تحديد مهلة تنفيذ الأحكام ومعاقبة المماطلين بالسجن

تحديد مهلة تنفيذ الأحكام ومعاقبة المماطلين بالسجن

تحقيق: عبد الله الداني

اختلفت آراء المهتمين بالشأن القضائي حيال الوسائل المثالية لحل إشكالية تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية، فمنهم من ألقى باللائمة على نظام ديوان المظالم نفسه وآخرون طالبوا بنظام خاص لتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، فيما استقر البعض على التأكيد بضرورة وجود الثقافة الحقوقية التي تكرس أهمية الأحكام القضائية.
واستقصت «عكاظ» آراء قانونيين ورئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وعضو في مجلس الشورى، إذ أكدوا أن تنفيذ الأحكام القضائية القطعية تحقيق للعدالة وإنصاف لأصحاب الحقوق، معتبرين أن عدم تنفيذها تعطيل للمصالح يتسبب في الإضرار بالمحكوم لهم.
وتفاوتت المقترحات ما بين تكريس الثقافة الحقوقية وإصدار نظام خاص يجرم تعطيل تنفيذ الأحكام القطعية، في حين طالب البعض بتنفيذ عقوبات صارمة ضد المتهاونين في التنفيذ تصل إلى سجن المتسببين.
وفيما يتعلق بالأحكام الصادرة من المحاكم العامة والجزائية فإن مسؤولا في وزارة العدل يكشف عن منح الوزير صلاحيات أوسع لإدارة الحجز والتنفيذ تخول قاضي التنفيذ الاستقصاء التام عن أموال المتأخرين عن سداد الديون.
وأفاد المسؤول بأن الوزارة ستكثف تنسيقها مع مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) أو البنوك المعتمدة لدى المحاكم العامة لفتح حسابات جارية تختص بدوائر الحجز والتنفيذ، وربطها بالنظام الآلي في المحاكم وكتابات العدل والأنظمة الآلية في الجهات ذات العلاقة كوزارة الداخلية، هيئة السوق المالية، مؤسسة النقد العربي السعودي، البنوك والمصارف؛ بهدف تسريع الحجز آليا على الأسهم والسندات والأرصدة وتسهيل إجراءات الحجز والتنفيذ وفق الإجراءات النظامية.
ويترجم تفعيل دور إدارة الحجز والتنفيذ مستوى التقدير والاحترام الذي تحظى به الأحكام القضائية من خلال المبادرة الفورية بتنفيذها، كما تسهم في قطع الطريق على مبطلي الدعاوى الذين يحاولون الاستفادة من طول فترة تنفيذ الحكم حال إفلاتهم من القضاء.




لكن اختصاصيين يؤكدون استحالة إنشاء أقسام مماثلة في المحاكم الإدارية، مشيرين إلى أن دور المحاكم ينتهي عند إصدار الحكم والنطق به بشكل قطعي، إلا أنهم يرون أن النظام الخاص بمحاسبة المتأخرين عن التنفيذ سيحل هذه الإشكالية ويغني عن وجود إدارة تنفيذ.
ولتشخيص الإشكالية بشكل أكبر، يوضح المحامي أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عمر الخولي، أنه يوجد عدد غير يسير من الأحكام النهائية التي تمتنع الجهات الحكومية المحكوم عليها من تنفيذها، مشيرا إلى أن إحدى الجهات باتت معتلية الصدارة في قائمة الممتنعين عن تنفيذ أحكام القضاء.
ويضيف «الواقع أن مثل هذا العمل يمثل جريمة في الدول الأخرى ويسمى إهانة العدالة، الأمر الذي يوجب معاقبة مرتكبها (وهو المسؤول المختص) بعقوبات تصل إلى السجن مدة ثلاث سنوات».
لكن الخولي يرى أن المشكلة تكمن في عدم تجريم مثل هذا العمل، موضحا «لذلك يمكن للمسؤول أن يمتنع عن تنفيذ حكم القضاء بوسائل متعددة»، مشيرا إلى أن «مثل هذا العمل يفرغ القضاء الإداري من محتواه».
وشدد أستاذ القانون على ضرورة «صدور تشريع جنائي مستقل يجرم أو يعاقب المسؤول الإداري الذي يمتنع أو يتراخى في تنفيذ الحكم القضائي واجب النفاذ».
فراغ تشريعي
ويرى الخولي أنه يوجد «فراغ تشريعي يرتبط بهذه الجزئية، إذ إنه توجد أحكام تصدر ضد جهات معينة لا يتم تنفيذها، فيما يظل المحكوم عليه يجوب الإدارات الحكومية متسولا تنفيذ حقه المحكوم به دون أي حراك من الجهة المحكوم عليها».
وألقى بالمسؤولية عن التعطيل على«المسؤول عن تنفيذ الحكم أو المسؤول المباشر أو رئيس المؤسسة العامة المستقلة».
وأبدى المحامي أستاذ القانون استغرابه الشديد من استنكاف إحدى الجهات عن تنفيذ قطعي صدر ضدها، مشيرا إلى أن «هذه الجهة تتزعم عملية إهانة العدالة وعدم تنفيذ الأحكام»، مضيفا «يساعدها على ذلك بعض المحامين المتعاقدين معها».
شكاوى وتظلمات
وبالتوجه لرئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، أكد تلقيه شكاوى وتظلمات من مواطنين تضرروا من تعطيل أحكام قضائية قطعية صدرت لصالحهم، مؤكدا مماطلة جهات حكومية في تنفيذ أحكام صدرت ضدها.
وأهاب القحطاني بالأجهزة الحكومية بالوفاء بالتزاماتها في إنجاز معاملات المواطنين وتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، معتبرا أن تعطيل التنفيذ «يقلل من هيبة القضاء ويحرم المحكوم لهم حقوقهم».
وطالب رئيس الجمعية بمعاقبة أي مسؤول لا ينفذ حكما نهائيا صدر ضد إدارته.
وأوضح القحطاني أن الأحكام القطعية المعطلة لم تعد قليلة، مشيرا إلى تلقي الجمعية شكاوى من مواطنين تتعلق بعدم البت في قضاياهم، سواء في تلك الأجهزة أو القضاء، فضلا عن الشكاوى المتعلقة بإخلال الأجهزة الحكومية بالتزاماتها أمام المواطنين.
وأكد رئيس الجمعية أن تعطيل المعاملات مخالف للتوجيهات السامية، مضيفا «رصدنا أيضا شكوى أخرى ضد تلك الجهات تتمثل في تداخل الاختصاصات»، موضحا أن ذلك يستوجب «إعادة النظر في الإجراءات المتبعة».
وأفاد القحطاني بأن «الجمعية ماضية في زياراتها ومتابعتها للمسؤولين من أجل إيجاد حلول لهذه الإشكاليات»، مضيفا «زرنا والتقينا بقيادات ومسؤولين وغيرهم للحث على إنجاز المعاملات وتنفيذ الأحكام الصادرة بحق الجهات الحكومية».
لا يوجد تعطيل
وللمحامي المستشار القانوني مطلق الفغم وجهة نظر أخرى حيال القضية، إذ نفى تعطيل الجهات تنفيذ الأحكام القضائية القطعية الصادرة ضدها، مشيرا إلى أن «المعاناة تكمن في تأخير التنفيذ دون التعطيل النهائي».
وشدد على ضرورة تنفيذ أي حكم إداري قطعي، مؤكدا أن الأحكام القطعية واجبة النفاذ.
ورأى الفغم أهمية إصدار نظام خاص أو نص يلحق بالنظام، يكفل لصاحب الحكم حقه ويحميه من تأخر تنفيذ الحكم، موضحا أن المفترض في النظام إلزام كل جهة إدارية بتنفيذ الأحكام القطعية خلال 30 يوما.
كما اقترح منح صاحب الحكم مقاضاة رئيس الجهة أمام ديوان المظالم حال تأخره عن المدة المحددة وتعريضه للعقوبة، مبينا أن «هذا هو الموجود في كل دول العالم».
وفيما يتعلق باعتبار التأخر استغلالا للسلطة، أوضح المحامي الفغم أن «الديوان أثناء النظر في القضية ومثول المسؤول أمامه يحدد ما إذا كان كذلك أم لا استنادا على الوقائع الثابتة».
وتساءل الفغم «لماذا لا يعاقب المتسبب في تأخير الحكم، سواء كان مسؤولا أم موظفا؟»، مؤكدا أن المسؤول الأول عن التأخير هو مسؤول الجهة.
وقال«أصبحنا في حاجة ماسة إلى نظام يكفل هذه الحقوق في ظل كثرة القضايا الإدارية المتأخرة ومماطلة جهات حكومية عن حضور جلسات التقاضي».
وطالب الفغم بإصدار أقسى العقوبات التي تكفل الالتزام بتنفيذ الأحكام مباشرة دون تردد أو تأخر، مشيرا إلى أن إصدار عقوبات كالسجن يجب تضمينها في نص النظام المقترح لضبط هذه الإشكالية، مضيفا «أتمنى أن يوجد نظام خاص بتنفيذ الأحكام وتكون هيئة الرقابة هي المسؤولة عن متابعة هذه الملفات».
مراسلة المسؤولين
ولأهمية دور لجنة العرائض وحقوق الإنسان في مجلس الشورى؛ كونها الجهة التي تشكل همزة الوصل بين المواطنين والأجهزة الحكومية، سألنا عضو اللجنة سليمان بن عواض الزايدي عن الخطوات التي قدمها المجلس لحل هذه الإشكالية، فأوضح أن «المجلس يناقش هذه الإشكاليات عند الاجتماع بالمسؤولين المعنيين، كما يتولى مراسلة المسؤولين عن الجهات الحكومية المعطلة لتنفيذ الأحكام القضائية ضدها».
وأضاف «اللجنة تكتب للمسؤول المختص بهدف تعديل أنظمة قواعد العمل أو تعديل الإجراءات الخاصة لكن المجلس ليس تنفيذيا».
وكشف الزايدي عن أن اللجنة ناقشت هذه الإشكاليات إبان لقائها بوزير العدل، موضحا أن اللجنة وجدت من الوزير تجاوبا كبيرا حيال إيجاد حل لهذه المعضلة.
وأفاد بأن اللجنة ستزور قريبا رئيس ديوان المظالم إبراهيم بن شايع الحقيل لعرض مرئياتها حيال هذه القضايا، خصوصا بحث وسائل جادة لتحريك الأحكام المتعثرة الصادرة ضد الجهات الحكومية.
وأكد أن المجلس لا يقبل بتعطيل الجهات للأحكام القضائية الصادرة ضدها، موضحا أنه يتابع مع المعنيين وسائل تسريع تنفيذها ورد الحقوق إلى أصحابها.
وأشار إلى أن اللجنة استقبلت عرائض من المواطنين تتعلق بهذه الإشكالية وغيرها، موضحا أنهم طرحوا أفكارا وأطروحات جيدة ستكون في عين الاعتبار وتأخذ طريقها للدراسة الجادة.
قاضي تنفيذ
وبين المحامي ياسين الخطيب، الحاجة الماسة لتفعيل الأنظمة الداعمة لحل إشكالية تأخير تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيلها، لكنه يوضح استحالة تنفيذ حق خاص من الحكومة وهو المعمول به دوليا.
وأضاف «من المناسب الدعوة لإيجاد أكثر من قاضي تنفيذ في المدن الكبرى مع الإسراع بإصدار نظام القضاء التنفيذي المستقل عن نظام المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية». وأكد أن تعطيل تنفيذ الأحكام الإدارية حاصل من الجميع، سواء كانت جهات حكومية أو مؤسسات عامة أو شركات خاصة.
وأوضح الخطيب أن التأخر وعدم التزام بعض الجهات الحكومية في تنفيذ أحكام التعويضات القطعية الصادرة ضدها يكمن في ضرورة رجوعها لوزارة المالية؛ نظرا لعدم وجود بند مخصص في ميزانيتها لصرف مبلغ التعويض، مشيرا إلى أن ذلك يسهم في تأخير تنفيذ الحكم سنتين أو ثلاث سنوات.
ورأى أن الحل يكمن في توعية المسؤولين بأهمية الأحكام الشرعية التي أعطت أحقية مواجهة صاحب الحق للجهة وألزمت الجهة بالتنفيذ، سواء كانت إدارية أو غير ذلك؛ فالحكم نافذ على الجميع، سواء كان قطاعا عاما أو خاصا.
وشدد المحامي الخطيب على ضرورة تكريس الثقافة الحقوقية مجاراة لبعض الدول المجاورة فضلا عن المتقدمة، مشيرا إلى أن هذه الثقافة تجعل القطاع أو الأفراد يدركون أهمية وجود قانون وتطبيقه.
وقال «على الرغم من أن لدينا كم كبير من القوانين إلا أن الناس لا يعرفون ولا يعون أهمية تفعيلها»، مضيفا «المفترض أن تكون تلك الجهات الحكومية هي من تتولى التثقيف بهذه الثقافة لا العكس».
ضوابط وإجراءات
المحامي عبيد العيافي يعتبر أن «رفض تنفيذ الأحكام القضائية القطعية اغتيال للعدالة»، مضيفا «لذا كان من الأهمية بمكان أن توجد ضوابط وإجراءات صارمة لإلزام جميع الجهات على تنفيذ أحكام القضاء فورا من دون اشتراطات أو مماطلة مع وجود رقابة صارمة على جميع الجهات ذات العلاقة بشأن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية».
ورأى العيافي«أن يتم البدء في دراسة سن نظام يبين آليات التنفيذ ضد الجهات الحكومية ومدته وتعويض كل من صدر لصالحه حكم قضائي دون تنفيذ، فضلا عن مجازاة كل من تثبت عرقلته تنفيذ حكم قضائي».