عند أبوكن لا تحفشنها

علي القحطاني

ماتت جدتي سايبة رحمها الله قبل عشر سنوات وما زالت زريبة فرانها (أغنامها) صامدة أمام التوسع العمراني الذي اكتست به (امنقع) والتي تسمى حاليا أحد المسارحة في منطقة جيزان.
اختفت ألعاب (امداويم) و(امبورجان) واستبدلها الأطفال بألعاب التقنية الحديثة، وتلاشت النوادر والفكاهة الفطرية، إلا في حشوة (حارة) الفج العتيقة في قلب أحد المسارحة.
فمع هؤلاء الأشخاص، استطيع الخروج من إحباطات المنتخب الوطني ومنغصات الحياة الأخرى، كل ذلك بمجرد أن أصل إلى (متالس) أزقة هذه الحشوة.
أفراد هذه (الحشوة) لم يقرأ أي أحد منهم في مجال الطب النفسي، ولكن لديهم قدرة عجيبة على امتصاص كل وساوسي وشطحاتي وسوء ظني حينما أكون معهم.
فلو سألتهم عن الصراع المزعج بين التيارات الفكرية لردوا علي بـ«برد على قلبك ماهو تشا ببلاهن»، أي: هون عليك، ماذا تريد ببلائهم.
حتى في لهجتهم تجد بعض المفردات التي يتميزون بها عن سواهم من أهل المسارحة كـ «شمرقد»، أي: سنرقد، و(شمخلعه خلع) سنخلعه خلعا.
الكل في ناحية أحد المسارحة يجمع كلمة (كابة) وتعني مدخل البيت، بالكابات، إلا أهل امفج فهم يجمعونها، بـ(امكوايب).
صدور أهل امفج مفتوحة للجميع في أي حزة وحين. حشوة امفج أو حارة الفج تمسكت بزريبة الجدة (سايبة) ولم (تحفشها) أي تهدها وتمسكت بألعابها الشعبية ولم يستكينوا لملذات الحياة العصرية فكانت ابتسامتهم مصدرا لسعادتي.. عند أبوكن لا تحفشنها.