الفتوحات الإسلامية (7 /7)
الجمعة / 24 / رمضان / 1431 هـ الجمعة 03 سبتمبر 2010 22:45
سلمان بن فهد العودة
مصطلح الفتح الإسلامي أصبح متصلا بمبدأ القتال والتوسع في الهيمنة المادية.
بيد أننا لو رجعنا إلى اللفظ القرآني لوجدنا الفتح يعني نشر الدعوة والخير، والرسل كانوا يدعون ربهم (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) [الأعراف:89]. فالفتح فتح القلوب للهداية، وفتح العقول للمعرفة، وفتح المجتمعات للوعي والحوار والتغيير الإيجابي الرشيد، وهذا يمكن أن يتم بطرائق كثيرة، فالإعلام فتح، والتعليم فتح، وزوال المؤثرات السلبية فتح، والدعوة الصادقة فتح، ولكن هذا المصطلح ظل يتقلص حتى تم قصره على بعض أفراده، وصار رديفا للانتصار في المعركة العسكرية، واعتراه ما اعترى مفهوم الجهاد من التضييق ومفهوم الفقه ومفهوم العبادة.
وحين وعد الله رسوله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، كان الفتح مفهوما واسعا لانطلاقة الدعوة وزوال معوقاتها، وحين أخبر الله تعالى بأنه جاء نصر الله والفتح كان الفتح غير النصر، وكان من علاماته دخول الناس في دين الله أفواجا كما في آخر سور القرآن نزولا.
إن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كانت تحت مظلة شرعية واضحة، وهنا أذكر الحديث الذي في صحيح مسلم، وهو حديث بريدة رضي الله عنه: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أو جيشا أوصاهم، وقال في آخر الحديث: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكنِ اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهِم أم لا».
وفي قصة خالد بن الوليد لما تأول وقتل بعض الأسرى رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». مرتين. أخرجه البخاري. فهنا لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد قائد الجيش ويهمس في أذنه همسا أن ما عملته خطأ، لا بل أعلنها على الملأ، وتناقلها الرواة.
لقد قاتل المسلمون قتالا شرعيا أمما وقبائل ودولا ليس بينهم وبينها عقد ولا ميثاق، وكانت تتهيأ لقتالهم وإبادتهم، وكانوا مثالا في الرحمة والصبر وحقن الدماء، حتى كان عدد الذين قتلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار لا يتجاوز بضع مئات، وقد قتل من المسلمين أكثر منهم، ولم يقتل النبي بيده أحدا، وترك غورث بن الحارث الذي اخترط سيفه وهم بقتله، وترك ثمامة بن أثال وأطلقه وهو في حال حرب، وعفا عن أهل مكة وأطلقهم، وفك بني المصطلق، وكان مثالا عمليا للرحمة والوفاء وحفظ العهود.
أما الغزوات التي تمت بعد ذلك في عهد الدولة الأموية، ثم العباسية، والمماليك والعثمانيين فلا شك أنه جاء من ورائها خير كثير في دخول كثير من الأمم والأجناس والشعوب والأعراق في الإسلام وانتشار الحضارة الإسلامية والعدل والرحمة والحرية، ولا يمنع هذا أن يكون تخللها أخطاء وتجاوزات. وقد كتب الشيخ محمد رشيد رضا كلاما علق فيه على هذا الموضوع، وغلب في هذا جانب التوسع الإمبراطوري في آخر الدولة الإسلامية على الفتح الإسلامي، ولذلك فأعمال المسلمين في التاريخ قابلة للنقد والمراجعة والرد.
يقول رحمه الله في تفسير المنار ، (ج 2 / ص 173):
«كان المشركون يبدؤون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم، ولو لم يبدؤوا في كل واقعة لكان اعتداؤهم بإخراج الرسول من بلده وفتنة المؤمنين وإيذاؤهم ومنع الدعوة، كل ذلك كاف في اعتبارهم معتدين، فقتال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ كله كان مدافعة عن الحق وأهله وحماية لدعوة الحق؛ ولذلك كان تقديم الدعوة شرطا لجواز القتال؛ وإنما تكون الدعوة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان، فإذا منعنا من الدعوة بالقوة بأن هدد الداعي أو قتل فعلينا أن نقاتل لحماية الدعاة ونشر الدعوة لا للإكراه على الدين؛ فالله تعالى يقول: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، ويقول: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وإذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي الدعاة أو يقتلهم أو يهدد الأمن ويعتدي على المؤمنين، فالله تعالى لا يفرض علينا القتال؛ لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح، ولا لأجل الطمع في الكسب.
ولقد كانت حروب الصحابة في الصدر الأول لأجل حماية الدعوة ومنع المسلمين من تغلب الظالمين لا لأجل العدوان، فالروم كانوا يعتدون على حدود البلاد العربية التي دخلت في حوزة الإسلام ويؤذونهم، وأولياؤهم من العرب المتنصرة يؤذون من يظن به من المسلمين.
وكان الفرس أشد إيذاء للمؤمنين فقد مزقوا كتاب النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ورفضوا دعوته وهددوا رسوله وكذلك كانوا يفعلون، وما كان بعد ذلك من الفتوحات الإسلامية اقتضته طبيعة الملك ولم يكن كله موافقا لأحكام الدين، فإن من طبيعة الكون أن يبسط القوي يده على جاره الضعيف، ولم تعرف أمة قوية أرحم في فتوحاتها بالضعفاء من الأمة العربية، شهد لها علماء الإفرنج بذلك.
وجملة القول في القتال أنه شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها، فعلى من يدعي من الملوك والأمراء أنه يحارب للدين أن يحيي الدعوة الإسلامية، ويعد لها عدتها من العلم والحجة بحسب حال العصر وعلومه، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان، ومن عرف حال الدعاة إلى الدين عند الأمم الحية وطرق الاستعداد لحمايتهم يعرف ما يجب في ذلك وما ينبغي له في هذا العصر» . اهـ.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة
بيد أننا لو رجعنا إلى اللفظ القرآني لوجدنا الفتح يعني نشر الدعوة والخير، والرسل كانوا يدعون ربهم (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) [الأعراف:89]. فالفتح فتح القلوب للهداية، وفتح العقول للمعرفة، وفتح المجتمعات للوعي والحوار والتغيير الإيجابي الرشيد، وهذا يمكن أن يتم بطرائق كثيرة، فالإعلام فتح، والتعليم فتح، وزوال المؤثرات السلبية فتح، والدعوة الصادقة فتح، ولكن هذا المصطلح ظل يتقلص حتى تم قصره على بعض أفراده، وصار رديفا للانتصار في المعركة العسكرية، واعتراه ما اعترى مفهوم الجهاد من التضييق ومفهوم الفقه ومفهوم العبادة.
وحين وعد الله رسوله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، كان الفتح مفهوما واسعا لانطلاقة الدعوة وزوال معوقاتها، وحين أخبر الله تعالى بأنه جاء نصر الله والفتح كان الفتح غير النصر، وكان من علاماته دخول الناس في دين الله أفواجا كما في آخر سور القرآن نزولا.
إن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كانت تحت مظلة شرعية واضحة، وهنا أذكر الحديث الذي في صحيح مسلم، وهو حديث بريدة رضي الله عنه: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أو جيشا أوصاهم، وقال في آخر الحديث: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكنِ اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهِم أم لا».
وفي قصة خالد بن الوليد لما تأول وقتل بعض الأسرى رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». مرتين. أخرجه البخاري. فهنا لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد قائد الجيش ويهمس في أذنه همسا أن ما عملته خطأ، لا بل أعلنها على الملأ، وتناقلها الرواة.
لقد قاتل المسلمون قتالا شرعيا أمما وقبائل ودولا ليس بينهم وبينها عقد ولا ميثاق، وكانت تتهيأ لقتالهم وإبادتهم، وكانوا مثالا في الرحمة والصبر وحقن الدماء، حتى كان عدد الذين قتلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار لا يتجاوز بضع مئات، وقد قتل من المسلمين أكثر منهم، ولم يقتل النبي بيده أحدا، وترك غورث بن الحارث الذي اخترط سيفه وهم بقتله، وترك ثمامة بن أثال وأطلقه وهو في حال حرب، وعفا عن أهل مكة وأطلقهم، وفك بني المصطلق، وكان مثالا عمليا للرحمة والوفاء وحفظ العهود.
أما الغزوات التي تمت بعد ذلك في عهد الدولة الأموية، ثم العباسية، والمماليك والعثمانيين فلا شك أنه جاء من ورائها خير كثير في دخول كثير من الأمم والأجناس والشعوب والأعراق في الإسلام وانتشار الحضارة الإسلامية والعدل والرحمة والحرية، ولا يمنع هذا أن يكون تخللها أخطاء وتجاوزات. وقد كتب الشيخ محمد رشيد رضا كلاما علق فيه على هذا الموضوع، وغلب في هذا جانب التوسع الإمبراطوري في آخر الدولة الإسلامية على الفتح الإسلامي، ولذلك فأعمال المسلمين في التاريخ قابلة للنقد والمراجعة والرد.
يقول رحمه الله في تفسير المنار ، (ج 2 / ص 173):
«كان المشركون يبدؤون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم، ولو لم يبدؤوا في كل واقعة لكان اعتداؤهم بإخراج الرسول من بلده وفتنة المؤمنين وإيذاؤهم ومنع الدعوة، كل ذلك كاف في اعتبارهم معتدين، فقتال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ كله كان مدافعة عن الحق وأهله وحماية لدعوة الحق؛ ولذلك كان تقديم الدعوة شرطا لجواز القتال؛ وإنما تكون الدعوة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان، فإذا منعنا من الدعوة بالقوة بأن هدد الداعي أو قتل فعلينا أن نقاتل لحماية الدعاة ونشر الدعوة لا للإكراه على الدين؛ فالله تعالى يقول: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، ويقول: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وإذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي الدعاة أو يقتلهم أو يهدد الأمن ويعتدي على المؤمنين، فالله تعالى لا يفرض علينا القتال؛ لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح، ولا لأجل الطمع في الكسب.
ولقد كانت حروب الصحابة في الصدر الأول لأجل حماية الدعوة ومنع المسلمين من تغلب الظالمين لا لأجل العدوان، فالروم كانوا يعتدون على حدود البلاد العربية التي دخلت في حوزة الإسلام ويؤذونهم، وأولياؤهم من العرب المتنصرة يؤذون من يظن به من المسلمين.
وكان الفرس أشد إيذاء للمؤمنين فقد مزقوا كتاب النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ورفضوا دعوته وهددوا رسوله وكذلك كانوا يفعلون، وما كان بعد ذلك من الفتوحات الإسلامية اقتضته طبيعة الملك ولم يكن كله موافقا لأحكام الدين، فإن من طبيعة الكون أن يبسط القوي يده على جاره الضعيف، ولم تعرف أمة قوية أرحم في فتوحاتها بالضعفاء من الأمة العربية، شهد لها علماء الإفرنج بذلك.
وجملة القول في القتال أنه شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها، فعلى من يدعي من الملوك والأمراء أنه يحارب للدين أن يحيي الدعوة الإسلامية، ويعد لها عدتها من العلم والحجة بحسب حال العصر وعلومه، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان، ومن عرف حال الدعاة إلى الدين عند الأمم الحية وطرق الاستعداد لحمايتهم يعرف ما يجب في ذلك وما ينبغي له في هذا العصر» . اهـ.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة