مضاربات ومحافظ سوداء وقمة مدببة سببت كارثة فبراير 2006

بعد أن تجاوز مؤشر سوق الأسهم حاجز 20 ألف نقطة «2»

مضاربات ومحافظ سوداء وقمة مدببة سببت كارثة فبراير 2006

علي الدويحي ــ جدة

إذا أردت أن تعرف لماذا انفجرت فقاعة الأسهم عام 2006 م، لا بد أن تعرف أولا كيف تشكلت تلك الفقاعة، وللإجابة على هذا السؤال ــ تحديدا ــ يمكن اختصار الإجابة، وتشبيه الحالة بالمركبة التي عكس سائقها المسار الصحيح، وفي نهاية (الشارع) أوقفه رجل المرور، طالبا منه العودة إلى نقطة البداية، والسير على الطريق الصحيح من جديد، مع تحرير غرامة مالية باهظة، نتيجة مخالفة ذلك السائق المتهور لقواعد السير.
وجاءت المخالفة بالحد الأعلى ليدفع أصحاب ما يزيد على خمسة ملايين محفظة في السوق ثمن تلك المخالفة، مع أهمية التقيد بالأنظمة والقوانين والتشريعات.
ونحن عندما نقدم هذه القراءة التحليلية والتاريخية في الوقت نفسه، ليس هدفنا نكء الجراح أو تحميل أي طرف مسؤولية ما حدث، لإيماننا الكامل أن السوق أكبر من الجميع، بل ننظر إليها من زاوية استثمارية بحتة، محاولين فهم الأسباب التي أدت إلى الهبوط القاسي والخسائر الفادحة التي تكبدها المتعاملون لتلافيها مستقبلا، خصوصا أن هناك قاعدة تحليلية فنية مفادها أن «التاريخ يعيد نفسه».




عمل المساهمون في سوق الأسهم على محورين، الأول: من خلال الاشتراك في الصناديق الاستثمارية التي تتبع البنوك التجارية التي تعتبر أحد صناعها الرئيسين، وكان أغلب مديري تلك الصناديق يعتمدون في إدارة أسهم تلك الصناديق بالبيع والشراء على استراتيجية شراء ما يقارب 50 في المائة من الأسهم الأكثر تأثيرا في قيمة المؤشر العام، وهي من الشركات القيادية ذات النمو السريع التي توزع أرباحا مجانية كأسهم أو نقدية، فيما يتم تنويع النسبة المتبقية من المحفظة في أسهم الشركات ذات المحفزات التي يتوقع لها أن تحقق أرباحا سريعة، وقد يكون هذا من أحد الأسباب التي جعلت المساهمين في سباق عنيف مع صعود المؤشر العام، الذي تلقى بدوره دعما قويا لمواصلة الارتفاع عن طريق ضخ السيولة والشراء في الأسهم الأكثر وزنا في قيمته، حتى أصبح في أوقات معينة لا يعكس وضعية السوق بدقة، ومثال ذلك: عندما نقارن بين تصحيح مايو 2004م وتصحيح فبراير 2006م، فلم يكن تصحيح مايو 2004م من النوع القاسي، وذلك يعود إلى أسباب عدة ومن أهمها أن الشركات القيادية لم ترتفع، سواء من حيث الأسعار أو مكرر الربح، في حين التهم تصحيح 2006م الأخضر واليابس، سواء من أسهم الشركات القيادية أو أسهم المضاربة؛ نظرا لارتفاع الأسعار إلى حد اللا معقول.
أما المحور الثاني: فكانت تعمل عليه محافظ المضاربين وهم أيضا من صناع السوق ولكن بنسبة أقل، مع ملاحظة أن كثيرا من المستثمرين تحولوا فيما بعد إلى مضاربين يوميين ولحظيين وتحديدا، عندما تجاوز المؤشر العام حاجز 19 ألف نقطة. ومن سمة هولاء المساهمين الدخول في البداية كمستثمرين ولكن بفكر مضارب، حيث لم يستطيعوا مقاومة لذة المكاسب اليومية، ليتربع الجميع على قمة مدببة، الكل يبحث فيها عن موطئ قدم فلا يجده، ما ينبئ عن قرب مصيدة الانهيار. كان تسجيل أسعار أسهم ثلاث شركات على النسبةالدنيا، وشد المؤشر العام إلى أعلى عن طريق سهم الكهرباء، إشارة قوية، لكن لا حياة لمن تنادي، ليتوفر الشرط الأخير لانفجار البالونة، وهو تواجد الجميع داخل المصيدة، فالتصحيح في الأسواق المالية يتم والجميع داخل السوق وليس خارجها.
السوق أكبر من الجميع
الآن تم القبض على المؤشر العام مخالفا في نهاية مسار 20966 نقطة، ومتلبسا بمؤشرات متضخمة وأسعار أسهم غير منطقية ومكررات مبالغ فيها إلى حد الدهشة. وفي ظل التناقض الواضح بين الواقع في السوق وحال الشركات يظهر عدد من علامات المسار الهابط، وتشير أهمها إلى أن التحسن والطفرة انتهيا قبل أن يبدآ بسبب سوق الأسهم، خصوصا أن جزءا كبيرا من المواطنين بين نار القروض وضياع الثروة في سوق الأسهم، ولقلة الخبرة في إدارة أزمة مخاطر أسواق الأوراق المالية عند الكثير من الأطراف التي تعتبر نفسها من صناع هذه السوق، لم يجد المساهمون حيالها سوى رفع توصية «لا للبيع بخسارة»، وهذا كان عكس نظرية «إيقاف الخسارة تعادل نصف المكسب»، كيف لا والسوق تجري للخلف للبحث عن قاع تحط عليه أوزارها، وتهشم حاجز دعم المؤشر العام يلو الحاجز، ومخزون السيولة ينضب، حتى دخل في مرحلة أكثر تعقيدا، كلها تؤدي إلى التصحيح المركب، حيث تحول الجميع إلى مضاربين، وعملاء الصناديق الاستثمارية يتسابقون لتصفية اشتراكاتهم، ما اضطر تلك الصناديق إلى تسييل الوحدات، لتتبدل من داعم إلى ضاغط على المؤشر العام والسوق معا، عن طريق الأسهم القيادية التي تم شراؤها منذ بداية عام 2001م، حتى فبراير 2006 م. وأصبح من الصعب جدا على الجميع وفي مقدمتهم الصناديق الاستثمارية التصدي للسيل الجارف من الكميات المعروضة للبيع وعلى النسبة السفلى، حيث وقفت السيولة المتحررة موقف المراقب بداعي أن السوق عبارة عن مضاربة وليس استثمارا، حيث كان هدفها الأسهم الخفيفة التي لا تحتاج إلى سيولة عالية، ساعدها في ذلك خلوها من كبار المستثمرين وصناديق البنوك، لتزداد قوى البيع على الشركات القيادية حتى أصبح السوق تحت سيطرة صغار المتعاملين والقرار بالبيع أو الشراء عشوائيا.
المحافظ السوداء
برزت مع بدء تشكيل البالونة، ما يطلق عليها مسمى «المحافظ السوداء» التي لجأ ملاكها مع بداية السوق الفعلية، إلى أشخاص لإدارة مدخراتهم مقابل الحصول على نسبة من الأرباح المحققة في الغالب لا تقل عن 20 في المائة، كان أغلب المشتركين بهذه المحافظ من ذوي رؤوس الأموال الصغيرة، الذين تم الاتفاق بينهم بميثاق «كلام رجل»، توسعت هذه المحافظ بعد الانهيار، لتشمل أصحاب محافظ كبيرة، إذا كان هدف المشتركين السابقين تحقيق المكاسب، فإن هدف أصحاب المحافظ الكبيرة بعد الانهيار الخروج من مأزق الخسائر وإعادة المراكز الاستثمارية لها، إلا أنهم اصطدموا بضعف السيولة أمام ثقل أسهم الشركات الكبيرة من حيث الأسعار وعدد الأسهم، ليجدوا ضالتهم في الشركات الصغيرة، لتدني أسعارها وقلة عدد أسهمها، لتزداد الخسائر لدى المساهمين بأسهم الشركات القيادية وعملاء محافظ البنوك، بينما أسهم المضاربة تحقق ارتفاعات فازدادت قوى البيع على الأسهم القيادية ولتتحول هذه السيولة إلى أسهم المضاربة، ما أثر على ضعف أحجام السيولة المتداولة على المستوى اليومي لتسجل أقل من مليار ريال.
نظرية الدومينو
بغض النظر عن كون تسييل المحافظ اختياريا أو بضغط الرهن، إلا إن هذا التوجه ساعد على اتساع الهوة بين القمة والقاع بالنسبة للمؤشر العام، وعندما يزيد الضغط على السعر يؤدي بالسوق لتتابع الهبوط.
وحسب نظرية الدومينو كلما وصل الهبوط لمرحلة يؤدي التسييل للضغط والهبوط مجددا ولا تنتهي القضية عند حاجز معين؛ نظرا لأن الاقتراض تم خلال فترات سابقة والهبوط لامس مستويات سابقة خلال عامي 2005 و2004م وهدد المؤشر العام بكسر مستويات 2003م.
التضييق على العمليات غير المشروعة
في المقابل، سعت هيئة السوق المالية إلى التضييق على العمليات غير المشروعة في السوق محاولة القضاء عليها أو تحجيمها وضبط المخالفين ومحاكمتهم بفرض غرامات وعقوبات متى ما تمت إدانتهم، حيث أبرمت هيئة سوق المال السعودية عقدا مع شركة سويدية تدعم توجهات هيئة سوق المال للحد من تلاعب المضاربين في سوق الأسهم، وهو ما أكده الدكتور عبدالرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال السعودي في ذلك الوقت، الذي شدد أثناء توقيع العقد أن الهيئة لن تسمح بالغش والتدليس في السوق.
في تاريخ 2/6/1424 هـ الموافق 31/7/2003 م، تأسست هيئة السوق المالية بموجب «نظام السوق المالية» وتمثل الجهاز الحكومي المسؤول عن إدارة وتنظيم السوق المالية السعودية، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. وتتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتهدف الهيئة لتنظيم وتطوير السوق المالية في المملكة، ولها وضع وفرض اللوائح والقواعد الهادفة إلى حماية المستثمرين، وضمان العدالة والكفاءة في سوق الأوراق المالية. وقبل إنشاء «الهيئة» كان ميدان المتاجرة في سوق الأوراق المالية يتمتع بهامش واسع من المرونة؛ نظرا لغياب النصوص القانونية، فكثير من التداولات كانت تتم بناء على معلومات داخلية. وبعد صدور نظام السوق المالية وإنشاء الهيئة واضطلاعها بمسؤولياتها في مكافحة مثل تلك الممارسات أنهالت على الهيئة في البداية التذمرات، لكن الهيئة كانت مرنة أيضا في بداية عملها، وتميل إلى الإنذار والتحذير أكثر من العقاب، وفي الآوانة الأخيرة يلحظ عدم إصدار قرارات فجائية من قبل هيئة سوق المال، حيث تم الإعلان عن جميع القرارات التي اتخذتها الهيئة قبل تطبيقها، وأعطت المساهمين فرصة للتفكير فيها والاستعداد لوقت التطبيق.