خرج من المولد بلا حمص !

أحمد محمد الطويـان

لا شيء يبعث السخرية مثل منظر المنافق الذي يمسح الجوخ إلى أن يهترئ الجوخ ولا يحصل مراده ويخرج من المولد بلا حمص!
كنت ذات يوم في حفل عشاء دعا إليه مدير شركة وطنية كبرى، وكان عدد الحضور لا يتجاوز العشرين مع عدد من قيادات الشركة التي يديرها صاحب الدعوة، ودار حديث عن «التلفريك»، وراح كل منا يتحدث عن تجاربه في ركوب الكبسولة المعلقة بين الأرض والسماء، تحدث أحد الموظفين في شركة داعينا الكريم قائلا: «التلفريك آمن وهو أكثر أمانا من الطائرة، وعلى الأقل تحمله أحبال مشدودة وأعمدة مثبتة».. دار الحديث ومدير الشركة صامت لم يبد وجهة نظره، وعندما انتهى الموظف من قول رأيه قال: «والله يا سعد أبدا ممكن يحدث أمر خارج عن السيطرة ويفلت التلفريك من تلك الأحبال، وممكن تهتز الأعمدة فيسقط الركاب بتلفريكهم وتتناثر أشلاؤهم وممكن.....»، قاطعه الموظف سعد بسرعة الصاروخ قائلا: «يا طويل العمر وأزيدك من الشعر بيت، ممكن العواصف تتلاعب في هذه العربة وتقلبها أو يحدث ماس كهربائي.. هذا التلفريك خطر في خطر والذي يركبه بائع لحياته»، انفجرنا ضحكا من حماسة سعد في تلميع وجهة نظر مديره المعاكسة لما يعتقده وما قاله أمامنا قبل دقيقتين من سماع رأي مديره، سعد منافق مسكين خرج من المولد بلا حمص علمنا فيما بعد أنه رحل إلى بلاده بتأشيرة خروج نهائي!
قبل شهر، كنت في زيارة لصديق عزيز والتقيت عنده بصحافي عربي حمل ــ متبرعا ــ لواء الدفاع عن نظام رئيسه. كان الصحافي القدير يفاخر بقوة النظام وصلابته، ويمتدح التفاف الشعب حول زعيمه الخالد، في صورة تعكس أصدق آيات الفداء والولاء لرموز السياسة في بلده. لم أخف ريبتي ونفوري مما قال، وأنا العالم بما في بلده من خطوب، وازددت قلقا من صمت عدد من بني جنسه حاضري اللقاء إزاء مواعظ الرجل السياسية البارعة! عرفت بعدها أن الصحافي القدير هو من طينة الرجال الذين يتقربون للسلطة بذبح أقرب الأقربين، من باب أنهم أولى لبلوغ المعروف، وأن أحدا لا يجرؤ على جداله، أو نزاله، وعند الله تجتمع الخصوم! إلا أنني لم أكد أصدق عيني حين رأيت هذا الصحافي، وفي يوم فرار زعيمه الخالد، يخطب في الجموع من على منبر إعلامي وينشد في شابية متألقة «إذا الشعب يوما أراد الحياة». لم أدر في غمرة الدهشة من ألوم؟ أألومه هو؟ أم النظام الذي رباه منافقا وطنيا أصيلا؟
باعتقادي، أحد أسباب اختلال الأمن في أي بلد هو النفاق بأشكاله وألوانه وفنونه، فإن التكلف والتصنع في إظهار الولاء يخفي حقيقة الأمور أمام المسؤول أو المدير، الولاء بالفعل وليس بالكلام، والاحترام والإجلال يظهران بتلقائية إذا كان مصدرهما القلب، المبالغة في التعبير عن أي شيء تعني في أحيان كثيرة ضد ما يود الشخص إظهاره، لذا نجد الزوج الخائن يبالغ في تدليل زوجته لمداراة مشاعره الحقيقية التي إن ظهرت قد «تسقط» الزوجة عن سدة الشرعية.
Towa55@hotmail.com