لا تحرموا إماء الله ما أمر الله

عبدالله عمر خياط

.. إن جميع أبناء جيلنا يعرف أن عامة ساحات المدينة المنورة، وأحيائها، وشوارعها التي شهدناها ورتعنا فيها إلى عهد غير بعيد، قد أصبحت اليوم بعد التوسعة الأخيرة للمسجد النبوي الشريف من بعض أجزائه وساحاته، ومع ذلك فإن المسجد النبوي الشريف بساحاته المحيطة به يضيق بالمصلين في موسمي الحج والعمرة وبهذا المقياس فإنه لو تمت توسعة المطاف بالمسجد الحرام ليشمل جميع مساحته فإن الزحام لن يقل عن الوضع الذي هو عليه الآن. وذلك لما وفرته حكومة خادم الحرمين الشريفين من تسهيلات للحجاج والمعتمرين والزوار، وما تيسر لهم من وسائل نقل سريعة وضخمةجعلت أعداد الحجاج تصل إلى المليونين، كما يبلغ عدد المعتمرين ثلاثة ملايين كلهم يأتي المطاف إنفاذاً لأمر الحق سبحانه وتعالى }وليطوفوا بالبيت العتيق| لا فرق بين نساء ورجال، الأمر الذي يثبت أن المنع هو للخلوة وليس للاختلاط بدليل أنه يحصل في أشرف وأقدس موقع حول الكعبة وفي السعي بين الصفا والمروة.
لذا فإن قرار الرئاسة العامة لشؤون الحرمين باستبدال الموقع الحالي المخصص للنساء في صحن المطاف لأداء الصلاة بموقعين آخرين في الدور الأرضي موقعهما بالشرفة الشمالية وإن كان فيهما سعة للنساء إلا أنه يحرمهن من إنفاذ أمر الله القائل بمحكم كتابه في سورة البقرة: }وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى|.
إن الموقع السابق للنساء رغم كونه في نهاية صحن المطاف إلا أنه يتيح لهن انفاذ الأمر الكريم بالصلاة خلف مقام إبراهيم وإن كان من على بعد، أما الآن فإنه وإن قالت الرئاسة إن الموقعين الجديدين اللذين سيخصصان لصلاة النساء ويطلان مباشرة على الكعبة المشرفة «بعيداً عن الزحام» يقع أولهما بين باب الفتح وباب الندوة فيما يحتل الثاني ما بين باب المدينة وباب الحديبية، وأن هذين الموقعين -كما تقول الرئاسة فيما نشرته المدينة- أكثر ملاءمة للنساء حيث تبلغ مساحتهما ضعف الموقع السابق التي لم تكن تزيد على 630 متراً. فإننا وإن كنا مع الرئاسة فيما أوضحته بالنسبة لسعة المكان الجديد لكن لو كانت مواقع العبادة تخضع للآراء والبحث عن السعة لكان بالإمكان النزول خارج عرفة والمرور من العابدية إلى منى دون المرور بالمزدلفة لتخفيف حركة السيارات، كما قد يمكن الخروج من مساحة منى الشرعية إلى العزيزية لتخفيف الزحام الحاصل والذي قد يؤدي إلى وفاة عدد من الحجاج نتيجة التدافع.
إن الذي نعرف فيما روى عن السلف: أن مواقع العبادة والمشاعر المقدسة كرحم المرأة تضيق وتتسع بمشيئة الله الرحيم بعباده، ولهذا فإنه لا ضير إن بقي للنساء ولو نصف المساحة السابقة من حيث العمق وإعطائها امتداداً أكبر لناحية باب السلام بحيث تتسع لعدد أكبر ولا تحصل مضايقة للطائفين خاصة مع تجويز الطواف بالدور الثاني.. وبالتالي تتمكن النساء من إنفاذ أمر رب العزة والجلال الذي أمر بالصلاة عند مقام إبراهيم بقوله تعالى }واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى|.
وفي اعتقادي أن المسؤولين في الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين أعلم مني بأن الرجوع إلى الحق فضيلة، وأن القاعدة التي يعرفها «العلماء» الحقيقيون -كما قرأت- «أن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال»، لذلك فإن العالم الحقيقي إذا ثبت لديه أمر ما «لا يستحي» عن الرجوع عن قول سابق له يخالف ما صح لديه لاحقاً.
فهل تستجيب الرئاسة لإنفاذ أمر رب العزة والجلال بالسماح للنساء بالصلاة في موقعهن لكي يتخذن من مقام إبراهيم مصلى؟
بل ليت الرئاسة تسمح لكبار السن والمقعدات من النساء بالصلاة في مساحة محدودة عند أبواب المسجد الحرام أو بعضها وذلك لما يلاقين من مشقة في الوصول إلى مواقع مصلى النساء.. فهل إلى ذلك من سبيل؟