عبد العزيز السبيل ومسيرة التحديث الثقافي
الجمعة / 07 / صفر / 1431 هـ الجمعة 22 يناير 2010 22:09
حسن النعمي
لن أتحدث هنا عن عبد العزيز السبيل الصديق، بل أود أن أتحدث عن السبيل المثقف والإداري، صاحب الرؤية الواضحة التي لمس دورها كل من تعامل معه، أو حتى من راقب دورها عن بعد. عندما قبل السبيل مهمة وكالة الوزارة للشؤون الثقافية قبلها برؤية واعية، حيث وضع مشروع التحديث الثقافي أولية مطلقة. وعند الحديث عن مشروع التحديث الثقافي في المملكة، فنحن نتحدث عن واحدة من أهم القضايا. وقصة التحديث الثقافي لها جانبان، أحدهما رسمي يرتبط بأجهزة الدولة، والآخر غير رسمي يتمثل في مطالب واجتهادات المثقفين. خواطر مصرحة
أما الجانب غير الرسمي فبدأت تكويناته الثقافية منذ صدور كتاب «خواطر مصرحة» لمحمد حسن عواد، وظهور الجيل الأول من الأدباء الذين نهجوا نهج التجديد في أدبهم وفي طروحاتهم الاجتماعية، وهو الجيل الذي تمثل في جيل جماعة الصبان كما أطلق عليه الناقد عبدالله الحامد في كتابه «الشعر الحديث في المملكة». فهذه الجماعة المؤلفة من الصبان وحمزة شحاتة ومحمد حسن عواد وأحمد قنديل وغيرهم، أسهموا بفكرهم في بلورة الكثير من المفاهيم الاجتماعية والأدبية بطريقة أثارت حفيظة المحافظين في المجتمع. ومن يقرأ مجلة المنهل في أعدادها المبكرة، على سبيل المثال، سيلمس شيئاً من هذه المواقف المتحفظة.
هزيمة 67
ولم تتوقف مسيرة التحديث الثقافي والأدبي في المملكة، فمع كل جيل تتجدد الرؤى والأفكار، وفي كل حين تصدم بعقبات بذرائعية منها عدم ملاءمة العصر. ويمكن أن نأخذ الموقف من الشعر الحر الذي بدأت طلائعه في الظهور على المشهد الأدبي السعودي مع الجيل الثالث من الأدباء في المملكة، وخاصة عقب هزيمة 67 على يد أحمد الصالح وسعد الحميدين، وسعد البواردي وحسن عبد الله القرشي وغيرهم. فالموقف من هذا النوع من الأدب لم يكن موقفاً أدبياً بالمعنى النقدي، بل كان موقف تحفظ وقلق على الهوية الحضارية. وإذا كان هناك من يجادل في أن المعارضة لهذا الشكل الأدبي لم تكن خاصة بالمجتمع السعودي، بل شملت أغلب المجتمعات العربية، أقول هذا حق من حيث المبدأ، لكون المشتركات واحدة، فرفض التحديث الثقافي لم يكن على أسس أدبية في معظمه، بل كان على أسس إيدولوجية.
شعراء الحداثة
وهو ما يتضح أكثر عندما نتأمل المشهد الثقافي في حقبة الثمانينيات الميلادية عندما يواجه عبد الله الغذامي وسعيد السريحي ومحمد العلي وكل شعراء الحداثة من أمثال محمد الثبيتي وعبد الله الصيخان وعلي الدميني وغيرهم هجمة عنيفة بدعوى الحفاظ على المكتسبات الدينية والحضارية. ومن يقرأ كتاب «جناية الشعر الحر»، وكتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» وغيرهما من المقالات التي وقف خلفها التيار المحافظ أو المتشدد بالأحرى، يدرك مأزق التحديث الثقافي في المملكة. فالموقف من الغذامي وكتاب «الخطيئة والتكفير»، ليس، بعد هذه السنين، سوى مدخل لضرب مشروع التحديث، فهم يدركون أن الوقوف أمام التحديث الثقافي هو خط دفاع أولي أمام المشاريع الاجتماعية الأخرى. فالنضج الفكري هو المقدمة الأساسية للتنمية الاجتماعية. ورغم سيادة المقولات التخوينية والإقصائية وتفريغ مصطلحات العلمانية واللبرالية من مضمونها العلمي، وترويجها بين العامة لتكريس سلبية التحديث وإقامة الحدود الفاصلة بين الموقف المحافظ وغيره من المواقف، فإن مسيرة التنوير ظلت باقية رغم خفوت صوتها.
زاوية رسمية
من هنا نقرأ مشروع عبد العزيز السبيل، ولكن من زاوية رسمية. عند تكوين الدولة السعودية كان تحديث المجتمع إحدى أولوياتها، ويمكن أن نقرأ بعض الإيقونات الدلالية لندرك جدوى المضي في التحديث رغم التحفظ والمعارضة من قبل التيار المحافظ. فتأسيس الإذاعة والتلفزيون وهما وسيلتا نشر ثقافية مهمة قوبل بالرفض والإنكار. كما أن تعليم الفتاة الذي انطلق في أوائل الستينيات الميلادية لقي من الرفض ما لقي. وهذه شواهد كبرى على صعوبة التحديث في المملكة. غير أن الإصرار على التحديث يكشف للمعارضين بعد حين طويل أو قصير أن مخاوفهم دائماً تصب في خانة المبالغة، بل وغير الواقعية في مجملها. فمن عارض تعليم البنات هم مستفيدون مثل غيرهم، ومن عارض التلفزيون والإذاعة ثبت أنها وسائل يمكن هم أن يستفيدوا منها، بل يمكن تسخيرها لخطابهم وهو ما حصل في بعض الفترات. ومن يقرأ التاريخ الاجتماعي لن يعدم أن يجد أمثلة كثيرة على الخصومات المفتعلة في طريق التحديث الثقافي والاجتماعي في المملكة.
مشروع التحديث
عندما قبل عبد العزيز السبيل مهمة تولي وكالة الوزارة قبلها، وهو يعرف كل هذه التحديات، لكنها قناعته في الإسهام بدور في تنمية التحديث الثقافي. فلم يقبل السبيل مهمة الوكالة لذات المنصب، بل قبله لما يمكن أن يتيحه المنصب من تنفيذ مشروع التحديث. وعندما نجرد السنوات الأربع التي قضاها السبيل في مهمته، نلحظ ما يلي:
ــ إعادة تفكيك الأندية الأدبية، وضخ دماء جديدة فيها، بعد أن مضى على بعضها أكثر من خمسة وعشرين عاماً. وهو جمود إداري سببه مراعاة السائد العام. وكان هذا التجديد مرهوناً بمرحلة انتقالية لمدة أربع سنوات تصدر خلالها لائحة جديدة تنظم الجمعيات العمومية التي تشرف على انتخابات المجالس وتراقب العمل، ولو تحقق هذا لتحولت الثقافة إلى صناعة مدنية صرفة، وهو ما خطط له السبيل وأعاق هذا التخطط عوامل مختلفة.
ــ الحصول على امتياز تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث تم تنظيمه بمواصفات عاليمة.
ــ إنشاء مؤسسات مجتمع مدني ثقافية دورها الاهتمام بالثقافة بعيدا عن الإشراف المباشر من الدولة، ومن هذه الجمعيات التي بدأت مزاولة نشاطها، جمعية المسرحيين، والتشكيليين والفوتغرافيين، رغم ما صاحب هذه الجمعيات من ارتباك وعدم انتظام.
ــ إصدار سلسلة المشهد الثقافي: حيث صدر منها كتاب عن الشعر وآخر عن الرواية في المملكة.
ــ تطوير المجلة العربية، وصدورها بحلة جديدة وغنى ثقافي زاخر.
قراءة النتائج
لا أشك أن هناك مشاريع أخرى قيد الدرس أو التنفيذ، ستظهر معالمها في القريب. عندما نتحدث عن عبد العزيز السبيل فنحن نتحدث عنه بوصفه مثقفاً وأكاديمياً أسهم بدوره في مسيرة الثقافة، وأجزم أنه أدرك مدى الصعوبة في تنفيذ الكثير مما يحلم به المرء في وسط تتعدد أطيافه ورؤاه، والأهم وسط يفتقر لقابلية قراءة النتائج بموضوعية بعيداً عن الانتماءات التي تضر أكثر مما تنفع، وتعطل أكثر مما تسهل.
السؤال الآن، هل نجح السبيل أم فشل؟ إذا كان من أسهم في التحديث من قبل سواء من المثقفين أو ممن كانوا في مناصب رسمية تمس الثقافة من قريب أو بعيد قد فشلوا، فلا شك أنه منهم، لكن إذا كان مقياس النجاح لا يقاس بالطفرات ولكن يقاس بالتراكم، فأجزم أنه نجح في تحريك كثير من الرواكد، ولا أتوقع أن ترجع الأمور للوراء، بل الحتميات التاريخية أثبتت وتثبت أن زمن التطور مقبل. عندها سيأتي من يقيم دور عبد العزيز السبيل في تطوير العمل الثقافي المنظم من منظر مختلف.
* باحث أكاديمي، ورئيس جماعة حوار في نادي جدة الأدبي.
أما الجانب غير الرسمي فبدأت تكويناته الثقافية منذ صدور كتاب «خواطر مصرحة» لمحمد حسن عواد، وظهور الجيل الأول من الأدباء الذين نهجوا نهج التجديد في أدبهم وفي طروحاتهم الاجتماعية، وهو الجيل الذي تمثل في جيل جماعة الصبان كما أطلق عليه الناقد عبدالله الحامد في كتابه «الشعر الحديث في المملكة». فهذه الجماعة المؤلفة من الصبان وحمزة شحاتة ومحمد حسن عواد وأحمد قنديل وغيرهم، أسهموا بفكرهم في بلورة الكثير من المفاهيم الاجتماعية والأدبية بطريقة أثارت حفيظة المحافظين في المجتمع. ومن يقرأ مجلة المنهل في أعدادها المبكرة، على سبيل المثال، سيلمس شيئاً من هذه المواقف المتحفظة.
هزيمة 67
ولم تتوقف مسيرة التحديث الثقافي والأدبي في المملكة، فمع كل جيل تتجدد الرؤى والأفكار، وفي كل حين تصدم بعقبات بذرائعية منها عدم ملاءمة العصر. ويمكن أن نأخذ الموقف من الشعر الحر الذي بدأت طلائعه في الظهور على المشهد الأدبي السعودي مع الجيل الثالث من الأدباء في المملكة، وخاصة عقب هزيمة 67 على يد أحمد الصالح وسعد الحميدين، وسعد البواردي وحسن عبد الله القرشي وغيرهم. فالموقف من هذا النوع من الأدب لم يكن موقفاً أدبياً بالمعنى النقدي، بل كان موقف تحفظ وقلق على الهوية الحضارية. وإذا كان هناك من يجادل في أن المعارضة لهذا الشكل الأدبي لم تكن خاصة بالمجتمع السعودي، بل شملت أغلب المجتمعات العربية، أقول هذا حق من حيث المبدأ، لكون المشتركات واحدة، فرفض التحديث الثقافي لم يكن على أسس أدبية في معظمه، بل كان على أسس إيدولوجية.
شعراء الحداثة
وهو ما يتضح أكثر عندما نتأمل المشهد الثقافي في حقبة الثمانينيات الميلادية عندما يواجه عبد الله الغذامي وسعيد السريحي ومحمد العلي وكل شعراء الحداثة من أمثال محمد الثبيتي وعبد الله الصيخان وعلي الدميني وغيرهم هجمة عنيفة بدعوى الحفاظ على المكتسبات الدينية والحضارية. ومن يقرأ كتاب «جناية الشعر الحر»، وكتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» وغيرهما من المقالات التي وقف خلفها التيار المحافظ أو المتشدد بالأحرى، يدرك مأزق التحديث الثقافي في المملكة. فالموقف من الغذامي وكتاب «الخطيئة والتكفير»، ليس، بعد هذه السنين، سوى مدخل لضرب مشروع التحديث، فهم يدركون أن الوقوف أمام التحديث الثقافي هو خط دفاع أولي أمام المشاريع الاجتماعية الأخرى. فالنضج الفكري هو المقدمة الأساسية للتنمية الاجتماعية. ورغم سيادة المقولات التخوينية والإقصائية وتفريغ مصطلحات العلمانية واللبرالية من مضمونها العلمي، وترويجها بين العامة لتكريس سلبية التحديث وإقامة الحدود الفاصلة بين الموقف المحافظ وغيره من المواقف، فإن مسيرة التنوير ظلت باقية رغم خفوت صوتها.
زاوية رسمية
من هنا نقرأ مشروع عبد العزيز السبيل، ولكن من زاوية رسمية. عند تكوين الدولة السعودية كان تحديث المجتمع إحدى أولوياتها، ويمكن أن نقرأ بعض الإيقونات الدلالية لندرك جدوى المضي في التحديث رغم التحفظ والمعارضة من قبل التيار المحافظ. فتأسيس الإذاعة والتلفزيون وهما وسيلتا نشر ثقافية مهمة قوبل بالرفض والإنكار. كما أن تعليم الفتاة الذي انطلق في أوائل الستينيات الميلادية لقي من الرفض ما لقي. وهذه شواهد كبرى على صعوبة التحديث في المملكة. غير أن الإصرار على التحديث يكشف للمعارضين بعد حين طويل أو قصير أن مخاوفهم دائماً تصب في خانة المبالغة، بل وغير الواقعية في مجملها. فمن عارض تعليم البنات هم مستفيدون مثل غيرهم، ومن عارض التلفزيون والإذاعة ثبت أنها وسائل يمكن هم أن يستفيدوا منها، بل يمكن تسخيرها لخطابهم وهو ما حصل في بعض الفترات. ومن يقرأ التاريخ الاجتماعي لن يعدم أن يجد أمثلة كثيرة على الخصومات المفتعلة في طريق التحديث الثقافي والاجتماعي في المملكة.
مشروع التحديث
عندما قبل عبد العزيز السبيل مهمة تولي وكالة الوزارة قبلها، وهو يعرف كل هذه التحديات، لكنها قناعته في الإسهام بدور في تنمية التحديث الثقافي. فلم يقبل السبيل مهمة الوكالة لذات المنصب، بل قبله لما يمكن أن يتيحه المنصب من تنفيذ مشروع التحديث. وعندما نجرد السنوات الأربع التي قضاها السبيل في مهمته، نلحظ ما يلي:
ــ إعادة تفكيك الأندية الأدبية، وضخ دماء جديدة فيها، بعد أن مضى على بعضها أكثر من خمسة وعشرين عاماً. وهو جمود إداري سببه مراعاة السائد العام. وكان هذا التجديد مرهوناً بمرحلة انتقالية لمدة أربع سنوات تصدر خلالها لائحة جديدة تنظم الجمعيات العمومية التي تشرف على انتخابات المجالس وتراقب العمل، ولو تحقق هذا لتحولت الثقافة إلى صناعة مدنية صرفة، وهو ما خطط له السبيل وأعاق هذا التخطط عوامل مختلفة.
ــ الحصول على امتياز تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث تم تنظيمه بمواصفات عاليمة.
ــ إنشاء مؤسسات مجتمع مدني ثقافية دورها الاهتمام بالثقافة بعيدا عن الإشراف المباشر من الدولة، ومن هذه الجمعيات التي بدأت مزاولة نشاطها، جمعية المسرحيين، والتشكيليين والفوتغرافيين، رغم ما صاحب هذه الجمعيات من ارتباك وعدم انتظام.
ــ إصدار سلسلة المشهد الثقافي: حيث صدر منها كتاب عن الشعر وآخر عن الرواية في المملكة.
ــ تطوير المجلة العربية، وصدورها بحلة جديدة وغنى ثقافي زاخر.
قراءة النتائج
لا أشك أن هناك مشاريع أخرى قيد الدرس أو التنفيذ، ستظهر معالمها في القريب. عندما نتحدث عن عبد العزيز السبيل فنحن نتحدث عنه بوصفه مثقفاً وأكاديمياً أسهم بدوره في مسيرة الثقافة، وأجزم أنه أدرك مدى الصعوبة في تنفيذ الكثير مما يحلم به المرء في وسط تتعدد أطيافه ورؤاه، والأهم وسط يفتقر لقابلية قراءة النتائج بموضوعية بعيداً عن الانتماءات التي تضر أكثر مما تنفع، وتعطل أكثر مما تسهل.
السؤال الآن، هل نجح السبيل أم فشل؟ إذا كان من أسهم في التحديث من قبل سواء من المثقفين أو ممن كانوا في مناصب رسمية تمس الثقافة من قريب أو بعيد قد فشلوا، فلا شك أنه منهم، لكن إذا كان مقياس النجاح لا يقاس بالطفرات ولكن يقاس بالتراكم، فأجزم أنه نجح في تحريك كثير من الرواكد، ولا أتوقع أن ترجع الأمور للوراء، بل الحتميات التاريخية أثبتت وتثبت أن زمن التطور مقبل. عندها سيأتي من يقيم دور عبد العزيز السبيل في تطوير العمل الثقافي المنظم من منظر مختلف.
* باحث أكاديمي، ورئيس جماعة حوار في نادي جدة الأدبي.