عضلات

طارق على فدعق

يبدو أن هذا هو زمن العضلات...فمن جانب نجد العضلات العسكرية العنيفة الخاصة بالدمار...من قذائف يصل وزنها إلى ما يعادل نصف وزن «التويوتا كورولا» إلى قنابل متخصصة في الحرق وفتفتة الخرسانة المسلحة... وتتباهى بعدد المباني، والطرق، والكباري، والمنشآت الضخمة التي تستطيع أن تدمرها خلال فترة زمنية بسيطة… يعنى تدمير مقومات الحياة المدنية كما نعرفها…ولكن هناك ما هو أسوأ فبعض الأسلحة مصممة لتقطيع الأنسجة الجسدية البشرية بطرق مخيفة...طلقات أسرع من عشرة أمثال سرعة الصوت...بكميات رهيبة من المدفع الواحد تفوق العشر طلقات في الثانية الواحدة...وبأوزان ووزنيات مصممة للف والدوران بداخل جسم الإنسان لتأكيد الدمار التام ...وهندسة مسار الرصاص طبعا تهدف إلى تكسير العظام وتقطيع العضلات...وكل هذا في إحدى أكبر المذابح في القرن الواحد والعشرين ...و من جانب آخر هناك عضلات الضحايا والشهود على المأساة الإنسانية وأعتقد والله أعلم أن أكثر العضلات المتأثرة لهذه الفئة من البشر هما عضلتا القرف والحزن ...تجري عضلة «القرف» من شمال إلى جنوب وجوهنا بمحاذاة أنوفنا لترفع الشفاه قليلا وتطبع صورة الاشمئزاز على وجوهنا...والعجيب أن اسم العضلة طويل وصعب فهي «ليفايتور... لاباي... سوبيريورس... أليك... نيزاي» Levator Labii Superior ALic Nasii ومعناها التقريبي باللاتيني هو «رافعة الشفاه العليا بمحاذاة الأنف»....وفى الواقع فهذا الاسم الطريف أطول من العضلة نفسها...وهي من أكثر العضلات النشطة على وجوه كل من يعنى بقضايا السلام اليوم بسبب أحداث فلسطين ولبنان...ومن العجائب أيضا أن من أكبر العضلات على وجوهنا هي عضلة الحزن واسمها قصير جدا بالرغم من حجمها فهي تدعى «بلاتيزما» Platysma وهي أشبه بالشريحة الضخمة...تشد الفم إلى الأسفل لتغير زوايا الشفاه فيبدو الحزن على وجوهنا وهي تمتد إلى خارج منطقة الرأس بل وتصل عبر الرقبة إلى أعلى منطقة الصدر...وسبحان الله أن الحزن تتحرك ملامحه على وجوهنا ولكنها تنبع من صدورنا... وهذه العضلة هي أيضا من أكثر العضلات النشطة اليوم على كل من يغار على المثل والأخلاقيات البشرية الأساسية من أي جنسية وديانة حول العالم ...وهذه العضلات أهم بكثير من عضلات الجهاز الحربي الإسرائيلي الذي يستعرض قوته على المدنيين الأبرياء...ويتوقعون أن تولد هذه الحملات العسكرية القاسية الشعور بالرعب بين البشر ولكن الواقع هو أنها تولد القرف والحزن وعلى المدى الطويل ستنتج عنها كميات كبيرة من الدموع في المنطقة بأكملها و سبحان الله أن جذر الكلمة العبرية للبكاء هي «فت ...كاف...هاء» وهي شبيهة بالبكاء بالعربية وكذا الحال بالنسبة لكلمة دموع...وسبحان الله أن المناسبات والطقوس اليهودية مليئة بالحزن والبكاء بأشكاله وأنواعه المختلفة وفى الواقع فبعد حوالى أسبوعين من الآن هناك مناسبة خاصة للحزن تسمي «تشأه بي أف» يعنى تسعة آب...التاسع من أغسطس...وهي مناسبة لذكرى أي مناسبة حزينة في حياتهم...ويا ترى ما موقع ضحايا الحرب الأبرياء من الحزن اليهودي؟ وتدعي إسرائيل دائما أن هناك العديد من الفرص الضائعة للسلام في الشرق الأوسط، والسؤال المهم هنا هو: ماذا عن الفرص التي يضيعها اليهود أنفسهم للسلام علما بأن مردود السلام للجميع وبالذات لهم عال جدا؟
أمنيـــــة
أتمنى أن تكف مهزلة العضلات المفتولة ضد المدنيين الأبرياء في الشرق الأوسط، واليوم رأيت يافطة رائعة في إحدى دوائر وزارة العدل الأمريكية باللاتينية وهي Fiat Justica Et Ruat Caelum وترجمتها «أن يسود العدل حتى لو سقطت السماء»...ونضيف إليها أن يسود هذا المبدأ العالم بأكمله بمشيئة الله.