المبادرة العربية لإيران
الأحد / 11 / جمادى الأولى / 1431 هـ الاحد 25 أبريل 2010 23:23
عبدالله بن بجاد العتيبي
العرب وبلدانهم هم موضع الصراع ومضمون الخصومة في الشرق الأوسط، ولكن العرب للأسف وكما هو معلوم للجميع، ليس لديهم موقف واحد ولا رؤية واحدة لطبيعة الصراعات الدائرة في منطقتهم وعليها من قبل بعض القوى الإقليمية، بل إن اختلافاتهم البينية واختلافاتهم تجاه القضايا الإقليمية أكبر بكثير من اتفاقهم وتقاربهم.
في حقيقة يمكن من خلالها قراءة دعوة الأمين العام للجامعة العربية إلى إنشاء رابطة للجوار العربي، بما يضمن مصالح العرب الإقليمية ويدعمها، ولا اعتراض على مثل هذه الرابطة حين تنضج وتكتمل وتصبح مصالحنا هي الأكبر في إنشائها، ولكنني أحسب أننا بحاجة قبل الدعوة لهذه الرابطة الإقليمية إلى مبادرة عربية تجاه إيران كتلك التي تبناها العرب تجاه إسرائيل، لننهي الخلاف التاريخي مع إيران.
إيران وإسرائيل تجتمعان في كثير من المعاني بالنسبة للعرب، فكلتاهما تحتل أراضي عربية، وكلتاهما تتخذ مواقف عدائية تجاه العرب، وكلتاهما تطمحان للنفوذ في المنطقة العربية، وكلتاهما تتصرفان بصلف تجاه الحقوق العربية والتعامل مع العرب، وغير ذلك، ومن هنا فكما تم توجيه مبادرة عربية لإسرائيل فينبغي توجيه مبادرة عربية لإيران.
المبادرة العربية تجاه إيران التي نأمل أن تتبناها الجامعة العربية ستكفل لنا كبح جماح إيران تجاه التوسع والنفوذ في المنطقة العربية عبر أذرعها من الجماعات المختلفة سنية وشيعية والمتغلغلة في الجسد العربي الكبير، من الخليج إلى المحيط، كحزب الله وحماس والحوثيين وغيرهم، وستمنح الفرصة لوضع جميع القضايا العالقة مع إيران على الطاولة، مما يسمح ببناء علاقات طبيعية مع
دولة جارة.
ينبغي أن تشتمل هذه المبادرة على جميع القضايا الخلافية مع إيران، ابتداء بالأهم فالمهم. فأولا: يجب أن ترفع إيران احتلالها للجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وثانيا: أن تتوقف عن تصريحاتها المتتالية تجاه مملكة البحرين. وثالثا: أن توقف دعمها وتحريكها للجماعات داخل البلاد العربية من العراق حيث تنشط كثيرا إلى لبنان وفلسطين واليمن وغيرها. ورابعا: أن تتعاون إيران مع اللجنة الدولية للطاقة الذرية، وأن تكشف عن تفاصيل مشروعها إن كان سلميا بالكامل كما تقول، ليطمئن العرب أن هذا المشروع ليس مشروعا عسكريا موجها ضدهم. خامسا: أن تتوقف إيران عن التهديدات المتتالية بإغلاق مضيق هرمز وضرب المصالح الغربية في المنطقة لأن هذا تهديد مباشر وسافر لدول الخليج العربي ومصالحها، ويلحق بهذه المبادرة باقي التفاصيل الأخرى كالتعاون الاقتصادي ونحوه.
هذه المبادرة لا تطلب من إيران الكثير، فهي مبادرة ترتكز على أن تتوقف إيران عن ممارساتها العدائية، والتوقف ليس فعلا بحد ذاته بل هو كف عن الفعل، وهو أكثر ما يطلبه العرب وهو طلب منطقي، ثم يأتي بعد هذا دور الفعل، حيث تكون المبادرة من الجانبين لتوضيح حسن النوايا، وترقية التعاون والتواصل عبر آليات الحوار وميزان المصالح.
وينبغي في هذه المبادرة أن يتم طرح الموضوع الطائفي بصراحة ووضوح، وألا يتم تجاهله، فهو وإن كان موضوعا بغيضا إلا أن استخدام إيران للورقة الطائفية لتحصيل مكاسب سياسية قد أصبح مؤذياً ومثيراً للقلق، خاصةً حين نستحضر حجم الضرر على الفكر والثقافة والسياسة والمجتمع الذي يمكن أن يتسبب به تحويل الطائفية إلى عصا سياسية، وفي التاريخ الطائفي الدامي خير نذير وأوضح عبرة.
وتناول الموضوع الطائفي من الناحية الصحيحة يعالج كثيرا من المكبوت الطائفي ويعري التطرف في تناوله من الجهتين، فالسني لن يتحول شيعيا والشيعي لن يتحول سنيا، ومحاولات تسنين التشيع أو تشييع التسنن ستبوء بالفشل الذريع، والخسران البين، ومن هنا فإن الطريقة المثلى لتناوله هي في قبول هذا الاختلاف الطائفي والتعايش معه، أما محاولات التقريب فلن تجدي نفعا، ومجامع التقريب ومؤتمراته كلها لم تنجح في أي شيء رغم طول المدة التي تم تداولها فيها.
ما يزيد الموقف العربي قوة في هكذا مبادرة، هو أن استشعار الخطر الإيراني ليس موقفا عربيا منفردا، بل هو موقف إقليمي وعالمي في ذات الوقت، وستجد مثل هذه المبادرة حين يتبناها العرب موقفا دوليا داعما ومناصرا، فالخطر موجود وظاهر، والجميع يريد حلا، والكل يتخوّف من عاقبة التصلّب الإيراني التي قد تؤدّي لا قدّر الله لحلٍ عسكريٍ مؤلمٍ يكون آخر الدواء.
الولايات المتحدة الأمريكية هي رأس دول العالم اليوم بما تكتنزه من مقدرات شتى، وما تمثله من مكانة لا ينازعها عليها أحد في الشأن الدولي، وهي تتولى قيادة التفاوض الدولي مع إيران ما يجعل من توجهاتها تجاه إيران موضوعا وثيق الصلة بطرح هكذا مبادرة.
في هذا السياق تحسن الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي أوباما الذي حظي بشعبية داخلية في الولايات المتحدة وعالمية عبر رسائله المتعددة لشتى بلدان العالم، قد سعى لإيصال فكرة غاية في البساطة وغاية التأثير وهي أن أمريكا قد تغيرت كما هو شعاره المشهور «change».
لقد سعى أوباما جهده لتحقيق مشروعه الأكبر داخليا المتمثل في الرعاية الصحية وظفر في النهاية، وبقيت لديه مشكلات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلاده كما تعاني منها جميع دول العالم، ويبقى أمام أوباما مشكلات خارجية هي بطبيعة الحال أكبر من المشكلات الداخلية، فمن روسيا ومعاهدة التخفيض النووي التي وقعها معها، إلى الموقف من كوريا الشمالية وتحرشاتها المعهودة، وصولا إلى المشكلة الخارجية الأكبر المتمثلة في الشرق الأوسط، والتي يمكن اختزالها في قضية فلسطين وقضية إيران.
فيما يتعلق بفلسطين فلم يزل التعنت الإسرائيلي حائلا دون أية جهود للتسوية تقوم بها أمريكا، وتصريحات مبعوث أوباما ميتشل ووزيرة خارجيته كلينتون تشير بوضوح لمدى هذا التعنت الإسرائيلي، على الرغم من أن العرب والفلسطينيين وهم الطرف الآخر في هذه القضية قد قدموا في مبادرة الملك عبد الله التي أخذت بعد الموافقة العربية عليها بالإجماع مسمى «المبادرة العربية» أقصى ما يستطيعون، ومع عنايتهم بالمصلحة العربية فقد قدموا مغريات لإسرائيل لحثها على قبول المبادرة، ولكن شيئا لم يكن من قبل إسرائيل، وخاصة خلال الحكومة الحالية المرتهنة بالكامل لليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو، والذي يتأرجح بين رغبة في البقاء ضمن الإطار العالمي والتفاعل السياسي معه، وبين حلفه اليميني المتطرف الداخلي القادر على إسقاط حكومته في أية لحظة.
وفيما يتعلق بإيران فإن العالم بقيادة أمريكا لم يزل يمارس شتى أنواع الضغوط لإيقاف مشروع إيران النووي، وإيقاف تدخلاتها السياسية في الدول العربية، وقد استخدمت كل الوسائل المتاحة من ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية ونحوها، إلى الترغيب في المصالح وتقديم أفضل الحلول لإيران وصولا إلى التلويح بالعصا بعد الجزرة، وكل تلك الجهود لم تثن إيران عن كل سياساتها العدائية.
أحسب أن العرب قبل أن يطرحوا مشروعا لرابطة جوار إقليمي ينبغي أن يطرحوا مبادرة عربية تجاه إيران، حتى نمهد الطريق لقيام هذه الرابطة على أسس سليمة تؤتي ثمارها المرجوة.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة
في حقيقة يمكن من خلالها قراءة دعوة الأمين العام للجامعة العربية إلى إنشاء رابطة للجوار العربي، بما يضمن مصالح العرب الإقليمية ويدعمها، ولا اعتراض على مثل هذه الرابطة حين تنضج وتكتمل وتصبح مصالحنا هي الأكبر في إنشائها، ولكنني أحسب أننا بحاجة قبل الدعوة لهذه الرابطة الإقليمية إلى مبادرة عربية تجاه إيران كتلك التي تبناها العرب تجاه إسرائيل، لننهي الخلاف التاريخي مع إيران.
إيران وإسرائيل تجتمعان في كثير من المعاني بالنسبة للعرب، فكلتاهما تحتل أراضي عربية، وكلتاهما تتخذ مواقف عدائية تجاه العرب، وكلتاهما تطمحان للنفوذ في المنطقة العربية، وكلتاهما تتصرفان بصلف تجاه الحقوق العربية والتعامل مع العرب، وغير ذلك، ومن هنا فكما تم توجيه مبادرة عربية لإسرائيل فينبغي توجيه مبادرة عربية لإيران.
المبادرة العربية تجاه إيران التي نأمل أن تتبناها الجامعة العربية ستكفل لنا كبح جماح إيران تجاه التوسع والنفوذ في المنطقة العربية عبر أذرعها من الجماعات المختلفة سنية وشيعية والمتغلغلة في الجسد العربي الكبير، من الخليج إلى المحيط، كحزب الله وحماس والحوثيين وغيرهم، وستمنح الفرصة لوضع جميع القضايا العالقة مع إيران على الطاولة، مما يسمح ببناء علاقات طبيعية مع
دولة جارة.
ينبغي أن تشتمل هذه المبادرة على جميع القضايا الخلافية مع إيران، ابتداء بالأهم فالمهم. فأولا: يجب أن ترفع إيران احتلالها للجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وثانيا: أن تتوقف عن تصريحاتها المتتالية تجاه مملكة البحرين. وثالثا: أن توقف دعمها وتحريكها للجماعات داخل البلاد العربية من العراق حيث تنشط كثيرا إلى لبنان وفلسطين واليمن وغيرها. ورابعا: أن تتعاون إيران مع اللجنة الدولية للطاقة الذرية، وأن تكشف عن تفاصيل مشروعها إن كان سلميا بالكامل كما تقول، ليطمئن العرب أن هذا المشروع ليس مشروعا عسكريا موجها ضدهم. خامسا: أن تتوقف إيران عن التهديدات المتتالية بإغلاق مضيق هرمز وضرب المصالح الغربية في المنطقة لأن هذا تهديد مباشر وسافر لدول الخليج العربي ومصالحها، ويلحق بهذه المبادرة باقي التفاصيل الأخرى كالتعاون الاقتصادي ونحوه.
هذه المبادرة لا تطلب من إيران الكثير، فهي مبادرة ترتكز على أن تتوقف إيران عن ممارساتها العدائية، والتوقف ليس فعلا بحد ذاته بل هو كف عن الفعل، وهو أكثر ما يطلبه العرب وهو طلب منطقي، ثم يأتي بعد هذا دور الفعل، حيث تكون المبادرة من الجانبين لتوضيح حسن النوايا، وترقية التعاون والتواصل عبر آليات الحوار وميزان المصالح.
وينبغي في هذه المبادرة أن يتم طرح الموضوع الطائفي بصراحة ووضوح، وألا يتم تجاهله، فهو وإن كان موضوعا بغيضا إلا أن استخدام إيران للورقة الطائفية لتحصيل مكاسب سياسية قد أصبح مؤذياً ومثيراً للقلق، خاصةً حين نستحضر حجم الضرر على الفكر والثقافة والسياسة والمجتمع الذي يمكن أن يتسبب به تحويل الطائفية إلى عصا سياسية، وفي التاريخ الطائفي الدامي خير نذير وأوضح عبرة.
وتناول الموضوع الطائفي من الناحية الصحيحة يعالج كثيرا من المكبوت الطائفي ويعري التطرف في تناوله من الجهتين، فالسني لن يتحول شيعيا والشيعي لن يتحول سنيا، ومحاولات تسنين التشيع أو تشييع التسنن ستبوء بالفشل الذريع، والخسران البين، ومن هنا فإن الطريقة المثلى لتناوله هي في قبول هذا الاختلاف الطائفي والتعايش معه، أما محاولات التقريب فلن تجدي نفعا، ومجامع التقريب ومؤتمراته كلها لم تنجح في أي شيء رغم طول المدة التي تم تداولها فيها.
ما يزيد الموقف العربي قوة في هكذا مبادرة، هو أن استشعار الخطر الإيراني ليس موقفا عربيا منفردا، بل هو موقف إقليمي وعالمي في ذات الوقت، وستجد مثل هذه المبادرة حين يتبناها العرب موقفا دوليا داعما ومناصرا، فالخطر موجود وظاهر، والجميع يريد حلا، والكل يتخوّف من عاقبة التصلّب الإيراني التي قد تؤدّي لا قدّر الله لحلٍ عسكريٍ مؤلمٍ يكون آخر الدواء.
الولايات المتحدة الأمريكية هي رأس دول العالم اليوم بما تكتنزه من مقدرات شتى، وما تمثله من مكانة لا ينازعها عليها أحد في الشأن الدولي، وهي تتولى قيادة التفاوض الدولي مع إيران ما يجعل من توجهاتها تجاه إيران موضوعا وثيق الصلة بطرح هكذا مبادرة.
في هذا السياق تحسن الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي أوباما الذي حظي بشعبية داخلية في الولايات المتحدة وعالمية عبر رسائله المتعددة لشتى بلدان العالم، قد سعى لإيصال فكرة غاية في البساطة وغاية التأثير وهي أن أمريكا قد تغيرت كما هو شعاره المشهور «change».
لقد سعى أوباما جهده لتحقيق مشروعه الأكبر داخليا المتمثل في الرعاية الصحية وظفر في النهاية، وبقيت لديه مشكلات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلاده كما تعاني منها جميع دول العالم، ويبقى أمام أوباما مشكلات خارجية هي بطبيعة الحال أكبر من المشكلات الداخلية، فمن روسيا ومعاهدة التخفيض النووي التي وقعها معها، إلى الموقف من كوريا الشمالية وتحرشاتها المعهودة، وصولا إلى المشكلة الخارجية الأكبر المتمثلة في الشرق الأوسط، والتي يمكن اختزالها في قضية فلسطين وقضية إيران.
فيما يتعلق بفلسطين فلم يزل التعنت الإسرائيلي حائلا دون أية جهود للتسوية تقوم بها أمريكا، وتصريحات مبعوث أوباما ميتشل ووزيرة خارجيته كلينتون تشير بوضوح لمدى هذا التعنت الإسرائيلي، على الرغم من أن العرب والفلسطينيين وهم الطرف الآخر في هذه القضية قد قدموا في مبادرة الملك عبد الله التي أخذت بعد الموافقة العربية عليها بالإجماع مسمى «المبادرة العربية» أقصى ما يستطيعون، ومع عنايتهم بالمصلحة العربية فقد قدموا مغريات لإسرائيل لحثها على قبول المبادرة، ولكن شيئا لم يكن من قبل إسرائيل، وخاصة خلال الحكومة الحالية المرتهنة بالكامل لليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو، والذي يتأرجح بين رغبة في البقاء ضمن الإطار العالمي والتفاعل السياسي معه، وبين حلفه اليميني المتطرف الداخلي القادر على إسقاط حكومته في أية لحظة.
وفيما يتعلق بإيران فإن العالم بقيادة أمريكا لم يزل يمارس شتى أنواع الضغوط لإيقاف مشروع إيران النووي، وإيقاف تدخلاتها السياسية في الدول العربية، وقد استخدمت كل الوسائل المتاحة من ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية ونحوها، إلى الترغيب في المصالح وتقديم أفضل الحلول لإيران وصولا إلى التلويح بالعصا بعد الجزرة، وكل تلك الجهود لم تثن إيران عن كل سياساتها العدائية.
أحسب أن العرب قبل أن يطرحوا مشروعا لرابطة جوار إقليمي ينبغي أن يطرحوا مبادرة عربية تجاه إيران، حتى نمهد الطريق لقيام هذه الرابطة على أسس سليمة تؤتي ثمارها المرجوة.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة