هل نحن بصدد عولمة جديدة«2 / 2 »

نجيب الخنيزي

القضايا والتحديات التي دشنها القرن المنصرم لا تزال تتمتع بحضورها وراهنيتها، ربما أكثر من أي وقت مضى. صحيح أن القرن العشرين هو أكثر القرون حسما في تدشين انتقال البشرية إلى مرحلة جديدة من حيث التطور الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي العاصف، غير أنه في الوقت نفسه من أكثر القرون التي مرت في تاريخ الإنسان من حيث حجم الدمار والخراب والدماء التي سالت من أجل تحقيق المطامح والمطامع الأنانية المفرطة للقوى المتسلطة، استطاعت خلالها الرأسمالية الظافرة توحيد العالم وفقا لمصالحها وعلى شاكلتها والانتقال به والتكيف معه ابتداء من المرحلة الكولونيالية (الاستعمار القديم) ومرورا بالإمبريالية (الاستعمار الجديد) وأخيرا عبر العولمة (المرحلة الراهنة في تطور سيطرة رأس المال) التي نعيش إيقاعها اليوم والتي يعتبرها منظرو العولمة والليبرالية الجديدة أنها تمثل نهاية التاريخ وخاتمة البشر.
لقد شهدت البشرية منذ أواسط القرن التاسع عشر محاولات وتجارب مهمة (مسرحها الغرب في الغالب) على المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية للتحرر من سلطة رأس المال وهيمنته الغاشمة. وتمثل ذلك في التجديد الفكري والاستنارة والعقلانية والجهد المعرفي والكفاح الذي قاده المفكرون والمناضلون والنقابات العمالية والأحزاب السياسية ومختلف تكوينات المجتمع المدني، وما نجم عنها من ثورات ومواجهات طبقية وصدامات بين العمل ورأس المال، وبلغت ذروتها في ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا بقيادة البلاشفة، وما أعقبها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية من انقسام أوروبا والعالم إلى معسكرين متضادين، المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، واستمرت المواجهة بينهما (الحرب الباردة) لعدة عقود، حتى سقوط جدار برلين وانفراط المعسكر الاشتراكي وسقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي. ومن الواضح أن الثورة الروسية كانت تمثل أول رد عملي في تحدي تسلط رأس المال بغض النظر عن المآل التاريخي والفشل والطريق المسدود الذي آلت إليه لأسباب وعوامل موضوعية وذاتية مختلفة. ومع أن معظم شعوب العالم الثالث التي تم إخضاعها من قبل نظام السيطرة الاستعمارية الغربية بشكلها المباشر (الاستعماري) وغير المباشر (الإمبريالي) استطاعت تحقيق استقلالها السياسي وإنجاز خطوات ملموسة على صعيد التنمية والتطور الاقتصادي المستقل، غير أن ذلك سرعان ما تبخر، بل تعمقت تبعيتها للمراكز الرأسمالية على نحو أشد. ومع مطلع القرن الواحد والعشرين كانت هناك قناعة راسخة في الولايات المتحدة والغرب وبقية العالم بأنه سيكون قرنا أمريكيا بامتياز.