كل عيد وأنت إنسان سقط عمداً

ثامر عدنان شاكر

ذهب أحدهم يشكو من آلام في الرقبة، فأوصى له الطبيب بجلسات مساج فورية وقال له وقد أمسك بأصابع قدميه.. علاجك هنا يا أستاذ، فشفيت الرقبة وملحقاتها!!
ليس سحرا ولا رجزا من عمل الشيطان والعياذ بالله، بل حقيقة!! زاوية تأمل ووقفة تستدعيك أن تفكر .. أحيانا مكمن العلاج لا يكون بالضرورة مكان الداء .. علاج أسقامنا قد يكون من حيث لا نحتسب!! رقابنا تشهد، وآلامنا التي تنتهي بضغطة عصب عند أخمص قدمينا تشهد أيضا!!
أربطة وعروق وسلسلة لا متناهية من الشرايين والدوائر والعلاقات الحياتية المعقدة تجعل دواءنا في بقعة بعيدة لم تزرها أعيننا يوما أو تخطر على عقولنا القاصرة.
سبحان الله .. كم من جرح بقي غائرا أزمانا يفترسنا في شراسة بلا رحمة، كم من سقم تغلغل فينا أزمانا وبقينا نحوم حوله في جهل وريبة وما أدركنا لحظة أن السبيل الحقيقي للنجاة قد يولد من زاوية أخرى تكون هي مصدر الأمل!!
حياتنا بكل ما فيها هي تلك الصورة العنكبوتية المتشابكة .. حين نسمع تكبر عقولنا، حين ترق مشاعرنا نعود للسماء التي منها نزلنا. كلما ارتقينا وشعرنا بمن حولنا اقتربنا من قلوب من معنا.
حين نبتعد عن دائرة البشر نتخلى عن أجمل ما يميزنا!! هو الإنسان فإن مات بداخلنا، ماذا بقي فينا؟! هو اليوم الذي يكسرنا أو يصنعنا .. هو الحاضر الذي يجب أن لا نسخره لإصلاح الماضي، فما فات رحل ومات واندثر وتحلل .. الأهم كيف يتحول ذلك المخزون إلى قوة نفاثة يحسدك عليها الحبيب قبل الغريب فتكون صاحب أكبر ثروة في العالم والمصدر الأول للطاقة لقلوب منهكة قتلها اليأس والتعب!! طاقة اليوم ما هي سوى بقايا رفات الأمس المدفونة في بواطننا والتي تحولت إلى ذهب لتصبح مع الأيام أغلى ما نملك.
لذلك إن شئت خض تجربة بسيطة .. لا تكتب حرفا عن قلب يئن ولا تصرخ في كل محفل وقل «أنا مالي»، ووقع عليها وغنيها على الملأ إن أردت .. لا تزر مريضا ولا تأخذ بيد مسكين ولا تسند متعثرا، وسترى قلبك وقد أصبح حجرا لا زرع فيه ولا مطر .. أغلق التلفاز ولا تشاهد الأخبار، ولا تقرأ صحيفة واعتزل الكون وامتنع عن تناول الكتب قصرا، وأغلق عينيك عنادا وجهلا وسترى عقلك وقد أخذ يتضاءل ويتلاشى كحبة سكر تذوب في محيط لا أول له ولا آخر ليلحقه قلبك غرقا في رحلة موت جماعية لا تبقي ولا تذر!!
تحياتنا وتقديرنا لكل قلب مجتهد ينبض ويسمع ويعيش مع من حوله محملا بآهاتهم .. باقات من الورد لكل عقل فطن تأبط قلبا وسارا سويا على دروب الحياة فأدركا أن الألم والمعاناة والعذاب من سنن الله في أرضه وأنه لا حياة بلا منغصات، لكن السر في دائرة الإنسانية التي تقوينا وتجعل للحياة معنى بل ألف معنى، فمتى خرجنا عن حدودها غرقنا في ضوضاء وعتمة قاتلة واحتضرت إنسانيتنا إلى حيث مثواها الأخير دون رجعة!
دمتم ودام الوطن بألف خير.