دفعت عبدالناصر لاتخاذ القرار الأخطر
صاحب أشهر تعليق سياسي .. السفير حسين العسكري لـ عكاظ:
الخميس / 22 / جمادى الأولى / 1431 هـ الخميس 06 مايو 2010 20:07
حوار: بدر الغانمي
إذا أردت أن تبحث عن ذاكرة وطن، فإن الحديث مع المذيع السفير حسين العسكري، لا يأتي عابرا دون شواهد ومواقف وأحداث تمتد بعمر سنوات تأسيس الإذاعة والتلفزيون في بلادنا، فالرجل الذي دخل الإعلام من باب الحاجة وبخطاب واسطة، يظل رمزا وقيدوما وصاحب تجربة ورؤية التصقت بخمسة وزراء وعلى مدى خمسة عقود أيضا، ويبدو أن تجربته الإذاعية التي مرت من نفق التعليق السياسي على سنوات الأزمة مع أنظمة الستينيات، ما زالت متأزمة حتى بعد تقاعده وفيها من التجاذبات ما يستدعي التذكير وإرسال الإشارات بحثا عن نقطة ضوء.
العسكري تحدث بألم عن سنوات تسوله التبرعات لصالح منظمة إذاعات الدول الإسلامية، وقال مختصرا مسافة التعبير: «لو تبرعت الدول الأعضاء بقيمة حفلة ساهرة لسارت سفينة المنظمة إلى الشاطئ الذي تريد».. حواري بدأ بحديث الشقاوة والترحال ليمسك بتلابيب شخصية عصامية واستقر على أبواب التقاعد وعتبات سن الـ90 لرجل ما زال إلى اليوم يتكئ على أعضاء حفظها في الشباب فحفظته في الكبر ليقدم برنامجه الإذاعي الأشهر «خبر وتعليق» منذ 40 عاماً.
عشت متنقلا مثل البدو الرحل مع والدي من مكان لآخر؛ تبعا للقمة العيش، فقد ولدت في تبوك، وعشت فترة في الأردن، فيما كان والدي يعيش في مدينة يافا الفلسطينية، حيث كان يتاجر في المواشي التي كانت تجارة رائجة في تلك الفترة بعد أن ترك عمله في وزارة المالية التي كانت الوزارة الوحيدة في البلاد في تلك الفترة ووزيرها الشيخ عبدالله السليمان -رحمه الله- أول من حمل لقب وزير بعد أن ساهم مع عدد من الرموز في تخطيط الأنظمة المالية والإدارية للدولة؛ ومنهم محمد سرور الصبان وعبدالرزاق هنداوي وعبدالعزيز جميل وأحمد لاري -رحمهم الله جميعا-. في الصف الثالث الابتدائي انتقلت أسرتنا إلى حي ريع الرسام مع والدتي وجدتي لوالدي وأخ وأخت في سن الطفولة، فيما كان والدي عام 1948م يهرب ضمن من هرب من الفلسطينيين إلى الأردن بعد دخول اليهود، فاستقر به المقام لدى أسرة (الكبارتة) التي أكرمتهم وآوتهم، وحصل على الجنسية الأردنية والتحق بقوات البادية ثم انتقل للعمل في دائرة أعمال الشريف شاكر (ابن عم الشريف عبدالله بن الحسين) وحين استقر به المقام استدعانا للعيش معه هناك فالتحقت بالمدرسة، حيث حصلت على شهادتي الابتدائية والمتوسطة، لكنني في هذه الفترة ألححت على الوالد برغبتي في الحصول على حفيظة نفوس فاستجاب لرغبتي فتوجهت إلى تبوك وحصلت على التابعية، ولصعوبة الحصول على وسيلة نقل للعودة إلى الأردن، حيث كانت سيارة واحدة تعمل بين تبوك ومدينة عمان، ويتأخر حضورها انتظارا لتجمع المسافرين فقد نزلت في ضيافة الشيخ محمد صالح الوكيل، أمين جمارك ومالية تبوك، وكانت تربطه صداقة بوالدي؛ وهو من أسرة كريمة معروفة في مدينة الوجه، وخلال فترة وجودي في مدينة تبوك ذكر لي صديق أن جمرك تبوك توجد فيه وظيفة (مبصر) -وهو الذي يجدول البضائع التي ترد إلى الجمرك تمهيدا لترسيمها- وبراتب 300 ريال فتقدمت إلى الوظيفة؛ ولأنني أحمل الشهادة الابتدائية مع دبلوم في المحاسبة وطباعة الآلة الكاتبة فقد تم تعييني فورا، فكتبت للوالد بذلك فوافق على بقائي في تبوك، لكنني ضقت بحياة الوحدة بعد مدة قصيرة، فعدت إلى عمان ولم أعد إلى تبوك مرة أخرى، حيث أرسلت اعتذارا إلى الشيخ محمد الوكيل وبقيت مع الأسرة في عمان حتى عدنا إلى المملكة عام 1374هـ ونزلنا في ضيافة شقيق والدي في تيماء وبقيت بلا عمل لفترة حتى عرض علي مدير مدرسة تيماء العمل مدرسا؛ لوجود وظيفة شاغرة فوافقت كسرا للفراغ واستمررت في التدريس فترة، لكن هاجس رغبتي في إكمال دراستي كان مسيطرا علي، لذلك طلبت من جدتي لوالدي أن تسمح لي بالانتقال إلى المدينة المنورة لإكمال الدراسة، ولأنها كانت -رحمها الله- شديدة التعلق بي لأنني حفيدها الأول، وافقت على مضض، فذهبت إلى المدينة المنورة وعملت في مدارسها، وكان اسم (معتمدية المعارف) قد تغير إلى المديرية العامة لتعليم منطقة المدينة المنورة برئاسة الأستاذ عبدالعزيز الربيع (الأديب والمفكر المعروف) -رحمه الله- ولأن دافعي إلى الانتقال إلى المدينة المنورة كان إكمال تعليمي فقد التحقت منتسبا في الدراسة الثانوية في مدرسة طيبة التي كان يديرها المربي الفاضل الشيخ أحمد بشناق، وكانت عملية تطبيق السنوات الثلاث في سنة واحدة نظاما سائدا فواصلت الدراسة إلى جانب عملي في التدريس بعد أن دخلت في اختبار الكفاءة المتوسطة وحصلت عليها، ولأن المنهج الثانوي في تلك الفترة يتضمن دراسة اللغتين الإنجليزية والفرنسية فقد وجدت صعوبة خاصة في اللغة الفرنسية التي كان يشكو منها الجميع، فطلبت من الأستاذ عبدالعزيز الربيع أن أكمل دراستي في المعهد العلمي الذي لا يوجد فيه غير اللغة الإنجليزية، وكان لي ما أريد، وأذكر من زملائي في المعهد الأخ محمد مشيّخ والأخ يوسف كاظم -رحمه الله - وقد أصبحا زميلين لي في الإذاعة فيما بعد- والدكتور عبدالرحمن الأنصاري وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم. وفي اليوم الأول لدخولي اختبار الكفاءة المتوسطة انتقل والدي إلى جوار ربه في حادث سيارة بالقرب من قرية مستورة في شهر صفر من عام 1376هـ، وكانت تلك المأساة نقطة تحول في مسيرة حياتي الوظيفية فطلبت من عبدالعزيز الربيع أن أستقيل من عملي في إدارة التعليم التي انتقلت إليها لاحقا من مجال التدريس، لرغبتي في عدم البقاء في الأماكن التي تذكرني بوالدي وتوجهت إلى جدة، وكنت لا أعرف فيها أحدا باستثناء قريب كان يعمل في لجنة الاستيراد التي شكلتها الدولة بعد المتاعب المالية المعروفة لتضبط شؤون الاستيراد وتأمين العملة الصعبة للتجار، وكانت وجهتي نحو إدارتين؛ وزارة الخارجية أو الإذاعة التي اهتم بمتابعتها وإشباعا لهوايتي في مجال القراءة، وتراجعت عن العمل في الخارجية عندما تذكرت والدتي وإخوتي الصغار وكيف لي أن أتركهم إذا نقلتني الخارجية للعمل خارج الوطن.. فركزت اهتمامي على الإذاعة وذهبت إلى صديق للوالد وزميل له في العمل عندما كان في الأحساء وهو الشيخ زكي عمر -رحمه الله- فكتب لي توصية إلى الشيخ عبدالرحمن الشيباني (مدير عام الإذاعة في المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر) حيث تم تعييني محررا في إدارة الأخبار ولم يكن بها في تلك الفترة الا ثلاثة محررين؛ أحدهم سعودي والآخران من الإخوة الفلسطينيين الذين سبق أن تعاقد معهم الشيخ عبدالله بلخير في بيروت، إلى جانب بعض الإخوة من لبنان ومصر في مجال الإعداد والإخراج والتقديم، وكان الجميع على مستوى عال من الحرفية المهنية؛ لأن الواحد منهم كان يعمل إما في إذاعة بلده أو في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص، وهي إذاعة تابعة لبريطانيا وجرى إغلاقها بعد العدوان الثلاثي على مصر وهكذا انطلقت مسيرتي مع الإذاعة.
• كيف بدأت علاقتك بالتعليق السياسي؟
ــ بدأت بكتابة التعليق السياسي في فترة متقدمة جدا؛ عندما كان مقر الإذاعة في طريق المطار، وأصبح الشيخ جميل الحجيلان مديرا للإذاعة والتلفزيون، والقصة تستحق أن تذكر لتبين تكافل المجتمع مع بعضه البعض في تلك الفترة على عكس ما نعيشه الآن؛ فقد تقدم للعمل معنا اثنان من الإخوة السعوديين وشعرنا بحاجتهما للعمل، ولكن لأننا كنا في نهاية العام المالي للميزانية فلم تكن هناك مخصصات لهما فقررنا أنا وصديق آخر بالتنسيق مع الإدارة أن نساعدهما بأن نكتب تعليقا سياسيا على أن تذهب مكافأة الكتابة التي تبلغ 30 ريالا لتوزع على الشخصين، فكنا نستلم المبلغ ونسلمه للزملاء الجدد لمدة سنة تقريبا، إلى أن جاء قرار تعيينهما كموظفين في الإذاعة رسميا.
• متى كتبت أول تعليق سياسي؟
ــ في الفترة التي كانت فيها خلافات عبدالناصر مع المملكة متصاعدة، كان هيكل يوجه لنا برنامجا اسمه (بصراحة) مليئا بالخروج عن الأداب السياسية، فحدث اجتماع في الإذاعة تم فيه إقرار الرد على هيكل وعبدالناصر، وكنت أول من كتب تعليقا في هذا المجال وهاجمناه -للأسف- هجوما مرا، وطالبناه إن كان يملك الشجاعة أن يخرج القوات الدولية الموجودة في جزيرتي سنافر وتيرانا في البحر الأحمر التي كان يحتمي بها من اليهود وهو يقول إن كان -كما يقول- لديه أقوى جيش وضغطنا كثيراً في هذا الاتجاه ، وعرفنا من المقربين له أنه كان يهتم بتعليقاتنا كثيرا وتأثر بها فارتكب قرار سحب القوات الدولية التي غادرت صباحا، فاستغلت إسرائيل الفرصة بترتيب أمريكي واكتسحت سيناء بعد الظهر بقيادة شارون وموشي دايان وزير الدفاع حتى وصلوا إلى ضفاف قناة السويس وكانت لديهم النية للدخول إلى الضفة الأخرى لولا خوفهم من العمق الجماهيري للسكان.
• توقفتم عن المساجلات الإذاعية بعد ذلك؟
ــ التوقف حدث بعد نكسة 67، فقد وجدنا أنه من الصعب أن يشمت الإنسان بأخيه مع أنهم كانوا يستخدمون ألفاظا مقززة، ولكن حكمة الملك فيصل احتوت هذا الأمر؛ لدرجة أن القادة العرب في مؤتمر الخرطوم انبروا لمحاسبة عبدالناصر على أخطائه التي ارتكبها، مما أبكاه كثيرا، فكانت وقفة الملك فيصل دلالة على الكرم والنبل عندما قال: كلنا مسؤولون عما حدث. وفتح باب التبرعات لإنقاذ مصر من هذه الكارثة، ومن حضر الجلسة السرية قال بأن الرئيس عبدالناصر قام فسلم على رأس الملك فيصل.
• هل استعنتم بأحد من خارج الإذاعة لكتابة التعليق؟
ــ عزيز ضياء -رحمه الله- التزم معنا لفترة طويلة ثم علي فدعق لفترة بسيطة أيضا.
• استخدمتم أيضا الممثل عباس أبوشنب، المعروف بأبوخداج، لإضفاء الحس الشعبي على الموقف من عبدالناصر؟
ــ أبوخداج -رحمه الله- كان قديرا في الكتابة الشعبية، ويعمل مدرسا في مدرسة الفلاح في جدة، وقام بدور كبير في مقابل المسلسلات الدرامية التي كانت تنتج من قبل الإذاعة المصرية في تلك الفترة للهدف نفسه.
• هل نستطيع أن نقول إن الإعلام قد تسيس بعد هذه الأحداث؟
ــ الإعلام أصله سياسة، لكنه أصبح مسيسا بشكل قوي خلال تلك الفترة.
• كيف تعاملتم مع أزمة الفراغ الوظيفي التي أحدثها استدعاء العاملين الأجانب في الإذاعة في تلك الأزمة؟
ــ أكثر من 80 في المائة من العاملين في الإذاعة كانوا أجانب، واستطعنا تعويض غيابهم بالاستعانة بكفاءات من السودان وسورية.
• ما أفضل ما كتبت من تعليقات طوال مسيرتك الإعلامية؟
ــ كلهم أبنائي، كما يقولون، ولكن أفضل ما كتبت من جودة وكنت حريصا عليها بعد استشهاد الملك فيصل -رحمه الله- ثم ما كتبته في رثاء الملك خالد أيضا -رحمه الله-.
• ترأست عددا من الوفود الإعلامية مع الملك فيصل وخالد وفهد -رحمهم الله- فكيف كنتم تتواصلون مع الأحداث في ظل عدم وجود وكالات أنباء تلك الفترة؟
ــ سافرت لأول مرة مع الملك فيصل ضمن الوفد الإعلامي، وكنت محررا للأخبار في زيارته لباكستان، وفي تلك الفترة لم تكن لدينا وكالات أنباء أجنبية، فكنا نعتمد على قسم الاستماع في الإذاعة الذي يرصد لنا ما تقوله الإذاعات الخارجية باللغة العربية، ويرسل لنا نسخة في قسم الأخبار ونسخة أخرى إلى الديوان الملكي، ثم بدأنا بعد ذلك في الاشتراك تباعا في وكالات الأخبار؛ بدءا من الأسيوشيتدبرس ثم اليونايتدبرس ثم رويتر.
• متى شعرت بقوة الإعلام في ظل معايشتك لخمسة وزراء على مدى 33 سنة؟
ــ الكل كان كفؤا وحريصا على هذه المسألة، لكن الرجل البارز في هذا الجانب هو الشيخ إبراهيم العنقري بحكم صلته بالدوائر العليا؛ فقد كان سكرتيرا للملك فهد عندما كان وكيلا للوزارة واستمر معه الى أن توفي -رحمهما الله جميعا-، ومن هنا كان له ثقله في اتخاذ القرارات الحاسمة والصائبة دون أن يحاسبه أحد.
• وهل تغير سقف الحرية الاعلامية للأفضل؟
ــ سقف الحرية في السابق فرضته الظروف السياسية، ولكن لم تأتنا ملاحظات إلا في مجال البرامج الدينية فقط، وكنا حريصين على البعد عن المشاكل، خصوصا في الفترة الحرجة التي تولى فيها الشيخ إبراهيم العنقري -رحمه الله- الوزارة وكان قديرا في التوازن بين ما تريده المملكة وما يريده الآخرون، أما البرامج السياسية فكنت حريصا عليها بشكل شخصي ولم أدع كلمة تفلت بحكم مسؤوليتي المباشرة عن هذا الأمر، ويظل سقف الحرية الآن أكبر بكثير مما كان عليه في السابق.
• من خلال تجربتك الطويلة في الإذاعة، لماذا يتكرر التغيير في الإذاعة مع قدوم كل إدارة جديدة ولو على حساب المستمع؟
ــ لعلي لا أطعن في الزملاء، ولكن المشكلة في الأخلاق العربية وليست في الإذاعة السعودية، فنحن لا نحترم أدبيات الآخرين، وهذه طبيعة في الإنسان العربي الذي يعتقد أنه يمتلك الصواب وغيره الخطأ، فحينما يأتي إلى المنصب يحاول بزعم التغيير إلى الأفضل فيعثر في طريقه فيكون التغيير إلى الأسوأ، والفكر العربي ما زال يسيطر عليه هاجس أنني أملك المعرفة وغيري لا يملك شيئا فيريد أن يعلم الآخرين بينما هو في حاجة لأن يتعلم.
• واجهت مواقف معينة أثناء إدارتك لإذاعة جدة؟
ــ عانيت كثيرا وكنت أتغلب على هذه الهموم بشكل شخصي، ولا شك أن بعضها شكل في نفسي عامل إحباط، ولكنني حاولت السيطرة على الموضوع بمساعدة الزملاء وفي مقدمتهم حسين نجار ومحمد الشعلان -رحمه الله- ومطلق الذيابي (الأديب والموسيقار) -رحمه الله-؛ فواحد لديه برنامج ناجح لماذا نسلبه منه ونعطيه لشخص آخر بعد أن عرفه الناس وفهموا لغته، إذ في هذا جناية على المستمع.
• الغريب أن الاذاعة في تلك الفترة كانت تزخر بأطياف من الأدباء والمثقفين على عكس الآن؟
ــ بلدنا ولَّادة والحمد لله ولم يتوقف رحم المعرفة، لكن مشكلة الإذاعة هي المكافآت؛ وعندما تأتي بأديب كبير فيجب أن تعطيه شيئا يتناسب مع قيمته وإلى الآن المكافآت تعيسة لدرجة أن المحدث يأخذ على حديثه إلى الآن ما بين 150 إلى 200 ريال؛ بمعنى أنه يأخذ 600 ريال على أربعة أحاديث في الشهر، لا تساوي في مجملها الجهد الذي يبذله في المجيء والعودة، فالمكافأة هي التي عطلت هذا الجانب وإلا فبلادنا مليئة بالكتاب الكبار والأكاديميين، بل إن مساحة المعرفة اتسعت في بلادنا لكن هناك طرقا مجزية وأكثر ربحا وفائدة من الإذاعة، والأمل في الدكتور عبدالعزيز خوجة، ابن هذه المؤسسة الإعلامية الذي يحاول الآن أن يستصدر من مجلس الوزراء السماح للإذاعة بالإعلان لتستثمر هذه المداخيل بدلا من ذهابها إلى وزارة المالية، كما كان يحدث في السابق من باب أن هذا دخل عام، بل الخطوة الأكبر هي توظيف الإعلان في القنوات الجديدة لصالح هذا التوجه الجاذب للكوادر والرجل توجهه إصلاحي وأتمنى له التوفيق.
• بصراحة.. إلى أي مدى تأثرت الإذاعة بالمذيع الموظف في السنوات الـ20 الأخيرة؟
ــ أنا في رأيي أنه لابد أن يكون للمذيعين كادر خاص لارتباطهم الدائم بالعمل على مدى الـ24 ساعة، ولا يمكن أن تأتي به موظفا في الدرجة الخامسة أوالسادسة وبراتب أربعة أو خمسة آلاف ريال، فهذا لن يعطيك شيئا حتى لو كان خريج جامعة في ظل العروض المغرية التي تحيط به من كل اتجاه وبأضعاف مضاعفة لما يأخذه في الإذاعة السعودية، وياليتنا نأتي بكفاءة عالية أيضا فهنا تصبح المشكلة أكبر وهو ما يحدث حاليا.
• ولهذا نجح جيل الهواية على الاحتراف، إن صح لنا أن نقول ذلك؟
ــــ جيل بدر كريم ومحمد الشعلان ومطلق الذيابي تغلبت عليهم الهواية ولم تكن المادة هدفهم الأساسي، فتجاوزوا غيرهم بمراحل وبرزوا بدافع الحب، وما زال هذا الأمر موجودا لدى البعض خصوصا عبدالله الشائع الذي يحرص بعد توليه إدارة الإذاعة على أن يطبق معايير معينة للنجاح لكن ما بيده حيلة، ولك أن تتصور أن مدير عام الإذاعة لا يستطيع أن يوقع سندا بمائة ريال؛ فالمكافآت يعد بيانها وجداولها وترسل إلى الرياض للشؤون المالية في الوزارة، ولو حدث أي خطأ تعاد المعاملة كاملة إلى مصدرها وهكذا تدور في حلقة مفرغة، والمسألة ليست متعمدة للتعطيل، لكنها تمثل الفارق بين عقلية الرجل الإداري المالي وعقلية الأديب والمفكر.
• ألم يكن مطبقا في السابق نظام السلف المستديمة؟
ــ كان موجودا وانتهى العمل به، فعلى أيامي كانت السلفة في حدود خمسة ملايين ريال، فكنا نصرف فوريا مكافآت الضيوف والعاملين في مختلف البرامج.
• أليس هناك في الأفق برامج لتطوير مستوى المذيعين؟
ــ هناك نية لدى الوزير لإنشاء معهد لتطوير الكفاءات الإذاعية.
• الغريب أن الإذاعة لم تستفد من جهود إذاعيين عصاميين مثل علي بعداني مثلا؟
ــ علي بعداني بدأ ممثلا في الإذاعة وكان من الأكفاء، وبحكم لغته العربية الجيدة جدا تحول إلى قارئ نشرات ومثله أيضا عبدالرحمن حكيم -رحمه الله-، والمشكلة ليست في إعطاء الفرص المعنوية فقط، بل يجب أن يكون للدافع المادي دوره أيضا، ولم يعد ينفع أن تقول للشخص بأنك بارز وجيد فاكتب لنا برنامجا وقدمه دون مقابل، ومما يؤسف له وجود برنامج بغيض في الإذاعة فالكاتب الخارجي يعطى 200 ريال على كتابة البرنامج بينما لو كتبه كاتب من داخل الإذاعة فيعطى 100 ريال على ضوء نظام وزارة المالية وتطلب منه بعد ذلك أن يكون جيدا ومبادرا. لا يمكن هذا.
• في السياق نفسه لم تستفيدوا أيضا من خريجي كليات الإعلام؟
ــ للأسف، إن كل معارفهم نظرية، ولا يهم أي شاب منهم سوى عبور المرحلة ولو سألت أي واحد منهم عن رئيس وزراء فرنسا فلن يعرفه هذا إذا عرف أين فرنسا أصلا.
• وهذه مسؤولية من؟
ــ مناهج قسم الإعلام في الجامعة هي ما تحتاج إلى تغيير؛ لأنه لم يحرص على تثقيف الخريجين ثقافة سياسية وكأن السياسة (جرب)، مع أن كل إنسان مطالب اليوم بمعرفة حقوقه؛ بدءا من الطفل ومرورا بالمرأة وانتهاء بالرجل، وهذا الأمر ليس كرما من أحد بل هو كلام دعا إليه الملك عبدالله -حفظه الله- عندما قال: نريد مواطنا يفهم حقوقه لا جاهلا بها.
• هل أستطيع القول إنه لا يوجد في الجيل الجديد في الإذاعة من يكتب التعليق السياسي، كما كنتم تفعلون في السابق؟
ــ لا أريد ان أتكلم في هذا الموضوع لكي لا يقال إنني أمدح نفسي، لكن التعليق السياسي يحتاج إلى خلفية سياسية كبيرة، وأن يكون المعلق السياسي على دراية بأحداث العالم يوميا أولا بأول ومجريات الأمور، وأن يستمع للإذاعات الرئيسة في العالم كالـ(بي. بي. سي) و(صوت أمريكا) وصوت (برلين)، ومن الضروري أن يعرف من اللغات الحية حتى يطلع على أفكار الآخرين بلغتهم؛ لأن الترجمة لا تعطي المعنى الحقيقي الذي تريده. ومع الأسف لم أر أحدا حاول أن يؤهل نفسه لهذا الأمر ولو أرادوا لاستطاعوا.
• ما زال يشغلني كمستمع للإذاعة تساؤل عن أسباب تغييب الفرقة الموسيقية في الإذاعة التي شكلت علامة فارقة بين الإذاعات العربية؟
ــ هذه الفرقة وصلت أوج مجدها؛ عندما كان يرأسها الفنان الأديب مطلق الذيابي -رحمه الله-، ثم جاء من بعده سامي إحسان وهو رجل موسيقي وفاهم، لكن بدأ أي عمل تظهر فيه الحزازات والمنافسات الشخصية يتذمر منه، ومن العناصر التي دمرت الفرقة الموسيقية في الإذاعة الحساسيات، وكل يدعي أنه الجيد والأقدر وغيره ليس بجيد وهذه الفوقية في التفكير من أدبيات العالم العربي تحديدا ودمرت أشياء جميلة فيه.
• لماذا قلت بعد 12 سنة من عملك كأمين عام منظمة إذاعات الدول الإسلامية بأن الدول الأعضاء لو دفعت ثمن حفلة ساهرة لسارت أمور المنظمة؟
ــ المشكلة أن أعضاء المنظمة الذين يبلغ عددهم 52 دولة لا يدفع منهم الاشتراكات التي حددت نسبها منظمة المؤتمر الإسلامي لكل دولة إلا خمس دول فقط؛ من بينها المملكة والكويت والإمارات وعمان لعدم قناعة الدول الأخرى في المنظمة.
• على كذا، الله يعين الدكتور محمد صبيحي في ما تبقى من فترته.
ــ الدكتور صبيحي انتهت فترته ومنح مهلة مدتها ستة أشهر لتسليم الأمور للأمين القادم من دولة ماليزيا الذي تم تعيينه تجاوبا مع فكرة المداورة التي أبدتها الدول الأعضاء ولكن مع الأسف أنه لا يتحدث بالعربية.
• كأنك تشفق على من يتولى هذا الموقع؟
ــ المنظمة انتقلت بالكامل إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وأصبحت جزءا منها، والإعلام يحتاج إلى أموال الآن، ولو قارنا ميزانية المنظمة مع 12 إذاعة خاصة بالتنصير في الشرق العربي فإن ميزانية منظمة واحدة منها تساوي عشرة أضعاف ميزانية منظمة إذاعات الدول الإسلامية.
• إلى أي مدى استجديت الدعم للمنظمة خلال فترتك؟
ــ وصلنا إلى مرحلة أكثر من الاستجداء والتسول وواجهنا مشاكل لا حصر لها.
• وهل ما زالت الإذاعة جاذبة؟
ــ في ظل ظهور الإذاعات المرئية تأثرت المدن، أما سكان البوادي والأرياف فما زال للإذاعة جماهيريتها بينهم، لكنه وجود غير مؤثر لأن الاعتماد أصبح كثيرا على الصورة.
• بمعنى أن المنظمة لم يعد لها داع الآن؟
ــ لم يعد لها دور الآن ويمكن لها أن تنتقل إلى مرحلة أفضل لو كانت تملك محطة تلفزيونية، ولكن للأسف أن مشكلة التفرد ورغبة كل دولة إسلامية أن تخدم نفسها بنفسها هي السبب في هذا الواقع التعيس.
• البعض استغرب غيابك وعدد من الإعلاميين عن حضور ندوة تكريم الأستاذ عباس فائق غزاوي التي أقامها النادي الأدبي في مكة؟
ــ عباس غزاوي قيمة وهامة عالية في الإعلام السعودي وتعلمنا على يده الكثير، وقد حالت ظروفي الشخصية من الحضور وكنت حريصا على ذلك وقد طلبوا مني سيرة ذاتية فكتبتها لهم وقرئت في المناسبة.
• أيهما أفضل من خلال تجربتك الطويلة؛ المدرسة اللبنانية أم المصرية في الإعلام؟
ــ لكل مدرسة عناصرها؛ فالمصرية لها كتابها الكبار ولكن يغلب عليها ما قاله هتلر من أن المانيا فوق الجميع، أما اللبنانيون فأقرب إلى المدرسة الغربية؛ لأن الشعب اللبناني مطلع ومثقف وأسلوبهم يختلف في الكتابة ويغلب على برامجهم السياسية الوضوح والمصارحة.
• وكيف ترى مستقبل الإعلام؟
ـــ في العالم المتقدم لا توجد وزارات، ففي بريطانيا وأمريكا توجد إدارة الإعلام في وزارة الخارجية، وتتلقى تعليمات وبيانات من المسؤولين لبثها وتوزيعها، أما الإعلام فحر وأكثر حرية في بريطانيا؛ فالـ(بي بي سي) من أكبر إذاعات العالم ولها مجلس إدارة خاص بها ولا تتلقى أي توجيه من الدولة إلا ما يعني الأمن القومي، وهم ملتزمون بهذا الأمر؛ لأن من يدير هذه الإذاعة من مستوى (لورد) فما فوق وكلهم مثقفون ثقافة عالية ويعرفون ما يقدم وما لا يقدم.
• هل يقودنا هذا الأمر إلى ضرورة الإسراع في خصخصة الإعلام الرسمي لحلحلته من القيود والتقليد؟
ــ أنا أميل إلى هذا ولكن من سيدير هذا الإعلام، وهل خصخصته تعني أن نتركه مجالا للخصومات الشخصية، خصوصا أن أدبياتنا في العالم العربي تركز على الجوانب الشخصية، ولذلك فوجود وزير معين يسد أبواب هذه الخصومات.
• لكنك ما زلت مع الاتجاه الذي يطالب بإخراج تلفزيوننا من عزلته؟
ـــ التلفزيون السعودي أصبح له منافسون خطرون، ولابد أن يتطور لأجل المحافظة على المشاهد المحلي على الأقل لكي لا نتركه فريسة لهذه القنوات.
• تقصد أن يتنازل؟
ـــ بشرط ألا ينعتق من القيم التي نحافظ عليها كبلد رسالة؛ فنحن نقدم نموذجا للعالم ولكن لا ينبغي لنا أن نتشدد أكثر من اللازم؛ لأننا نخسر بذلك مواقف كثيرة ونفقد المشاهد أيضا.
العسكري تحدث بألم عن سنوات تسوله التبرعات لصالح منظمة إذاعات الدول الإسلامية، وقال مختصرا مسافة التعبير: «لو تبرعت الدول الأعضاء بقيمة حفلة ساهرة لسارت سفينة المنظمة إلى الشاطئ الذي تريد».. حواري بدأ بحديث الشقاوة والترحال ليمسك بتلابيب شخصية عصامية واستقر على أبواب التقاعد وعتبات سن الـ90 لرجل ما زال إلى اليوم يتكئ على أعضاء حفظها في الشباب فحفظته في الكبر ليقدم برنامجه الإذاعي الأشهر «خبر وتعليق» منذ 40 عاماً.
عشت متنقلا مثل البدو الرحل مع والدي من مكان لآخر؛ تبعا للقمة العيش، فقد ولدت في تبوك، وعشت فترة في الأردن، فيما كان والدي يعيش في مدينة يافا الفلسطينية، حيث كان يتاجر في المواشي التي كانت تجارة رائجة في تلك الفترة بعد أن ترك عمله في وزارة المالية التي كانت الوزارة الوحيدة في البلاد في تلك الفترة ووزيرها الشيخ عبدالله السليمان -رحمه الله- أول من حمل لقب وزير بعد أن ساهم مع عدد من الرموز في تخطيط الأنظمة المالية والإدارية للدولة؛ ومنهم محمد سرور الصبان وعبدالرزاق هنداوي وعبدالعزيز جميل وأحمد لاري -رحمهم الله جميعا-. في الصف الثالث الابتدائي انتقلت أسرتنا إلى حي ريع الرسام مع والدتي وجدتي لوالدي وأخ وأخت في سن الطفولة، فيما كان والدي عام 1948م يهرب ضمن من هرب من الفلسطينيين إلى الأردن بعد دخول اليهود، فاستقر به المقام لدى أسرة (الكبارتة) التي أكرمتهم وآوتهم، وحصل على الجنسية الأردنية والتحق بقوات البادية ثم انتقل للعمل في دائرة أعمال الشريف شاكر (ابن عم الشريف عبدالله بن الحسين) وحين استقر به المقام استدعانا للعيش معه هناك فالتحقت بالمدرسة، حيث حصلت على شهادتي الابتدائية والمتوسطة، لكنني في هذه الفترة ألححت على الوالد برغبتي في الحصول على حفيظة نفوس فاستجاب لرغبتي فتوجهت إلى تبوك وحصلت على التابعية، ولصعوبة الحصول على وسيلة نقل للعودة إلى الأردن، حيث كانت سيارة واحدة تعمل بين تبوك ومدينة عمان، ويتأخر حضورها انتظارا لتجمع المسافرين فقد نزلت في ضيافة الشيخ محمد صالح الوكيل، أمين جمارك ومالية تبوك، وكانت تربطه صداقة بوالدي؛ وهو من أسرة كريمة معروفة في مدينة الوجه، وخلال فترة وجودي في مدينة تبوك ذكر لي صديق أن جمرك تبوك توجد فيه وظيفة (مبصر) -وهو الذي يجدول البضائع التي ترد إلى الجمرك تمهيدا لترسيمها- وبراتب 300 ريال فتقدمت إلى الوظيفة؛ ولأنني أحمل الشهادة الابتدائية مع دبلوم في المحاسبة وطباعة الآلة الكاتبة فقد تم تعييني فورا، فكتبت للوالد بذلك فوافق على بقائي في تبوك، لكنني ضقت بحياة الوحدة بعد مدة قصيرة، فعدت إلى عمان ولم أعد إلى تبوك مرة أخرى، حيث أرسلت اعتذارا إلى الشيخ محمد الوكيل وبقيت مع الأسرة في عمان حتى عدنا إلى المملكة عام 1374هـ ونزلنا في ضيافة شقيق والدي في تيماء وبقيت بلا عمل لفترة حتى عرض علي مدير مدرسة تيماء العمل مدرسا؛ لوجود وظيفة شاغرة فوافقت كسرا للفراغ واستمررت في التدريس فترة، لكن هاجس رغبتي في إكمال دراستي كان مسيطرا علي، لذلك طلبت من جدتي لوالدي أن تسمح لي بالانتقال إلى المدينة المنورة لإكمال الدراسة، ولأنها كانت -رحمها الله- شديدة التعلق بي لأنني حفيدها الأول، وافقت على مضض، فذهبت إلى المدينة المنورة وعملت في مدارسها، وكان اسم (معتمدية المعارف) قد تغير إلى المديرية العامة لتعليم منطقة المدينة المنورة برئاسة الأستاذ عبدالعزيز الربيع (الأديب والمفكر المعروف) -رحمه الله- ولأن دافعي إلى الانتقال إلى المدينة المنورة كان إكمال تعليمي فقد التحقت منتسبا في الدراسة الثانوية في مدرسة طيبة التي كان يديرها المربي الفاضل الشيخ أحمد بشناق، وكانت عملية تطبيق السنوات الثلاث في سنة واحدة نظاما سائدا فواصلت الدراسة إلى جانب عملي في التدريس بعد أن دخلت في اختبار الكفاءة المتوسطة وحصلت عليها، ولأن المنهج الثانوي في تلك الفترة يتضمن دراسة اللغتين الإنجليزية والفرنسية فقد وجدت صعوبة خاصة في اللغة الفرنسية التي كان يشكو منها الجميع، فطلبت من الأستاذ عبدالعزيز الربيع أن أكمل دراستي في المعهد العلمي الذي لا يوجد فيه غير اللغة الإنجليزية، وكان لي ما أريد، وأذكر من زملائي في المعهد الأخ محمد مشيّخ والأخ يوسف كاظم -رحمه الله - وقد أصبحا زميلين لي في الإذاعة فيما بعد- والدكتور عبدالرحمن الأنصاري وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم. وفي اليوم الأول لدخولي اختبار الكفاءة المتوسطة انتقل والدي إلى جوار ربه في حادث سيارة بالقرب من قرية مستورة في شهر صفر من عام 1376هـ، وكانت تلك المأساة نقطة تحول في مسيرة حياتي الوظيفية فطلبت من عبدالعزيز الربيع أن أستقيل من عملي في إدارة التعليم التي انتقلت إليها لاحقا من مجال التدريس، لرغبتي في عدم البقاء في الأماكن التي تذكرني بوالدي وتوجهت إلى جدة، وكنت لا أعرف فيها أحدا باستثناء قريب كان يعمل في لجنة الاستيراد التي شكلتها الدولة بعد المتاعب المالية المعروفة لتضبط شؤون الاستيراد وتأمين العملة الصعبة للتجار، وكانت وجهتي نحو إدارتين؛ وزارة الخارجية أو الإذاعة التي اهتم بمتابعتها وإشباعا لهوايتي في مجال القراءة، وتراجعت عن العمل في الخارجية عندما تذكرت والدتي وإخوتي الصغار وكيف لي أن أتركهم إذا نقلتني الخارجية للعمل خارج الوطن.. فركزت اهتمامي على الإذاعة وذهبت إلى صديق للوالد وزميل له في العمل عندما كان في الأحساء وهو الشيخ زكي عمر -رحمه الله- فكتب لي توصية إلى الشيخ عبدالرحمن الشيباني (مدير عام الإذاعة في المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر) حيث تم تعييني محررا في إدارة الأخبار ولم يكن بها في تلك الفترة الا ثلاثة محررين؛ أحدهم سعودي والآخران من الإخوة الفلسطينيين الذين سبق أن تعاقد معهم الشيخ عبدالله بلخير في بيروت، إلى جانب بعض الإخوة من لبنان ومصر في مجال الإعداد والإخراج والتقديم، وكان الجميع على مستوى عال من الحرفية المهنية؛ لأن الواحد منهم كان يعمل إما في إذاعة بلده أو في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص، وهي إذاعة تابعة لبريطانيا وجرى إغلاقها بعد العدوان الثلاثي على مصر وهكذا انطلقت مسيرتي مع الإذاعة.
• كيف بدأت علاقتك بالتعليق السياسي؟
ــ بدأت بكتابة التعليق السياسي في فترة متقدمة جدا؛ عندما كان مقر الإذاعة في طريق المطار، وأصبح الشيخ جميل الحجيلان مديرا للإذاعة والتلفزيون، والقصة تستحق أن تذكر لتبين تكافل المجتمع مع بعضه البعض في تلك الفترة على عكس ما نعيشه الآن؛ فقد تقدم للعمل معنا اثنان من الإخوة السعوديين وشعرنا بحاجتهما للعمل، ولكن لأننا كنا في نهاية العام المالي للميزانية فلم تكن هناك مخصصات لهما فقررنا أنا وصديق آخر بالتنسيق مع الإدارة أن نساعدهما بأن نكتب تعليقا سياسيا على أن تذهب مكافأة الكتابة التي تبلغ 30 ريالا لتوزع على الشخصين، فكنا نستلم المبلغ ونسلمه للزملاء الجدد لمدة سنة تقريبا، إلى أن جاء قرار تعيينهما كموظفين في الإذاعة رسميا.
• متى كتبت أول تعليق سياسي؟
ــ في الفترة التي كانت فيها خلافات عبدالناصر مع المملكة متصاعدة، كان هيكل يوجه لنا برنامجا اسمه (بصراحة) مليئا بالخروج عن الأداب السياسية، فحدث اجتماع في الإذاعة تم فيه إقرار الرد على هيكل وعبدالناصر، وكنت أول من كتب تعليقا في هذا المجال وهاجمناه -للأسف- هجوما مرا، وطالبناه إن كان يملك الشجاعة أن يخرج القوات الدولية الموجودة في جزيرتي سنافر وتيرانا في البحر الأحمر التي كان يحتمي بها من اليهود وهو يقول إن كان -كما يقول- لديه أقوى جيش وضغطنا كثيراً في هذا الاتجاه ، وعرفنا من المقربين له أنه كان يهتم بتعليقاتنا كثيرا وتأثر بها فارتكب قرار سحب القوات الدولية التي غادرت صباحا، فاستغلت إسرائيل الفرصة بترتيب أمريكي واكتسحت سيناء بعد الظهر بقيادة شارون وموشي دايان وزير الدفاع حتى وصلوا إلى ضفاف قناة السويس وكانت لديهم النية للدخول إلى الضفة الأخرى لولا خوفهم من العمق الجماهيري للسكان.
• توقفتم عن المساجلات الإذاعية بعد ذلك؟
ــ التوقف حدث بعد نكسة 67، فقد وجدنا أنه من الصعب أن يشمت الإنسان بأخيه مع أنهم كانوا يستخدمون ألفاظا مقززة، ولكن حكمة الملك فيصل احتوت هذا الأمر؛ لدرجة أن القادة العرب في مؤتمر الخرطوم انبروا لمحاسبة عبدالناصر على أخطائه التي ارتكبها، مما أبكاه كثيرا، فكانت وقفة الملك فيصل دلالة على الكرم والنبل عندما قال: كلنا مسؤولون عما حدث. وفتح باب التبرعات لإنقاذ مصر من هذه الكارثة، ومن حضر الجلسة السرية قال بأن الرئيس عبدالناصر قام فسلم على رأس الملك فيصل.
• هل استعنتم بأحد من خارج الإذاعة لكتابة التعليق؟
ــ عزيز ضياء -رحمه الله- التزم معنا لفترة طويلة ثم علي فدعق لفترة بسيطة أيضا.
• استخدمتم أيضا الممثل عباس أبوشنب، المعروف بأبوخداج، لإضفاء الحس الشعبي على الموقف من عبدالناصر؟
ــ أبوخداج -رحمه الله- كان قديرا في الكتابة الشعبية، ويعمل مدرسا في مدرسة الفلاح في جدة، وقام بدور كبير في مقابل المسلسلات الدرامية التي كانت تنتج من قبل الإذاعة المصرية في تلك الفترة للهدف نفسه.
• هل نستطيع أن نقول إن الإعلام قد تسيس بعد هذه الأحداث؟
ــ الإعلام أصله سياسة، لكنه أصبح مسيسا بشكل قوي خلال تلك الفترة.
• كيف تعاملتم مع أزمة الفراغ الوظيفي التي أحدثها استدعاء العاملين الأجانب في الإذاعة في تلك الأزمة؟
ــ أكثر من 80 في المائة من العاملين في الإذاعة كانوا أجانب، واستطعنا تعويض غيابهم بالاستعانة بكفاءات من السودان وسورية.
• ما أفضل ما كتبت من تعليقات طوال مسيرتك الإعلامية؟
ــ كلهم أبنائي، كما يقولون، ولكن أفضل ما كتبت من جودة وكنت حريصا عليها بعد استشهاد الملك فيصل -رحمه الله- ثم ما كتبته في رثاء الملك خالد أيضا -رحمه الله-.
• ترأست عددا من الوفود الإعلامية مع الملك فيصل وخالد وفهد -رحمهم الله- فكيف كنتم تتواصلون مع الأحداث في ظل عدم وجود وكالات أنباء تلك الفترة؟
ــ سافرت لأول مرة مع الملك فيصل ضمن الوفد الإعلامي، وكنت محررا للأخبار في زيارته لباكستان، وفي تلك الفترة لم تكن لدينا وكالات أنباء أجنبية، فكنا نعتمد على قسم الاستماع في الإذاعة الذي يرصد لنا ما تقوله الإذاعات الخارجية باللغة العربية، ويرسل لنا نسخة في قسم الأخبار ونسخة أخرى إلى الديوان الملكي، ثم بدأنا بعد ذلك في الاشتراك تباعا في وكالات الأخبار؛ بدءا من الأسيوشيتدبرس ثم اليونايتدبرس ثم رويتر.
• متى شعرت بقوة الإعلام في ظل معايشتك لخمسة وزراء على مدى 33 سنة؟
ــ الكل كان كفؤا وحريصا على هذه المسألة، لكن الرجل البارز في هذا الجانب هو الشيخ إبراهيم العنقري بحكم صلته بالدوائر العليا؛ فقد كان سكرتيرا للملك فهد عندما كان وكيلا للوزارة واستمر معه الى أن توفي -رحمهما الله جميعا-، ومن هنا كان له ثقله في اتخاذ القرارات الحاسمة والصائبة دون أن يحاسبه أحد.
• وهل تغير سقف الحرية الاعلامية للأفضل؟
ــ سقف الحرية في السابق فرضته الظروف السياسية، ولكن لم تأتنا ملاحظات إلا في مجال البرامج الدينية فقط، وكنا حريصين على البعد عن المشاكل، خصوصا في الفترة الحرجة التي تولى فيها الشيخ إبراهيم العنقري -رحمه الله- الوزارة وكان قديرا في التوازن بين ما تريده المملكة وما يريده الآخرون، أما البرامج السياسية فكنت حريصا عليها بشكل شخصي ولم أدع كلمة تفلت بحكم مسؤوليتي المباشرة عن هذا الأمر، ويظل سقف الحرية الآن أكبر بكثير مما كان عليه في السابق.
• من خلال تجربتك الطويلة في الإذاعة، لماذا يتكرر التغيير في الإذاعة مع قدوم كل إدارة جديدة ولو على حساب المستمع؟
ــ لعلي لا أطعن في الزملاء، ولكن المشكلة في الأخلاق العربية وليست في الإذاعة السعودية، فنحن لا نحترم أدبيات الآخرين، وهذه طبيعة في الإنسان العربي الذي يعتقد أنه يمتلك الصواب وغيره الخطأ، فحينما يأتي إلى المنصب يحاول بزعم التغيير إلى الأفضل فيعثر في طريقه فيكون التغيير إلى الأسوأ، والفكر العربي ما زال يسيطر عليه هاجس أنني أملك المعرفة وغيري لا يملك شيئا فيريد أن يعلم الآخرين بينما هو في حاجة لأن يتعلم.
• واجهت مواقف معينة أثناء إدارتك لإذاعة جدة؟
ــ عانيت كثيرا وكنت أتغلب على هذه الهموم بشكل شخصي، ولا شك أن بعضها شكل في نفسي عامل إحباط، ولكنني حاولت السيطرة على الموضوع بمساعدة الزملاء وفي مقدمتهم حسين نجار ومحمد الشعلان -رحمه الله- ومطلق الذيابي (الأديب والموسيقار) -رحمه الله-؛ فواحد لديه برنامج ناجح لماذا نسلبه منه ونعطيه لشخص آخر بعد أن عرفه الناس وفهموا لغته، إذ في هذا جناية على المستمع.
• الغريب أن الاذاعة في تلك الفترة كانت تزخر بأطياف من الأدباء والمثقفين على عكس الآن؟
ــ بلدنا ولَّادة والحمد لله ولم يتوقف رحم المعرفة، لكن مشكلة الإذاعة هي المكافآت؛ وعندما تأتي بأديب كبير فيجب أن تعطيه شيئا يتناسب مع قيمته وإلى الآن المكافآت تعيسة لدرجة أن المحدث يأخذ على حديثه إلى الآن ما بين 150 إلى 200 ريال؛ بمعنى أنه يأخذ 600 ريال على أربعة أحاديث في الشهر، لا تساوي في مجملها الجهد الذي يبذله في المجيء والعودة، فالمكافأة هي التي عطلت هذا الجانب وإلا فبلادنا مليئة بالكتاب الكبار والأكاديميين، بل إن مساحة المعرفة اتسعت في بلادنا لكن هناك طرقا مجزية وأكثر ربحا وفائدة من الإذاعة، والأمل في الدكتور عبدالعزيز خوجة، ابن هذه المؤسسة الإعلامية الذي يحاول الآن أن يستصدر من مجلس الوزراء السماح للإذاعة بالإعلان لتستثمر هذه المداخيل بدلا من ذهابها إلى وزارة المالية، كما كان يحدث في السابق من باب أن هذا دخل عام، بل الخطوة الأكبر هي توظيف الإعلان في القنوات الجديدة لصالح هذا التوجه الجاذب للكوادر والرجل توجهه إصلاحي وأتمنى له التوفيق.
• بصراحة.. إلى أي مدى تأثرت الإذاعة بالمذيع الموظف في السنوات الـ20 الأخيرة؟
ــ أنا في رأيي أنه لابد أن يكون للمذيعين كادر خاص لارتباطهم الدائم بالعمل على مدى الـ24 ساعة، ولا يمكن أن تأتي به موظفا في الدرجة الخامسة أوالسادسة وبراتب أربعة أو خمسة آلاف ريال، فهذا لن يعطيك شيئا حتى لو كان خريج جامعة في ظل العروض المغرية التي تحيط به من كل اتجاه وبأضعاف مضاعفة لما يأخذه في الإذاعة السعودية، وياليتنا نأتي بكفاءة عالية أيضا فهنا تصبح المشكلة أكبر وهو ما يحدث حاليا.
• ولهذا نجح جيل الهواية على الاحتراف، إن صح لنا أن نقول ذلك؟
ــــ جيل بدر كريم ومحمد الشعلان ومطلق الذيابي تغلبت عليهم الهواية ولم تكن المادة هدفهم الأساسي، فتجاوزوا غيرهم بمراحل وبرزوا بدافع الحب، وما زال هذا الأمر موجودا لدى البعض خصوصا عبدالله الشائع الذي يحرص بعد توليه إدارة الإذاعة على أن يطبق معايير معينة للنجاح لكن ما بيده حيلة، ولك أن تتصور أن مدير عام الإذاعة لا يستطيع أن يوقع سندا بمائة ريال؛ فالمكافآت يعد بيانها وجداولها وترسل إلى الرياض للشؤون المالية في الوزارة، ولو حدث أي خطأ تعاد المعاملة كاملة إلى مصدرها وهكذا تدور في حلقة مفرغة، والمسألة ليست متعمدة للتعطيل، لكنها تمثل الفارق بين عقلية الرجل الإداري المالي وعقلية الأديب والمفكر.
• ألم يكن مطبقا في السابق نظام السلف المستديمة؟
ــ كان موجودا وانتهى العمل به، فعلى أيامي كانت السلفة في حدود خمسة ملايين ريال، فكنا نصرف فوريا مكافآت الضيوف والعاملين في مختلف البرامج.
• أليس هناك في الأفق برامج لتطوير مستوى المذيعين؟
ــ هناك نية لدى الوزير لإنشاء معهد لتطوير الكفاءات الإذاعية.
• الغريب أن الإذاعة لم تستفد من جهود إذاعيين عصاميين مثل علي بعداني مثلا؟
ــ علي بعداني بدأ ممثلا في الإذاعة وكان من الأكفاء، وبحكم لغته العربية الجيدة جدا تحول إلى قارئ نشرات ومثله أيضا عبدالرحمن حكيم -رحمه الله-، والمشكلة ليست في إعطاء الفرص المعنوية فقط، بل يجب أن يكون للدافع المادي دوره أيضا، ولم يعد ينفع أن تقول للشخص بأنك بارز وجيد فاكتب لنا برنامجا وقدمه دون مقابل، ومما يؤسف له وجود برنامج بغيض في الإذاعة فالكاتب الخارجي يعطى 200 ريال على كتابة البرنامج بينما لو كتبه كاتب من داخل الإذاعة فيعطى 100 ريال على ضوء نظام وزارة المالية وتطلب منه بعد ذلك أن يكون جيدا ومبادرا. لا يمكن هذا.
• في السياق نفسه لم تستفيدوا أيضا من خريجي كليات الإعلام؟
ــ للأسف، إن كل معارفهم نظرية، ولا يهم أي شاب منهم سوى عبور المرحلة ولو سألت أي واحد منهم عن رئيس وزراء فرنسا فلن يعرفه هذا إذا عرف أين فرنسا أصلا.
• وهذه مسؤولية من؟
ــ مناهج قسم الإعلام في الجامعة هي ما تحتاج إلى تغيير؛ لأنه لم يحرص على تثقيف الخريجين ثقافة سياسية وكأن السياسة (جرب)، مع أن كل إنسان مطالب اليوم بمعرفة حقوقه؛ بدءا من الطفل ومرورا بالمرأة وانتهاء بالرجل، وهذا الأمر ليس كرما من أحد بل هو كلام دعا إليه الملك عبدالله -حفظه الله- عندما قال: نريد مواطنا يفهم حقوقه لا جاهلا بها.
• هل أستطيع القول إنه لا يوجد في الجيل الجديد في الإذاعة من يكتب التعليق السياسي، كما كنتم تفعلون في السابق؟
ــ لا أريد ان أتكلم في هذا الموضوع لكي لا يقال إنني أمدح نفسي، لكن التعليق السياسي يحتاج إلى خلفية سياسية كبيرة، وأن يكون المعلق السياسي على دراية بأحداث العالم يوميا أولا بأول ومجريات الأمور، وأن يستمع للإذاعات الرئيسة في العالم كالـ(بي. بي. سي) و(صوت أمريكا) وصوت (برلين)، ومن الضروري أن يعرف من اللغات الحية حتى يطلع على أفكار الآخرين بلغتهم؛ لأن الترجمة لا تعطي المعنى الحقيقي الذي تريده. ومع الأسف لم أر أحدا حاول أن يؤهل نفسه لهذا الأمر ولو أرادوا لاستطاعوا.
• ما زال يشغلني كمستمع للإذاعة تساؤل عن أسباب تغييب الفرقة الموسيقية في الإذاعة التي شكلت علامة فارقة بين الإذاعات العربية؟
ــ هذه الفرقة وصلت أوج مجدها؛ عندما كان يرأسها الفنان الأديب مطلق الذيابي -رحمه الله-، ثم جاء من بعده سامي إحسان وهو رجل موسيقي وفاهم، لكن بدأ أي عمل تظهر فيه الحزازات والمنافسات الشخصية يتذمر منه، ومن العناصر التي دمرت الفرقة الموسيقية في الإذاعة الحساسيات، وكل يدعي أنه الجيد والأقدر وغيره ليس بجيد وهذه الفوقية في التفكير من أدبيات العالم العربي تحديدا ودمرت أشياء جميلة فيه.
• لماذا قلت بعد 12 سنة من عملك كأمين عام منظمة إذاعات الدول الإسلامية بأن الدول الأعضاء لو دفعت ثمن حفلة ساهرة لسارت أمور المنظمة؟
ــ المشكلة أن أعضاء المنظمة الذين يبلغ عددهم 52 دولة لا يدفع منهم الاشتراكات التي حددت نسبها منظمة المؤتمر الإسلامي لكل دولة إلا خمس دول فقط؛ من بينها المملكة والكويت والإمارات وعمان لعدم قناعة الدول الأخرى في المنظمة.
• على كذا، الله يعين الدكتور محمد صبيحي في ما تبقى من فترته.
ــ الدكتور صبيحي انتهت فترته ومنح مهلة مدتها ستة أشهر لتسليم الأمور للأمين القادم من دولة ماليزيا الذي تم تعيينه تجاوبا مع فكرة المداورة التي أبدتها الدول الأعضاء ولكن مع الأسف أنه لا يتحدث بالعربية.
• كأنك تشفق على من يتولى هذا الموقع؟
ــ المنظمة انتقلت بالكامل إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وأصبحت جزءا منها، والإعلام يحتاج إلى أموال الآن، ولو قارنا ميزانية المنظمة مع 12 إذاعة خاصة بالتنصير في الشرق العربي فإن ميزانية منظمة واحدة منها تساوي عشرة أضعاف ميزانية منظمة إذاعات الدول الإسلامية.
• إلى أي مدى استجديت الدعم للمنظمة خلال فترتك؟
ــ وصلنا إلى مرحلة أكثر من الاستجداء والتسول وواجهنا مشاكل لا حصر لها.
• وهل ما زالت الإذاعة جاذبة؟
ــ في ظل ظهور الإذاعات المرئية تأثرت المدن، أما سكان البوادي والأرياف فما زال للإذاعة جماهيريتها بينهم، لكنه وجود غير مؤثر لأن الاعتماد أصبح كثيرا على الصورة.
• بمعنى أن المنظمة لم يعد لها داع الآن؟
ــ لم يعد لها دور الآن ويمكن لها أن تنتقل إلى مرحلة أفضل لو كانت تملك محطة تلفزيونية، ولكن للأسف أن مشكلة التفرد ورغبة كل دولة إسلامية أن تخدم نفسها بنفسها هي السبب في هذا الواقع التعيس.
• البعض استغرب غيابك وعدد من الإعلاميين عن حضور ندوة تكريم الأستاذ عباس فائق غزاوي التي أقامها النادي الأدبي في مكة؟
ــ عباس غزاوي قيمة وهامة عالية في الإعلام السعودي وتعلمنا على يده الكثير، وقد حالت ظروفي الشخصية من الحضور وكنت حريصا على ذلك وقد طلبوا مني سيرة ذاتية فكتبتها لهم وقرئت في المناسبة.
• أيهما أفضل من خلال تجربتك الطويلة؛ المدرسة اللبنانية أم المصرية في الإعلام؟
ــ لكل مدرسة عناصرها؛ فالمصرية لها كتابها الكبار ولكن يغلب عليها ما قاله هتلر من أن المانيا فوق الجميع، أما اللبنانيون فأقرب إلى المدرسة الغربية؛ لأن الشعب اللبناني مطلع ومثقف وأسلوبهم يختلف في الكتابة ويغلب على برامجهم السياسية الوضوح والمصارحة.
• وكيف ترى مستقبل الإعلام؟
ـــ في العالم المتقدم لا توجد وزارات، ففي بريطانيا وأمريكا توجد إدارة الإعلام في وزارة الخارجية، وتتلقى تعليمات وبيانات من المسؤولين لبثها وتوزيعها، أما الإعلام فحر وأكثر حرية في بريطانيا؛ فالـ(بي بي سي) من أكبر إذاعات العالم ولها مجلس إدارة خاص بها ولا تتلقى أي توجيه من الدولة إلا ما يعني الأمن القومي، وهم ملتزمون بهذا الأمر؛ لأن من يدير هذه الإذاعة من مستوى (لورد) فما فوق وكلهم مثقفون ثقافة عالية ويعرفون ما يقدم وما لا يقدم.
• هل يقودنا هذا الأمر إلى ضرورة الإسراع في خصخصة الإعلام الرسمي لحلحلته من القيود والتقليد؟
ــ أنا أميل إلى هذا ولكن من سيدير هذا الإعلام، وهل خصخصته تعني أن نتركه مجالا للخصومات الشخصية، خصوصا أن أدبياتنا في العالم العربي تركز على الجوانب الشخصية، ولذلك فوجود وزير معين يسد أبواب هذه الخصومات.
• لكنك ما زلت مع الاتجاه الذي يطالب بإخراج تلفزيوننا من عزلته؟
ـــ التلفزيون السعودي أصبح له منافسون خطرون، ولابد أن يتطور لأجل المحافظة على المشاهد المحلي على الأقل لكي لا نتركه فريسة لهذه القنوات.
• تقصد أن يتنازل؟
ـــ بشرط ألا ينعتق من القيم التي نحافظ عليها كبلد رسالة؛ فنحن نقدم نموذجا للعالم ولكن لا ينبغي لنا أن نتشدد أكثر من اللازم؛ لأننا نخسر بذلك مواقف كثيرة ونفقد المشاهد أيضا.