الذيابي.. إعلاميون وشعراء وفنانون في رجل واحد
زهد في رئاسة أدبي جدة وغنى «مضناك» لعبد الوهاب
الاثنين / 05 / جمادى الأولى / 1431 هـ الاثنين 19 أبريل 2010 20:29
علي فقندش ـ جدة
وقف رجال الإثراء الفكري والأدبي والإعلامي والثقافي في شكل عام في المرحلة التأسيسية للمملكة، جنبا إلى جنب مع رجال وضعوا أسس الدولة، وصعدوا بها في نيف ومائة عام إلى مصاف الدول التي تتجه تصاعديا إلى مصاف العالم المتحضر، فالأنظمة تقف وتستمد قوتها بالسيف، وبتطبيق النظام الذي يصنع لها هيبتها.. نعم في الوقت نفسه يقف رجال وقادة من نوع آخر، هدفهم الارتفاع بذائقة الأمة عبر تفريغهم ما في مكنوناتهم من فن ومواهب وإبداع، والارتقاء إلى عالم إبداعي يترجم عراقة نتاج هذا الأرض من تراث يحتمل المعاصرة والتسابق بهذا الإرث مع كافة الأمم.
من هؤلاء الرجال الذين سنستعرض حياتهم بشكل متتال في هذه الصفحة، رجال حملوا على عواتقهم عبء ومسؤولية الفن والإعلام والأدب والثقافة السعودية بشكل عام.
الحديث اليوم عن الراحل مطلق الذيابي، رجل ذو اهتمامات عديدة جاء إبداعه مختلف التعدد والاتجاهات، حتى لتكاد تصنفه إلى جانب «الدكاترة» زكي مبارك، حيث لم يكن يرضى بلقب «دكتور» إنما «دكاترة» بعد نيله درجة الدكتوراة ثلاث مرات.
«سمير الوادي»
مطلق مخلد حبيب الله الذيابي الروقي العتيبي، من مواليد عمان الأردن في عام 1927 (1346 هـ)، حينما كان والده يعمل في التشريفات في قصر الملك عبدالله بن الحسين، الذي أوكلت إليه مهمات البادية، وحل الخلافات بين شيوخ القبائل، هو من رجال الإعلام والفن السعودي منذ سطوع حياة الإعلام الحديث، إذ كان واحدا من الذين شاركوا بإبداعاتهم في الفن الإذاعي عند ظهور الإذاعة السعودية، ثم ما إن بدأ بث الإعلام المرئي (التلفزيون) في المملكة في ستينيات القرن الميلادي الماضي، حتى كان مطلق الذيابي مذيع الأخبار الرسمية فيه، وأعد وقدم العديد من البرامج ذات العلاقة بالثقافة، إلى جانب مواصلته العمل الإذاعي والتناغم مع المستمع من كونه الملحن والمغني، وهو النشاط الذي أوصله إلى لقب «السعودي صديق موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب»، كما مارس الفن غناء وتلحينا تحت اسم فني «سمير الوادي» اقتضت الظروف الاجتماعية ظهوره على الأرجح يومها.
بريد وإبداع
بعد أن تلقى مطلق تعليمه الابتدائي، التحق بالجيش الأردني كمتطوع عام 1941 على مدى خمس سنوات، ثم ترك العمل في العسكرية، وعمل في البريد الأردني «في علاقة لم نستطع التوصل إليها بين العمل في البريد، والعمل الفني والإبداعي، فكثير من نجومنا انخرطوا في العمل في البريد قبل الانطلاقة إلى عالم النجومية، مثل طلال مداح وفوزي محسون ولطفي زيني وعلي البعداني وخالد زارع وغيرهم».
واصل تعليمه وتنمية هواياته في الشعر وغيره على يد والده في قصر الملك عبد الله بن الحسين إلى أن عادت العائلة إلى المملكة، ولتستقر تحديدا في مكة المكرمة، حيث عمل وكيلا للجوازات والجنسية في مكة ليترك العمل الوظيفي الرسمي ويلتحق بالعمل في المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، ثم انتسب للعمل مذيعا ومقدم برامج في إذاعة مكة، وعندما تأسس النادي الأدبي الثقافي في جدة كأول ناد في المملكة وتأسيس جمعية الفنون «قبل مسماها فيما بعد الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون»، كان مطلق أحد أهم الأعضاء المؤسسين في المؤسستين الفكريتين.
إذاعة جدة
في إذاعة جدة، أعد وقدم مطلق الذيابي نحو 40 برنامجا أدبيا وثقافيا وبعض البرامج الفنية، كان من أشهرها «سهرة المنوعات» و «نماذج فنية» في العام 1970 وبرنامج «أرجوزة العيد»، وهو منوع خاص بالأعياد، وبرنامج «قصة الأسبوع»، و«ثمرات الأوراق»، و«ومضة»، و«سهرة الأربعاء" و«مجلة الإذاعة»، كما قدم للإذاعة الكثير من البرامج من إعداد غيره من الزملاء، مثل «ملح وطرائف» لإبراهيم فودة، و«دائرة المعارف الإسلامية» لأحمد محمد جمال، و«مائدة الروح» من إعداد محمد الجعار، و«رسالة المسجد» من إعداد عبد الصبور مرزوق.
أما عن أكثر برامجه جماهيرية، فهو برنامج «البادية»، وعن ذلك فيقول زميل مشواره الدكتور محمد أحمد صبيحي (أمين عام منظمة إذاعات الدول الإسلامية اليوم): «كان وجود الذيابي يملأ الإذاعة حضورا وفنا ونجاحا وجماهيرية، فهو كمقدم برامج كان أنجح من تعامل، بل وصنع نجاح البرامج التفاعلية مع المستمع، ودليل ذلك نجاحه في برنامج «البادية» في الستينيات الميلادية للدرجة التي تمتلئ فيها ساحة الإذاعة يوم إذاعة البرنامج (في طريق المطار القديم أمام فندق الكندرة) بالشعراء الشعبيين المريدين للمشاركة، أو لرؤية مطلق وعرض أشعارهم عليه. كان مطلق يعطي هذا البرنامج جل وقته وجهده، رغم وقوفه على إعداد الكثير من البرامج التي يقدمها ويعدها. كان يتخلل هذا النجاح أحيانا جدليات وخلافات مماثليه في هذا الاهتمام من الشعراء الذين تناغموا مع الإعلام مثل محمد بن شلاح المطيري وغيره طبعا من أجل تقديم الأفضل. كما أنه شاركنا كثيرا في مسرح الإذاعة والتلفزيون، حيث قدم كثيرا من أغنياته المرتبطة بالأصالة، التي ذاعت يومها، كما قدم للإذاعة السعودية في عصرها الذهبي مقطوعات ومؤلفات موسيقية من تأليفه، وكانت مقطوعاته غاية في الروعة والإبداع، ولا تقل عن المؤلفات الموسيقية العالمية.. أقول هذا ثقة وتأكيدا، لأن الموسيقى لغة عالمية واحدة، ومن موسيقاه التي أثرت وميزت إذاعتنا يومها مقطوعاته:
«الغالي، تغريد البلبل، ندا، وفاء، لقاء، أحلى المنى، رقصة النخيل، فنجان شاي، بهجة الذكرى، يا هلا». تبعه بعد هذا في الاتجاه، كثيرون من الموسيقيين مثل: الراحل حامد عمر، عبده مزيد، عبد الله ماجد، أحمد عنبر، وعمر كدرس، ثم سراج عمر، سامي إحسان، محمد شفيق و(أبوهم كلهم) الموسيقار العميد طارق عبد الحكيم».
شعر وموسيقى
تحت اسم «سمير الوادي» قدم الذيابي الكثير من إبداعاته وفنونه، وتأتى له ذلك من خلال انتسابه للعمل في الإذاعة منذ قدومه من الأردن. في الإذاعة انطلقت إبداعاته الفكرية في الفن والأدب وتحديدا الشعر والموسيقى، وكان أحد أبرز الموسيقيين في إذاعة جدة بعد عمله القصير في إذاعة مكة إلى جانب عمر كدرس وعلي باعشن (الذي اختار لصوته كمغن اسم رياض علي)، إلى أن رأس القسم الموسيقي في إذاعة جدة، وقدم بصوته الوهابي الرخيم الكثير من الأغنيات من أشعاره وألحانه أبرزها أغنية «المقناص» من كلمات محمد القرقاح (25/10/ 1398 - 1968)، و«مغن من ذوات الريش»، و «يا لله أنا طالبك»، و«الخيل».
ففي الإذاعة انطلقت إبداعاته على مدى أكثر من ربع قرن عملها في الإذاعة قبل وفاته إلى جانب نجاحه الكبير كمذيع في الإذاعتين المسموعة والمرئية. «هنا لا بد من ذكر أن رجولة ومظهر وصدق وفيضان مواهبه الشعرية والموسيقية ووسامة الطلعة العربية عنده، عند ظهور التلفزيون، جعلت الكثير من رجال المجتمع يغارون منه لدرجة منع بعضهم زوجاتهم من مشاهدة الأخبار التي يقدمها مطلق بالتناوب مع محمد أحمد صبيحي وبدر كريم ومحمد حيدر مشيخ ومحمد أمين وعبد الرحمن يغمور، قبل أن يطل حسين نجار وبكر باخيضر من تلفزيون جدة وقتها».
موسيقار الأجيال
أما فنيا فالتقى في جدة والقاهرة بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي أبدى إعجابه الكبير بالكثير من إبداعات الذيابي وألحانه بأصوات العديدين من الفنانين العرب، أمثال وديع الصافي، الأردني إسماعيل خضر، عايدة بوخريص، صدقة مراد، هاني شاكر، مطرب الرياض المحتجب حسن السيد، سعد عبد الوهاب، محرم فؤاد، محمد ثروت، فهد بلان، ونجاح سلام ـــ وهذه الأخيرة قدم وصاغ لها لحنا وهابي الطابع «يا أعز الحبايب ماكنش اللي بينا مجرد حكاية ولعبة صبايا» ـــ، وابتسام لطفي، شريفة فاضل، فايدة كامل، محمد قنديل، هيام يونس، الراحل طلال مداح، ومحمد عبده الذي كانت أولى أغنياته للإذاعة من كلمات وأشعار مطلق «سكبت دموع عيني» بعد جلسة فنية سجل فيها بصوته اعترافا بصوت محمد عبده، وهو لم يزل غرا صغيرا يبحث عن طريق يدخله ساحة الإعلام إلى جانب دعم من أستاذه عمر كدرس، الذي كان من المفترض أن تكون أول أغنية إذاعية من ألحانه، لولا رغبة مطلق الذيابي في أن تكون أغنيته هي الأولى في تاريخ محمد عبده.
أطياف العذارى
ولمطلق الذيابي ديوانان «أطياف العذارى» صدر عن نادي جدة الأدبي 1401 هـ (1981)، و«غناء الشادي» عام 1404 هـ (1984). وكان قد تحدث عن الذيابي شاعرا وفنانا الشاعر والناشر الشريف منصور بن سلطان في كتاب ألفه عن الراحل المتميز في دنيا الإعلام والأدب والفن، وجاء بعنوان «الذيابي تاريخ وذكريات» صدر عن النادي الأدبي في جدة عقب وفاة مطلق الذيابي في 3/2/ 1403 هـ.
هو شاعر جميل كتب الكثير من القصائد غير المغناة، إلى جانب ما كتبه من أغنيات لحنها لنفسه ولغيره من الأصوات، ومن عيون وعلامات قصائده «صرخات شوق مكتومة» أهداها للأمير الراحل محمد بن عبد العزيز:
«يقولون حرف الراء للشعر مركب
ذلول القوافي.. كيف ذاك يصير
وقافية للراء أحكم نسجها
تدور مع الأشعار حيث تدور
نظمت بها ما قد أتاني سحره
إذ الليل مناح اليراع قدير»
وفي قصيدته «إلى فراشتي ذات الرداء النرجسي» يقول:
«لا تعجبي.. إني قرأت هواك في ذاك المساء
أخذت تترجمه العيون ورحت أرفل في الضياء
يا لون ضوء البدر يا روحا تضاحك بالسناء
قد كان رمز الغيرة الصفراء ذياك الرداء»
وفي قصيدته «سطران لا غير» يقول:
«سطرا كتابك .. لا أكثر حملا شكرانك يا أنور
سطران هما كل الدنيا بهما يا قلبي أتدثر
فقرأتهما ولثمتهما مئة.. ألفا.. لا بل أكثر».
وفي قصيدته «غن يا عود» يقول:
«أيها العود على اللقيا تغن
وافرح اليوم بمن قد عاد واهنأ
كم قضينا في النوى سود الليالي
نسكب الآلام في الأوتار لحنا
غن يا عود فقد عاد رجائي
حقق الرحمن ما القلب تمنى».
وفي صحيفة عكاظ نشر الذيابي معظم ـــ أو كل ـــ إبداعاته الشعرية، وفي العام 1978 نشر قصيدته الأشهر «رشة عبير» وبخطه، ننشرها كما هي.
الشأن الاجتماعي
كانت للأديب الراحل كتاباته في الصحافة المحلية من حياض الأدب كاهتمام خاص، إلى جانب كتاباته في الشأن الاجتماعي العام في صحيفة عكاظ منها:
«متى يتبوأ الأدب مكانته الرفيعة، المسؤولية والعدالة، لقاء الفكر والعسكرية ، لغتنا العربية لسان حضارة عريقة، شيء عن الواقعية في الأدب العربي، مكان الكاتب ودوره في الحياة، أسباب ضعف الأغنية، كلمة في الشعر، الفن دافع من دوافع الارتقاء، بتهوفن رائد النغم، الرمزية، في الفنون، الجدر الصماء، نهضة الأدب في القارة السوداء، منطق الحق من قوة الإرادة المؤمنة، المعرفة الحقة أصل لحل مشاكل الإنسان».
أصدقاء يستعيدون البدايات
استعاد كثيرون من زملاء مطلق الذيابي، أبرز محطاته الإعلامية والثقافية والأدبية، فضلا عن مواقف ولقاءات بقيت راسخة في أذهانهم وقلوبهم عن الراحل.
فصديقه القاص محمد علي قدس يتذكر بدايات تعرفه بالذيابي، ويقول «تعرفت عليه حين تعاونت مع إذاعة جدة لأول مرة معدا ومشاركا في كتابة أحاديث السهرة.. وهي أحاديث ثقافية وذلك عام 1392هـ، كان رحمه الله في ذلك الوقت مسؤولا عن الإنتاج، وكنت لا أعرف شيئا عن هذا العلم الموهوب، الذي أسقطته معاجم وأدلة الأدباء والكتاب في بلادنا عن جهل به وبعطائه، ما كنت أعرف عنه سوى الفنان أما أدبه وشعره الرقيق فقد كانت صورته الواضحة غائبة عني، كما أن شهرة سمير الوادي (الاسم الفني الذي اختاره لنفسه) طغت على شهرة الأديب الشاعر مطلق الذيابي، لقد شنف الذيابي آذاننا بألحانه وأغانيه التي فاقت شهرتها أغاني كبار المطربين في ذلك الوقت، ومن أغانيه المشهورة والمطلوبة حتى اليوم من عشاق الفن «مغن من ذوات الريش»، «الخيل»، «يا الله انا طالبك» و«سكبت دموعي».
يوم التقينا في مكتبه كان يجلس إليه ويتحاور معه علامتنا الشيخ أبو تراب الظاهري الذي تربطني به صلة رحم ومودة، وكذلك فتحي عبد الله، يومها بالفعل تعرفت على الأديب والصديق الودود الشاعر مطلق الذيابي، الذي ارتبطت علاقتنا وتوطدت بعد انضمامه لمجلس إدارة النادي عام 1400هـ.
لم يكن الفن مجالا أتوق للدخول في معمعته، ولكنه (رحمه الله) جرفني إليه وشدني حيث كنت أهوى كتابة بعض الأغاني والأناشيد، وكانت تجربتي الأولى «جرى لك أيه يا حبيبي» غناها الفنان عبد القادر حلواني، ونشيد «نور الله» الذي صاغه لحنا سمير الوادي وأداه المطرب الأردني الذي لا أذكر من اسمه سوى (خضر)، ولا أدري إذا كان اسما أو لقبا وغنى بصوته (رحمه الله) أغنية لي على العود لم تسجل للإذاعة، وما زلت أحتفظ بها ضمن أشرطة كاسيت عديدة اعتاد (رحمه الله) من حين لآخر إهداء ما يطربني، وما يفرحني من ألحانه وشجن صوته، ومن أجمل ما غنى على عوده «مضناك جفاه مرقده» الذي لا يقل أداؤه فيها عن أصالة وشجن عبد الوهاب صاحب الأغنية الذي تربطه به علاقة ود واحترام، وهو فنان اعترفت به الإذاعة المصرية فنانا من الدرجة الأولى وهو عضو في رابطة الموسيقيين العرب».
أدبي جدة
في عام 1400هـ، حين أعد النادي لانتخابات الفترة الثانية وكنت عضوا في لجنة الانتخابات، لأن لائحة الأندية الأدبية تنص على أن مدة مجلس إدارة أي ناد خمس سنوات، يتم بعدها عقد الجمعية العمومية، ويدعى الأدباء والمفكرون والمثقفون للمشاركة في خوض الانتخابات. كان العواد (رحمه الله) رئيس النادي في تلك الفترة، قد رفع للرئاسة أسماء المرشحين لمجلس الإدارة وكان من بين الأسماء التي رشحها العواد، مطلق الذيابي، وتم تجميد النتائج والبت في لائحة المرشحين، وبعد وفاة العواد وقد مضى فيه قضاء الله بعد عام من أحداث الترشيحات، جرت في عام 1401هـ انتخابات جديدة فاز فيها حسن عبد الله القرشي برئاسة النادي، في الوقت الذي كان الأحق بالرئاسة مطلق الذيابي بحصوله على أكبر عدد من الأصوات، إلا أنه زهد في منصب الرئاسة وتنازل عن حقه للقرشي. ومن المفارقات العجيبة أن تكون مدة رئاسة القرشي قصيرة، حيث عين سفيرا للمملكة لدى الخرطوم بعد عام من ترشيحه لرئاسة النادي، وكان من الطبيعي أن تنتقل الرئاسة لنائب رئيس النادي الدكتور عبد الله الزيد الذي كان مثقلا بمسؤولياته في التعليم، فتنازل عنها لعبد الفتاح أبو مدين الذي استمر في رئاسة النادي منذ عام 1402هـ حتى تاريخه.
أبيات وحوارات
«كان الذيابي عضوا نشيطا وفعالا في النادي، وكان ملتزما ويحضر غير أيام اجتماعات المجلس، يؤنسني بحديثه واستمتع بقراءاته الشرعية، إضافة إلى ما كان يدور بيننا من أحاديث ذات شجون في الأدب والثقافة، وحين نظم النادي لقاءاته المفتوحة بعد انتقال المقر إلى أحد أملاك شكيب الأموي في الرويس، كان عضوا النادي أحمد المبارك ومطلق الذيابي من دعامات تلك الجلسات التي كانت تثرى بمشاركاتهما وحواراتهما الجيدة. كنت أتوق لقراءة الأوراق والقصاصات التي يتركها الذيابي بعد انتهاء اجتماعات مجلس الإدارة، حيث كان يدون فيها بعض أبيات الشعر وعبارات منمقة تعبر عن شيء ما يجول في خاطره من أفكار وآراء، كأنها ثمرات أوراقه الماتعة».
الفقيد العملاق
أما الناقد عابد هاشم فكتب بعد رحيل الذيابي: في يوم الخميس الثالث من شهر صفر لعام 1403هـ انتقل الأستاذ الكبير إلى رحمة الله تاركا وراءه أربعة أولاد وسبع بنات ومن بين الأبناء الأربعة؛ سعود، محمد، نزار، وصالح، جاء سعود الوحيد من بين أبناء هذا الفقيد العملاق من حيث التأثر بمشوار والده من خلال مشاركاته الإذاعية في العديد من البرامج والمواد التي تعيد إلى أسماعنا صورا مشرفة ورفيعة، يجسدها أسلوب وصوت ورصانة الإذاعي القدير سعود مطلق الذيابي، محاكيا إلى درجة كبيرة أسلوب وصوت ورصانة والده المبدع تغمده الله برحمته، كما أن ملكة سعود تجلت بوضوح وبتأكيد راسخ لتلك المقولة «من شابه أباه فما ظلم»، ونحن نتابعه في ذلك الاختيار الموفق لأداء ذلك الفاصل الشعري الذي أداه بصوته وكان ذلك في أوبريت «مولد أمة» الذي قدمه الفنانان الكبيران طلال مداح ومحمد عبده في أوبريت مهرجان الجنادرية السادس، وهكذا نجده قد أخذ عن والده حب الأدب والثقافة وإلقاء الشعر».
«ومن حقنا في هذا الوطن أن نفخر ونعتز بكل الرموز التي أفنت سنوات عمرها في تقديم رسالة ودور ونجاح لا يمكن أن نتجاهله أو نطمسه أو نقلل من شأنه، خاصة إذا كان على هذا القدر من الإبهار وزخم العطاء اللافت لأنظار الكثير من رواد وأساتذة هذا المجال، الأمر الذي يدعنا أمام دور وأمانة يمليان علينا تقديم ما يمكن تقديمه من واجبات كثيرة تجاه أولئك الرموز».
الإعلامي السعودي محمد دمياطي، يتذكر الراحل أثناء زيارته لليمن، ويقول:
«خلال فترة عملي في اليمن ملحقا إعلاميا، وجهت الدعوة للراحل مطلق الذيابي بناء على طلب وزارة الإعلام في اليمن لزيارة صنعاء، حيث لبى الدعوة مع فرقة الإذاعة والتلفزيون الموسيقية، وقدم من فنونه وإبداعاته ما يعتبر تشريفا للأدب والفن السعودي، إلى جانب التجارب الإعلامية في المملكة في السبعينيات من القرن الماضي، وجاء معه في ذلك الوقت محمود حلواني، ومن ثم كنت قد وجهت العديد من الدعوات لنجوم الفن السعودي الذين مثلوا فنوننا في اليمن، كان منهم فنان العرب محمد عبده».
من هؤلاء الرجال الذين سنستعرض حياتهم بشكل متتال في هذه الصفحة، رجال حملوا على عواتقهم عبء ومسؤولية الفن والإعلام والأدب والثقافة السعودية بشكل عام.
الحديث اليوم عن الراحل مطلق الذيابي، رجل ذو اهتمامات عديدة جاء إبداعه مختلف التعدد والاتجاهات، حتى لتكاد تصنفه إلى جانب «الدكاترة» زكي مبارك، حيث لم يكن يرضى بلقب «دكتور» إنما «دكاترة» بعد نيله درجة الدكتوراة ثلاث مرات.
«سمير الوادي»
مطلق مخلد حبيب الله الذيابي الروقي العتيبي، من مواليد عمان الأردن في عام 1927 (1346 هـ)، حينما كان والده يعمل في التشريفات في قصر الملك عبدالله بن الحسين، الذي أوكلت إليه مهمات البادية، وحل الخلافات بين شيوخ القبائل، هو من رجال الإعلام والفن السعودي منذ سطوع حياة الإعلام الحديث، إذ كان واحدا من الذين شاركوا بإبداعاتهم في الفن الإذاعي عند ظهور الإذاعة السعودية، ثم ما إن بدأ بث الإعلام المرئي (التلفزيون) في المملكة في ستينيات القرن الميلادي الماضي، حتى كان مطلق الذيابي مذيع الأخبار الرسمية فيه، وأعد وقدم العديد من البرامج ذات العلاقة بالثقافة، إلى جانب مواصلته العمل الإذاعي والتناغم مع المستمع من كونه الملحن والمغني، وهو النشاط الذي أوصله إلى لقب «السعودي صديق موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب»، كما مارس الفن غناء وتلحينا تحت اسم فني «سمير الوادي» اقتضت الظروف الاجتماعية ظهوره على الأرجح يومها.
بريد وإبداع
بعد أن تلقى مطلق تعليمه الابتدائي، التحق بالجيش الأردني كمتطوع عام 1941 على مدى خمس سنوات، ثم ترك العمل في العسكرية، وعمل في البريد الأردني «في علاقة لم نستطع التوصل إليها بين العمل في البريد، والعمل الفني والإبداعي، فكثير من نجومنا انخرطوا في العمل في البريد قبل الانطلاقة إلى عالم النجومية، مثل طلال مداح وفوزي محسون ولطفي زيني وعلي البعداني وخالد زارع وغيرهم».
واصل تعليمه وتنمية هواياته في الشعر وغيره على يد والده في قصر الملك عبد الله بن الحسين إلى أن عادت العائلة إلى المملكة، ولتستقر تحديدا في مكة المكرمة، حيث عمل وكيلا للجوازات والجنسية في مكة ليترك العمل الوظيفي الرسمي ويلتحق بالعمل في المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، ثم انتسب للعمل مذيعا ومقدم برامج في إذاعة مكة، وعندما تأسس النادي الأدبي الثقافي في جدة كأول ناد في المملكة وتأسيس جمعية الفنون «قبل مسماها فيما بعد الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون»، كان مطلق أحد أهم الأعضاء المؤسسين في المؤسستين الفكريتين.
إذاعة جدة
في إذاعة جدة، أعد وقدم مطلق الذيابي نحو 40 برنامجا أدبيا وثقافيا وبعض البرامج الفنية، كان من أشهرها «سهرة المنوعات» و «نماذج فنية» في العام 1970 وبرنامج «أرجوزة العيد»، وهو منوع خاص بالأعياد، وبرنامج «قصة الأسبوع»، و«ثمرات الأوراق»، و«ومضة»، و«سهرة الأربعاء" و«مجلة الإذاعة»، كما قدم للإذاعة الكثير من البرامج من إعداد غيره من الزملاء، مثل «ملح وطرائف» لإبراهيم فودة، و«دائرة المعارف الإسلامية» لأحمد محمد جمال، و«مائدة الروح» من إعداد محمد الجعار، و«رسالة المسجد» من إعداد عبد الصبور مرزوق.
أما عن أكثر برامجه جماهيرية، فهو برنامج «البادية»، وعن ذلك فيقول زميل مشواره الدكتور محمد أحمد صبيحي (أمين عام منظمة إذاعات الدول الإسلامية اليوم): «كان وجود الذيابي يملأ الإذاعة حضورا وفنا ونجاحا وجماهيرية، فهو كمقدم برامج كان أنجح من تعامل، بل وصنع نجاح البرامج التفاعلية مع المستمع، ودليل ذلك نجاحه في برنامج «البادية» في الستينيات الميلادية للدرجة التي تمتلئ فيها ساحة الإذاعة يوم إذاعة البرنامج (في طريق المطار القديم أمام فندق الكندرة) بالشعراء الشعبيين المريدين للمشاركة، أو لرؤية مطلق وعرض أشعارهم عليه. كان مطلق يعطي هذا البرنامج جل وقته وجهده، رغم وقوفه على إعداد الكثير من البرامج التي يقدمها ويعدها. كان يتخلل هذا النجاح أحيانا جدليات وخلافات مماثليه في هذا الاهتمام من الشعراء الذين تناغموا مع الإعلام مثل محمد بن شلاح المطيري وغيره طبعا من أجل تقديم الأفضل. كما أنه شاركنا كثيرا في مسرح الإذاعة والتلفزيون، حيث قدم كثيرا من أغنياته المرتبطة بالأصالة، التي ذاعت يومها، كما قدم للإذاعة السعودية في عصرها الذهبي مقطوعات ومؤلفات موسيقية من تأليفه، وكانت مقطوعاته غاية في الروعة والإبداع، ولا تقل عن المؤلفات الموسيقية العالمية.. أقول هذا ثقة وتأكيدا، لأن الموسيقى لغة عالمية واحدة، ومن موسيقاه التي أثرت وميزت إذاعتنا يومها مقطوعاته:
«الغالي، تغريد البلبل، ندا، وفاء، لقاء، أحلى المنى، رقصة النخيل، فنجان شاي، بهجة الذكرى، يا هلا». تبعه بعد هذا في الاتجاه، كثيرون من الموسيقيين مثل: الراحل حامد عمر، عبده مزيد، عبد الله ماجد، أحمد عنبر، وعمر كدرس، ثم سراج عمر، سامي إحسان، محمد شفيق و(أبوهم كلهم) الموسيقار العميد طارق عبد الحكيم».
شعر وموسيقى
تحت اسم «سمير الوادي» قدم الذيابي الكثير من إبداعاته وفنونه، وتأتى له ذلك من خلال انتسابه للعمل في الإذاعة منذ قدومه من الأردن. في الإذاعة انطلقت إبداعاته الفكرية في الفن والأدب وتحديدا الشعر والموسيقى، وكان أحد أبرز الموسيقيين في إذاعة جدة بعد عمله القصير في إذاعة مكة إلى جانب عمر كدرس وعلي باعشن (الذي اختار لصوته كمغن اسم رياض علي)، إلى أن رأس القسم الموسيقي في إذاعة جدة، وقدم بصوته الوهابي الرخيم الكثير من الأغنيات من أشعاره وألحانه أبرزها أغنية «المقناص» من كلمات محمد القرقاح (25/10/ 1398 - 1968)، و«مغن من ذوات الريش»، و «يا لله أنا طالبك»، و«الخيل».
ففي الإذاعة انطلقت إبداعاته على مدى أكثر من ربع قرن عملها في الإذاعة قبل وفاته إلى جانب نجاحه الكبير كمذيع في الإذاعتين المسموعة والمرئية. «هنا لا بد من ذكر أن رجولة ومظهر وصدق وفيضان مواهبه الشعرية والموسيقية ووسامة الطلعة العربية عنده، عند ظهور التلفزيون، جعلت الكثير من رجال المجتمع يغارون منه لدرجة منع بعضهم زوجاتهم من مشاهدة الأخبار التي يقدمها مطلق بالتناوب مع محمد أحمد صبيحي وبدر كريم ومحمد حيدر مشيخ ومحمد أمين وعبد الرحمن يغمور، قبل أن يطل حسين نجار وبكر باخيضر من تلفزيون جدة وقتها».
موسيقار الأجيال
أما فنيا فالتقى في جدة والقاهرة بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي أبدى إعجابه الكبير بالكثير من إبداعات الذيابي وألحانه بأصوات العديدين من الفنانين العرب، أمثال وديع الصافي، الأردني إسماعيل خضر، عايدة بوخريص، صدقة مراد، هاني شاكر، مطرب الرياض المحتجب حسن السيد، سعد عبد الوهاب، محرم فؤاد، محمد ثروت، فهد بلان، ونجاح سلام ـــ وهذه الأخيرة قدم وصاغ لها لحنا وهابي الطابع «يا أعز الحبايب ماكنش اللي بينا مجرد حكاية ولعبة صبايا» ـــ، وابتسام لطفي، شريفة فاضل، فايدة كامل، محمد قنديل، هيام يونس، الراحل طلال مداح، ومحمد عبده الذي كانت أولى أغنياته للإذاعة من كلمات وأشعار مطلق «سكبت دموع عيني» بعد جلسة فنية سجل فيها بصوته اعترافا بصوت محمد عبده، وهو لم يزل غرا صغيرا يبحث عن طريق يدخله ساحة الإعلام إلى جانب دعم من أستاذه عمر كدرس، الذي كان من المفترض أن تكون أول أغنية إذاعية من ألحانه، لولا رغبة مطلق الذيابي في أن تكون أغنيته هي الأولى في تاريخ محمد عبده.
أطياف العذارى
ولمطلق الذيابي ديوانان «أطياف العذارى» صدر عن نادي جدة الأدبي 1401 هـ (1981)، و«غناء الشادي» عام 1404 هـ (1984). وكان قد تحدث عن الذيابي شاعرا وفنانا الشاعر والناشر الشريف منصور بن سلطان في كتاب ألفه عن الراحل المتميز في دنيا الإعلام والأدب والفن، وجاء بعنوان «الذيابي تاريخ وذكريات» صدر عن النادي الأدبي في جدة عقب وفاة مطلق الذيابي في 3/2/ 1403 هـ.
هو شاعر جميل كتب الكثير من القصائد غير المغناة، إلى جانب ما كتبه من أغنيات لحنها لنفسه ولغيره من الأصوات، ومن عيون وعلامات قصائده «صرخات شوق مكتومة» أهداها للأمير الراحل محمد بن عبد العزيز:
«يقولون حرف الراء للشعر مركب
ذلول القوافي.. كيف ذاك يصير
وقافية للراء أحكم نسجها
تدور مع الأشعار حيث تدور
نظمت بها ما قد أتاني سحره
إذ الليل مناح اليراع قدير»
وفي قصيدته «إلى فراشتي ذات الرداء النرجسي» يقول:
«لا تعجبي.. إني قرأت هواك في ذاك المساء
أخذت تترجمه العيون ورحت أرفل في الضياء
يا لون ضوء البدر يا روحا تضاحك بالسناء
قد كان رمز الغيرة الصفراء ذياك الرداء»
وفي قصيدته «سطران لا غير» يقول:
«سطرا كتابك .. لا أكثر حملا شكرانك يا أنور
سطران هما كل الدنيا بهما يا قلبي أتدثر
فقرأتهما ولثمتهما مئة.. ألفا.. لا بل أكثر».
وفي قصيدته «غن يا عود» يقول:
«أيها العود على اللقيا تغن
وافرح اليوم بمن قد عاد واهنأ
كم قضينا في النوى سود الليالي
نسكب الآلام في الأوتار لحنا
غن يا عود فقد عاد رجائي
حقق الرحمن ما القلب تمنى».
وفي صحيفة عكاظ نشر الذيابي معظم ـــ أو كل ـــ إبداعاته الشعرية، وفي العام 1978 نشر قصيدته الأشهر «رشة عبير» وبخطه، ننشرها كما هي.
الشأن الاجتماعي
كانت للأديب الراحل كتاباته في الصحافة المحلية من حياض الأدب كاهتمام خاص، إلى جانب كتاباته في الشأن الاجتماعي العام في صحيفة عكاظ منها:
«متى يتبوأ الأدب مكانته الرفيعة، المسؤولية والعدالة، لقاء الفكر والعسكرية ، لغتنا العربية لسان حضارة عريقة، شيء عن الواقعية في الأدب العربي، مكان الكاتب ودوره في الحياة، أسباب ضعف الأغنية، كلمة في الشعر، الفن دافع من دوافع الارتقاء، بتهوفن رائد النغم، الرمزية، في الفنون، الجدر الصماء، نهضة الأدب في القارة السوداء، منطق الحق من قوة الإرادة المؤمنة، المعرفة الحقة أصل لحل مشاكل الإنسان».
أصدقاء يستعيدون البدايات
استعاد كثيرون من زملاء مطلق الذيابي، أبرز محطاته الإعلامية والثقافية والأدبية، فضلا عن مواقف ولقاءات بقيت راسخة في أذهانهم وقلوبهم عن الراحل.
فصديقه القاص محمد علي قدس يتذكر بدايات تعرفه بالذيابي، ويقول «تعرفت عليه حين تعاونت مع إذاعة جدة لأول مرة معدا ومشاركا في كتابة أحاديث السهرة.. وهي أحاديث ثقافية وذلك عام 1392هـ، كان رحمه الله في ذلك الوقت مسؤولا عن الإنتاج، وكنت لا أعرف شيئا عن هذا العلم الموهوب، الذي أسقطته معاجم وأدلة الأدباء والكتاب في بلادنا عن جهل به وبعطائه، ما كنت أعرف عنه سوى الفنان أما أدبه وشعره الرقيق فقد كانت صورته الواضحة غائبة عني، كما أن شهرة سمير الوادي (الاسم الفني الذي اختاره لنفسه) طغت على شهرة الأديب الشاعر مطلق الذيابي، لقد شنف الذيابي آذاننا بألحانه وأغانيه التي فاقت شهرتها أغاني كبار المطربين في ذلك الوقت، ومن أغانيه المشهورة والمطلوبة حتى اليوم من عشاق الفن «مغن من ذوات الريش»، «الخيل»، «يا الله انا طالبك» و«سكبت دموعي».
يوم التقينا في مكتبه كان يجلس إليه ويتحاور معه علامتنا الشيخ أبو تراب الظاهري الذي تربطني به صلة رحم ومودة، وكذلك فتحي عبد الله، يومها بالفعل تعرفت على الأديب والصديق الودود الشاعر مطلق الذيابي، الذي ارتبطت علاقتنا وتوطدت بعد انضمامه لمجلس إدارة النادي عام 1400هـ.
لم يكن الفن مجالا أتوق للدخول في معمعته، ولكنه (رحمه الله) جرفني إليه وشدني حيث كنت أهوى كتابة بعض الأغاني والأناشيد، وكانت تجربتي الأولى «جرى لك أيه يا حبيبي» غناها الفنان عبد القادر حلواني، ونشيد «نور الله» الذي صاغه لحنا سمير الوادي وأداه المطرب الأردني الذي لا أذكر من اسمه سوى (خضر)، ولا أدري إذا كان اسما أو لقبا وغنى بصوته (رحمه الله) أغنية لي على العود لم تسجل للإذاعة، وما زلت أحتفظ بها ضمن أشرطة كاسيت عديدة اعتاد (رحمه الله) من حين لآخر إهداء ما يطربني، وما يفرحني من ألحانه وشجن صوته، ومن أجمل ما غنى على عوده «مضناك جفاه مرقده» الذي لا يقل أداؤه فيها عن أصالة وشجن عبد الوهاب صاحب الأغنية الذي تربطه به علاقة ود واحترام، وهو فنان اعترفت به الإذاعة المصرية فنانا من الدرجة الأولى وهو عضو في رابطة الموسيقيين العرب».
أدبي جدة
في عام 1400هـ، حين أعد النادي لانتخابات الفترة الثانية وكنت عضوا في لجنة الانتخابات، لأن لائحة الأندية الأدبية تنص على أن مدة مجلس إدارة أي ناد خمس سنوات، يتم بعدها عقد الجمعية العمومية، ويدعى الأدباء والمفكرون والمثقفون للمشاركة في خوض الانتخابات. كان العواد (رحمه الله) رئيس النادي في تلك الفترة، قد رفع للرئاسة أسماء المرشحين لمجلس الإدارة وكان من بين الأسماء التي رشحها العواد، مطلق الذيابي، وتم تجميد النتائج والبت في لائحة المرشحين، وبعد وفاة العواد وقد مضى فيه قضاء الله بعد عام من أحداث الترشيحات، جرت في عام 1401هـ انتخابات جديدة فاز فيها حسن عبد الله القرشي برئاسة النادي، في الوقت الذي كان الأحق بالرئاسة مطلق الذيابي بحصوله على أكبر عدد من الأصوات، إلا أنه زهد في منصب الرئاسة وتنازل عن حقه للقرشي. ومن المفارقات العجيبة أن تكون مدة رئاسة القرشي قصيرة، حيث عين سفيرا للمملكة لدى الخرطوم بعد عام من ترشيحه لرئاسة النادي، وكان من الطبيعي أن تنتقل الرئاسة لنائب رئيس النادي الدكتور عبد الله الزيد الذي كان مثقلا بمسؤولياته في التعليم، فتنازل عنها لعبد الفتاح أبو مدين الذي استمر في رئاسة النادي منذ عام 1402هـ حتى تاريخه.
أبيات وحوارات
«كان الذيابي عضوا نشيطا وفعالا في النادي، وكان ملتزما ويحضر غير أيام اجتماعات المجلس، يؤنسني بحديثه واستمتع بقراءاته الشرعية، إضافة إلى ما كان يدور بيننا من أحاديث ذات شجون في الأدب والثقافة، وحين نظم النادي لقاءاته المفتوحة بعد انتقال المقر إلى أحد أملاك شكيب الأموي في الرويس، كان عضوا النادي أحمد المبارك ومطلق الذيابي من دعامات تلك الجلسات التي كانت تثرى بمشاركاتهما وحواراتهما الجيدة. كنت أتوق لقراءة الأوراق والقصاصات التي يتركها الذيابي بعد انتهاء اجتماعات مجلس الإدارة، حيث كان يدون فيها بعض أبيات الشعر وعبارات منمقة تعبر عن شيء ما يجول في خاطره من أفكار وآراء، كأنها ثمرات أوراقه الماتعة».
الفقيد العملاق
أما الناقد عابد هاشم فكتب بعد رحيل الذيابي: في يوم الخميس الثالث من شهر صفر لعام 1403هـ انتقل الأستاذ الكبير إلى رحمة الله تاركا وراءه أربعة أولاد وسبع بنات ومن بين الأبناء الأربعة؛ سعود، محمد، نزار، وصالح، جاء سعود الوحيد من بين أبناء هذا الفقيد العملاق من حيث التأثر بمشوار والده من خلال مشاركاته الإذاعية في العديد من البرامج والمواد التي تعيد إلى أسماعنا صورا مشرفة ورفيعة، يجسدها أسلوب وصوت ورصانة الإذاعي القدير سعود مطلق الذيابي، محاكيا إلى درجة كبيرة أسلوب وصوت ورصانة والده المبدع تغمده الله برحمته، كما أن ملكة سعود تجلت بوضوح وبتأكيد راسخ لتلك المقولة «من شابه أباه فما ظلم»، ونحن نتابعه في ذلك الاختيار الموفق لأداء ذلك الفاصل الشعري الذي أداه بصوته وكان ذلك في أوبريت «مولد أمة» الذي قدمه الفنانان الكبيران طلال مداح ومحمد عبده في أوبريت مهرجان الجنادرية السادس، وهكذا نجده قد أخذ عن والده حب الأدب والثقافة وإلقاء الشعر».
«ومن حقنا في هذا الوطن أن نفخر ونعتز بكل الرموز التي أفنت سنوات عمرها في تقديم رسالة ودور ونجاح لا يمكن أن نتجاهله أو نطمسه أو نقلل من شأنه، خاصة إذا كان على هذا القدر من الإبهار وزخم العطاء اللافت لأنظار الكثير من رواد وأساتذة هذا المجال، الأمر الذي يدعنا أمام دور وأمانة يمليان علينا تقديم ما يمكن تقديمه من واجبات كثيرة تجاه أولئك الرموز».
الإعلامي السعودي محمد دمياطي، يتذكر الراحل أثناء زيارته لليمن، ويقول:
«خلال فترة عملي في اليمن ملحقا إعلاميا، وجهت الدعوة للراحل مطلق الذيابي بناء على طلب وزارة الإعلام في اليمن لزيارة صنعاء، حيث لبى الدعوة مع فرقة الإذاعة والتلفزيون الموسيقية، وقدم من فنونه وإبداعاته ما يعتبر تشريفا للأدب والفن السعودي، إلى جانب التجارب الإعلامية في المملكة في السبعينيات من القرن الماضي، وجاء معه في ذلك الوقت محمود حلواني، ومن ثم كنت قد وجهت العديد من الدعوات لنجوم الفن السعودي الذين مثلوا فنوننا في اليمن، كان منهم فنان العرب محمد عبده».