دارفور.. هل يكون التدخل خطأ ؟!
الأربعاء / 13 / شعبان / 1427 هـ الأربعاء 06 سبتمبر 2006 19:34
مطلق سعود المطيري
وافق مجلس الأمن الدولي (الخميس 31 أغسطس) على القرار رقم 1706، بعد موافقة 12 دولة وامتناع روسيا والصين وقطر عن التصويت، وينص القرار على إرسال قوات حفظ سلام دولية لإقليم دارفور المتوتر غرب السودان، على الرغم من اعتراضات الحكومة السودانية على ذلك، كما يدعو إلى إرسال نحو 22 ألفاً و500 جندي وشرطي تابعين للأمم المتحدة، شريطة موافقة الحكومة السودانية على ذلك، مع تقديم إمدادات فورية جوية وهندسية وفي مجال الاتصالات لقوة الاتحاد الافريقي البالغ عددها 7 آلاف والمتواجدة حالياً في الإقليم، على أن تحل القوات الدولية محل قوات الاتحاد الافريقي بحلول أكتوبر المقبل. ويتيح القرار الجديد للقوات الدولية استخدام كل الوسائل في حدود قدرتها لحماية أفراد ومنشآت الأمم المتحدة ومنع الهجمات والتهديدات للمدنيين، كما يطالب بوجود ضباط اتصال في الشؤون السياسية والإنسانية والعسكرية ومن الشرطة المدنية في تشاد المجاورة التي فرّ إليها لاجئون من دارفور، ويشير القرار إلى التزام المجلس الثابت بـ«سيادة السودان ووحدة أراضيه»، ويؤكد أن المشاركة الأفريقية في تلك القوة الدولية المفترضة ستكون كبيرة.
وعلى الرغم من أن القرار، لم يشر إلى إمكانية توقيع عقوبات على الحكومة السودانية في حال رفضها القرار لأنه ربط نشر القوات الدولية بموافقة الحكومة، إلا أن الموقف بات معقداً خاصة أن الحكومة السودانية أعلنت في أكثر من مناسبة رفض نشر قوات دولية. كما اتخذت موقفاً متشدداً من قوات حفظ السلام الافريقية الموجودة بالفعل في الإقليم، حيث استدعت الخارجية السودانية (4/9/2006) المبعوث الخاص للاتحاد الافريقي في السودان وأبلغته بقرار الحكومة إنهاء مهمة قوات الاتحاد الافريقي، على أن تنتقل المهمة إلى السلطات السودانية. وفي الوقت الذي عبرت فيه جامعة الدول العربية، وكذلك عدد من الدول العربية عن تحفظاتها، بل ورفضها للقرار 1706، إلا أن هذه الدول لم تعد تملك من أمرها شيئاً، فقد صدر القرار، وتقف خلفه الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان استندتا في تحركاتهما، لإصدار القرار إلى عدة اعتبارات، منها: الضعف العربي وعدم قدرة الدول العربية على ممارسة دور فعال لتسوية الأزمة المتفجرة في دارفور من سنوات، بل والتهميش الذي تعاني منه القضية السودانية في أجندات الدول العربية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتمدت الدولتان على حالة الانقسامات الداخلية التي تعاني منها الحكومة الائتلافية السودانية، وتعدد الصراعات بين التيارات السياسية السودانية، وبعضها البعض، وهي الصراعات التي استمرت حتى بعد صدور القرار 1706، وانعكست في مواقف هذه القوى من القرار، ففي الوقت الذي رفضه حزب المؤتمر الحاكم، ومحمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وافقت عليه الحركة الشعبية، شريك الحكم الرئيسي في حكومة الوحدة الوطنية، وتعهد زعيمها ورئيس حكومة الجنوب ونائب البشير الأول، سيلفا كير، بتقديم جميع أوجه الدعم.
كما وافق عليه الطرف الثالث في حكومة الائتلاف الانتقالية، والمنضم إليها حديثاً عقب توقيعه اتفاق أبوجا لسلام دارفور، «مني آركوي» كبير مساعدي رئيس الجمهورية، الذي وصف القرار بالنصر التاريخي لأهل دارفور، كذلك فإن حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق يدعم تواجد القوات الدولية، وهو نفس الموقف الذي تبناه المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي، ومحمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي. أما الاعتبار الثالث الذي استندت عليه الحكومتان الأمريكية والبريطانية، لتمرير القرار، فتمثل في الأوضاع المأساوية التي يعاني منها سكان الإقليم، منذ سنوات وحالة المجاعة والانهيار الكامل في المرافق والخدمات، لدرجة وصفها البعض بالإبادة الجماعية، هذا بالإضافة إلى فشل الدبلوماسية السودانية في التعامل مع تطورات الموقف، منذ القمة العربية التي عقدت في الخرطوم في مارس الماضي، وقبلها في القمة الافريقية التي عقدت في الخرطوم أيضاً، وظل دور الحكومة قاصراً على البيانات التنديدية، والمؤتمرات الجماهيرية الحاشدة، والشعارات الواهية، دون تقدم حقيقي لتسوية الأزمة، وإيجاد المبررات القوية للحيلولة دون صدور القرار، خاصة أنها على علم بالمدة المحددة لانتهاء عمل القوات الافريقية بنهاية سبتمبر الحالي.
وإذا كانت الحكومة السودانية تعول في تحركاتها الخارجية في المرحلة الراهنة، على روسيا والصين اللتين لم توافقا على القرار، فما ينبغي التأكيد عليه أنهما لم ترفضاه، فموقف الدولتين يرجع إلى شعورهما بضرورة نشر القوات الدولية في الإقليم لإنهاء الصراع، إلا أنهما لا يريدان ذلك؛ لأن معناه تكريس التدخل الأجنبي في الدول، وهو ما قد ينعكس بالسلب على مصالحهما، وهذا يمكن للسودانيين التحرك بقبول نشر القوات الدولية على أن يسعوا لدى الروس والصينيين ليضمنوا أن تكون أفريقية الطابع، وبضمانات لا تتيح أن تتحول تلك القوة إلى قوة احتلال كما حدث في أفغانستان.
أما الإصرار على رفض القرار الدولي، فمعناه أن الحكومة السودانية وضعت نفسها في مواجهة مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب الظهور بمظهر الدولة الرافضة لما يسمى «الشرعية الدولية»، وهو ما سيعطي الفرصة للأمريكيين للقيام بما يحاولون القيام به وهو دخول إقليم درافور وإيجاد موطئ قدم في الإقليم وفي هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لهم، التي تمثل حلماً طال انتظاره في ظل الصراع مع فرنسا على مواطن النفوذ الفرنسي القديم في القارة الأفريقية، ولما تتمتع به المنطقة من ثروات نفطية واقتصادية هائلة.
وهنا سترفع الولايات المتحدة سلاح العقوبات، وتستحضر القرار 1593 الذي تم بمقتضاه توقيع عقوبات على عدد من المسؤولين السودانيين ومسؤول من حركات التمرد في إقليم دارفور بتهمة التورط في ارتكاب جرائم حرب في الإقليم، وهو ما سيكون محل ترحيب من المجتمع الدولي؛ بدعوى أن السودان «دولة مارقة» و«تتستر على جرائم الحرب» التي ترتكب في الإقليم، وحينها لن يكون أمام السودان إلا القبول بإرسال القوات الدولية إلى الإقليم مقابل رفع العقوبات عن البلاد، وتبقى حلقات الدائرة معروفة للجميع.
والمحصلة النهائية، وجود بؤرة جديدة للتوتر والاضطراب في الوطن العربي، وخطوة أخرى من خطوات تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى فرضه، وللأسف تجد من المبررات، ما يتيح لها ذلك، والعديد من هذه المبررات، نقدمه نحن لها، من خلال تقاعس وسلبية وعجز غير مبرر، وشعارات واهية وحشود مليونية تسيء لقضايانا أكثر ما تدافع عنها وتحميها!!
mutlaq12@gmail.com
وعلى الرغم من أن القرار، لم يشر إلى إمكانية توقيع عقوبات على الحكومة السودانية في حال رفضها القرار لأنه ربط نشر القوات الدولية بموافقة الحكومة، إلا أن الموقف بات معقداً خاصة أن الحكومة السودانية أعلنت في أكثر من مناسبة رفض نشر قوات دولية. كما اتخذت موقفاً متشدداً من قوات حفظ السلام الافريقية الموجودة بالفعل في الإقليم، حيث استدعت الخارجية السودانية (4/9/2006) المبعوث الخاص للاتحاد الافريقي في السودان وأبلغته بقرار الحكومة إنهاء مهمة قوات الاتحاد الافريقي، على أن تنتقل المهمة إلى السلطات السودانية. وفي الوقت الذي عبرت فيه جامعة الدول العربية، وكذلك عدد من الدول العربية عن تحفظاتها، بل ورفضها للقرار 1706، إلا أن هذه الدول لم تعد تملك من أمرها شيئاً، فقد صدر القرار، وتقف خلفه الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان استندتا في تحركاتهما، لإصدار القرار إلى عدة اعتبارات، منها: الضعف العربي وعدم قدرة الدول العربية على ممارسة دور فعال لتسوية الأزمة المتفجرة في دارفور من سنوات، بل والتهميش الذي تعاني منه القضية السودانية في أجندات الدول العربية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتمدت الدولتان على حالة الانقسامات الداخلية التي تعاني منها الحكومة الائتلافية السودانية، وتعدد الصراعات بين التيارات السياسية السودانية، وبعضها البعض، وهي الصراعات التي استمرت حتى بعد صدور القرار 1706، وانعكست في مواقف هذه القوى من القرار، ففي الوقت الذي رفضه حزب المؤتمر الحاكم، ومحمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وافقت عليه الحركة الشعبية، شريك الحكم الرئيسي في حكومة الوحدة الوطنية، وتعهد زعيمها ورئيس حكومة الجنوب ونائب البشير الأول، سيلفا كير، بتقديم جميع أوجه الدعم.
كما وافق عليه الطرف الثالث في حكومة الائتلاف الانتقالية، والمنضم إليها حديثاً عقب توقيعه اتفاق أبوجا لسلام دارفور، «مني آركوي» كبير مساعدي رئيس الجمهورية، الذي وصف القرار بالنصر التاريخي لأهل دارفور، كذلك فإن حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق يدعم تواجد القوات الدولية، وهو نفس الموقف الذي تبناه المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي، ومحمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي. أما الاعتبار الثالث الذي استندت عليه الحكومتان الأمريكية والبريطانية، لتمرير القرار، فتمثل في الأوضاع المأساوية التي يعاني منها سكان الإقليم، منذ سنوات وحالة المجاعة والانهيار الكامل في المرافق والخدمات، لدرجة وصفها البعض بالإبادة الجماعية، هذا بالإضافة إلى فشل الدبلوماسية السودانية في التعامل مع تطورات الموقف، منذ القمة العربية التي عقدت في الخرطوم في مارس الماضي، وقبلها في القمة الافريقية التي عقدت في الخرطوم أيضاً، وظل دور الحكومة قاصراً على البيانات التنديدية، والمؤتمرات الجماهيرية الحاشدة، والشعارات الواهية، دون تقدم حقيقي لتسوية الأزمة، وإيجاد المبررات القوية للحيلولة دون صدور القرار، خاصة أنها على علم بالمدة المحددة لانتهاء عمل القوات الافريقية بنهاية سبتمبر الحالي.
وإذا كانت الحكومة السودانية تعول في تحركاتها الخارجية في المرحلة الراهنة، على روسيا والصين اللتين لم توافقا على القرار، فما ينبغي التأكيد عليه أنهما لم ترفضاه، فموقف الدولتين يرجع إلى شعورهما بضرورة نشر القوات الدولية في الإقليم لإنهاء الصراع، إلا أنهما لا يريدان ذلك؛ لأن معناه تكريس التدخل الأجنبي في الدول، وهو ما قد ينعكس بالسلب على مصالحهما، وهذا يمكن للسودانيين التحرك بقبول نشر القوات الدولية على أن يسعوا لدى الروس والصينيين ليضمنوا أن تكون أفريقية الطابع، وبضمانات لا تتيح أن تتحول تلك القوة إلى قوة احتلال كما حدث في أفغانستان.
أما الإصرار على رفض القرار الدولي، فمعناه أن الحكومة السودانية وضعت نفسها في مواجهة مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب الظهور بمظهر الدولة الرافضة لما يسمى «الشرعية الدولية»، وهو ما سيعطي الفرصة للأمريكيين للقيام بما يحاولون القيام به وهو دخول إقليم درافور وإيجاد موطئ قدم في الإقليم وفي هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لهم، التي تمثل حلماً طال انتظاره في ظل الصراع مع فرنسا على مواطن النفوذ الفرنسي القديم في القارة الأفريقية، ولما تتمتع به المنطقة من ثروات نفطية واقتصادية هائلة.
وهنا سترفع الولايات المتحدة سلاح العقوبات، وتستحضر القرار 1593 الذي تم بمقتضاه توقيع عقوبات على عدد من المسؤولين السودانيين ومسؤول من حركات التمرد في إقليم دارفور بتهمة التورط في ارتكاب جرائم حرب في الإقليم، وهو ما سيكون محل ترحيب من المجتمع الدولي؛ بدعوى أن السودان «دولة مارقة» و«تتستر على جرائم الحرب» التي ترتكب في الإقليم، وحينها لن يكون أمام السودان إلا القبول بإرسال القوات الدولية إلى الإقليم مقابل رفع العقوبات عن البلاد، وتبقى حلقات الدائرة معروفة للجميع.
والمحصلة النهائية، وجود بؤرة جديدة للتوتر والاضطراب في الوطن العربي، وخطوة أخرى من خطوات تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى فرضه، وللأسف تجد من المبررات، ما يتيح لها ذلك، والعديد من هذه المبررات، نقدمه نحن لها، من خلال تقاعس وسلبية وعجز غير مبرر، وشعارات واهية وحشود مليونية تسيء لقضايانا أكثر ما تدافع عنها وتحميها!!
mutlaq12@gmail.com