سري الدين الفرساني

إبراهيم عبدالله مفتاح

أحد أحبتي القراء اتصل بي - شخصيا- وقال: أنا من المتابعين الدائمين لكتاباتك في هذه الجريدة وفي غيرها، وخاصة في ما يتعلق بمسقط رأسك (جزيرة فرسان) وآخر ما قرأت لك موضوعك بعنوان (جزر فرسان في السياسة الدولية) في عدد «عكـاظ» الصادر يوم الجمعة 11/5/1432هـ، الذي أشرت فيه إلى أن الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن هذه الجزيرة يعود وجود الإنسان فيها إلى ستة آلاف سنة.. سؤالي لك: ألا توجد شخصيات أو شخصية تنتمي إلى هذه الجزيرة عبر هذا الزمن الضارب في القدم؟ قلت: بلى.. ولكني أخشى ملل القراء من تكرار كتابتي عن جزيرتي فرسان. قال لي قارئي: لا عليك يا أخي فأنت عندما تكتب عن جزيرتك إنما تكتب عن جزء من هذا الوطن الغالي. قلت: سألبي طلبك رغم ترددي ولكني أثق في قرائي الذين سيجدون في غرابة المعلومة ما يجعلهم يغضون الطرف عن لومي وأقول -مستعينا بالله- نقلا عن الجزء الأول من كتاب (العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية) لمؤلفه الشيخ علي بن الحسن الخزرجي أنه في سنة ست وعشرين وستمائة هجرية توفي القاضي سري الدين إبراهيم بن أبي بكر بن علي بن معاذ بن مبارك بن تبع بن يوسف بن فضل الفرساني، وكان فقيها فاضلا وله مصنفات منها (المصنفات في الأصول) و(كتاب الاختصاص) وأعتقد أن هذين الكتابين ما زالا مخطوطين إلى الآن.
ويروى أن هذا القاضي اشترى أرضا فيها شجر كرم (عنب) ثم حضر عنده خصمان في قضية بينهما، فاتجه الحكم على أحدهما فحكم عليه، إلا أن المحكوم عليه جاء إلى بيت القاضي سري الدين ليلا وناداه فأجابه. فقال: يا سيدنا.. أنا فلان ومعي شريم -والشريم هو السكين الحادة- من صفته كذا وكذا، وهأنا متقدم إلى حضرتك لأقطعك بهذا الشريم؛ مكافأة لك على حكمك علي، فما كان من القاضي إلا أن استوقفه ثم خرج إليه ولاطفه وربما غرم له ما حكم به عليه. ولما أصبح سعى في بيع الأرض التي يملكها وقال: لا ينبغي ولا يصلح أن تكون لحاكم مزرعة.. وكانت وفاته -وهو على رأس القضاء- في سنة ست وعشرين وستمائة للهجرة النبوية الشريفة رحمه الله تعالى.
إنني آمل -أيها القارئ الكريم- بأني قد لبيت طلبك وأجبت على سؤالك مع ملاحظة أن هذا القاضي ليس هو الشخصية الفرسانية الوحيدة التي أشار إليها التاريخ، بل هناك شخصيات أخرى كتب عنها المؤرخون، وفي هذا ما يدل على أن هذه الجزيرة ليست كما يظن البعض أنها لم تسكن إلا منذ سنوات قليلة.. كما يدل تسلسل نسب القاضي سري الدين الفرساني على أن هؤلاء السكان ينتسبون إلى أصول وأرومة عربية عريقة.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإني سأشير إلى مؤرخ يمني هو القاضي الراحل محمد بن علي الأكوع -وهو من معاصري علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر- هذا المؤرخ اليمني تجرأ وحرَّف اسم (الفرساني) إلى (العرساني) مستبدلا حرف الفاء بحرف العين لأسباب لا تخفى على الكثير من القراء المهتمين بالتاريخ والجغرافيا، وفي هذا التحريف ما يتنافى مع الأمانة العلمية وتسخيرها للشأن السياسي أو الإقليمي وفي ذلك خيانة وجناية وتزوير للتاريخ.

للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة