حرب واشنطن على المتطرفين أهم محفّز للارهاب في العالم
أمريكا استغلت 11 سبتمبر لممارسة سياستها التوسعية 1/2
الأحد / 17 / شعبان / 1427 هـ الاحد 10 سبتمبر 2006 19:43
د. طلال صالح بنان
اليوم يصادف الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية، التي ضربت كلاً من مدينتي نيويورك وواشنطن، وراح ضحيتها أكثر من 3500 إنسان، وتعتبر أخطر تحدٍ استراتيجيٍ واجه الولايات المتحدة منذ إنشائها.. وتعكس، أيضاً قصوراً مميتاً في نظرية الأمن القومي الأمريكي، الذي كان ولا يزال وسيظل هاجس الولايات المتحدة الأول، منذ أن قررت أن تخرج عن عزلتها القارية.. وتنخرط بصورة مباشرة وعميقة، في حركة السياسية الدولية.. وتُطَوّرَ استراتيجيات نفوذ كونية تقوم أساساً على احتمال الصدام مع فعاليات دولية، لاقتسام العالم، بعيداً عن أراضيها.
بعد خمس سنوات من تلك الأحداث الإرهابية والمفجعة، التي أثرت على سلوك دول ومجتمعات العالم بأسره، وليس فقط الولايات المتحدة.. وتمخض عنها اتباع سياسات والأخذ بإجراءات محلية ودولية، تضع نصب أعين صانعي القرار، في العالم، متغير الإرهاب في عين الاعتبار، بصورة جدية وصارمة، وغير مسبوقة. خمس سنوات من تلك الأحداث الإرهابية المفجعة ليست كافية لتقديم تقييم حقيقي وشامل لهذه الحرب التي نشبت بين العالم، منذ تلك الأحداث، وما يُسمى بالإرهاب، وقادتها الولايات المتحدة بكل إمكانات الردع الإستراتيجي والنفوذ السياسي الطاغي على ساحة السياسة الدولية... لكن، على أي حال يمكن ملاحظة وتتبع إنجاز العالم في حربه على الإرهاب، مقارنة بما يتمتع به الإرهاب، من إمكانات استراتيجية وتكتيكية، أبقت الظاهرة حاضرة على مسرح الحياة السياسية لكثيرٍ من مجتمعات العالم.. وهاجس الإرهاب، حاضراً على مسرح حركة السياسة الدولية... بل إنه يمكن ملاحظة أن الظاهرة شكلت، إلى حدٍ كبير نمط العلاقات الدولية، خارج نطاق الدول كأطراف أساسية في السياسة الدولية، إلى فرض تنظيمات غير رسمية احترفت الإرهاب، لتكون أحد أطراف معمعة الصراع الدولي، بعيداً عن النمط التقليدي لدور الدول، في هذا المجال.
إدارة الصراع بعيداً عن الوطن.!؟
الولايات المتحدة كانت جميع خططها الدفاعية، لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا، في العالم، تقوم على فرضية إدارة الجانب العنيف من حركة سياستها الخارجية، بعيداً عن أراضيها، مع تصور احتمال تعرض أراضيها للهجوم من طرف خارجي، ولكن في إطار استراتيجية ردع قوية، تجعل الخصم يفكر طويلاً قبل أن يخطط للتعرض لأمن الولايات المتحدة القومي، في داخل إقليمها. في عصر الحرب الباردة طورت الولايات المتحدة استراتيجيات مثل: الاحتواء، وحافة الهاوية، والفناء الشامل، والحرب النووية المحدودة وإمكانية الضربة النووية الأولى وحرب النجوم، إلى ما هنالك من استراتيجيات دفاعية، غير تقليدية، في إطار ما كان يسمى استراتيجية توازن الرعب النووي، في مواجهة أي هجوم غير تقليدي محتمل، تتعرض له الولايات المتحدة، إذا ما تطور أي حدث دولي لاحتمال صدام نووي غير مباشر بينها والاتحاد السوفيتي.
وحتى بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، كانت استراتيجية الولايات المتحدة الدفاعية، تقوم على نظرية الردع النووي، في مواجهة أية قوة نووية، تفكر في تطوير طموحات كونية تحاول من خلالها تحدي الهيمنة الكونية الأمريكية، مع قوة ردع تقليدية هائلة، تحاول من خلالها الولايات المتحدة تحقيق طموحاتها التوسعية، حول العالم، من أجل تأكيد وجني ثمار مكانتها الكونية الجديدة. في كل الأحوال، كانت استراتيجية الدفاع الأمريكية، قبل الحادي عشر من سبتمبر تركز على توقع الخطر، على أمنها.. أو توقع التحدي لمكانة الولايات المتحدة الكونية الجديدة، من قبل فعاليات نظامية في النظام الدولي (الدول)، وليس من قبل منظمات غير نظامية، طورت استراتيجيات عدائية تجاه الولايات المتحدة، وكذا أنظمة الحكم في مجتمعاتها، من أجل إحداث تغيير أممي شامل في قيم وحركة مؤسسات النظام الدولي وفعالياته.. وكذا، نفس التحول في مجتمعاتها، متسلحةً عقائدياً بأفكار أيدلوجية، تقوم أساساً على تطويع النص من أجل خدمة أهدافها السياسية، في داخل مجتمعاتها، وعلى مستوى حركة وقيم النظام الدولي.الولايات المتحدة الأمريكية، أضحت تنظر نظرة استراتيجية متقدمة، لتطور ظاهرة الإرهاب عالمياً، بأنها متغير استراتيجي يجب أن يكون، في كل الأحوال، حاضراً في حركة سياستها الخارجية، وأيضاً، مقتضيات أمنها الداخلي، بصورة غير معتادة وغير مسبوقة. الجماعات الإرهابية، التي ارتكبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، في قلب كبرياء المارد الأمريكي حيث رموز قوته الاقتصادية الأممية ونفوذه السياسي الطاغي حول العالم، وقبل ذلك في مواقع منتقاة للوجود الأمريكي حول العالم السياسي والعسكري، في دار السلام وعدن، ومناطق أخرى حول العالم، تمثل أبرز تحدٍ استراتيجيٍ واجه أمن الولايات المتحدة، في عقر دارها، بعد أن اعتادت الولايات المتحدة أن تدير الجانب العنيف من سياستها الخارجية خارج إقليمها، من نشأتها في أواخر القرن الثامن عشر.
آخر الحروب..!؟
الولايات المتحدة لن تنتظر، بعد تلك الأحداث، هجوماً آخر، ينال من هيبتها ومكانتها الدولية، وكبرياء شعبها، بل بادرت بتطوير سياسات واسترتيجيات لتكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، آخر معاركها مع الإرهاب في داخل أراضيه... بل إنها طورت استراتيجيات قتالية عنيفة، مدعومة بسياسة خارجية متشددة، ليس ضد الجماعات الإرهابية، بل ضد أي طرف دولي أو مجتمع محلي، ترى أنه حسب قول الخطاب السياسي الموجه للتعامل مع ظاهرة الإرهاب العالمية: يوفر ملاذاً، أو بيئة محلية صديقة لفكر الإرهاب وحركته العنيفة. من يومها والولايات المتحدة، تشن حرباً أممية، على ما تسميه الإرهاب وعن طريق حجتها بررت لنفسها محاولة تحقيق تطلعات كونية لتبرير توسعها في الخارج، حتى إنها لجأت إلى الحرب لتأكيد سياستها المعلنة، لمحاربة ما تسميه الإرهاب.
رأس الأفعى..!؟
لقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان، بعد أشهر قليلة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتغاضى العالم عن ذلك، مجاراةً، أو بالأحرى «تفهماً» للأوضاع السياسية، ذات الأبعاد المحلية والدولية، التي سيطرت على مؤسسات الحكم في واشنطن والرأي العام الأمريكي، للثأر مِنْ مَنْ تشير إليه أصابع الاتهام، بأنه وراء تلك الأحداث الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة، في ذلك اليوم المشؤوم على أمريكا وبعد ذلك على العالم. كان المتهم الرئيس وراء تلك الأحداث تنظيم القاعدة، الذي كان يوفر له نظام طالبان في أفغانستان، المأوى والملجأ معاً. وكان العالم مرر الحملة العسكرية في أفغانستان، التي نجحت في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان... ولكنها لم تنجح في القضاء على رموز القاعدة، ولا على ما هو أخطر من رموزها: روح التحدي والمجابهة والتأسي بنهجه، من قبل الجماعات الإرهابية، التي تأثرت بفكره وأُعجبت بإنجازه وأُخذت بنهجه الاستعراضي في المواجهة، حيث أصبح تنظيم القاعدة، رمزاً «باطنياً» لكل تنظيم أو جماعة «إسلامية» تلجأ إلى العنف لتحقيق أهداف من الصراع لأجل السلطة في مجتمعاتها، التي من وجهة نظرها القاصرة، تتصور ارتباطاً وثيقاً بين نخب مجتمعاتها الحاكمة مرتبطة بصورة أو بأخرى، بما تسميه «الشيطان الأكبر».. أو «رأس الأفعى» الولايات المتحدة الأمريكية. طبقاً لهذا الفكر السياسي المتحجر، الذي يعتمد أساساً على تطويع النص من أجل أهداف سياسية، يمكن ملاحظة أن حركة الإرهاب العالمية، لم تقتصر على مواجهة ما تسميه هذه الجماعات التي سواء حقيقةً تنتمي إلى تنظيم القاعدة.. أو تتمسح به لتضفي «شرعية» وحضوراً، من نوع ما على نشاطاتها الإرهابية، بـ «الشيطان الأكبر» أو «رأس الأفعى» الولايات المتحدة، داخلياً وخارجياً، ولكن عنفها الأرعن طال مجتمعاتها المحلية، بصورة أكبر من تلك التي تضرر بها أمن الولايات المتحدي القومي، داخلياً.. أو مصالحها الخارجية، حول العالم. الولايات، إلى حد، الآن نجحت إجراءاتها المحلية ، القانونية والتشريعية والسياسية، رغم تطرفها ومساومتها على قيم سياسية وحضارية ومدنية كانت تفتخر بها التجربة الليبرالية الأمريكية، في عدم تكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى أنها ليست بالضرورة قادت إلى أن يشعر المجتمع الأمريكي، بأنه أضحى أكثر أمناً، باستبعاد تكرار مثل تلك الأحداث، أو حتى أشد فتكاً وأكثر استعراضية، من تلك التي حدثت في ذلك اليوم المشؤوم.
محاربة الإرهاب أم مقتضيات التوسع..!؟
العالم، جعل الولايات المتحدة تفرغ شحنة الغضب الذي أنتاب زعماءها وقادتها العسكريين والرأي العام الأمريكي، في الحملة العسكرية على أفغانستان، حتى إنه بإمكاننا أن نقول: إن العالم وصل إلى درجة التعاطف مع ردة الفعل العنيفة، التي فرغتها آلة الولايات المتحدة العسكرية، بكل إمكانات الردع التقليدية التي تمتلكها، ضد أفقر دولة في العالم. ولكن واشنطن استمرأت حجة ما تسميه الإرهاب، لتمارس حركة توسعية مستهدفة مجتمعات، لم يُعرف عنها أنها كانت تمثل بيئة صديقة للإرهاب، خاصة تنظيم القاعدة، فأعلن الرئيس الأمريكي، بعد «غزوة» أفغانستان»، ما عُرِف بمبدأ بوش، حول: محور الشر ( العراق وإيران وكوريا الشمالية )، بوصف تصنيف أنظمتها، من قبل مؤسسات صناعة السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن: أنظمة «مارقة»، تحاول تطوير إمكانات ردع غير تقليدية، من أجل: العمل على زيادة التوتر، حول العالم، وتهديد السلام والأمن الدوليين... وزادت عليها، في ما يخص منطقة الشرق الأوسط، خاصة العراق وإيران، «ادعاء» مساندة الإرهاب واستخدامه كأداء لمواجهة الولايات المتحدة، حتى يمكن ضم إقليمها لمسرح عمليات الحرب على ما تسميه الولايات المتحدة الإرهاب.
بعد أكثر من ثلاث سنوات على غزو العراق، بعرف العالم، الآن، كيف أن الولايات المتحدة بسياستها القتالية، تُعد أهم مصادر ومحفزات حركة الإرهاب العالمية. أهم نتائج الحملة الأمريكية على العراق، جعل العراق بيئة أكثر من صديقة للجماعات الإرهابية وفكرها، في الوقت الذي لم يسجل العالم، في العراق طوال عهد صدام حسين الذي أطاحت به الحملة الأنجلوسكسونية للعراق، تحت راية ما يسمى بالحرب على الإرهاب، أن العراق كان يؤوي أو يحمي الجماعات الإرهابية أو يروج لفكرها العقائدي المريض...!؟.
نهج غير تقليدي للاقتراب من المشكلة
ليس بأفضل من هذه المناسبة في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت سلوك توجه، بل حتى نظام القيم الخاص بالثقافة الأمريكية المعاصرة، الذي كان العالم ينظر إليه بإعجاب خاص، أن نركز على جانب غير تقليدي، افتقدته معظم أدبيات تناول ظاهرة الإرهاب، السياسية والفكرية والثقافية، التي ركزت كثيراً على مهاجمة الظاهرة، دون التعمق أكثر في تبصر مستقبل نشاطها العنيف، وما إذا كان العالم ـ بالفعل ـ في طريقه إلى القضاء عليها.. أم أنها، ستبقى مهمة، بدرجة كبيرة، للولايات المتحدة الأمريكية، كأهم مصادر حجتها في الاقتراب العنيف من حلمها للسيطرة على العالم. الإرهاب، حتى في داخل الحياة السياسية، أضحى اللعبة المفضلة للساسة، من أجل الاقتراب أكثر من مؤسسات صناعة القرار في واشنطن، بحجة التفاني في الدفاع عن أمن الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك على حساب قيم الليبرالية المتأصلة، في ضمير الأمة الأمريكية، التي تُعتبر المصدر الأساسي لشرعية النخب السياسية، في المجتمع الأمريكي.
بعد خمس سنوات من تلك الأحداث الإرهابية والمفجعة، التي أثرت على سلوك دول ومجتمعات العالم بأسره، وليس فقط الولايات المتحدة.. وتمخض عنها اتباع سياسات والأخذ بإجراءات محلية ودولية، تضع نصب أعين صانعي القرار، في العالم، متغير الإرهاب في عين الاعتبار، بصورة جدية وصارمة، وغير مسبوقة. خمس سنوات من تلك الأحداث الإرهابية المفجعة ليست كافية لتقديم تقييم حقيقي وشامل لهذه الحرب التي نشبت بين العالم، منذ تلك الأحداث، وما يُسمى بالإرهاب، وقادتها الولايات المتحدة بكل إمكانات الردع الإستراتيجي والنفوذ السياسي الطاغي على ساحة السياسة الدولية... لكن، على أي حال يمكن ملاحظة وتتبع إنجاز العالم في حربه على الإرهاب، مقارنة بما يتمتع به الإرهاب، من إمكانات استراتيجية وتكتيكية، أبقت الظاهرة حاضرة على مسرح الحياة السياسية لكثيرٍ من مجتمعات العالم.. وهاجس الإرهاب، حاضراً على مسرح حركة السياسة الدولية... بل إنه يمكن ملاحظة أن الظاهرة شكلت، إلى حدٍ كبير نمط العلاقات الدولية، خارج نطاق الدول كأطراف أساسية في السياسة الدولية، إلى فرض تنظيمات غير رسمية احترفت الإرهاب، لتكون أحد أطراف معمعة الصراع الدولي، بعيداً عن النمط التقليدي لدور الدول، في هذا المجال.
إدارة الصراع بعيداً عن الوطن.!؟
الولايات المتحدة كانت جميع خططها الدفاعية، لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا، في العالم، تقوم على فرضية إدارة الجانب العنيف من حركة سياستها الخارجية، بعيداً عن أراضيها، مع تصور احتمال تعرض أراضيها للهجوم من طرف خارجي، ولكن في إطار استراتيجية ردع قوية، تجعل الخصم يفكر طويلاً قبل أن يخطط للتعرض لأمن الولايات المتحدة القومي، في داخل إقليمها. في عصر الحرب الباردة طورت الولايات المتحدة استراتيجيات مثل: الاحتواء، وحافة الهاوية، والفناء الشامل، والحرب النووية المحدودة وإمكانية الضربة النووية الأولى وحرب النجوم، إلى ما هنالك من استراتيجيات دفاعية، غير تقليدية، في إطار ما كان يسمى استراتيجية توازن الرعب النووي، في مواجهة أي هجوم غير تقليدي محتمل، تتعرض له الولايات المتحدة، إذا ما تطور أي حدث دولي لاحتمال صدام نووي غير مباشر بينها والاتحاد السوفيتي.
وحتى بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، كانت استراتيجية الولايات المتحدة الدفاعية، تقوم على نظرية الردع النووي، في مواجهة أية قوة نووية، تفكر في تطوير طموحات كونية تحاول من خلالها تحدي الهيمنة الكونية الأمريكية، مع قوة ردع تقليدية هائلة، تحاول من خلالها الولايات المتحدة تحقيق طموحاتها التوسعية، حول العالم، من أجل تأكيد وجني ثمار مكانتها الكونية الجديدة. في كل الأحوال، كانت استراتيجية الدفاع الأمريكية، قبل الحادي عشر من سبتمبر تركز على توقع الخطر، على أمنها.. أو توقع التحدي لمكانة الولايات المتحدة الكونية الجديدة، من قبل فعاليات نظامية في النظام الدولي (الدول)، وليس من قبل منظمات غير نظامية، طورت استراتيجيات عدائية تجاه الولايات المتحدة، وكذا أنظمة الحكم في مجتمعاتها، من أجل إحداث تغيير أممي شامل في قيم وحركة مؤسسات النظام الدولي وفعالياته.. وكذا، نفس التحول في مجتمعاتها، متسلحةً عقائدياً بأفكار أيدلوجية، تقوم أساساً على تطويع النص من أجل خدمة أهدافها السياسية، في داخل مجتمعاتها، وعلى مستوى حركة وقيم النظام الدولي.الولايات المتحدة الأمريكية، أضحت تنظر نظرة استراتيجية متقدمة، لتطور ظاهرة الإرهاب عالمياً، بأنها متغير استراتيجي يجب أن يكون، في كل الأحوال، حاضراً في حركة سياستها الخارجية، وأيضاً، مقتضيات أمنها الداخلي، بصورة غير معتادة وغير مسبوقة. الجماعات الإرهابية، التي ارتكبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، في قلب كبرياء المارد الأمريكي حيث رموز قوته الاقتصادية الأممية ونفوذه السياسي الطاغي حول العالم، وقبل ذلك في مواقع منتقاة للوجود الأمريكي حول العالم السياسي والعسكري، في دار السلام وعدن، ومناطق أخرى حول العالم، تمثل أبرز تحدٍ استراتيجيٍ واجه أمن الولايات المتحدة، في عقر دارها، بعد أن اعتادت الولايات المتحدة أن تدير الجانب العنيف من سياستها الخارجية خارج إقليمها، من نشأتها في أواخر القرن الثامن عشر.
آخر الحروب..!؟
الولايات المتحدة لن تنتظر، بعد تلك الأحداث، هجوماً آخر، ينال من هيبتها ومكانتها الدولية، وكبرياء شعبها، بل بادرت بتطوير سياسات واسترتيجيات لتكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، آخر معاركها مع الإرهاب في داخل أراضيه... بل إنها طورت استراتيجيات قتالية عنيفة، مدعومة بسياسة خارجية متشددة، ليس ضد الجماعات الإرهابية، بل ضد أي طرف دولي أو مجتمع محلي، ترى أنه حسب قول الخطاب السياسي الموجه للتعامل مع ظاهرة الإرهاب العالمية: يوفر ملاذاً، أو بيئة محلية صديقة لفكر الإرهاب وحركته العنيفة. من يومها والولايات المتحدة، تشن حرباً أممية، على ما تسميه الإرهاب وعن طريق حجتها بررت لنفسها محاولة تحقيق تطلعات كونية لتبرير توسعها في الخارج، حتى إنها لجأت إلى الحرب لتأكيد سياستها المعلنة، لمحاربة ما تسميه الإرهاب.
رأس الأفعى..!؟
لقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان، بعد أشهر قليلة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتغاضى العالم عن ذلك، مجاراةً، أو بالأحرى «تفهماً» للأوضاع السياسية، ذات الأبعاد المحلية والدولية، التي سيطرت على مؤسسات الحكم في واشنطن والرأي العام الأمريكي، للثأر مِنْ مَنْ تشير إليه أصابع الاتهام، بأنه وراء تلك الأحداث الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة، في ذلك اليوم المشؤوم على أمريكا وبعد ذلك على العالم. كان المتهم الرئيس وراء تلك الأحداث تنظيم القاعدة، الذي كان يوفر له نظام طالبان في أفغانستان، المأوى والملجأ معاً. وكان العالم مرر الحملة العسكرية في أفغانستان، التي نجحت في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان... ولكنها لم تنجح في القضاء على رموز القاعدة، ولا على ما هو أخطر من رموزها: روح التحدي والمجابهة والتأسي بنهجه، من قبل الجماعات الإرهابية، التي تأثرت بفكره وأُعجبت بإنجازه وأُخذت بنهجه الاستعراضي في المواجهة، حيث أصبح تنظيم القاعدة، رمزاً «باطنياً» لكل تنظيم أو جماعة «إسلامية» تلجأ إلى العنف لتحقيق أهداف من الصراع لأجل السلطة في مجتمعاتها، التي من وجهة نظرها القاصرة، تتصور ارتباطاً وثيقاً بين نخب مجتمعاتها الحاكمة مرتبطة بصورة أو بأخرى، بما تسميه «الشيطان الأكبر».. أو «رأس الأفعى» الولايات المتحدة الأمريكية. طبقاً لهذا الفكر السياسي المتحجر، الذي يعتمد أساساً على تطويع النص من أجل أهداف سياسية، يمكن ملاحظة أن حركة الإرهاب العالمية، لم تقتصر على مواجهة ما تسميه هذه الجماعات التي سواء حقيقةً تنتمي إلى تنظيم القاعدة.. أو تتمسح به لتضفي «شرعية» وحضوراً، من نوع ما على نشاطاتها الإرهابية، بـ «الشيطان الأكبر» أو «رأس الأفعى» الولايات المتحدة، داخلياً وخارجياً، ولكن عنفها الأرعن طال مجتمعاتها المحلية، بصورة أكبر من تلك التي تضرر بها أمن الولايات المتحدي القومي، داخلياً.. أو مصالحها الخارجية، حول العالم. الولايات، إلى حد، الآن نجحت إجراءاتها المحلية ، القانونية والتشريعية والسياسية، رغم تطرفها ومساومتها على قيم سياسية وحضارية ومدنية كانت تفتخر بها التجربة الليبرالية الأمريكية، في عدم تكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى أنها ليست بالضرورة قادت إلى أن يشعر المجتمع الأمريكي، بأنه أضحى أكثر أمناً، باستبعاد تكرار مثل تلك الأحداث، أو حتى أشد فتكاً وأكثر استعراضية، من تلك التي حدثت في ذلك اليوم المشؤوم.
محاربة الإرهاب أم مقتضيات التوسع..!؟
العالم، جعل الولايات المتحدة تفرغ شحنة الغضب الذي أنتاب زعماءها وقادتها العسكريين والرأي العام الأمريكي، في الحملة العسكرية على أفغانستان، حتى إنه بإمكاننا أن نقول: إن العالم وصل إلى درجة التعاطف مع ردة الفعل العنيفة، التي فرغتها آلة الولايات المتحدة العسكرية، بكل إمكانات الردع التقليدية التي تمتلكها، ضد أفقر دولة في العالم. ولكن واشنطن استمرأت حجة ما تسميه الإرهاب، لتمارس حركة توسعية مستهدفة مجتمعات، لم يُعرف عنها أنها كانت تمثل بيئة صديقة للإرهاب، خاصة تنظيم القاعدة، فأعلن الرئيس الأمريكي، بعد «غزوة» أفغانستان»، ما عُرِف بمبدأ بوش، حول: محور الشر ( العراق وإيران وكوريا الشمالية )، بوصف تصنيف أنظمتها، من قبل مؤسسات صناعة السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن: أنظمة «مارقة»، تحاول تطوير إمكانات ردع غير تقليدية، من أجل: العمل على زيادة التوتر، حول العالم، وتهديد السلام والأمن الدوليين... وزادت عليها، في ما يخص منطقة الشرق الأوسط، خاصة العراق وإيران، «ادعاء» مساندة الإرهاب واستخدامه كأداء لمواجهة الولايات المتحدة، حتى يمكن ضم إقليمها لمسرح عمليات الحرب على ما تسميه الولايات المتحدة الإرهاب.
بعد أكثر من ثلاث سنوات على غزو العراق، بعرف العالم، الآن، كيف أن الولايات المتحدة بسياستها القتالية، تُعد أهم مصادر ومحفزات حركة الإرهاب العالمية. أهم نتائج الحملة الأمريكية على العراق، جعل العراق بيئة أكثر من صديقة للجماعات الإرهابية وفكرها، في الوقت الذي لم يسجل العالم، في العراق طوال عهد صدام حسين الذي أطاحت به الحملة الأنجلوسكسونية للعراق، تحت راية ما يسمى بالحرب على الإرهاب، أن العراق كان يؤوي أو يحمي الجماعات الإرهابية أو يروج لفكرها العقائدي المريض...!؟.
نهج غير تقليدي للاقتراب من المشكلة
ليس بأفضل من هذه المناسبة في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت سلوك توجه، بل حتى نظام القيم الخاص بالثقافة الأمريكية المعاصرة، الذي كان العالم ينظر إليه بإعجاب خاص، أن نركز على جانب غير تقليدي، افتقدته معظم أدبيات تناول ظاهرة الإرهاب، السياسية والفكرية والثقافية، التي ركزت كثيراً على مهاجمة الظاهرة، دون التعمق أكثر في تبصر مستقبل نشاطها العنيف، وما إذا كان العالم ـ بالفعل ـ في طريقه إلى القضاء عليها.. أم أنها، ستبقى مهمة، بدرجة كبيرة، للولايات المتحدة الأمريكية، كأهم مصادر حجتها في الاقتراب العنيف من حلمها للسيطرة على العالم. الإرهاب، حتى في داخل الحياة السياسية، أضحى اللعبة المفضلة للساسة، من أجل الاقتراب أكثر من مؤسسات صناعة القرار في واشنطن، بحجة التفاني في الدفاع عن أمن الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك على حساب قيم الليبرالية المتأصلة، في ضمير الأمة الأمريكية، التي تُعتبر المصدر الأساسي لشرعية النخب السياسية، في المجتمع الأمريكي.