غازي القصيبي لم يمت ..!

إبراهيم عبدالله مفتاح

أعرف أن زاويتي لهذا اليوم تأتي في اليوم السادس من رحيل فقيد الوطن وفقيدنا جميعا الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي أي بعد أن أفرغت الأقلام حبرها وذرفت العيون دموعها وبلغ الأسى مبلغه من ذوي ومحبي فقيدنا الراحل إلى رحمة ربه إن شاء الله.
يقول فيلسوف المعرة أبو العلاء:
إن حزنا في ساعة الموت
أضعاف سرور في ساعة الميلاد
هكذا اختصر المعري لحظة رحيل الإنسان من هذه الحياة التي يبدأ العد التنازلي لنهايتها منذ الشهقة الأولى التي يلامس فيها جسده أرضية المهد بترفها ونعيمها أو بؤسها وشقائها.. هذه هي طبيعة الله في خلقه، ولكن التفاوت في الإحساس بوجود الإنسان –في دنياه– يكون مرتبطا بأثره الفاعل في مسيرته الحياتية.. هذه الخواطر طرقت بوابة ذهني منذ سماعي لنبأ رحيل الفقيد غازي القصيبي، خاصة عندما تواردت إلى ذاكرتي مسيرته الحافلة بالعطاء وما تفرد به من صفات شغلت الكثير من محبيه ومناوئيه بين هالات مضيئة بأسرجة الحب وبين نثار من الحسد الذي لا يسلم منه أي امرئ حتى ولو حاول العزلة في رأس الجبل على حد تعبير أحد الشعراء.
لن أتحدث هنا عن دبلوماسيته ولا عن شعره وأدبه وإبداعه الذي سبقني إليه الكثير، ولكني أتحدث عما أتيح لي –كما أتيح لغيري– من مشاهدة مباشرة لهذا الرجل على منصة إلقاء في أمسية شعرية أو على منبر محاضرة في قاعة فسيحة تضيق بعشاقه وبالمهتمين بفكره –من مختلف التوجهات– حين يغني تلك المناسبات بأطروحاته الفكرية، ويلهب تلك القاعات باحمرار تصفيق الأكف التي ينصت أصحابها لما يقوله ويتحدث به.. لكن المناسبة التي ما زالت عالقة بذاكرتي هو ذلك اللقاء المباشر بيني وبينه في مناسبة افتتاح مشروع كهربائي في منطقة جازان عندما كان وزيرا للكهرباء، وكنت أحد المدعوين في ذلك الافتتاح لأجدها فرصة أحشر فيها أنفي بين الصحافيين ورجال الإعلام وأوجه له سؤالا عما إذا كان التيار الكهربائي سيمتد من جزيرتي فرسان «البلدة» إلى بقية القرى التابعة لها، وهنا كان سؤاله لي مصحوبا بابتسامته المألوفة: وهل في جزيرة فرسان قرى؟.. وبدون تعقل أحسست أنه قد أثار في داخلي شعلة من الغيرة ضد جزيرة البحرين التي له فيها ذكريات وذكريات عبر عنها في إحدى روائعه «العودة إلى الأماكن القديمة» لأجيب عليه بعبارة حادة.. نعم في فرسان قرى عديدة.. إنها أكبر من جزيرة البحرين.. كنت –في ذلك– مدفوعا بمعرفتي حبه للبحرين.. وهنا أدرك الرجل فورة غيرتي فما كان منه –رحمه الله– إلا أن يغسل ثائرتي بابتسامة ودود وليشد على يدي بوعد –قطعه على نفسه– بأن يزور فرسان ويحيي فيها أمسية شعرية، لكن ظروف الرجل ومشاغله الكبيرة لم تمنحه الفرصة للوفاء بوعده، وها هي ورقته التي ملأت دنيانا اخضرارا تسقط من شجرة الحياة. لقد مات الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، ولكنه لم يمت.. لقد رحل عنا جسدا وبقي فينا أدبا وشعرا ودبلوماسية وجلائل أعمال.. غفر الله له وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله ومحبيه وعشاقه جميل الصبر والسلوان.

للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة