«هنا لندن»..بيج بن تـوقـــظ فيكتوريا من مرقـدهـا لتصـلح مـا أفـسـده الســاســة

الانتخابات البريطانية تكشف عن أوباما الآخر

«هنا لندن»..بيج بن تـوقـــظ فيكتوريا من مرقـدهـا لتصـلح مـا أفـسـده الســاســة

ميرغني معتصم

حري ببريطانيا أن تستدعي إرثها القديم بعد أن بهت «غلافها» الجديد. ونعلم أنها الديموقراطية الأقدم، فكانت، أي تلك الجزر التي أفلت شمسها، تلقي على العالم تحية الصباح بإيماءة ديموقراطية، .. تدفن موتاها بأدوات ديموقراطية، .. تناكف دول الكومنولث بأجندة ديموقراطية، .. وتكذب على الدنيا بمفردات ديموقراطية. لم يك بروفيمو وكريستين كيللر أول من ابتدع منهجية الإفساد والفضيحة، وكأن تشرشل لم يعلمنا كيف نفرق ونسود، ولم يزل بلفور، في تقويم البعض، كغانيات الفلاندرز يعد ولايخلف، وأصاب العالم كبد الحقيقة حين وقف التاريخ مندهشا حيال سوء حسابات بلير الدبلوماسية واهتراء سريع لتحالف كان نتاج العصا وليس الجزرة، وإلى صدق التوقع أن حرب العراق تشعل الكراهية تجاه الغرب، لا كما توقع تشارلس ديكنز في مدينتيه.


لن تقرع ساعة «بيج بن» أجراسها في باحات ويستمينستر لتوقظ الملكة فيكتوريا من مرقدها وتسر في أذنها أن صناعة القرار البريطاني أمام منزلق ديموقراطي كارثي، طرفاه تقاطع سياسة البلاد الخارجية مع إرادة الأغلبية الشعبية.
والمحصلة أن الناخب مقبل الآن، وقد اقتربت الانتخابات، على منعطف خيارين، أولهما القبول بتهميشه في صناعة القرار، والثاني هو استخدامه لحرياته المدنية بغية إحداث خلل في موازين القوى، إذ يبدو من الصعب تحديد هوية ما هو ديموقراطي عندما يتعلق الأمر بسياسة بريطانيا الخارجية، والتي يعارضها الناخبون بشدة، على الرغم من كونه يلقى مباركة الحزبين الرئيسين العمال والمحافظين.
ويكمن مقتل هذا العجز الديموقراطي في شهر فبراير من العام 2003 حين عارض أكثر من 90 في المائة من البريطانيين مشاركة حكومة توني بلير في غزو العراق دون الحصول على قرار أممي في هذا الصدد، بيد أن الأخير مضى في تنفيذ الغزو دون مظلة ذلك القرار.
إن اختلف المرشحون الرئيسيون الثلاثة للانتخابات العامة البريطانية في المناظرة التلفزيونية الثانية في كيفية معالجة القضايا الخارجية، حين تطرقت لموضوعات أوروبا ومكافحة الإرهاب والملف النووي وزيارة بابا الفاتيكان المقررة لبريطانيا، فإن الزعماء الثلاثة أجمعوا خلال تلك المواجهة التي دامت 90 دقيقة، على الاختلافات بين سياسة كل منهم. واستوى ثيرمومتر المناظرة اتزانا بين كل من جوردون براون رئيس الحكومة ومرشح حزب العمال، ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين المعارض ونك كليغ رئيس حزب الديموقراطيين الأحرار، لناحية الأداء المرضي قسطاسا جماهيريا. وتفادى كل من براون وكاميرون الموافقة على ما يقوله كليغ، كما كان ديدنهما في المناظرة الأولى، وركز كل من الزعماء الثلاثة على الاختلافات بين سياسة كل منهم.
وبدت المناظرة أكثر حيوية من تلك السابقة، وبخاصة مع الهجوم الذي شنه كاميرون على براون بسبب منشورات تحتوي على كلام تشهيري، يتهم المحافظون في محتواه حزب العمال بأنه وراء طبعها وتداولها.
ورغم الدفء الديموقراطي والبرود الشهير أمام هجوم براون على كل من كاميرون وكليغ بالقول: «نك كليغ ستجعلنا ضعفاء، وديفيد كاميرون ستعزلنا عن أوروبا». واجتر براون تركيزه على رسالته الأساس، وهي: عدم التصويت لحزب العمال يعرض الاقتصاد البريطاني للخطر.
وإن كانت بريطانيا قد اكتشفت أوباما الخاص بها في شخص زعيم الأحرار نك كليج، كما وصفته هيئة الإذاعة البريطانية بأنه من سيقلب مقاييس الانتخابات، فقد أثار هذا الرجل الكثير من اللغط بين البريطانيين الذين يشبهونه بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، عقب بلائه الحسن في أول مناظرة تلفزيونية تشهدها حملة الانتخابات البريطانية، وإفحامه زعيمي أكبر حزبين في البلاد.
وحفز الحراك الذي أحدثه كليج، 43 عاما، في المشهد السياسي البريطاني أنصاره في حزب الليبراليين الديموقراطيين إلى التطلع الليبرالي إلى سدة الحكم بعد هيمنة عمالية محافظية. وذكرت صحيفة «صنداي تايمز» أن استطلاعا للرأي أجرته أظهر أن كليج، الذي لم يكن معروفا على الساحة السياسية في السابق، أصبح الآن أكثر زعماء الأحزاب السياسية شعبية في بريطانيا منذ ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.
كما أظهر استطلاع للرأي أجري لحساب صحيفة «ميل أون صنداي» أن الأحرار الديموقراطيين تبوأوا الصدارة لأول مرة. وأفاد المسح أن معدل التأييد للأحرار قفز 12 نقطة إلى 32 في المائة مع هبوطه للمحافظين سبع نقاط إلى 31 في المائة وللعمال ثلاث نقاط إلى 28 في المائة.
وبالتالي فإن حزب العمال انحدر إلى المرتبة الثالثة لأول مرة منذ عام 1983، عندما كان لا يزال حزبا يساريا متطرفا. وحقيقة، إذا ترجمت نتائج استطلاعات صحيفة «صن» عمليا، فإنها ستكون كارثية على حزب المحافظين، بسبب النظام الانتخابي الشائك. فالنتيجة على خطى الاستطلاعات ستتمخض عن برلمان معلق، مع إفراز أكبر كتلة لحزب العمال الذي سيحصل على 276 نائبا، مقابل 246 نائبا لحزب المحافظين و 99 نائبا لحزب الليبراليين الديموقراطيين.
ومع إعلان حزب الديموقراطيين الأحرار البريطاني بيانه الانتخابي في 14 أبريل 2010، وبعد أيام قليلة من إعلان كل من حزبي المحافظين والعمال البريطانيين برنامجهما، تكتمل صورة عناوين الحملات للانتخابات العامة البريطانية التي تجري في 6 مايو المقبل. ترى هل يجدد البريطانيون ثقتهم في حزب العمال فيعود جوردون براون رئيسا للحكومة، أم يفوز حزب المحافظين فيعود المحافظون إلى الحكم بزعامة ديفيد كاميرون بعد 17 عاما على خروجهم منه؟ أم نرى تكرارا لسيناريو نادر شهدته بريطانيا للمرة الأخيرة عام 1974، حين لم يحصل أي من الحزبين الرئيسين على أكثرية مطلقة، فيكون حينئذ للحزب الثالث، أي حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي يتزعمه نك كليغ الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة البريطانية المقبلة؟.
عنون هذا الحزب حملته تحت عبارة «خطة من أجل المستقبل»، وتمحور البرنامج الانتخابي حول عدد من التعهدات، منها عدم زيادة ضريبة الدخل، وفي حال زيادة الضريبة على القيمة المضافة عدم شمولها المواد الغذائية وملابس الأطفال.
ووعد حزب العمال بفرض ضرائب جديدة على المصارف، كما تعهد بإلغاء ضريبة الرسم العقاري لمن يشترون منزلا للمرة الأولى لا تتخطى قيمته 250 ألف جنيه استرليني. وتعهد برفع الحد الأدنى للأجور، فضلا عن جملة من الإصلاحات في النظام البرلماني، وتحديدا قانون الانتخاب وجعل مجلس اللوردات البريطاني أكثر ديموقراطية.
من جانبه، تطرق برنامج حزب المحافظين البريطاني إلى جملة من العناوين التي تشكل أساسا لحملته الانتخابية، والتي تتناقض مع برنامج العمال من نواح عدة. ويختلف المحافظون مع حزب العمال على اقتراح حزب جوردون براون زيادة اشتراكات التأمينات الاجتماعية بنسبة 1 في المائة لزيادة واردات الدولة. بينما يرفض حزب المحافظين ذلك مقترحا خفض النفقات العامة وفرض سياسة تقشف في إنفاق القطاع العام. وقد خيم السجال حول هذا الموضوع على الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية مع اتهام المحافظين للحكومات العمالية المتعاقبة بالإفراط في الإنفاق لتمويل القطاع العام، محملا إياها مسؤولية تراكم الدين العام. أما على صعيد السياسة التعليمية، فقد تعهد حزب المحافظين بتحسين مستوى التعليم من جهة وإعطاء الأكثر من الصلاحيات لأهل الطلاب في إدارة المدارس.كما يستمر الخلاف بين الحزبين في مجال تأمين الشيخوخة. وبينما يطلب حزب العمال فرض ضريبة إجبارية لتأمين برنامج وطني يحصل من خلاله المسنون على العناية اللازمة مجانا. يرغب المحافظون بجعل القطاع الخاص يتولى الأمر، وأن يختار كل فرد خلال أعوام عمله إلى أي برنامج خاص ينتسب. أما في مجال سياسة الهجرة فهناك خلاف كبير بين حزب العمال الذي يرغب بتطبيق نظام تأشيرات مبني على النقاط المستحقة، ولكن بدون تحديد سقف أو عدد المهاجرين الذين يستقبلون سنويا. أما المحافظون فيودون تطبيق نظام النقاط، ولكن مع تحديد مسبق لعدد المهاجرين الذين يتم استقبالهم سنويا. يختلف الحزبان كذلك على جملة من التفاصيل الاقتصادية والمالية التقنية، ولكنهما يلتقيان في نقطة وهي دعم تطوير وإنشاء شبكات قطارات فائقة السرعة، إلا أنهما يختلفان بشكل جوهري على آلية تحقيق ذلك. كما أعلن المحافظون رفضهم لفكرة توسيع المطارات.