فقه الأوطان
الثلاثاء / 12 / ربيع الأول / 1432 هـ الثلاثاء 15 فبراير 2011 21:28
أحمد محمد الطويـان
انتشى أبناء مصر بتحقيق النصر الكبير المتمثل في إزاحة رمز النظام الرئيس السابق حسني مبارك عن منصبه، ولكن هل فكر الشباب الطموحون في مستقبل مصر السياسي أم أن الهم الداخلي غلب الانشغال في حسابات السياسة الخارجية؟
إن أخشى ما نخشاه هو أن يكون هؤلاء الشباب ركزوا على إسقاط النظام، لكنهم الآن يواجهون تحديات اليوم التالي: كيف سيتم إعادة الأمور إلى طبيعتها، وكيف ستتحقق الممارسة الديمقراطية، وهل سيتم التعامل مع قيادات المرحلة السابقة على أنهم جميعا غير صالحين لتولي المواقع والمناصب، أم أن هناك إعادة فرز على أسس ومعايير الكفاءة والخبرة والإجادة.
ونحن لا نتجاوز الحقيقة حين نقول إن أخطر ما يمكن أن تواجهه ثورة هو أن يكون القائمون عليها غير مدركين لأسس إدارة شؤون أجهزة الدولة ومؤسساتها، وضرورة الحكمة والحنكة في اتخاذ القرارات، بعيدا عن أية نزعة انتقامية أو تصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك.
إن هناك التزامات إقليمية ودولية ينبغي الحرص عليها، حتى لا تقع أية هزة تربك الحسابات أو تضع مصر في موقف لا نرتضيه لها كدولة عربية ذات وزن وتأثير معروفين. وبالمثل، توجد تحديات ينبغي عدم إغفالها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مسألة التفاوض مع دول حوض نهر النيل بشأن تقاسم حصص مياه النهر، تجنبا للصراعات وكابوس العطش.
وبدون الوعي بتلك القضايا والتحديات، سنقع في فخ الثورة التي ضلت أهدافها وضاعت مقاصدها.
بعد ثورة 23 يوليو 1952 انتزع الجيش المصري الشرعية من التاريخ الملكي العريق وحاول أول رئيس للجمهورية محمد نجيب أن يسلم السلطة للشعب وأن يعيد الجيش إلى ثكناته ولكن لم يقبل رجال الثورة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر أن يتم التفريط بالشرعية لمصلحة ما يسمى بـ «الديموقراطية»، ودفع نجيب ضريبة موقفه وانتهت به الحال منسيا ومقصيا عن الحياة السياسية والاجتماعية، ومات فقيرا بعد أن قضي على تاريخه وشوهد أحد أبنائه يقود سيارة «تاكسي» في شوارع القاهرة..
الجيش يفعل كل شيء لمصلحة المواطن ولكن على أن لا تتعارض تلك المصلحة مع مصالحه، جيش مصر الذي أعطته الثورة على الملك فاروق شكلا سياديا، لن يفرط في مكاسبه، وعلى المصريين أن يبدؤوا رحلة الواقعية والعودة إلى منطق الأمور وأن يعلموا أن لمطالبهم حدودا وللجيش طاقة للاحتمال، فقد أدى دور الحليم والحكيم طوال المدة الماضية ولكن غضبة الحليم قد تكون كبيرة.
بعد الثورة، هناك أولويات على الصعيد الداخلي تعامل معها الجيش بحكمة وبعد نظر والتزام كامل بـ «الدستورية» و «الشرعية» ولم ينساق إلى المطالب العاطفية دفعة واحدة، والسبب أن المواطن البسيط في الشارع يريد بين ليلة وضحاها أن يسكن في شقة راقية وأن يمتلك سيارة آخر موديل وأن يحصل على راتب مجز، ولم يفكر في الآليات والأطر القانونية التي تتحول فيها البلاد لما يخدم تلك الآمال المشروعة.
وما بين فقه الأولويات وتحديات الثورة، نهمس في أذن كل مصري وطني غيور على مستقبل بلده: إصلاح الأوطان لا يعني هدم جدرانها وإلغاء مكتسباتها بجرة قلم أو صيحة غضب.. الأوطان تطلب البناء، لا الصراخ.
TOWA55@HOTMAIL.COM
إن أخشى ما نخشاه هو أن يكون هؤلاء الشباب ركزوا على إسقاط النظام، لكنهم الآن يواجهون تحديات اليوم التالي: كيف سيتم إعادة الأمور إلى طبيعتها، وكيف ستتحقق الممارسة الديمقراطية، وهل سيتم التعامل مع قيادات المرحلة السابقة على أنهم جميعا غير صالحين لتولي المواقع والمناصب، أم أن هناك إعادة فرز على أسس ومعايير الكفاءة والخبرة والإجادة.
ونحن لا نتجاوز الحقيقة حين نقول إن أخطر ما يمكن أن تواجهه ثورة هو أن يكون القائمون عليها غير مدركين لأسس إدارة شؤون أجهزة الدولة ومؤسساتها، وضرورة الحكمة والحنكة في اتخاذ القرارات، بعيدا عن أية نزعة انتقامية أو تصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك.
إن هناك التزامات إقليمية ودولية ينبغي الحرص عليها، حتى لا تقع أية هزة تربك الحسابات أو تضع مصر في موقف لا نرتضيه لها كدولة عربية ذات وزن وتأثير معروفين. وبالمثل، توجد تحديات ينبغي عدم إغفالها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مسألة التفاوض مع دول حوض نهر النيل بشأن تقاسم حصص مياه النهر، تجنبا للصراعات وكابوس العطش.
وبدون الوعي بتلك القضايا والتحديات، سنقع في فخ الثورة التي ضلت أهدافها وضاعت مقاصدها.
بعد ثورة 23 يوليو 1952 انتزع الجيش المصري الشرعية من التاريخ الملكي العريق وحاول أول رئيس للجمهورية محمد نجيب أن يسلم السلطة للشعب وأن يعيد الجيش إلى ثكناته ولكن لم يقبل رجال الثورة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر أن يتم التفريط بالشرعية لمصلحة ما يسمى بـ «الديموقراطية»، ودفع نجيب ضريبة موقفه وانتهت به الحال منسيا ومقصيا عن الحياة السياسية والاجتماعية، ومات فقيرا بعد أن قضي على تاريخه وشوهد أحد أبنائه يقود سيارة «تاكسي» في شوارع القاهرة..
الجيش يفعل كل شيء لمصلحة المواطن ولكن على أن لا تتعارض تلك المصلحة مع مصالحه، جيش مصر الذي أعطته الثورة على الملك فاروق شكلا سياديا، لن يفرط في مكاسبه، وعلى المصريين أن يبدؤوا رحلة الواقعية والعودة إلى منطق الأمور وأن يعلموا أن لمطالبهم حدودا وللجيش طاقة للاحتمال، فقد أدى دور الحليم والحكيم طوال المدة الماضية ولكن غضبة الحليم قد تكون كبيرة.
بعد الثورة، هناك أولويات على الصعيد الداخلي تعامل معها الجيش بحكمة وبعد نظر والتزام كامل بـ «الدستورية» و «الشرعية» ولم ينساق إلى المطالب العاطفية دفعة واحدة، والسبب أن المواطن البسيط في الشارع يريد بين ليلة وضحاها أن يسكن في شقة راقية وأن يمتلك سيارة آخر موديل وأن يحصل على راتب مجز، ولم يفكر في الآليات والأطر القانونية التي تتحول فيها البلاد لما يخدم تلك الآمال المشروعة.
وما بين فقه الأولويات وتحديات الثورة، نهمس في أذن كل مصري وطني غيور على مستقبل بلده: إصلاح الأوطان لا يعني هدم جدرانها وإلغاء مكتسباتها بجرة قلم أو صيحة غضب.. الأوطان تطلب البناء، لا الصراخ.
TOWA55@HOTMAIL.COM