عبد الله علاء الدين .. العمر في رحاب الطوافة

غابوا عنا

عبد الله علاء الدين .. العمر في رحاب الطوافة

ماجد المفضلي ـ مكة المكرمة

غيب الموت المطوف رئيس مجلس إدارة الهيئة التنسيقية لأرباب الطوائف ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبــا وأمـــريكــا عبد الله علاء الدين قبل 16 يوما فقط من دخول رمضان، لتنطوي صفحة من صفحات أعلام مهن الطوافة في البلد الحرام وقيادي بارع، اكتسب خبرة تراكمية خلال 50 عاما أمضاها متنقلا بين استقبال ضيوف الرحمن وتطويفهم حول الكعبة المشرفة، وتولى مناصب إدارية مكنته من صقل موهبته فأصبح ذا دراية.
50 عاما في المهنة
توقف قلب رئيس الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف ورئيس مؤسسة حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا المطوف عبد الله علاء الدين عن النبض عند العاشرة صباح يوم الاثنين الموافق 14 شعبان من العام الحالي 1431هـ إثر سكتة قلبية مفاجأة داهمته في منزله، وشعيت جموع من المطوفين وأهالي مكة جثمانه بعد الصلاة عليه في المسجد الحرام في مكة المكرمة ودفن في مقابر المعلاة وسط موجة حزن سادت مكة بأكملها كونه أحد الرموز في مجال خدمة ضيوف الرحمن، فالفقيد شخصية مكاوية معروفة بالطيب والحكمة والعمل على خدمة ضيوف الرحمن منذ أكثر من 50 عاما، حيث بدأ حياته موظفا في الخطوط السعودية وبعد تقاعده المبكر منها تفرغ للعمل في مؤسسات الطوافة من خلاله عضوية مجلس إدارة مؤسسة حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا منذ عام 1407هـ ومتنقلا فيها بين عدة مهمات إدارية حتى استقر به المقام رئيسا للمؤسسة منذ ذلك الوقت حتى وافاه الأجل، حيث نقل المؤسسة وخلال هذه الحقبة إلى نقلة نوعية في الأداء وتطوير الخدمات المقدمة للحجاج وتطويع التقنية، وهذا ما رشحه إلى تسنم رئاسة الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف منذ عشر سنوات، حيث عمل فيها إلى جانب مهام عمله في مؤسسة تركيا، وبعد فراقه بنحو أسبوعين سارع زملاؤه في مجلس إدارة المؤسسة إلى تخليد ذكراه من خلال افتتاح قاعة في المؤسسة تحمل اسمه جزاء ما قدم للمؤسسة ومنسوبيها.
يقول عنه وكيل وزارة الحج المساعد عادل بلخير إن هم الراحل الأول كان تحقيق مصلحة الحج، إذ كان دائم التأكيد على «أن على مؤسسات الطوافة ووزارة الحج حقوقا تجاه الحاج، وفي المقابل ليس على الحاج حقوق بل له علينا واجبات كثيرة ومن حقه علينا أن نقدم له الخدمة ليؤدي مناسكه بكل يسر وسهولة وطمأنينة».
ويشير بلخير إلى أن عبد الله علاء الدين كان حريصا على تدريب المطوفين لإثبات قدراتهم على مواكبة تطلعات العصر، حيث يؤكد على ضرورة أن يكون المطوف على دراية وعلم بكافة احتياجات الحجاج.
زملاء المهنة
يؤكد رئيس الهيئة التنسيقية الحالي فايق بياري أن الفقيد منذ أن تسنم أمانة الهيئة التنسيقية عام 1416هـ وهو يعمل في مجموعة واحدة متكاملة يبحث عن مصلحة الحجاج ليضعها ضمن أولوياته، وكان الراحل نشطا يتوقد ونهر عطاء يتدفق وروحا عامرة بكل الحب والصفاء يحمل الخير للجميع، عرفته منذ ما يقارب 35 عاما فلم أجده إلا رجلا في كل صفاته وأعماله وإنجازاته تواقا للريادة والتميز والإبداع عشق الطوافة، حيث عمل فيها منذ نعومة أظفاره وكان يثري هذه المهنة بفكره النير وحسه المرهف وثقافته العالية، له إنجازات لا يستطيع أحد حصرها.
من جانبه، يرى رئيس مؤسسة الدول الأفريقية غير العربية عبد الواحد برهان سيف الدين، أن عبدالله علاء الدين يعد علما من أعلام مكة يتنفس عبير الحجاج، بدأ العمل في الطوافة صغيرا مع جده ومن ثم والده، وتولى مراكز استقبال الحجاج عندما كان عضوا في مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وعمل أكثر من عشر سنوات رئيسا للهيئة سخر وقته وجهده لخدمة مهنة الطوافة وبرحيله ترك فراغا كبيرا، كان ملما بالقرارات الوزارية وتاريخ مهنة الطوافة.
أما رئيس مؤسسة مطوفي حجاج جنوب شرق آسيا زهير سدايوا فقال «الفقيد علم من أعلام مهنة الطوافة وحين تولى مهمات رئاسة مجلس أرباب الطوائف بمنظومتها المتكاملة انبرى لهذه المهمات بكل كفاءة واقتدار، الجميع أحبه واحترمه واكتسب ثقته، كيف لا وهو ذو خلق جم وصفات قل أن تجدها مجتمعة في رجل».
في حين قال نائب رئيس مؤسسة مطوفي حجاج دول جنوب آسيا الدكتور رشاد محمد حسين أن ما يميز الفقيد أنه واسع الأفق قادر على احتواء كل خلاف يتمتع بأخلاق عالية قادر على استيعاب كل الآراء مهما كان الاختلاف يدعو طرح الرؤى والأفكار، وللأمانة فقد كان ناجحا في المهمات الموكلة إليه محبا لمهنة الطوافة، فهو شامخ في الإدارة والقيادة محنك نظير ما اكتسبه من خبرات في شؤون الطوافة والمطوفين.
الاجتماع الأخير
عضو مجلس الإدارة في مؤسسة تركيا المطوف وائل حلبي يروي تفاصيل الاجتماع الأخير الذي جمع الرئيس الراحل مع أعضاء مجلس الإدارة الذي استمر زهاء الخمس ساعات، الاجتماع عقد في المؤسسة قبل وفاته بنحو 12 ساعة، حيث بدأ في الساعة التاسعة واستمر حتى الواحدة فجرا يوم الأحد، وكان فيها الفقيد باسما حريصا على تقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن وكنا نناقش أجندة زيارة وزير الحج للمؤسسة التي كان مقررا لها بعد أسبوع والخطة التشغيلية لموسم الحج المقبل وميزانية المؤسسة وحقوق المساهمين فيها، ولم يبدو على الفقيد أي ملامح إرهاق أو تعب بل كان من المنتظر استكمال أعمال مجلس الإدارة ظهر اليوم التالي لكن القدر كان أقرب، حيث تلقيت اتصالا مفاجئا عند العاشرة صباح الاثنين ينقل لي خبر رحيله متأثرا بنوبة قلبية مفاجئة.
مسؤول العلاقات العامة في المؤسسة سامي اليامي وهو من المقربين للراحل فيقول «آخر عمل للراحل كان اجتماعه المطول مع أعضاء مجلس الإدارة وفي ذات الاجتماع ذكرهم بالموت وحثهم على التقرب إلى الله بالطاعات، وأكد لهم أن خدمة الحاج بأمانة وإخلاص من أفضل الإعمال الصالحة، وتحدث حتى أغرورقت عيناه بالدموع عن ضرورة أن يبادر كل واحد منا إلى التزود للآخرة لينال جنة عرضها السماوات والأرض، وكأنه بحديثه هذا يودع زملاءه ويوصيهم قبل رحيله».
أسرته واللحظات الأخيرة
كانت لحظات فراقه عصيبة للبعيد قبل القريب وبلغ حزن أسرته مبلغه وذرف أبواه وأشقاؤه وأبناؤه وأفراد أسرته الدموع على فراقه كيف لا وهو الابن الأكبر لأسرة مكونة من ستة أشقاء وبنتين، كان هو السند لهم في غياب والدهم الذي كان يعمل مسؤولا للغلال في الطائف، إذ إن الراحل عبد الله هو أكبرهم كما وصفه شقيقه طارق «رب الأسرة وطبيبا لآلامها مرهف الحس حسن الطباع، رغم التزاماته برئاسة مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا ورئيس الهيئة التنسيقية إلا أنه يحرص على مشاركة الأسرة في المناسبات الاجتماعية ويتفقد شؤون والده ووالدته بشكل مستمر وهو من رافق والدي في مرضه أخيرا، حيث أصيب بجلطة ويتابعه بشكل دقيق في تناول الدواء».
ويتذكر طارق اللحظات الأخيرة قبل فراق شقيقه عبد الله علاء الدين «كنت يوم الأحد في منزلي في مدينة جدة وكان الراحل لديه اجتماع، حيث يرأس لجنة تطوير مؤسسات أرباب الطوائف وبعد انتهائه من الاجتماع قدم لزيارتنا في المنزل وكنت حينها نائما فطلب من أبنائي عدم إزعاجي وأطمأن على صحتهم ثم غادر المنزل إلى مكة لحضور اجتماع المؤسسة في المساء، وفي اليوم التالي تلقيت اتصالا من ابنته تخبرني بأن الراحل يعاني من مرض شديد وطلبت منى الحضور وبعد مضي 20 دقيقة اتصلت لتخبرني بأنه فارق الحياة مضيفة أنه لم يكن يعاني من أي أعراض ولكنه بعد صلاة الفجر عاد لينام حتى الثامنة صباحا، لكنه استيقظ وهو يعاني من ارتفاع في السكر وأزمة قلبية مفاجئة حاولنا معها استدعاء الطبيب لكنه وصل ليؤكد لنا رحيله».
مسيرة العطاء
ولد المطوف عبد الله بن عمر علاء الدين في الشبيكة في مكة المكرمة عام 1374هـ، نشأ فيها متلقيا دراسته للمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس الفلاح، حيث تخرج منها والتحق في جامعة الملك عبد العزيز وحصل على درجة البكالوريوس، حيث التحق بعد ذلك بالحياة العملية وعمل في الخطوط السعودية مطلع عام 1398هـ وعلى مدى 32 عاما حتى تقاعده من الخدمة عام 1428هـ وتدرج في مناصب وظيفية حتى وصل لوظيفة مدير إدارة الأستاذ العام.
عاشق للطوافة
عشق مهنة الطوافة وسعى لتطويرها والارتقاء بمخرجاتها حتى أنه توفي وهو في ثورة عطائه، كان يحضر لنقلة نوعية تنظيمية في تاريخ مؤسسات أرباب الطوائف، حيث بدأ العمل في مهنة مطوف مع جده لوالده علاء الدين وهو في العاشرة من عمره وتدرج في العمل في خدمات الحجاج من توزيع إعاشة الحجاج إلى الاستقبال إلى تطويف الحجاج حول الكعبة المشرفة ومن ثم عمل لفترة طويلة في مركز استقبال الحجاج في الشميسي، ومن ثم التحق بعضوية مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا من عام 1407هـ وحتى 1415هـ فساهم مساهمة فاعلة في تفعيل المؤسسة حتى وصل نائبا لرئيس مجلس الإدارة آنذاك السيد جعفر شيخ جمل الليل وسانده في إدارة المؤسسة، وفي عام 1416هـ وحتى عام 1419هـ شغل منصب أمين عام الهيئة التنسيقية لأرباب الطوائف فاكتسب خبرات في مختلف مجالات الطوافة، وأيضا اكتسب خبرة إدارية ما مكنه من خطف قيادة مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأيضا منصب رئيس الهيئة التنسيقية لأرباب الطوائف من عام 1420هـ وحتى وفاته.