الغرق في بحر الكسل

عزيزة المانع

حين بدئ في صرف (حافز) للعاطلين عن العمل تنوقلت أخبار تفيد بأن بعض من كان من الشباب يعمل بدخل مماثل لحافز أو أقل، ترك العمل وعاد إلى البيت (ليتوسد حافز)!! صفة كره العمل تكاد تكون صفة بارزة بين الشباب، ولعل أول من يلاحظ هذه الصفة فيهم أرباب العمل الذين غالبا يتذمرون من عدم انضباط الشباب وكثرة تغيبهم عن العمل وعدم التزامهم بمواعيد أو غير ذلك من أشكال التعبير عن الزهد في العمل وعدم المبالاة به مهما اشتدت حاجتهم إلى الدخل الذي يحصلون عليه عن طريقه.
شيوع الكسل وغلبة الخمول والتهرب من العمل، هي صفات من أشد أعداء النهضة الاجتماعية والتنمية الشاملة، وربما لذلك نجد الكسل يشيع أكثر ما يشيع في مجتمعات العالم الثالث، حيث تكون ثقافة التهرب من العمل والاكتفاء بأقل ما يمكن من الإنجاز، هي الثقافة الشائعة.
والكسل قد يحدث لأسباب صحية كفقر الدم وسوء التغذية فيصير الجسم واهنا خاملا تنخفض فيه القدرة على بذل الجهد، وقد يحدث لأسباب سلوكية كالانصراف إلى اللهو والإفراط في السهر فيتعذر آنذاك الاستيقاظ المبكر لممارسة العمل، وهو أيضا يحدث لأسباب نفسية كالشعور بالإحباط واليأس والاعتقاد أن الاجتهاد في العمل والانضباط فيه لا أهمية له في الحصول على ترقية أو زيادة دخل، وأن المهم الوساطة والعلاقات أو التماس بعض الطرق الملتوية الأخرى التي لا علاقة لها بالكفاءة أو الإخلاص في العمل.
الفرد الذي ينشأ في وسط ثقافي تسلطي، يواجه القمع منذ طفولته المبكرة فهو في داخل أسرته يقهر على يد الوالدين اللذين يريان أنهما يعرفان مصلحته أكثر منه فيرغمانه على ما يريدان ويحرمانه مما يريد هو، وفي داخل مدرسته تحكم سلسلة القمع فوق رأسه، حيث لا يحق له اعتراض ولا رفض ولا إبداء اقتراح وإنما عليه الخضوع الكامل والطاعة المطلقة، وبعد تسلط الأسرة والمدرسة يستقبل الفرد تسلط مؤسسة العمل ومن ورائها بقية مؤسسات المجتمع الأخرى، وهكذا يظل الفرد في نشأته وعبر حياته يتنقل من قمع إلى آخر ومن قهر إلى غيره.
ولأن المقموع لا يستطيع الرد العلني المباشر على من يقمعه، فإنه يلجأ إلى الرد المبطن في صورة كراهية ونفور من القيام بما يطلب منه، فالطفل المقموع الذي يعاني من تسلط الأبوين أو أحدهما قد يكره الدراسة وينفر منها تعبيرا غير واع منه عن رفضه لتسلط أبويه المفروض عليه، فحين يطلب الوالدان المتسلطان من طفلهما مذاكرة دروسه أو الاستعداد لاختباراته، تتولد لديه ردة فعل معاكسة لرغبتهما كنوع من التنفيس عما يشعر به من عنف تسلطهما عليه. لكنهما للأسف لا ينتبهان لذلك وغالبا يرجعان النفور من الدراسة إلى عوامل وراثية وطبائع جينية، نادرا ما ينسبونه إلى أنه ردة فعل لاواعية لتسلطهما عليه.
ويمكن تخيل حال هذا الطفل بعد أن يكبر، متى وضعنا العمل مكان الدراسة وسلطة المجتمع في صورتها القمعية الأشمل مكان السلطة الأبوية.
فاكس 4555382-1