فشلت كوكيل وزارة وطريقة شيوخ المالية أحبطتنا
النقل العام بحاجة إلى قرار .. م. أحمد التركي كاشفا أوراق ماقبل التقاعد من وزارة المواصلات لـ عكاظ :
الخميس / 26 / ذو الحجة / 1431 هـ الخميس 02 ديسمبر 2010 22:55
حوار: بدر الغانمي
لم أشأ أن يذهب حديثي مع المهندس أحمد التركي وكيل وزارة المواصلات الأسبق لشؤون النقل في اتجاه مؤطر لولا حالة الاكتواء التي يشعر بها الجميع نتيجة غياب شبكات النقل العام داخل المدن فأصبح رأس كل مسؤول في قطاع المواصلات والنقل تحت مقصلة النقد الدائم. اعترف الرجل بفشله كوكيل وزارة وفشل جميع وزراء المواصلات في تمرير هذا المشروع الذي ظل يشكل أولوية قصوى في استراتيجية الوزارة على مدى عقود. كشف أوراق براءته بإلقاء المسؤولية على وزارة المالية التي تمارس العمل مع مشاريع الوزارات بما فيها وزارة المواصلات بنظرية (كل شيخ وله طريقة) وقال بصراحة: النقل العام بحاجة إلى قرار سياسي! .. التركي الذي ظل عضوا في رسم الخطط الخمسية ممثلا لوزارته ذهب الى أبعد من ذلك عندما أوضح بأن الوزارة نجحت في صياغة أفضل استراتيجيات التخطيط لكنها ظلت حبرا على ورق وفشلت في تنفيذها على أرض الواقع لسوء الإدارة وتعارض الرؤى الحكومية. ابن أجياد تعرض لأكثر من محاولة قتل في اليمن على مدى عام كامل كان فيه مشرفا على تنفيذ الطرق في نهاية الستينيات، وتحول بعد التقاعد من منقود إلى ناقد لوزارته من على منبر مجلس الشورى .. بدأ حديثه مسترجعا ذكريات الطفولة بقوله:
ولدت في أجياد في سنوات كنت ترى الفقر في عيون أصحابه لكن الحميمية التي شهدها مجتمع مكة تلك الأيام وحب فعل الخير ومبادرة الناس إلى مساعدة بعضهم خففت كثيرا من شدة الاحتياج. شاء الله أن أتعلم في مدارس حكومية تناوب فيها على تعليمنا آباء وليسوا معلمين فقط فتشكلت شخصياتنا من خلال سلوكهم معنا كطلاب فأصبحنا أكثر همة ورغبة وتحملنا المسؤولية مبكرا، يأتي على رأسهم العالم الفقيه الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان فقد كان شابا نشطا تعلمنا منه السماحة وحب الوطن والاهتمام بالنشاط المدرسي خصوصا المسرحيات الدينية والوطنية التي كان يؤلفها، وتشجيعه لنا على التطوع في الخير خصوصا في فترة الحج وقد تأثرنا بتواضعه كثيرا. لا أنسى مديري مدرستنا طلحة الشيبي، محمود عطار، وعدد من مدرسينا من أمثال الشيخ عبد الله الخليفي وإسحاق عزوز (رحمهم الله جميعا) ممن كانوا يقضون معظم وقتهم في المسجد الحرام إضافة إلى معلمينا المصريين الذين تعرفنا على أيديهم على مواد الكيمياء والفيزياء والرياضيات، أما في المرحلة الثانوية فقد أثر في شخصيتي بالتوجيه والرعاية مديرا المدرسة الشاعر سراج خراز وعبد الله يماني (رحمهما الله).
لا أنسى أن الفقر المشاع بين الجيران دفعني للعمل في الحج لأصرف على نفسي في المدرسة حتى تخرجت من الثانوية العامة حيث وجهت لألمانيا لدراسة الطب وعندما ذهبت إلى الوزارة في الرياض شاءت إرادة الله أن ألتقي بالدكتور بكر بن عبد الله بكر ومعه رويد عقاد وكانا يدرسان في أمريكا في تلك الفترة فنصحوني بترك الطب في ألمانيا والذي كان يستغرق 10 سنوات تقريبا واختيار الهندسة التي تستغرق دراستها في أمريكا خمس سنوات فذهبت لعبد الوهاب عبد الواسع ــ رحمه الله ــ وكيل الوزارة آنذاك وأخبرته برغبتي فرفض وشاء الله أن تكون هناك لجنة في نفس الوقت تقوم بتسجيل الطلاب الذين لم يلتحقوا بالطب والهندسة وتحويلهم لدراسة الزراعة في أمريكا فسجلت اسمي معهم دون المرور على عبد الوهاب عبدالواسع وعندما رأوا درجاتي قالوا لي: تدرس هندسة زراعية فوافقت. وأتذكر أنني خرجت من مكة المكرمة إلى المطار ولم يكن في جيبي أكثر من خمسين دولارا ولكن سخر لنا الله الشيخ عباس زواوي (رحمه الله) حيث كان ابنه موفق (رحمه الله) يدرس معنا فدعانا لزيارة القاهرة قبل سفرنا إلى أمريكا حيث تم تفصيل بذلة لكل واحد منا ومكثنا أسبوعا كاملا تعلمنا فيه (الإتيكيت) وكيفية التعامل مع الحياة في أمريكا، وقد تأثرت بالعمل وتحمل المسؤولية منذ الصغر فقررت أن أعمل في مختبر كلية الهندسة في جامعة تكساس مقابل مائتي دولار شهريا بعد اقتراح من الدكتور بكر عبدالله بكر الذي كان مسؤولا عني بحكم وجوده المسبق قبلنا في أمريكا فحولت دراستي من هندسة زراعية إلى مدنية، فكان دخلي الشهري عام 1963م يصل إلى 450 دولارا شهريا بإضافة مكافأة البعثة فانفرجت ضائقتي والحمد لله فكنت أصرف على نفسي وأرسل الباقي لأسرتي في مكة المكرمة وعندما عدت من مرحلة البكالوريوس وجدت وظيفة جاهزة في وزارة المواصلات التي تدرجت في مناصبها ومسؤولياتها حتى تقاعدت قبل عشر سنوات من الآن.
• يبدو أن بداية عملك بعد التخرج مباشرة في كل من اليمن وعمان كان لها دور في تثبيت أقدامك في الوزارة؟
ــ بدون شك استفدت من تلك التجارب كثيرا في المجال التنفيذي، فقد عملت أواخر عام 1968م بتوجيهات الملك فيصل ــ رحمه الله ــ ضمن فريق عمل لشركة استشارية أمريكية (شركة ويلسون مورو) لتخطيط وتصميم ووضع المواصفات لبعض الطرق في اليمن. ومن تلك الطرق طريق الطوال (داخل المملكة) إلى الحديدة وقد قامت المملكة بتنفيذه في ذلك الوقت كما تم إجراء الدراسة والتصميم لطريق صعدة ـــ ظهران الجنوب، بالإضافة إلى تنفيذ طرق أخرى، ودراسات الطرق في اليمن وتصميمها كان صدر بها أوامر سامية في عام 1391 ـــ 1392 هـ وكانت المشاريع السعودية في اليمن تتعلق بقطاع التعليم وقطاع الصحة وقطاع الطرق والمواصلات وقطاع المساجد وتطوير المطارات وحفر الآبار ومتطلباتها من خزانات ومضخات بالريف اليمني. والتنسيق والتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام. أما عملي في عمان فقد كان قبل استشهاد الملك فيصل ــ رحمه الله ــ بفترة بسيطة وفي بداية عهد السلطان قابوس وكنت منتدبا من قبل وزارة المواصلات ومعي بعض المهندسين الأردنيين للعمل في وزارة المواصلات العمانية في قطاع الطرق وكنت معجبا في تلك الفترة بحماس المواطن العماني وكما ترى اليوم أصبحت عمان أفضل بكثير مما كانت عليه عندما عملت بها في كافة نواحي الحياة.
• هل كانت الأوضاع في اليمن آمنة في تلك الفترة أكثر من الآن؟
ــ بل على العكس كانت أسوأ مما هي عليه الآن فقد تعرضت لمحاولة القتل أكثر من مرة وفي إحدى المرات تبلغت السفارة بأني قتلت ثم زرتهم بعد أسبوع من الحادثة، وحمدت الله أن كتب لي حياة جديدة.
• الغريب أنك تحولت عندما عينت عضوا في مجلس الشورى وعضوا في لجنة المواصلات والنقل إلى ناقد لأعمال وزارتك التي فشلت فيها كوكيل وزارة ومسؤول عن قطاع النقل في تنفيذ فكرة النقل العام داخل المدن. كيف نفهم هذه المعادلة؟
ــ في وزارة المواصلات لم أر سوى النقل والطرق وشعرت عندما أصبحت عضوا في مجلس الشورى بكل مايحدث في المملكة وظهرت لي حقائق كثير من الأمور التي لم أكن أعرفها. وأعترف أنني فشلت في تنفيذ موضوع النقل العام داخل المدن كوكيل وزارة رغم الدراسات الكثيرة التي تم إعدادها وصياغتها عن النقل، ولو نظرنا إلى الدراسات التي عن النقل لم تقم بها وزارة المواصلات فقط بل حتى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وأكدت ضرورة النقل العام وإعانته، لكن للأسف وزارة المالية عندها رأي آخر ولهذا السبب لم نستطع أن ننفذ النقل العام كما يجب بالرغم من أننا أنشأنا شركة سابتكو وحاولت أن تتجاوز هذه العقبة إلا أن وزارة المالية وضعت في عقدها بندا ينص على أن أي ربح من خارج المدن يجير للخسارة داخل المدن وهذا مما عطل عمل شركة النقل الجماعي داخل المدن، عنصر آخر ساهم في فشلنا وهو وجود قوة ضغط من وكلاء السيارات الصغيرة الذين أغرقوا البلد بسيارات مستعملة وغير مستعملة فلم ننجح.
• ألم يكن النقل العام ضمن استراتيجية الحج أصلا؟
ــ الملك فيصل أول من فكر في وضع استراتيجية للحج عندما دعا خبراء وعلماء ووزراء من عدة دول إسلامية لوضع استراتيجية للحج لثلاثين سنة قادمة، وكان شرط جلالته أن يحج هؤلاء الخبراء على أقدامهم في الحج ليكتبوا رؤيتهم من معايشة للواقع وكتبوا تقريرا مفصلا استفادت منه كافة قطاعات الدولة خصوصا وزارة المواصلات حيث تم تنفيذ الكثير مما ورد فيه.
• ذكرت في مجلس الشورى أن هناك من تصدى لدراساتكم بقوة. من تقصد؟
ــ أقصد طريقة المعالجة وطريقة التفكير التي تتم في وزارة المالية بنظرية (كل شيخ وله طريقة) فعندما يأتي الموضوع عن إعانة يتوقفون. أعتقد بأن وزارة المالية لم تقتنع بعد بضرورة النقل العام وربما لهم أسبابهم الوجيهة لأن هذا القطاع معان من الدولة في كل دول العالم. وأرى أن تنفيذ النقل العام يحتاج إلى قرار سياسي استراتيجي لأن ما لم ندفعه كإعانة للنقل العام سنضطر إلى دفعه على المستشفيات والصحة فالتلوث أصبح أمرا ظاهرا وقد أجرينا تجارب فوجدنا أن نسبة الرصاص في ملابس الطلبة وشعورهم كانت مرتفعة ونسبة التلوث هنا عالية جداً. بصراحة ليس من المعقول أن ننقل أطفالنا في المراحل الدراسية المختلفة في سيارات صغيرة وكأننا نخدم وكلاء السيارات الصغيرة فأصبحنا نستورد جميع أنواع السيارات وهذه نتائجها غير صحية وغير آمنة على مجتمعنا.
• ربما كان موقف الوزارة مبنيا على موقفكم بعدم وضع قضية النقل العام ضمن أولوياتكم؟
ــ كانت من أولى الأولويات وأول ما فكرنا فيه بدليل أننا أنشأنا شركة النقل الجماعي (سابتكو) في بداية أعمال النقل بعدما أصدرنا نظام النقل من أجل هذا الهدف ولكن شرط وزارة المالية أحبطنا، ورغم هذا نجحت الشركة خارج المدن في النقل التعاقدي وموسم الحج ومازالت ناجحة إلى حد كبير.
• هل كان نظام النقل التعاقدي هروبا من الفشل؟
ــ الشركة ظلت بين خيارين: أن تبقى أو لا تبقى. ونظام النقل التعاقدي كان أحد الحلول لبقاء الشركة.
• كنتم تأخذون إعانة من الدولة إلى عام 99م؟
ــ نعم، ولكن البند الذي أفشل عمل الشركة داخل المدن كان يجب أن يتغير لأنه ظلم الشركة وجهودها، ولهذا السبب تجد أن رجال الأعمال لم ينشئوا شركات نقل عام لكنهم في الوقت نفسه أنشأوا شركات لنقل الحجاج وكثير من مشاريعنا لا يدخلها رجال الأعمال إلا إذا ضمنوا ربحهم 100% إلا من رحم ربك.
• تحدثت عن تجارب حاولتم تطبيقها ولكنها فشلت في الفترات السابقة عن موضوع النقل العام؟
ــ الرياض من أوائل المدن التي حاولنا أن نقيم فيها نقلا عاما ولم نتمكن من ذلك، والهيئة العليا لها دراسات كثيرة في هذا الموضوع.
• ما دمتم صغتم خطة النقل فلماذا لم تنفذوها؟
ــ هذا جزء من المشكلة لأن النقل قطاع متكامل يجب أن يأتي تحت جهة واحدة فيما يتعلق بالتخطيط والإشراف والتنفيذ والمتابعة، صحيح هناك تنسيق كبير ولكن سياسة النقل يجب أن تأتي من وزارة واحدة ومن جهة واحدة ويكون عملها فقط للنقل، فالمشكلة عندك أنه تحول اسم الوزارة من مواصلات إلى نقل ولكن للأسف بقيت الوزارة كما هي ولم يزح عنها مثلا قطاع الطرق الذي يأخذ نصيب الأسد من جهد العاملين في الوزارة لوجود المشاريع والاعتمادات الضخمة، وعودة إلى سؤالك فالخطة الاستراتيجية تتكون من بندين صياغة الخطة وتنفيذ الخطة، نحن نجحنا في صياغة الخطط الخمسية فيما يتعلق بمشاريع وزارة المواصلات، كما أن الخطط الخمسية التي صاغتها وزارة التخطيط عن النقل العام في المملكة تسمى (السنتر بلان) كانت دقيقة جدا لكنها لم تنفذ لوجود اختلاف في الآراء والتوجهات.
• تقصد عرقلة؟
ــ لا أقول عرقلة ولكن كمثال نرجع للخطط الاستراتيجية الخمسية فقد كانت ممتازة وفيها تفاؤل كبير وأمان كبيرة لكننا تعبنا في تنفيذها فبعض المشاريع توقف وبعضها لم يبدأ إلا مؤخرا ودخلنا في مشكلات ومضت علينا سنوات عجاف.
• أنتم تركزون دائما على الجدوى الاقتصادية للمشاريع؟
ــ أعتقد أن ما قاله الملك فهد رحمه الله قبل توسعة الحرمين الشريفين بخصوص هذا الأمر يكفي عن الحديث في موضوع الجدوى الاقتصادية فيما يخص الحرمين الشريفين عندما التقيناه فسألت جلالته عن الجدوى الاقتصادية لأحد المشاريع في مكة المكرمة فقال موجها كلامه لنا جميعا (نحن لسنا بحاجة للسعي وراء دراسة أي جدوى اقتصادية في مشاريع الحرمين بالذات فهذه أجرها وجدواها عند الله عز وجل) .أما فيما عدا ذلك فلاشك أن الدراسات الاقتصادية تفرض تحديد الجدوى منها للإقدام على أي مشروع قبل تنفيذه.
• النقل البحري مازال ضمن مسؤوليات الوزارة رغم وجود جهة تنفيذية (المؤسسة العامة للموانئ) ومازال النقد يطاله أيضا؟
ــ الموانئ بنيتها الأساسية كبيرة وتم الصرف عليها بسخاء منذ بداية الخطط الخمسية ومعظم موانئ المملكة تقع على طريق التجارة العالمية ويتوفر فيها الموقع الجغرافي الاستراتيجي والأرصفة المناسبة لأعماق جميع أنواع السفن وارتباطها بشبكة كبيرة من وسائل النقل مثل الطرق البرية والمطارات، لكن تظل الكفاءة التشغيلية للميناء بما فيها الإجراءات الإدارية والتشغيلية بحاجة إلى تطوير وزيادة فعالية، كما تحتاج الموانئ إلى توفر الخدمات الإضافية مثل إصلاح وصيانة الحاويات وإصلاح السفن وتشجيع إنشاء الشركات مما يساعد على توفير فرص العمل للشباب السعوديين، وكذلك ملاءمة رسوم الخدمات واستخدام التقنية المتطورة في إدارة الموانئ وهذا ما يحتاج لبذل جهد لتحقيقه.
• تحدثت في إحدى الصحف عن نجاح النقل بكافة أشكاله وتناسيتم سكك الحديد التي ظلت محصورة لسنوات طويلة بين الرياض والدمام ولم تتحرك إلا مع قطار الحرمين؟
ــ في بداية عمل وزارة المواصلات كان الاهتمام كبيرا جدا بإنشاء الطرق في كافة مناطق المملكة ولم تأخذ السكك الحديدية نصيبها من الاهتمام فيما عدا تنفيذ قطار الرياض ــ الدمام الذي أمر بإنشائه مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ونظرا لأن المملكة مترامية الأطراف والتكدس السكاني متواجد في مدن معينة وفي قرى وهجر متفرقة فقد تم الاهتمام بإيصال المؤن بطرق برية وهذا ساعد في تحول القرى إلى مدن وانتقال السكان إليها فالطرق كان لها الأولوية لتوطين البدو والهجرة وسهولة الانتقال ولتسهيل التجارة والتعامل بين أبناء المملكة مما عزز الوحدة الوطنية.. والقطارات رغم أهميتها لم تكن لتؤدي نفس الفرص. هذا في اعتقادي أحد أسباب تأخير تنفيذ القطارات مع العلم أنه في أواخر السبعينيات تمت دراسة حركة النقل العام من قبل وزارة التخطيط بالتنسيق مع وزارة المواصلات والوزارات المعنية الأخرى وارتأت تلك الدراسة عدم ملاءمة مد شبكة خطوط السكة الحديدية في ذلك الوقت وتم إعطاء الأولوية لاستكمال شبكة الطرق داخل المملكة. والآن وبعد استكمال شبكة الطرق الرئيسة تقريبا فقد تحول الاهتمام إلى شبكة السكة الحديدية ولم ينتج ذلك فقط من أجل ازدياد حركة الركاب ونقل البضائع منذ السبعينيات إلى الآن ولكن لأهمية المميزات البيئية والأمنية لخطوط السكك الحديدية.
• طرحت فكرة إنشاء هيئة وطنية للنقل. فهل ستكون حبل الإنقاذ المطلوب؟
ــ أشك في ذلك خصوصا بعد فشل فكرة تحويل وزارة المواصلات إلى وزارة نقل بحيث تفصل الطرق في هيئة خارجية حتى يتفرغ النقل في وزارة خاصة للإشراف والتخطيط ومتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بالنقل من بري وبحري وجوي ونقل عام هذه كانت الفكرة لكن للأسف تغير المسمى ولم يتغير المحتوى بسبب تأخر دراسات في معهد الإدارة العامة على ما أذكر أو في لجنة الإصلاح الإداري، فاستمرت وزارة مواصلات تحت مسمى وزارة النقل بنفس الفكر وبنفس المنطق.
• كيف تقيم تجربتك في مجلس الشورى؟
ــ أكثر شفافية وفائدة من تجربتي في المواصلات ففي مجلس الشورى تجد نفسك أكثر حرية ليس في الانتقاد فقط ولكن في طرح أفكارك أكثر لأن هناك في الوزارة رؤساء يجب أن تقنعهم، وجزء من مشكلتنا أن الطريقة تتغير بتغير الأشخاص فتعرقل الأعمال في القطاعات الحكومية.
• تقصد الوزراء الثلاثة الذين عملت معهم؟
ــ كلهم فيهم الخير والبركة.
• إذن ما الفارق بينهم الذي تشير إليه؟
ــ الفارق زمني بين كل وزير وآخر فقد كان محمد عمر توفيق رجلا أديبا وحساسيته عالية ضد الواسطات فإذا قيل له إن هذا الطريق يوصل إلى بيت فلان من الناس يقول: خلوه ينفذه على حسابه الخاص. أما حسين المنصوري فقد عمل نصف قرن في الوزارة وكانت له يد طولى في بناء الموانئ ووضع أسس الوزارة الحقيقية، فيما جاء المهندس ناصر السلوم ليعيد إحياء فكرة الوزير الميداني وراء كل مشروع قامت به الوزارة.
• وهذا ينطبق على رئيس مجلس الشورى الذين عملت معهم أيضا؟
ــ يشهد الله أنني كسبت الكثير في سنواتي القليلة في مجلس الشورى فقد عملت مع رئيس المجلس الأسبق الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير فوجدت فيه ما قاله عبدالرحمن الشبيلي في تقديمه لكتاب (أعلام وإعلام) أنه رجل وسط أجمعت الأمة على احترامه وإكبار علمه وتقدير أعماله الجليلة كان اعتدال فضيلته ومرونته سبب نجاحه وحب الناس له. وظل يدعو ويعمل للحفاظ على مكتسبات الوطن وظل يؤمن بالشورى إيمانا قويا وعمل ــ رحمه الله ــ على تطوير أعمال المجلس ولم أسمعه قط يصادر آراء الأعضاء حتى المعارضين له. وقد استفدت كثيرا من توجيهاته ونظرته للحياة وللأمة.
كما أني عملت في المجلس عندما رأسه فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد وهو شخصية إذا تعاملت معها لا تملك إلا أن تحبها. والرجل على مستوى عال من العلم والعقل والكرم غير متكبر أو متعال ــ يسدي النصيحة باللين والقول الحسن.. لم أره في مجلس يتصيد أخطاء الآخرين محب لمكة المكرمة والحرم المكي وقد كنت معه في زيارة مناطق المسلمين فلم أر استقبالا لشخص مثله في حياتي وكان يلبي دعواتهم ويخطب فيهم ويطيب خاطرهم وأذكر أني لم أستطع الطلوع والنزول من الباص لكثرة تلك المحطات التي مررنا بها وكنت أجلس في الباص مع الزميل الدكتور طامي البقمي لأننا لم نقوى على مجاراته في السير والحركة كما كنت ضمن وفد برئاسة فضيلته إلى كندا وأثناء حفل تعارف مع بعض أعضاء البرلمان الكندي فقام أحد الأعضاء الكنديين ووجه حديثا مستفزا إلى المملكة منتقدا المشايخ والعلماء والفئات التكفيرية فقلت له نحن كذلك في المملكة ضحية لهذه الفئة. وأن المؤسسة الدينية في المملكة بخير وعلماءها يدينون الإرهاب بكافة أشكاله. وعرضت عليه أن يجلس مع إمام المسجد الحرام الذي يشمل الكعبة المشرفة والتي يتوجه إليها المسلمون في كافة صلواتهم الخمسة يوميا بمن فيهم مسلمو كندا فتحمس للفكرة فأخذته للشيخ صالح وبعد أن انتهى من مقابلته أعترف العضو الكندي بخطأ نظرته وقد سعد بما سمعه من الشيخ صالح بن حميد وأصر على أن يأخذ صورا تذكارية مع الشيخ.
ولدت في أجياد في سنوات كنت ترى الفقر في عيون أصحابه لكن الحميمية التي شهدها مجتمع مكة تلك الأيام وحب فعل الخير ومبادرة الناس إلى مساعدة بعضهم خففت كثيرا من شدة الاحتياج. شاء الله أن أتعلم في مدارس حكومية تناوب فيها على تعليمنا آباء وليسوا معلمين فقط فتشكلت شخصياتنا من خلال سلوكهم معنا كطلاب فأصبحنا أكثر همة ورغبة وتحملنا المسؤولية مبكرا، يأتي على رأسهم العالم الفقيه الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان فقد كان شابا نشطا تعلمنا منه السماحة وحب الوطن والاهتمام بالنشاط المدرسي خصوصا المسرحيات الدينية والوطنية التي كان يؤلفها، وتشجيعه لنا على التطوع في الخير خصوصا في فترة الحج وقد تأثرنا بتواضعه كثيرا. لا أنسى مديري مدرستنا طلحة الشيبي، محمود عطار، وعدد من مدرسينا من أمثال الشيخ عبد الله الخليفي وإسحاق عزوز (رحمهم الله جميعا) ممن كانوا يقضون معظم وقتهم في المسجد الحرام إضافة إلى معلمينا المصريين الذين تعرفنا على أيديهم على مواد الكيمياء والفيزياء والرياضيات، أما في المرحلة الثانوية فقد أثر في شخصيتي بالتوجيه والرعاية مديرا المدرسة الشاعر سراج خراز وعبد الله يماني (رحمهما الله).
لا أنسى أن الفقر المشاع بين الجيران دفعني للعمل في الحج لأصرف على نفسي في المدرسة حتى تخرجت من الثانوية العامة حيث وجهت لألمانيا لدراسة الطب وعندما ذهبت إلى الوزارة في الرياض شاءت إرادة الله أن ألتقي بالدكتور بكر بن عبد الله بكر ومعه رويد عقاد وكانا يدرسان في أمريكا في تلك الفترة فنصحوني بترك الطب في ألمانيا والذي كان يستغرق 10 سنوات تقريبا واختيار الهندسة التي تستغرق دراستها في أمريكا خمس سنوات فذهبت لعبد الوهاب عبد الواسع ــ رحمه الله ــ وكيل الوزارة آنذاك وأخبرته برغبتي فرفض وشاء الله أن تكون هناك لجنة في نفس الوقت تقوم بتسجيل الطلاب الذين لم يلتحقوا بالطب والهندسة وتحويلهم لدراسة الزراعة في أمريكا فسجلت اسمي معهم دون المرور على عبد الوهاب عبدالواسع وعندما رأوا درجاتي قالوا لي: تدرس هندسة زراعية فوافقت. وأتذكر أنني خرجت من مكة المكرمة إلى المطار ولم يكن في جيبي أكثر من خمسين دولارا ولكن سخر لنا الله الشيخ عباس زواوي (رحمه الله) حيث كان ابنه موفق (رحمه الله) يدرس معنا فدعانا لزيارة القاهرة قبل سفرنا إلى أمريكا حيث تم تفصيل بذلة لكل واحد منا ومكثنا أسبوعا كاملا تعلمنا فيه (الإتيكيت) وكيفية التعامل مع الحياة في أمريكا، وقد تأثرت بالعمل وتحمل المسؤولية منذ الصغر فقررت أن أعمل في مختبر كلية الهندسة في جامعة تكساس مقابل مائتي دولار شهريا بعد اقتراح من الدكتور بكر عبدالله بكر الذي كان مسؤولا عني بحكم وجوده المسبق قبلنا في أمريكا فحولت دراستي من هندسة زراعية إلى مدنية، فكان دخلي الشهري عام 1963م يصل إلى 450 دولارا شهريا بإضافة مكافأة البعثة فانفرجت ضائقتي والحمد لله فكنت أصرف على نفسي وأرسل الباقي لأسرتي في مكة المكرمة وعندما عدت من مرحلة البكالوريوس وجدت وظيفة جاهزة في وزارة المواصلات التي تدرجت في مناصبها ومسؤولياتها حتى تقاعدت قبل عشر سنوات من الآن.
• يبدو أن بداية عملك بعد التخرج مباشرة في كل من اليمن وعمان كان لها دور في تثبيت أقدامك في الوزارة؟
ــ بدون شك استفدت من تلك التجارب كثيرا في المجال التنفيذي، فقد عملت أواخر عام 1968م بتوجيهات الملك فيصل ــ رحمه الله ــ ضمن فريق عمل لشركة استشارية أمريكية (شركة ويلسون مورو) لتخطيط وتصميم ووضع المواصفات لبعض الطرق في اليمن. ومن تلك الطرق طريق الطوال (داخل المملكة) إلى الحديدة وقد قامت المملكة بتنفيذه في ذلك الوقت كما تم إجراء الدراسة والتصميم لطريق صعدة ـــ ظهران الجنوب، بالإضافة إلى تنفيذ طرق أخرى، ودراسات الطرق في اليمن وتصميمها كان صدر بها أوامر سامية في عام 1391 ـــ 1392 هـ وكانت المشاريع السعودية في اليمن تتعلق بقطاع التعليم وقطاع الصحة وقطاع الطرق والمواصلات وقطاع المساجد وتطوير المطارات وحفر الآبار ومتطلباتها من خزانات ومضخات بالريف اليمني. والتنسيق والتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام. أما عملي في عمان فقد كان قبل استشهاد الملك فيصل ــ رحمه الله ــ بفترة بسيطة وفي بداية عهد السلطان قابوس وكنت منتدبا من قبل وزارة المواصلات ومعي بعض المهندسين الأردنيين للعمل في وزارة المواصلات العمانية في قطاع الطرق وكنت معجبا في تلك الفترة بحماس المواطن العماني وكما ترى اليوم أصبحت عمان أفضل بكثير مما كانت عليه عندما عملت بها في كافة نواحي الحياة.
• هل كانت الأوضاع في اليمن آمنة في تلك الفترة أكثر من الآن؟
ــ بل على العكس كانت أسوأ مما هي عليه الآن فقد تعرضت لمحاولة القتل أكثر من مرة وفي إحدى المرات تبلغت السفارة بأني قتلت ثم زرتهم بعد أسبوع من الحادثة، وحمدت الله أن كتب لي حياة جديدة.
• الغريب أنك تحولت عندما عينت عضوا في مجلس الشورى وعضوا في لجنة المواصلات والنقل إلى ناقد لأعمال وزارتك التي فشلت فيها كوكيل وزارة ومسؤول عن قطاع النقل في تنفيذ فكرة النقل العام داخل المدن. كيف نفهم هذه المعادلة؟
ــ في وزارة المواصلات لم أر سوى النقل والطرق وشعرت عندما أصبحت عضوا في مجلس الشورى بكل مايحدث في المملكة وظهرت لي حقائق كثير من الأمور التي لم أكن أعرفها. وأعترف أنني فشلت في تنفيذ موضوع النقل العام داخل المدن كوكيل وزارة رغم الدراسات الكثيرة التي تم إعدادها وصياغتها عن النقل، ولو نظرنا إلى الدراسات التي عن النقل لم تقم بها وزارة المواصلات فقط بل حتى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وأكدت ضرورة النقل العام وإعانته، لكن للأسف وزارة المالية عندها رأي آخر ولهذا السبب لم نستطع أن ننفذ النقل العام كما يجب بالرغم من أننا أنشأنا شركة سابتكو وحاولت أن تتجاوز هذه العقبة إلا أن وزارة المالية وضعت في عقدها بندا ينص على أن أي ربح من خارج المدن يجير للخسارة داخل المدن وهذا مما عطل عمل شركة النقل الجماعي داخل المدن، عنصر آخر ساهم في فشلنا وهو وجود قوة ضغط من وكلاء السيارات الصغيرة الذين أغرقوا البلد بسيارات مستعملة وغير مستعملة فلم ننجح.
• ألم يكن النقل العام ضمن استراتيجية الحج أصلا؟
ــ الملك فيصل أول من فكر في وضع استراتيجية للحج عندما دعا خبراء وعلماء ووزراء من عدة دول إسلامية لوضع استراتيجية للحج لثلاثين سنة قادمة، وكان شرط جلالته أن يحج هؤلاء الخبراء على أقدامهم في الحج ليكتبوا رؤيتهم من معايشة للواقع وكتبوا تقريرا مفصلا استفادت منه كافة قطاعات الدولة خصوصا وزارة المواصلات حيث تم تنفيذ الكثير مما ورد فيه.
• ذكرت في مجلس الشورى أن هناك من تصدى لدراساتكم بقوة. من تقصد؟
ــ أقصد طريقة المعالجة وطريقة التفكير التي تتم في وزارة المالية بنظرية (كل شيخ وله طريقة) فعندما يأتي الموضوع عن إعانة يتوقفون. أعتقد بأن وزارة المالية لم تقتنع بعد بضرورة النقل العام وربما لهم أسبابهم الوجيهة لأن هذا القطاع معان من الدولة في كل دول العالم. وأرى أن تنفيذ النقل العام يحتاج إلى قرار سياسي استراتيجي لأن ما لم ندفعه كإعانة للنقل العام سنضطر إلى دفعه على المستشفيات والصحة فالتلوث أصبح أمرا ظاهرا وقد أجرينا تجارب فوجدنا أن نسبة الرصاص في ملابس الطلبة وشعورهم كانت مرتفعة ونسبة التلوث هنا عالية جداً. بصراحة ليس من المعقول أن ننقل أطفالنا في المراحل الدراسية المختلفة في سيارات صغيرة وكأننا نخدم وكلاء السيارات الصغيرة فأصبحنا نستورد جميع أنواع السيارات وهذه نتائجها غير صحية وغير آمنة على مجتمعنا.
• ربما كان موقف الوزارة مبنيا على موقفكم بعدم وضع قضية النقل العام ضمن أولوياتكم؟
ــ كانت من أولى الأولويات وأول ما فكرنا فيه بدليل أننا أنشأنا شركة النقل الجماعي (سابتكو) في بداية أعمال النقل بعدما أصدرنا نظام النقل من أجل هذا الهدف ولكن شرط وزارة المالية أحبطنا، ورغم هذا نجحت الشركة خارج المدن في النقل التعاقدي وموسم الحج ومازالت ناجحة إلى حد كبير.
• هل كان نظام النقل التعاقدي هروبا من الفشل؟
ــ الشركة ظلت بين خيارين: أن تبقى أو لا تبقى. ونظام النقل التعاقدي كان أحد الحلول لبقاء الشركة.
• كنتم تأخذون إعانة من الدولة إلى عام 99م؟
ــ نعم، ولكن البند الذي أفشل عمل الشركة داخل المدن كان يجب أن يتغير لأنه ظلم الشركة وجهودها، ولهذا السبب تجد أن رجال الأعمال لم ينشئوا شركات نقل عام لكنهم في الوقت نفسه أنشأوا شركات لنقل الحجاج وكثير من مشاريعنا لا يدخلها رجال الأعمال إلا إذا ضمنوا ربحهم 100% إلا من رحم ربك.
• تحدثت عن تجارب حاولتم تطبيقها ولكنها فشلت في الفترات السابقة عن موضوع النقل العام؟
ــ الرياض من أوائل المدن التي حاولنا أن نقيم فيها نقلا عاما ولم نتمكن من ذلك، والهيئة العليا لها دراسات كثيرة في هذا الموضوع.
• ما دمتم صغتم خطة النقل فلماذا لم تنفذوها؟
ــ هذا جزء من المشكلة لأن النقل قطاع متكامل يجب أن يأتي تحت جهة واحدة فيما يتعلق بالتخطيط والإشراف والتنفيذ والمتابعة، صحيح هناك تنسيق كبير ولكن سياسة النقل يجب أن تأتي من وزارة واحدة ومن جهة واحدة ويكون عملها فقط للنقل، فالمشكلة عندك أنه تحول اسم الوزارة من مواصلات إلى نقل ولكن للأسف بقيت الوزارة كما هي ولم يزح عنها مثلا قطاع الطرق الذي يأخذ نصيب الأسد من جهد العاملين في الوزارة لوجود المشاريع والاعتمادات الضخمة، وعودة إلى سؤالك فالخطة الاستراتيجية تتكون من بندين صياغة الخطة وتنفيذ الخطة، نحن نجحنا في صياغة الخطط الخمسية فيما يتعلق بمشاريع وزارة المواصلات، كما أن الخطط الخمسية التي صاغتها وزارة التخطيط عن النقل العام في المملكة تسمى (السنتر بلان) كانت دقيقة جدا لكنها لم تنفذ لوجود اختلاف في الآراء والتوجهات.
• تقصد عرقلة؟
ــ لا أقول عرقلة ولكن كمثال نرجع للخطط الاستراتيجية الخمسية فقد كانت ممتازة وفيها تفاؤل كبير وأمان كبيرة لكننا تعبنا في تنفيذها فبعض المشاريع توقف وبعضها لم يبدأ إلا مؤخرا ودخلنا في مشكلات ومضت علينا سنوات عجاف.
• أنتم تركزون دائما على الجدوى الاقتصادية للمشاريع؟
ــ أعتقد أن ما قاله الملك فهد رحمه الله قبل توسعة الحرمين الشريفين بخصوص هذا الأمر يكفي عن الحديث في موضوع الجدوى الاقتصادية فيما يخص الحرمين الشريفين عندما التقيناه فسألت جلالته عن الجدوى الاقتصادية لأحد المشاريع في مكة المكرمة فقال موجها كلامه لنا جميعا (نحن لسنا بحاجة للسعي وراء دراسة أي جدوى اقتصادية في مشاريع الحرمين بالذات فهذه أجرها وجدواها عند الله عز وجل) .أما فيما عدا ذلك فلاشك أن الدراسات الاقتصادية تفرض تحديد الجدوى منها للإقدام على أي مشروع قبل تنفيذه.
• النقل البحري مازال ضمن مسؤوليات الوزارة رغم وجود جهة تنفيذية (المؤسسة العامة للموانئ) ومازال النقد يطاله أيضا؟
ــ الموانئ بنيتها الأساسية كبيرة وتم الصرف عليها بسخاء منذ بداية الخطط الخمسية ومعظم موانئ المملكة تقع على طريق التجارة العالمية ويتوفر فيها الموقع الجغرافي الاستراتيجي والأرصفة المناسبة لأعماق جميع أنواع السفن وارتباطها بشبكة كبيرة من وسائل النقل مثل الطرق البرية والمطارات، لكن تظل الكفاءة التشغيلية للميناء بما فيها الإجراءات الإدارية والتشغيلية بحاجة إلى تطوير وزيادة فعالية، كما تحتاج الموانئ إلى توفر الخدمات الإضافية مثل إصلاح وصيانة الحاويات وإصلاح السفن وتشجيع إنشاء الشركات مما يساعد على توفير فرص العمل للشباب السعوديين، وكذلك ملاءمة رسوم الخدمات واستخدام التقنية المتطورة في إدارة الموانئ وهذا ما يحتاج لبذل جهد لتحقيقه.
• تحدثت في إحدى الصحف عن نجاح النقل بكافة أشكاله وتناسيتم سكك الحديد التي ظلت محصورة لسنوات طويلة بين الرياض والدمام ولم تتحرك إلا مع قطار الحرمين؟
ــ في بداية عمل وزارة المواصلات كان الاهتمام كبيرا جدا بإنشاء الطرق في كافة مناطق المملكة ولم تأخذ السكك الحديدية نصيبها من الاهتمام فيما عدا تنفيذ قطار الرياض ــ الدمام الذي أمر بإنشائه مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ونظرا لأن المملكة مترامية الأطراف والتكدس السكاني متواجد في مدن معينة وفي قرى وهجر متفرقة فقد تم الاهتمام بإيصال المؤن بطرق برية وهذا ساعد في تحول القرى إلى مدن وانتقال السكان إليها فالطرق كان لها الأولوية لتوطين البدو والهجرة وسهولة الانتقال ولتسهيل التجارة والتعامل بين أبناء المملكة مما عزز الوحدة الوطنية.. والقطارات رغم أهميتها لم تكن لتؤدي نفس الفرص. هذا في اعتقادي أحد أسباب تأخير تنفيذ القطارات مع العلم أنه في أواخر السبعينيات تمت دراسة حركة النقل العام من قبل وزارة التخطيط بالتنسيق مع وزارة المواصلات والوزارات المعنية الأخرى وارتأت تلك الدراسة عدم ملاءمة مد شبكة خطوط السكة الحديدية في ذلك الوقت وتم إعطاء الأولوية لاستكمال شبكة الطرق داخل المملكة. والآن وبعد استكمال شبكة الطرق الرئيسة تقريبا فقد تحول الاهتمام إلى شبكة السكة الحديدية ولم ينتج ذلك فقط من أجل ازدياد حركة الركاب ونقل البضائع منذ السبعينيات إلى الآن ولكن لأهمية المميزات البيئية والأمنية لخطوط السكك الحديدية.
• طرحت فكرة إنشاء هيئة وطنية للنقل. فهل ستكون حبل الإنقاذ المطلوب؟
ــ أشك في ذلك خصوصا بعد فشل فكرة تحويل وزارة المواصلات إلى وزارة نقل بحيث تفصل الطرق في هيئة خارجية حتى يتفرغ النقل في وزارة خاصة للإشراف والتخطيط ومتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بالنقل من بري وبحري وجوي ونقل عام هذه كانت الفكرة لكن للأسف تغير المسمى ولم يتغير المحتوى بسبب تأخر دراسات في معهد الإدارة العامة على ما أذكر أو في لجنة الإصلاح الإداري، فاستمرت وزارة مواصلات تحت مسمى وزارة النقل بنفس الفكر وبنفس المنطق.
• كيف تقيم تجربتك في مجلس الشورى؟
ــ أكثر شفافية وفائدة من تجربتي في المواصلات ففي مجلس الشورى تجد نفسك أكثر حرية ليس في الانتقاد فقط ولكن في طرح أفكارك أكثر لأن هناك في الوزارة رؤساء يجب أن تقنعهم، وجزء من مشكلتنا أن الطريقة تتغير بتغير الأشخاص فتعرقل الأعمال في القطاعات الحكومية.
• تقصد الوزراء الثلاثة الذين عملت معهم؟
ــ كلهم فيهم الخير والبركة.
• إذن ما الفارق بينهم الذي تشير إليه؟
ــ الفارق زمني بين كل وزير وآخر فقد كان محمد عمر توفيق رجلا أديبا وحساسيته عالية ضد الواسطات فإذا قيل له إن هذا الطريق يوصل إلى بيت فلان من الناس يقول: خلوه ينفذه على حسابه الخاص. أما حسين المنصوري فقد عمل نصف قرن في الوزارة وكانت له يد طولى في بناء الموانئ ووضع أسس الوزارة الحقيقية، فيما جاء المهندس ناصر السلوم ليعيد إحياء فكرة الوزير الميداني وراء كل مشروع قامت به الوزارة.
• وهذا ينطبق على رئيس مجلس الشورى الذين عملت معهم أيضا؟
ــ يشهد الله أنني كسبت الكثير في سنواتي القليلة في مجلس الشورى فقد عملت مع رئيس المجلس الأسبق الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير فوجدت فيه ما قاله عبدالرحمن الشبيلي في تقديمه لكتاب (أعلام وإعلام) أنه رجل وسط أجمعت الأمة على احترامه وإكبار علمه وتقدير أعماله الجليلة كان اعتدال فضيلته ومرونته سبب نجاحه وحب الناس له. وظل يدعو ويعمل للحفاظ على مكتسبات الوطن وظل يؤمن بالشورى إيمانا قويا وعمل ــ رحمه الله ــ على تطوير أعمال المجلس ولم أسمعه قط يصادر آراء الأعضاء حتى المعارضين له. وقد استفدت كثيرا من توجيهاته ونظرته للحياة وللأمة.
كما أني عملت في المجلس عندما رأسه فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد وهو شخصية إذا تعاملت معها لا تملك إلا أن تحبها. والرجل على مستوى عال من العلم والعقل والكرم غير متكبر أو متعال ــ يسدي النصيحة باللين والقول الحسن.. لم أره في مجلس يتصيد أخطاء الآخرين محب لمكة المكرمة والحرم المكي وقد كنت معه في زيارة مناطق المسلمين فلم أر استقبالا لشخص مثله في حياتي وكان يلبي دعواتهم ويخطب فيهم ويطيب خاطرهم وأذكر أني لم أستطع الطلوع والنزول من الباص لكثرة تلك المحطات التي مررنا بها وكنت أجلس في الباص مع الزميل الدكتور طامي البقمي لأننا لم نقوى على مجاراته في السير والحركة كما كنت ضمن وفد برئاسة فضيلته إلى كندا وأثناء حفل تعارف مع بعض أعضاء البرلمان الكندي فقام أحد الأعضاء الكنديين ووجه حديثا مستفزا إلى المملكة منتقدا المشايخ والعلماء والفئات التكفيرية فقلت له نحن كذلك في المملكة ضحية لهذه الفئة. وأن المؤسسة الدينية في المملكة بخير وعلماءها يدينون الإرهاب بكافة أشكاله. وعرضت عليه أن يجلس مع إمام المسجد الحرام الذي يشمل الكعبة المشرفة والتي يتوجه إليها المسلمون في كافة صلواتهم الخمسة يوميا بمن فيهم مسلمو كندا فتحمس للفكرة فأخذته للشيخ صالح وبعد أن انتهى من مقابلته أعترف العضو الكندي بخطأ نظرته وقد سعد بما سمعه من الشيخ صالح بن حميد وأصر على أن يأخذ صورا تذكارية مع الشيخ.