الانتخابات البريطانية

صالح عبدالرحمن المانع

ظهرت الانتخابات البريطانية هذا العام بشكل مختلف عما كانت عليه من قبل، فلأول مرة يتعرض النظام الانتخابي البريطاني الذي كان قائماً منذ زمن طويل على نظام الحزبين الرئيسين إلى هزة عميقة، قد تحوله إلى نظام الأحزاب الثلاثة على النمط الألماني، وتجبر الساسة البريطانيين على تبني قيام حكومات ائتلافية بدلا من حكومة الحزب الواحد الذي يمثل الأكثرية النيابية.
وليلة الانتخابات، وهو الوقت الذي كتب فيه هذا المقال، أشارت معظم استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب المحافظين بنسبة 35 في المائة، ويلحق به حزب العمال بـ29 في المائة، ويلحق بهما الحزب اللبرالي الديموقراطي بـ 27 في المائة، بينما تأتي الأحزاب الوطنية للمقاطعات الاسكتلدنية والويلزية بنسبة 9 في المائة. وهذا يعني أن أياً من هذه الأحزاب الثلاثة لن يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان البالغة 650 مقعداً. ويشكر الحزب اللبرالي الديموقراطي الذي كان مهمشاً طيلة حياته الاتجاه الإعلامي الجديد للانتخابات البريطانية الذي أتاح ولأول مرة للناخبين التعرف عن كثب على توجهات رؤساء الأحزاب الرئيسة عبر مناظرات تليفزيونية ثلاث ظهر فيها زعيم الحزب اللبرالي الديموقراطي الشاب (نك كليج) كزعيم سياسي يقارع الأحزاب الرئيسة وينتقد هيمنتها على المسرح السياسي لأكثر من قرن. ويبرز نفسه وحزبه كوحدة جديدة يمكن للناخبين الوثوق بها وتنصيبها كحزب جديد يحكم البلاد.
والحقيقة أن هذه المناظرات قد أظهرت رئيس الوزراء (جوردون براون) كزعيم سياسي منهك، وغير قادر على قيادة حزبه بعد ثلاثة عشر عاماً من احتكاره للسلطة، وسيظهر أن إعلانه المفاجئ لهذه الانتخابات قبل شهر واحد لم يكن في النهاية قراراً حكيماً خاصة إذا ما خسر حزب العمال سيطرته على السلطة، وذهب السيد (براون) إلى قارعة الطريق.
ولعل أهم موضوع نوقش خلال الحملة الانتخابية هو الوضع الاقتصادي والبطالة خاصة في صفوف الشباب، كما دعا رئيس الوزراء براون إلى إصلاح دستوري يقلص من حجم مجلس اللوردات ويجعله منتخباً، مثله في ذلك مثل مجلس العموم. بينما ذهب الحزب اللبرالي الديموقراطي إلى أبعد من ذلك، حين طالب بتبني دستور مكتوب، بدلا من القواعد الدستورية والأحكام القضائية التي تعد بمثابة قاعدة للدستور البريطاني الحالي غير المكتوب.

وبينما تتطلع الأحزاب البريطانية الثلاثة إلى إصلاح مجلس اللوردات، فإنهم يتفقون كذلك، بدرجات متفاوتة على تقليص حجم مجلس العموم، وأن يصل هذا التقليص إلى 150 عضواً، بدلا من العدد الحالي البالغ 650 مقعداً، كما تتفق هذه الأحزاب على ضرورة تقليص دور (اللوبي) الاقتصادي والسياسي في الحياة السياسية والبريطانية، وتطهير العمل السياسي من بعض الانحرافات الطارئة عليه.

أما في مجال السياسة الخارجية، فتتفق الأحزاب الثلاثة على ضرورة إيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية يعتمد حل الدولتين، ويذهب برنامج حزب اللبراليين الديموقراطيين إلى ضرورة بذل ضغوط سياسية بريطانية وأوروبية لرفع الحصار المضروب على قطاع غزة. وفي الموضوع الأوروبي، يبدو أن حزب المحافظين هو أكبر الأحزاب تاريخياً من ناحية معارضته لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، أما وقد تحققت هذه العضوية، فإن هذا الحزب يعارض تبني بريطانيا للعملة الأوروبية الموحدة، بينما لا يعارضها كل من الحزبين الآخرين، على أنهما ليسا في عجلة من أمرهما، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يعاني اليوم من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وأزمة ديون اليونان، وغيرها من تبعات ديون الأعضاء الجنوبيين في الاتحاد.
وبينما يدعم كل من حزبي العمال والمحافظين عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، فإن الحزب اللبرالي الديموقراطي، يبدو غامضاً في هذا الشأن. وتتفق هذه الأحزاب الثلاثة على تخصيص 0.7 في المائة من إجمالي الدخل القومي البريطاني للمساعدات الخارجية بحلول عام 2013. كما تتفق جميع هذه الأحزاب في موقف يعارض امتلاك إيران للسلاح النووي.
وتتفق الأحزاب الثلاثة، خاصة في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بريطانيا، على ضرورة الحد من الهجرة الأجنبية وقصرها في أضيق الحدود على ذوي الخبرات والذين يمكن أن يستفيد المجتمع والاقتصاد البريطاني من وجودهم. كما يتفق كل من حزبي المحافظين والعمال على دعم الحرب والتدخل البريطاني في العراق وأفغانستان، بينما يقف الحزب اللبرالي الديموقراطي ضد هذه الحروب، ويدعو إلى صيغة سلام تنهي الحرب الأفغانية، وتسمح بسحب القوات الأجنبية منها، وبينما يدعو حزب المحافظين إلى المحافظة على مستوى الانفاق الدفاعي البريطاني الحالي، يذهب الحزبان الآخران إلى تقليص الاتفاق الدفاعي، خاصة على برامج تطوير بدائل لغواصات ترايدنت النووية.
وفي النهاية، فإن هذه الانتخابات ستظهر مدى قدرة بعض المرشحين المستقلين ذوي الأصوات المستقلة والقوية والتي ساندت القضايا العربية من قبل، مثل جورج جالاوي والسيدة سلمى يعقوب، المنحدرة من أصول باكستانية على البقاء في الحلبة السياسية لفترة طويلة، دون الاعتماد على دعم الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد.