إداري حكيم وأكاديمي ناجح

عبدالوهاب إبراهيم أبوسليمان

إن عشت تفجع بالأحبة بعدهم

وفناء نفسك لا أبا لك أفجع

انتقل معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني إلى رحمة الله أوائل الأيام العشر المباركة من شهر ذي الحجة، وبالتحديد مساء يوم الاثنين الثاني من شهر ذي الحجة، عام 1431هـ، الموافق الثامن من نوفمبر، عام 2010م، وصلى عليه جماعة المسجد الحرام بعد صلاة فريضة الظهر من يوم الثلاثاء 3/12/1431هـ، ودفن بالمعلاة، شطر مقبرة السيدة خديجة رضي الله عنها الزوج الأثيرة للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وبالأحرى كما آثر وصفها فقيدنا العزيز (سيدة في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم).

وعاد الطائر في الآفاق إلى سربه ومسقط رأسه، محمولا على الأكتاف، بل حملته القلوب إلى رحاب الرحمة والرضوان، كان صدى وفاته من الحزن عظيما، عبر محبوه، وعارفو فضله من كافة فئات المجتمع عن مشاعرهم، امتلأت أعمدة الصحف بأقلام رفيعة، نثرا فاض شؤونا وشجونا، أدمع المحاجر، وشعرا أدمى القلوب ببيانه، ومعناه، الكل ينعاه بما أوتي من قدرة على التعبير عن مشاعره، وثمة فريق من المحبين المعجبين من احتبست لديه العبارات فجمد عن الكتابة قلمه، وآخرون لم تواته الكتابة والتعبير عن أحزانه هم الأكثر من كانت تمتد إليهم يداه في الخفاء.

بكاه الجميع بدموع ساخنة، وألم موجعٍ لم يبق لكاتب أن يضيف لما سطر ودون عن دوره الإنساني، وروابطه الاجتماعية، ومهارته الكتابية والفكرية، وشجاعته الأدبية.

هل غادر الشعراء من متردم

أم هل عرفت الدار بعد توهم

قد سبقوا إلى التأبين فلم يدعوا قولا لقائل، وصدق الأثر (ألسنة الخلق أقلام الحق)، من عناوين كتاباتهم تنتظم فرائد عقود الجمان.

التظاهرة المحزنة

لم تعهد هذه التظاهرة المحزنة بهذا الكم والكيف في تاريخ صحافتنا حسب المشاهدة والتتبع إلا في عدد من الشخصيات السعودية لا يتجاوزن عدد أصابع اليد، يأتي في مقدمتهم، معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير التعليم العالي الأسبق، ومعالي الدكتور محمد عبده يماني رحم الله الجميع.

كلاهما له شبه بالآخر، تولى مرافق عديدة، ومناصب حساسة، لها علاقة بمصالح المجتمع فكان محل الحب والثناء، الجوانب المشتركة بينهما عديدة من أهمها قضاء حوائج الناس بحب ورحابة صدر:

وأفضل الناس في هذه رجل

تقضى على يده للناس حاجات

كلاهما كان بارا ببلده، مخلصا لأمته، محبا لمواطنيه بصرف النظر عن أي اعتبار آخر إلا اعتبار الإنصاف والعدل، والمساواة، والمواطنة، والكفاءة.

نحن اليوم أمام شخصية عزيزة فقدناها، لها مآثرها، وآثارها التي لا تنسى، اختطفتها يد المنون، عد الكاتبون بوفاء وصدق مشاعرهم الجياشة وعواطفهم الصادقة نحو معاليه، غير أن ثمة جوانب لمسها ولامسها من شرف بصحبته في أعماله الرسمية التي تقلب فيها، والتجارب الحية التي عاشها معه، إضافة إلى تلك الكتابات الرفيعة، الوفية.

فترة معينة

الحديث هنا عن فترة معينة، حياته الأكاديمية وكيلا، ومديرا لجامعة الملك عبد العزيز (1392-1395هـ) عاشها الكثير من الأكاديميين الذين قدر لهم العمل معه بدءا من عام 1392هـ، يقضي الإنصاف ذكرها والتذكير بها؛ لتكتمل الصورة تماما عن شخصيته ــ رحمه الله ــ إداريا حكيما، وأكاديميا جادا، قاد المسيرة إلى درجات الرقي والنهوض، وهو ما تحاول هذه السلسلة من المقالات أن تقدم بعضها بإيجاز.