صليبيون أم قاعدة!

سلمان بن فهد العودة

إذا كانت العرب تقول: «شر البلية ما يضحك»، فهذا ما حدث لي فعلا، وكنت موجوعا من مشهد الدمار الواسع الذي منيت به المدن الليبية، بواسطة آلة الحرب التي تبين معها أن الحاكم لم يكن معنيا ببناء جيش يدافع عن الوطن، بل كتائب أمنية تحمي نظامه.
النظام البائد ينتمي إلى حقبة تاريخية ماضية في تفكيره، وهو غير قادر على التحديث في تفكيره ومعلوماته، لا يزال يستخدم الطابعة التقليدية العتيقة في عصر ثورة الكمبيوتر!
كان رأس النظام يقول للغرب عن شعبه بأنه قاعدة الجهاد في المغرب العربي .. ويقول لشعبه عن الغرب: إنهم الصليبيون جاءوا للقضاء على الإسلام!
أظن أنه لم يكن يهزل أو يضيع وقته، كان يعتقد أنه يدير الحرب الإعلامية بكفاءة، دون أن يفكر أنه في عصر الإعلام، والإعلام الجديد، وأن ما يقوله عن هذا الفريق أو ذاك يسمعه الجميع، وبالتالي فلا أحد يصدقه من الآخرين، لأنه لا يصدقه فيما يقوله عن نفسه!
حين يتوعد بتسليح شعبه بالبنادق والقنابل، فهو يظن أن الشعب سيقاتل دونه حتى آخر قطرة من دمه .. لكن كيف ستصنع البنادق أمام التوماهوك والكروز وراجمات الصواريخ والأسلحة الحديثة والطائرات المتقدمة؟
أم هي الحرب الأهلية التي توعد بها، على حد المثل القائل «علي وعلى أعدائي» وهو يظن أنه بهذا يعوق تقدم قوات الثوار؟
وهل يظن أن الشعب الليبي قابل للانجرار لحرب كهذه؟
التعويل على ثورة الشعوب العربية إلى جانبه أمر يصعب فهمه .. فهل يصدق نفسه أن الشعوب العربية ستخرج في مظاهرات، فضلا عن حمل السلاح، دفاعا عن طاغية يحظى بقدر عظيم من الكراهية والاستخفاف؟
يصعب علينا - نحن الجيل الوسيط - أن نفهم العقلية التي يفكر بها أولئك، ولذا نقرر العزوف عن محاولة التحليل والفهم، ونكتفي بالابتسامة!
كما يصعب على أجيال جديدة من (التين ايج) أن تفهمنا في أحيان كثيرة إلا بجهد جهيد من الطرفين، وسعي حثيث لردم الفجوة وإقامة الجسور.
المتغيرات على الميدان هائلة وضخمة، وهي تطحن من لا يعيها ولا يفهمها مهما كان عذره.
بالنسبة لي شخصيا تعلمت -رغم أنفي - أن أسمع من الأصدقاء في المواقع الاجتماعية، وأقدر اتفاقهم واختلافهم ودوافعهم، دون أن أبالغ في تقدير قيمة تجربتي الشخصية أو رؤيتي الاجتهادية، أو أعتب على تعليق لم يتقن صاحبه الصياغة الأدبية.
ربما لو كان باختياري لم أفعل، ولكن الله يفعل لنا، لنتجرع المرارة ثم يصبح الأمر عاديا، ولو كتب لأحدنا ألا يسمع إلا الثناء والإطراء والحب لكانت الخشية عليه أن يصبح «طاغية»، وأن يجعل نفسه فرقانا بين الحق والباطل.
والشكر موصول للإنترنت وشبكاتها التي أرغمت الكثيرين مثلي على أن يتقبلوا النقد كارهين، ثم يسيغونه مختارين، ثم ينتفعون به، ويعذرون من شطحت أقلامهم لسبب أو لآخر، وأن يقبلوا طائعين الجلوس على مائدة التعلم من الأساتذة الشباب!
أمام هذه المسألة المهمة (تفاوت الأجيال) لم أستغرب موقف رئيس عربي آخر، لم يخطر في باله أن يتعاطى مع المتغيرات بإيجابية، أو يقدم حزما من الإصلاح لشعبه، لقد زين له من حوله أنه بمعزل عن هذا الحراك الشعبي، وأن القبضة الأمنية التي تخنق الأنفاس كفيلة بقمع من تسول له نفسه أن يحلم، ولأنه يحتضن مجموعات وطنية ذات حضور شعبي لجبهات مقاومة؛ فهذا يمنحه شرعية واسعة، وعليه ألا يقدم أي إصلاحات قد تحسب على أنها تنازلات، ثم يبدأ مسلسل المطالب يتسع، فأفضل وسيلة هي تجاهل تلك المخاوف!
أحس فعلا أن هذه عقلية قديمة عفا عليها الزمن، وربما كان الحاكم مؤمنا بها، ولكن الذي يزيد الأمر تعقيدا أن الحاشية هي التي تعزز إيمانه، وتسفه التفكير بالإصلاح.
من الصدق أن نعلم أن النصح والتحذير هو معيار الولاء الوطني، وميثاق الشرف ودليل الإخلاص، وليس التهوين والتقليل من حجم المخاطر، ورحم الله الحسن البصري حيث يقول: «إنك والله أن تصحب قوما يخوفونك حتى تدرك أمنا؛ خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف».
إن أجيالا عربية جديدة تتكون، وتبني نفسها بعيدا عنا، وتفاجئنا بما لم يكن لنا في حساب، فلنصغ إلى صوتها، ولنحاول الاقتراب منها، ولنحترم اهتماماتها المشروعة، ولنقدر حداثة سنها التي هي مظنة الاندفاع، وليس كل اندفاع مذموم، وأكمل ما يكون الأمر إذا تلاحمت الصفوف، وتقاربت النفوس، وساد الحب، وصارت الثقة أساس التعامل، لبناء مستقبل أفضل يتسع لنا جميعا مهما اتسعت اختلافاتنا.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة