قادة العراق في السعودية

عبدالله بن بجاد العتيبي

كان الأسبوع الماضي جالبا للأنباء السارة، وذلك للدور السعودي القوي والمباشر لمصلحة العراق وشعبه وقياداته وهو ما كان يدعو له بشدة كثيرون من الساسة والمراقبين والكتاب.
ما يجري اليوم هو الأمر المنطقي والطبيعي، السعودية كبرى الدول العربية ورأس الدول الإسلامية، والأهم هو أنها جارة العراق الكبرى عربيا، ثم إن السعودية بثقلها السياسي والمعنوي جديرة بمساعدة العراق والعراقيين على تجاوز أزماتهم المتتالية، وباستطاعتها تقديم الكثير من الحلول والمساعدات لجميع الفرقاء من جهة، ولدعم العملية السياسية المتعثرة في العراق من جهة أخرى، فضلا عن قدراتها في دعم الاستقرار الاجتماعي داخل العراق، وفي المنطقة ككل، وهو أمر ذو أهمية بالغة.
إن السعودية بهذا التواصل الذي طال انتظاره مع العراق وساسته وقياداته الاجتماعية تبني جسور المودة والمساعدة وتؤكد مكانتها الإقليمية لا طلبا لنفوذ ولا سعيا لهيمنة بل دعم لوحدة العراق واستقلاله وحرية قراره وسيادته على أراضيه.
لقد بدا العراق بعد 2003م وبعد الدخول الأمريكي العسكري وإسقاط النظام السابق، وكأنه لقمة سائغة لكل طامع، ونهب قريب المنال لكل طامح لنفوذ أو هيمنة إقليمية، وهكذا فعلت بعض دول المنطقة كإيران وغيرها، فعملت بجد واجتهاد وإصرار لتحقيق أهدافها، فضخت المليارات، وألبت الفرقاء، واستمالت الساسة وأحزابهم، ودعمت الجماعات العنيفة شيعية وسنية، واستقطبت الشرائح الاجتماعية المختلفة، فنشرت الخراب والتدمير وقد فعلت هذا كله حبا لمصالحها هي لا مصالح العراق، وسعيا لتحقيق حلمها بالنفوذ والهيمنة، الذي لم يفتأ مسؤولوها يصرحون بها مرارا وتكرارا.
من غير المستبعد أن هذا التحرك المصلحي السياسي قد خالطه شيء من الحقد الناجم عن العداء الطويل بين الثورة الإسلامية ودولة العراق، فالحروب الطويلة تبقي في النفوس ذحولا وفي العقول عداء وفي السياسات جناية، وقد دامت حرب العراق وإيران ثماني سنوات حسوما، وربما رأى المراقب المتتبع شيئا من هذا في واقع العراق اليوم، وهو ما يتخوف منه عقلاء الساسة في العراق، أولئك الذين يسيطر عليهم انتماؤهم الوطني أكثر من أي ولاءات خارجية.
إن الحقد والطمع حين يجتمعان فإنما يحركمها الدافع الغرائزي أكثر مما يتحكم بهما الرادع العقلي، وهكذا كان، ومن يقرأ المشهد العراقي منذ 2003م وحتى اليوم تزدحم عليه الشواهد وتلتئم لديه الرؤية، فسياسات إيران تجاه العراق يقودها الحقد ويحدوها الطمع، حقد الماضي وطمع الحاضر، وهي تستميت لكي تحول العراق بعظمته وتاريخه وموارده ومكانته إلى مجرد خنجر صغير في خاصرتها، غير أن الانتخابات الأخيرة أخبرتها بصوت مدو أن العراق مستقل وأن شعبه قد وعى الدرس، وأدرك أن الحل بيده في اختيار قياداته وتسليمهم الزعامة، ثم جاء التوجه نحو السعودية ليفتح الخيارات لقادة العراق، ويعتقهم من أسر الخيار الوحيد.
ما تغير اليوم في داخل العراق هو ارتقاء وعي الفرد العراقي من جهة، وفهم بعض القادة العراقيين للسياسات التخريبية وأهدافها من جهة أخرى، ثم هناك الملل الشعبي العارم من تخريب البلاد وتقتيل العباد، والضجر المعلن الذي يعبر عن مدى السخط الذي يشعر به العراقي تجاه المخربين الخارجيين وأعوانهم الداخليين الذين ينفذون أجندة الخصم وإن كان فيها خراب العراق ودمار أهله وفناء مستقبله.
في مثل هذا الوضع البائس الذي يشهد سيطرة فقدان الأمل، وعربدة الفوضى، وضياع البوصلة، يأتي الاهتمام السياسي السعودي بالشأن العراقي والتواصل السياسي مع كافة أطرافه والعناية الفائقة بتفاصيل مشهده الكبيرة والصغيرة، وهي سياسة ينبغي أن تكون ملء السمع والبصر لكل متابع لما يجري في المنطقة، بما تحمله من معان وما تبعثه من إيحاءات يرصدها الخبير ويقرؤها الواعي.
كان جديرا بالاهتمام أن هذا الحراك السعودي الكثيف جاء بعدما اتخذ الشعب العراقي قراره في انتخابات تاريخية بكل المقاييس، واللافت هو أن السعودية ابتدأت تواصلها بالأطراف العراقية الأكثر توجسا نحو المساعدة السعودية للعراق، فكان التيار الصدري هو أول ضيوف الرياض، وكان طالباني فبارزاني بعده على التوالي، ثم عمار الحكيم وبعده طارق الهاشمي، في سلسلة ربما شكلت البداية لعمل سياسي يعيد ترتيب المشهد الإقليمي على أسس مختلفة.
كان احتفاء الرياض بالفرقاء متوازنا من حيث الاستقبال على أعلى المستويات السياسية بلقاء الملك، وكذلك بمنح الميدالية الأرقى في السعودية ــ ميدالية الملك عبد العزيز ــ للجميع، ما يؤكد أن الرياض لا تريد الوقوف مع طرف ضد آخر داخل العراق وتركيبته المعقدة بل تسعى للوقوف مع جميع الأطراف لمصلحة العراق وشعبه.
ربما اختلف بعض المراقبين على التوقيت، أي توقيت الرياض للتماس المباشر مع المسألة العراقية برمتها، البعض يقول تأخرت، والبعض يقول اختارت الوقت المناسب، والبعض يقول استعجلت، وفي المحصلة فلدى صانع القرار ما يختلف عن رؤية المراقب، ويبقى المستقبل شاهدا والتاريخ حكما.
لقد جدد الملك عبد الله بن عبد العزيز التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب العراق في وحدة أراضيه وسلامته واستقلاله وسيادته، كما جاء في كلمته لمجلس الوزراء السعودي الإثنين الماضي، ونقلتها صحيفة الشرق الأوسط في عددها 11459، بتاريخ 13 أبريل 2010م.
عودا على بدء، فإن العراق إن كان في الماضي «ناب العرب» كما قال حكيمهم يوما فإن العرب اليوم عبر الحراك الذي تقوده السعودية يريدون أن يكون العراق «ناب» العراق وحده، لا مجرد مخلب في يد خصوم العراق.
ولكأن شاعر العراق الكبير الرصافي ينظر من ستر الغيوب لحال العراق اليوم فيقول:
«الموت أفجعها والفقر أوجعها ... والهم أنحلها والغم أضناها»
Bjad33@gmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة