آفاق خليجية واعدة

سعــيد شهـاب

الدهر دول والأيام قلب بأهلها كما قيل، تبرز أمم ويلمع نجمها، وتندثر أخرى وتذهب ريحها حين تتشتت آراؤها، رغم ما قد يكون لها في ميادين الحضارة من جولات وصولات، فلا تغني قصص التاريخ وملاحمه عنها شيئا، وقد فتح الله لأهل الخليج العربي في هذا العصر من خزائن الأرض، وسخر لهم من أسباب القوة مالم يكن لسواهم، وألف بين قلوبهم فانتظمت دولهم في عقدها الجميل، واستمرت في مجلس تعاونها رغم مراهنة المرجفين على إمكانية استمراره، وتشكيكهم في فرص ثباته في وجه المحن والحروب والأزمات التي ألمت به لكنها زادت من صلابة بنائه، ومن لحمة أعضائه الذين أدركوا أن قوتهم ومنعتهم وخير شعوبهم تكمن في تعاضدهم وتوحيد جهودهم، ورغم بطء تقدمه الملحوظ، وضعف إنجازاته إذا ماقيست بعمره الذي تجاوز العقد الثالث، ورغم أنه قد تأنى كثيرا ــ إن لم نقل تعثر ــ أمام القرارات الجوهرية والحيوية كالوحدة النقدية، والسوق الموحدة، والاتحاد الجمركي؛ إلا أن مجرد صموده واستمرار التنسيق بين أعضائه إنجاز يحسب لقادته في بيئة لم تصمد فيها التحالفات والاتحادات إلا قليلا، فقد شهدت السنوات الماضية تنسيقا جيدا في الشؤون الأمنية، وفي السياسة الخارجية، ولعل لمواقف دول المجلس المتجانسة إلى حد بعيد فيما يخص جارته المشاغبة إيران، أو فيما يتعلق بقضايا الربيع العربي، والأزمات الدوليه خير مثال على صحة وسلامة المسيرة، ثم جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين لقادة المجلس في قمتهم الأخيرة في الرياض للارتقاء بمجلسهم من مرحلة التعاون والتكامل إلى مرحلة الاتحاد الذي يدمج الجهود المتفرقة في جهد واحد؛ يراعي مصالح وخصوصيات كل دولة وفئة ومنطقة، ويجعل من تنوع المشارب وتعدد الأفكار والثقافات مصادر قوة وثراء، ويترفع عن نظريات الهيمنة وغلبة الأكثرية التي ولى زمنها، فينسق خطواته ليتحدث للعالم بلسان واحد يحشد خلفه من القوة الاقتصادية والثقل السياسي والسكاني والعمق الجغرافي ما يضمن له المكانة التي يستحقها وما يحفظ أمنه واستقراره في زمن التكتلات والأحلاف القوية. وإذا كانت دول مثل ألمانيا أو فرنسا على مالهما من المكانة العالمية والإرث التاريخي لم تستغنيا عن شراكة دول أخرى صغيرة مثل اليونان أو البرتغال رغم عقبات اللغة والاقتصاد وعوادي التاريخ التي يعرفها الباحثون، فنحن أولى بالاتحاد إذ أن ما يجمعنا من أواصر العقيدة واللغة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة المتجانسة أكثر مما يجمع سوانا، سيضمن اتحادنا تحقيق أهدافنا السياسية وسيدافع عن مصالحنا الاقتصادية والاجتماعية في وجه القوى والتحالفات الدوليه .
sds1331@hotmail.com