة، وهذا ما يؤكده خالد الزهراني الذي يقول: ترددت كثيرا في شراء قطعة أرض في حي الحرازات العشوائي ولكن رضخت للواقع بعد أن فشلت في الحصول على أية قطعة أرض في أي مكان آخر.
بيع الوهم
عبد الله البلوي رئيس طائفة العقار في محافظة جدة يؤكد أن السبب الرئيسي وراء انتشار المكاتب غير المرخصة هو «المواطن» الذي يتعامل معها، ويساعد في استمرارها، ويحذر من أن تعامل المواطن معها يعرضه إلى النصب والاحتيال لأنها غير نظامية، ويضيف: عند حدوث أي مشكلة مع تلك المكاتب لا تتحمل الجهات الحكومية أية مسؤولية عنها، لأنها غير نظامية في الأصل، الأمر الذي يحتم على المواطن التعاون مع الجهات الحكومية في القضاء عليها، والحيلولة دون انتشارها، ويشير البلوي إلى أن أمانة جدة ممثلة في بلدياتها الفرعية تعمل على إزالة العديد من المكاتب العشوائية المنتشرة في أطراف مدينة جدة، وتعمل على تطبيق العقوبات ضد ملاكها، وأن هناك مساعي لتطوير مهنة العقار بكل ما يخدم أرباب المهنة بالتعاون مع كل من محافظة جدة ،أمانتها، محاكمها الإدارية والعامة والجزائية، كتابة العدل، شرطة المحافظة، وزارة التجارة، والغرفة التجارية، وجميع الجهات الحكومية الأخرى، ويؤكد البلوي أن هذا التعاون من المهام الأساسية المناطة به بصفته رئيس طائفة العقار، مشددا على أنه لا توجد أية صلاحية رسمية لأي مكتب أو مؤسسة عقارية بعمل مزاد على أي عقار دون الحصول على ترخيص رسمي، أو خطاب من صاحب الصلاحية الإدارية، وأن ما عدا ذلك يعد مخالفا للأنظمة والتعليمات ، ويشير إلى أنه عمل أخيرا على إنشاء «مجلس للصلح العقاري» تحت مظلة طائفة العقاريين من خلال عدة مهام ، وأن هناك دراسات تختص بالقضاء على العشوائيات وإعادة تنظيم المخططات توافقا مع رؤية أمير منطقة مكة المكرمة في محاربة العشوائيات وما تتطلع له أمانة جدة في هذا الصدد والذي سيساعد في القضاء على المكاتب العقارية غير النظامية والعشوائية .
حصر الأراضي
من جانبه كشف لـ «عكاظ» مدير فرع وزارة الزراعة في العاصمة المقدسة المهندس هشام حلواني عن بدء عملية الرفع المساحي للأراضي الواقعة خارج النطاق العمراني في مكة المكرمة بالتعاون مع إمارة المنطقة وبخاصة الأراضي غير المملوكة بصك شرعي مثبت لدى الجهات الحكومية المعنية.
وبين حلواني أن الوزارة تسعى إلى التحقق من المساحات الشاغرة وغير المملوكة لمواطنين أو أي جهة أخرى بصكوك مثبتة شرعا وتهيئة هذه المساحات للاستثمار الفردي واستثمار الشركات في مجالي الثروات الزراعية والحيوانية وتقديم الدعم المتاح فيما يتعلق بالتغذية للحيوانات والتطعيم والأدوية لكل من لديه الرغبة في التقدم بطلب الاستثمار وفق الشروط المحددة لذلك والالتزام بتعليمات الوزارة في هذا الشأن، بعد رفع مساحي زراعي ووضع إحداثيات للمواقع المرصودة لأدراجها ضمن بيان شامل يتم تجزئته وتقسيمه وفق معايير بيئية تراعي للاحتياجات الزراعية.
وأضاف حلواني: إن هذا الإجراء يحد من التعدي على الأراضي غير المملوكة بعد تحديد المواقع وفق الصكوك المثبتة، كما تساهم كذلك في مد المسطحات الخضراء ومحاربة التصحر التي تتمتع بها طبيعة الأرض في مكة المكرمة والتي تميل إلى الكثبان الرملية في غالب مواقعها.
خطط للتطوير
من جانبه قال وكيل أمانة المدينة المنورة للمشاريع المهندس طارق ديولي: إن لدى الأمانة آلية لتحديد موقع المخططات السكنية والتأكد من عدم وجودها في أودية أو مجار للسيول وأنها ستحصل على كافة الخدمات الضرورية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى قبل التصريح بالبناء.
فيما يؤكد المجلس البلدي في المدينة المنورة وجود مخططات عشوائية لازالت تحتاج إلى دراسة لتطويرها وتنطبق عليها لائحة المناطق العشوائية، وأشار رئيس المجلس المهندس صلاح الردادي إلى أن هناك مناطق مستهدفة لتطويرها في المرحلة المقبلة.
لاءات البلديات
يقول رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية في مكة المكرمة الشريف منصور أبو رياش: المخططات نشأت لسياسة اللاءات التي تتبعها البلديات دون توفير البديل المناسب، بل البديل بشكل عام، فعندما ترفض الأمانات إنشاء مخطط في مكان ما فيجب أن تكون ملزمة بتأمين الموقع البديل في ظل تزايد معدل النمو السكاني بشكل سريع وفي ظل الهجرة المتواصلة من القرى والهجر إلى المدن الكبرى.
ويضيف الشريف: تدين الأمانات أحيانا نفسها عندما توصل الخدمات إلى المخططات المخالفة، ويعتبر توصيل المرافق إلى الأحياء العشوائية بمثابة اعتراف بأهلية المخطط أيا كان وضعه، ومن ثم يكون لسكانها الحق في السكن والتمتع بالخدمات والمرافق على أن تتحمل الأمانة تبعات نشوء المخططات المخالفة.
وأوضح أبو رياش أن هوس الاستثمار العقاري في مكة المكرمة على سبيل المثال دفع إلى زيادة الجشع والرغبة في زيادة الدخل على حساب المستفيد لتصبح المناطق المتاخمة للنطاق العمراني مخططات لها مستقبل واعد، عموما قلة المساكن في بعض المواقع دفعت الراغبين في السكنى إلى البحث عن مخططات فيها الحد الأدنى من المرافق العامة، كما أن المناطق العمرانية في مكة المكرمة لا تشكل سوى ما نسبته 43 في المائة.
واعتبر أبو رياش أن الأمانة هي المسؤولة عن متابعة تأهيل المخططات الممنوحة والمعتمدة من وزارة الشؤون البلدية والقروية، فلا يكفي منح ذوي الدخل المحدود أراضي دون خدمات ومرافق عامة تساعد في إحياء المنطقة عمرانيا، وهو ما دفع الكثير منهم إلى الاكتفاء بالانتظار لحين حصول المنطقة على ما تحتاجه من مرافق، وعن المخططات العشوائية يرى أبو رياش أنه يجب على الأمانة ملاحقة مروجيها وعدم السماح لهم بممارسة أساليبهم الملتوية في حصد الأموال من وراء هذه المخططات لأن الضحية في نهاية المطاف هو المواطن.
مكاتب وهمية
في جدة يشير عبد العزيز حميد الجهني استشاري اقتصادي إلى أن الأحياء العشوائية الجديدة تشهد اعتداءات على الأراضي من خلال البناء أو المتاجرة بها، معتبرا أنه من الطبيعي أن تجد هذه المواقع إقبالا من المشترين الذين ليست لهم معرفة بحقيقتها، حيث يبيع من لايملك كما يرجع سبب الإقبال عليها لاتساع مساحاتها ورخص ثمنها، مشيرا إلى أن الأمانات لا تسمح بالبناء في هذه المخططات دون الحصول على التراخيص وفي حالة المخالفة تزيل التعديات الحاصلة، ومن العوامل التي تسهم في تزايد أعداد مثل هذه الأوهام وجود مكاتب عقار على أرض هذه المخططات نفسها وأكثرها غير مرخصة لها بمزاولة النشاط، ومع ذلك تروج لبيع قطع هذا المخطط أوذاك باستخدام وسائل عدة منها الإعلان في نشرات الإعلانات غير الرسمية ذات الطابع التجاري أو بتوزيع منشورات، كما أن لجان التعديات تواجه احتجاجات قوية من المشترين الذين يدعون أنهم اشتروا من مكاتب عقار في حين يتخلى أصحاب هذه المكاتب عنهم فور تدخل أي جهة رسمية، لذلك لابد من مراقبة هذه المكاتب العشوائية ومطاردة أصحابها وتطبيق العقوبات في حقهم، لأن مثل تلك المكاتب الوهمية أسهمت بشكل علني في ظاهرة التعدي على الأراضي الحكومية مشكلة بذلك أحياء عشوائية في أطراف المدن.
وفي الاتجاه نفسه يتحدث عبد الله الأحمري رئيس اللجنة العقارية والتثمين العقاري في غرفة جدة، ويؤكد أن جدة تحفل بأكثر من ثلاثة آلاف مكتب عقار ما بين مرخص وغير مرخص، ويلقي باللائمة على أمانة جدة، مؤكدا أنها السبب ــ على حد تعبيره ــ في كثرة المكاتب العقارية، وعدم تنظيمها ساهمت في إيجاد هذه المشكلة من خلال السماح لفروعها بمنح رخص فتح مكاتب عقارية من قبلها مباشرة، ويشير إلى أهمية عدم منح تلك الرخص من قبل البلديات الفرعية إلا بعد حصول المتقدم على سجل تجاري صادر من التجارة، إضافة إلى اشتراك في الغرفة التجارية، ويلفت إلى أن هناك مكاتب تنتشر بشكل عشوائي وكثيف، خاصة في أطراف جدة وتنفذ مبايعات بوثائق، وهو ما منعته الداخلية، وصدر به تعميم يلزم الجميع بعدم إصدار مبايعات عن طريق وثائق دون مستمسكات شرعية من قبل المكاتب غير المرخصة، مع أن هناك مكاتب مرخصة تعمل بمثل هذه المبايعات، ويضيف الأحمري أن اللجنة العقارية تواجه عددا كبيرا من المشكلات بسبب تلك المبايعات، وصعوبة البحث عن المكتب الذي تمت فيه، لأن أغلبها لا وجود له على الطبيعة، ويحذر من أن القائمين على المكاتب حتى المرخصة من قبل البلديات يكتفون بالأوراق التي تحمل اسم المكتب فقط، حيث لا توجد لهم مكاتب على أرض الواقع، ويلفت إلى أن الوثائق تحدد الأرض فقط، وتنص على حماية المشتري من الجميع ما عدا الدولة، أو من يحمل صكا شرعيا، مؤكدا أن اللجنة تطالب بالتنسيق بين الأمانة واللجنة العقارية بغرفة جدة والتجارة لمواجهة المكاتب العشوائية التي تسهم في زيادة رقعة التعدي، وتتجاوز ذلك إلى العمل في مجالات البناء والمقاولات ومزاولة أنشطة أخرى غير مخصصة لها حتى في حال كونها مرخصة، ويتناول الأحمري جانبا آخر له ارتباط وثيق الصلة بتلك المكاتب يتمثل في نشاط رئيس طائفة الدلالين الذي يعتقد الكثيرون أن له دورا في ضبط المكاتب العقارية، وهذا الاعتقاد ليس صحيحا، ويوضح أن دوره يتركز في مسؤوليته عن الدلالين فقط، أما المكاتب العقارية فهناك قرار صادر من مجلس الوزراء ينص على عدم ممارسة الدلالة في العقار، إلا بعد الحصول على سجل تجاري من وزارة التجارة، والتوقيع على التعهدات المرفقة بالسجل، ومنها عدم القيام بمثل هذه الممارسات الموجودة حاليا، ويقترح إنشاء هيئة تعمل على القضاء على مثل المكاتب العشوائية، إضافة إلى تصحيح الوضع القائم كاملا، وعدم منح تلك المكاتب أي فرصة للاستمرار والنمو، وذلك بسن جزاءات رادعة للجميع.
يقول علاء باعنتر أحد الذين لجأوا إلى هذه المخططات: المشكلة قائمة ويبدو أنها سوف تستمر في ظل رفض الأمانة توفير البديل، ولن يكون هناك حل سوى تأهيل المناطق الجديدة بما تحتاجه من خدمات لتحقيق الاستقرار لساكنيها.
سالم باوزير أيد ماسبق وأضاف: المنطقة المركزية في مكة المكرمة مثلا تتوسع من أجل تطوير هذه المنطقة الهامة وهو ما يتطلب ضرورة أن تتمدد مكة المكرمة إلى الأطراف وحتى يتحقق هذا التمدد، لابد من أن تسبقه خدمات البنية التحتية وتوفير الخدمات التي تجذب الساكن وترغبه للإقامة فيها بشكل دائم وهذا التأهيل تكلفته باهظة تتجاوز مقدرة ذوي الدخل المحدود، وهذا ما يجعلهم يبحثون عن المخططات العشوائية غير المعتمدة من قبل الأمانة لرخصها ومواءمتها مع إمكانيات الفرد المادية.
مايعانيه سكان مكة المكرمة ينطبق أيضا على سكان المدينة المنورة، فخلال السنة الماضية نشطت لجنة مراقبة الأراضي الحكومية والتعديات وأزالت المنازل التي لايملك ساكنوها صكوك ملكية للبناء خوفا من أن تكون نواة لولادة أحياء عشوائية، ولكن أين البديل، وكيف يتصرف متوسطو ومحدودو الدخل حيال ذلك، فقد شهد طريق تبوك وطريق ينبع عدة حالات إزالة لمساكن مواطنين لعدم حصولهم على صك ملكية الأرض التي بنوا عليها، ورفضت المحكمة الإدارية في المدينة المنورة الدعوى التي رفعها المواطن محيا محسن الحربي ضد أمانة المدينة بعد إحيائه أرضا على مساحة 63 ألف متر مربع قبل ثمانية أعوام، تشتمل على منزلين يسكنهما الحربي وأسرته المكونة من 19 فردا وتحتوي مزروعات ومرافق أخرى وبئرا ارتوازية، وهدمت آليات لجنة الإزالة المنزلين لعدم إثبات (الحربي) ملكيته، واعتبرته متعديا على أرض بلا صك، فيما يصر الحربي على أنه لم يعتد على أرض كانت مملوكة لطرف آخر وهو اشتراها وزرعها وشيد عليها بنيانا أسوة بالعديد من سكان المخطط المجاور لمنطقة تعج بمحلات التشاليح على طريق تبوك شمالا.
مسعد المطيري هدم منزله الكائن على طريق ينبع القديم والذي يقيم فيه وأسرته ووالدته منذ عشرة أعوام بعد أن اشتراه من مواطن آخر، إلا أن لجنة الإزالة لم تمهله طويلا وحضرت إلى الموقع وباشرت في هدمه، ومع أن اللجنة نفذت القانون والنظام طبقا للوائح البلدية، إلا أن المطيري انتقد تصرف اللجنة وعدم اكتراثها بخطاب تسلمه من رئيس المحكمة العامة في المدينة المنورة يطلب من اللجنة التريث في الإزالة لحين انتهاء المعاملة المنظورة أمام القضاء بشأن طلب استخراج حجة استحكام لتملك الأرض التي تم البناء عليها، معتبرا أنه لم يعتد على أرض عامة، وإنما اشتراها بـ 50 ألف ريال من مواطن آخر.
فيما تفاجأ عوض السحيمي بآليات ومعدات لجنة الإزالة تهدم منزله الصغير في حي حمراء الأسد في المدينة المنورة في وقت ينتظر عودة بناته من المدرسة، إلا أنه لم يتمالك نفسه فسقط مغشيا عليه ونقل للمستشفى حين وجد منزله الذي كان يأويه وأطفاله قد هدم.
وفي جدة يقول حسين محمد لم أجد أمامي إلا الهروب بأسرتي المكونة من 11 فردا إلى شرق جدة، فهو الحل الوحيد المتاح، لارتفاع أسعار الأراضي شمال ووسط جدة، ويرى أنه لا يلام على ذلك ويطلب ممن يلومه على السكن في بطن الوادي توفير الأرض البديلة أولا.
إبراهيم الحربي لا يبتعد عن غيره، كثيرا، اذ هو الآخر الذي دفعته أسعار الأراضي شمال جدة إلى شراء أرض بعيدا عن النطاق العمراني.
صالح الصاعدي الذي يعيش في حي الصواعد شرقي جدة يقول: أسكن في هذه المنطقة منذ عشرة أعوام، ولجأت إلى هنا بسبب الأسعار المناسبة والتي في متناول يدي، لذلك قبلت السكن في حي بدون خدمات أو مرافق لعدم مقدرتي على السكن في المخططات الراقية.
عبد العزيز الصاعدي يشترك مع سابقه في الأسباب ذاتها ويقول: لجأت إلى السكن شرقي الخط السريع رغم بعد المسافة عن وسط جدة لأسباب كثيرة منها الارتفاع الجنوني للأسعار غربي وشمالي جدة، وهذا ما يؤكده خالد الزهراني الذي يقول: ترددت كثيرا في شراء قطعة أرض في حي الحرازات العشوائي ولكن رضخت للواقع بعد أن فشلت في الحصول على أية قطعة أرض في أي مكان آخر.
بيع الوهم
عبد الله البلوي رئيس طائفة العقار في محافظة جدة يؤكد أن السبب الرئيسي وراء انتشار المكاتب غير المرخصة هو «المواطن» الذي يتعامل معها، ويساعد في استمرارها، ويحذر من أن تعامل المواطن معها يعرضه إلى النصب والاحتيال لأنها غير نظامية، ويضيف: عند حدوث أي مشكلة مع تلك المكاتب لا تتحمل الجهات الحكومية أية مسؤولية عنها، لأنها غير نظامية في الأصل، الأمر الذي يحتم على المواطن التعاون مع الجهات الحكومية في القضاء عليها، والحيلولة دون انتشارها، ويشير البلوي إلى أن أمانة جدة ممثلة في بلدياتها الفرعية تعمل على إزالة العديد من المكاتب العشوائية المنتشرة في أطراف مدينة جدة، وتعمل على تطبيق العقوبات ضد ملاكها، وأن هناك مساعي لتطوير مهنة العقار بكل ما يخدم أرباب المهنة بالتعاون مع كل من محافظة جدة ،أمانتها، محاكمها الإدارية والعامة والجزائية، كتابة العدل، شرطة المحافظة، وزارة التجارة، والغرفة التجارية، وجميع الجهات الحكومية الأخرى، ويؤكد البلوي أن هذا التعاون من المهام الأساسية المناطة به بصفته رئيس طائفة العقار، مشددا على أنه لا توجد أية صلاحية رسمية لأي مكتب أو مؤسسة عقارية بعمل مزاد على أي عقار دون الحصول على ترخيص رسمي، أو خطاب من صاحب الصلاحية الإدارية، وأن ما عدا ذلك يعد مخالفا للأنظمة والتعليمات ، ويشير إلى أنه عمل أخيرا على إنشاء «مجلس للصلح العقاري» تحت مظلة طائفة العقاريين من خلال عدة مهام ، وأن هناك دراسات تختص بالقضاء على العشوائيات وإعادة تنظيم المخططات توافقا مع رؤية أمير منطقة مكة المكرمة في محاربة العشوائيات وما تتطلع له أمانة جدة في هذا الصدد والذي سيساعد في القضاء على المكاتب العقارية غير النظامية والعشوائية .
حصر الأراضي
من جانبه كشف لـ «عكاظ» مدير فرع وزارة الزراعة في العاصمة المقدسة المهندس هشام حلواني عن بدء عملية الرفع المساحي للأراضي الواقعة خارج النطاق العمراني في مكة المكرمة بالتعاون مع إمارة المنطقة وبخاصة الأراضي غير المملوكة بصك شرعي مثبت لدى الجهات الحكومية المعنية.
وبين حلواني أن الوزارة تسعى إلى التحقق من المساحات الشاغرة وغير المملوكة لمواطنين أو أي جهة أخرى بصكوك مثبتة شرعا وتهيئة هذه المساحات للاستثمار الفردي واستثمار الشركات في مجالي الثروات الزراعية والحيوانية وتقديم الدعم المتاح فيما يتعلق بالتغذية للحيوانات والتطعيم والأدوية لكل من لديه الرغبة في التقدم بطلب الاستثمار وفق الشروط المحددة لذلك والالتزام بتعليمات الوزارة في هذا الشأن، بعد رفع مساحي زراعي ووضع إحداثيات للمواقع المرصودة لأدراجها ضمن بيان شامل يتم تجزئته وتقسيمه وفق معايير بيئية تراعي للاحتياجات الزراعية.
وأضاف حلواني: إن هذا الإجراء يحد من التعدي على الأراضي غير المملوكة بعد تحديد المواقع وفق الصكوك المثبتة، كما تساهم كذلك في مد المسطحات الخضراء ومحاربة التصحر التي تتمتع بها طبيعة الأرض في مكة المكرمة والتي تميل إلى الكثبان الرملية في غالب مواقعها.
خطط للتطوير
من جانبه قال وكيل أمانة المدينة المنورة للمشاريع المهندس طارق ديولي: إن لدى الأمانة آلية لتحديد موقع المخططات السكنية والتأكد من عدم وجودها في أودية أو مجار للسيول وأنها ستحصل على كافة الخدمات الضرورية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى قبل التصريح بالبناء.
فيما يؤكد المجلس البلدي في المدينة المنورة وجود مخططات عشوائية لازالت تحتاج إلى دراسة لتطويرها وتنطبق عليها لائحة المناطق العشوائية، وأشار رئيس المجلس المهندس صلاح الردادي إلى أن هناك مناطق مستهدفة لتطويرها في المرحلة المقبلة.
لاءات البلديات
يقول رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية في مكة المكرمة الشريف منصور أبو رياش: المخططات نشأت لسياسة اللاءات التي تتبعها البلديات دون توفير البديل المناسب، بل البديل بشكل عام، فعندما ترفض الأمانات إنشاء مخطط في مكان ما فيجب أن تكون ملزمة بتأمين الموقع البديل في ظل تزايد معدل النمو السكاني بشكل سريع وفي ظل الهجرة المتواصلة من القرى والهجر إلى المدن الكبرى.
ويضيف الشريف: تدين الأمانات أحيانا نفسها عندما توصل الخدمات إلى المخططات المخالفة، ويعتبر توصيل المرافق إلى الأحياء العشوائية بمثابة اعتراف بأهلية المخطط أيا كان وضعه، ومن ثم يكون لسكانها الحق في السكن والتمتع بالخدمات والمرافق على أن تتحمل الأمانة تبعات نشوء المخططات المخالفة.
وأوضح أبو رياش أن هوس الاستثمار العقاري في مكة المكرمة على سبيل المثال دفع إلى زيادة الجشع والرغبة في زيادة الدخل على حساب المستفيد لتصبح المناطق المتاخمة للنطاق العمراني مخططات لها مستقبل واعد، عموما قلة المساكن في بعض المواقع دفعت الراغبين في السكنى إلى البحث عن مخططات فيها الحد الأدنى من المرافق العامة، كما أن المناطق العمرانية في مكة المكرمة لا تشكل سوى ما نسبته 43 في المائة.
واعتبر أبو رياش أن الأمانة هي المسؤولة عن متابعة تأهيل المخططات الممنوحة والمعتمدة من وزارة الشؤون البلدية والقروية، فلا يكفي منح ذوي الدخل المحدود أراضي دون خدمات ومرافق عامة تساعد في إحياء المنطقة عمرانيا، وهو ما دفع الكثير منهم إلى الاكتفاء بالانتظار لحين حصول المنطقة على ما تحتاجه من مرافق، وعن المخططات العشوائية يرى أبو رياش أنه يجب على الأمانة ملاحقة مروجيها وعدم السماح لهم بممارسة أساليبهم الملتوية في حصد الأموال من وراء هذه المخططات لأن الضحية في نهاية المطاف هو المواطن.
مكاتب وهمية
في جدة يشير عبد العزيز حميد الجهني استشاري اقتصادي إلى أن الأحياء العشوائية الجديدة تشهد اعتداءات على الأراضي من خلال البناء أو المتاجرة بها، معتبرا أنه من الطبيعي أن تجد هذه المواقع إقبالا من المشترين الذين ليست لهم معرفة بحقيقتها، حيث يبيع من لايملك كما يرجع سبب الإقبال عليها لاتساع مساحاتها ورخص ثمنها، مشيرا إلى أن الأمانات لا تسمح بالبناء في هذه المخططات دون الحصول على التراخيص وفي حالة المخالفة تزيل التعديات الحاصلة، ومن العوامل التي تسهم في تزايد أعداد مثل هذه الأوهام وجود مكاتب عقار على أرض هذه المخططات نفسها وأكثرها غير مرخصة لها بمزاولة النشاط، ومع ذلك تروج لبيع قطع هذا المخطط أوذاك باستخدام وسائل عدة منها الإعلان في نشرات الإعلانات غير الرسمية ذات الطابع التجاري أو بتوزيع منشورات، كما أن لجان التعديات تواجه احتجاجات قوية من المشترين الذين يدعون أنهم اشتروا من مكاتب عقار في حين يتخلى أصحاب هذه المكاتب عنهم فور تدخل أي جهة رسمية، لذلك لابد من مراقبة هذه المكاتب العشوائية ومطاردة أصحابها وتطبيق العقوبات في حقهم، لأن مثل تلك المكاتب الوهمية أسهمت بشكل علني في ظاهرة التعدي على الأراضي الحكومية مشكلة بذلك أحياء عشوائية في أطراف المدن.
وفي الاتجاه نفسه يتحدث عبد الله الأحمري رئيس اللجنة العقارية والتثمين العقاري في غرفة جدة، ويؤكد أن جدة تحفل بأكثر من ثلاثة آلاف مكتب عقار ما بين مرخص وغير مرخص، ويلقي باللائمة على أمانة جدة، مؤكدا أنها السبب ــ على حد تعبيره ــ في كثرة المكاتب العقارية، وعدم تنظيمها ساهمت في إيجاد هذه المشكلة من خلال السماح لفروعها بمنح رخص فتح مكاتب عقارية من قبلها مباشرة، ويشير إلى أهمية عدم منح تلك الرخص من قبل البلديات الفرعية إلا بعد حصول المتقدم على سجل تجاري صادر من التجارة، إضافة إلى اشتراك في الغرفة التجارية، ويلفت إلى أن هناك مكاتب تنتشر بشكل عشوائي وكثيف، خاصة في أطراف جدة وتنفذ مبايعات بوثائق، وهو ما منعته الداخلية، وصدر به تعميم يلزم الجميع بعدم إصدار مبايعات عن طريق وثائق دون مستمسكات شرعية من قبل المكاتب غير المرخصة، مع أن هناك مكاتب مرخصة تعمل بمثل هذه المبايعات، ويضيف الأحمري أن اللجنة العقارية تواجه عددا كبيرا من المشكلات بسبب تلك المبايعات، وصعوبة البحث عن المكتب الذي تمت فيه، لأن أغلبها لا وجود له على الطبيعة، ويحذر من أن القائمين على المكاتب حتى المرخصة من قبل البلديات يكتفون بالأوراق التي تحمل اسم المكتب فقط، حيث لا توجد لهم مكاتب على أرض الواقع، ويلفت إلى أن الوثائق تحدد الأرض فقط، وتنص على حماية المشتري من الجميع ما عدا الدولة، أو من يحمل صكا شرعيا، مؤكدا أن اللجنة تطالب بالتنسيق بين الأمانة واللجنة العقارية بغرفة جدة والتجارة لمواجهة المكاتب العشوائية التي تسهم في زيادة رقعة التعدي، وتتجاوز ذلك إلى العمل في مجالات البناء والمقاولات ومزاولة أنشطة أخرى غير مخصصة لها حتى في حال كونها مرخصة، ويتناول الأحمري جانبا آخر له ارتباط وثيق الصلة بتلك المكاتب يتمثل في نشاط رئيس طائفة الدلالين الذي يعتقد الكثيرون أن له دورا في ضبط المكاتب العقارية، وهذا الاعتقاد ليس صحيحا، ويوضح أن دوره يتركز في مسؤوليته عن الدلالين فقط، أما المكاتب العقارية فهناك قرار صادر من مجلس الوزراء ينص على عدم ممارسة الدلالة في العقار، إلا بعد الحصول على سجل تجاري من وزارة التجارة، والتوقيع على التعهدات المرفقة بالسجل، ومنها عدم القيام بمثل هذه الممارسات الموجودة حاليا، ويقترح إنشاء هيئة تعمل على القضاء على مثل المكاتب العشوائية، إضافة إلى تصحيح الوضع القائم كاملا، وعدم منح تلك المكاتب أي فرصة للاستمرار والنمو، وذلك بسن جزاءات رادعة للجميع.