نكات «المحششين» الإلكترونية تسهم في ترويج المخدرات

الأرقام مفزعة .. والمجتمع والشباب مستهدفون

نكات «المحششين» الإلكترونية تسهم في ترويج المخدرات

عدنان الشبراوي (جدة)

الأرقام مفزعة، ونعني بها تلك الأرقام الإحصائية لكميات المضبوطات من المخدرات بشتى أنواعها، والتي يحاول عدد من ضعاف النفوس تهريبها للمملكة في استهداف واضح لشبابها وفتياتها. هذه المشكلة، لم تعد قصرا على بلادنا وحدها، بل هي مشكلة باتت تؤرق المعنيين في كافة دول العالم، لما تنتجه من أضرار كبيرة على النواحي الأمنية، الاجتماعية، الصحية، والاقتصادية، وكونها خطرا يهدد حاضر ومستقبل أي مجتمع بما في ذلك مجتمعنا السعودي ما لم يتم اقتلاع هذه الآفة من جذورها بشكل نهائي.


ورغم الجهود المضنية التي تبذل لمحاربتها ومكافحة كل من يتعامل بها إنتاجا أو زارعة أو تصنيعا أو تهريبا أو ترويجا، إلا أنها لا تزال تتفشى وتؤرق المجتمعات، ما دعا الجهات المعنية إلى إطلاق برنامج توعوي عن أضرار المخدرات بمسمى «البرنامج الوطني الوقائي»، والذي يستهدف أكثر من خمسة ملايين طالب في قطاعات التعليم العام. وأصبح تناول العقاقير المنبهة والمنشطة خطرا يفرض حضوره بين صغار السن، والطلاب والطالبات على مقاعد الدراسة أيضا، ومن ذلك أن إحدى المعلمات ضبطت سيجارة حشيش بحوزة طالبة وأحالتها للجهات المختصة، كما أن قضايا نحو 30 في المائة من نزلاء دور الملاحظة الاجتماعية متعلقة بالمخدرات، فيما تشكل قضايا المخدرات قرابة 40 في المائة من القضايا في المحاكم ما بين تعاط وترويج وإدمان وتهريب. واشتمل التقرير السنوي للإدارة العامة لمكافحة المخدرات على أرقام مخيفة عندما بين ضبط أكثر من 67 مليون حبة مخدرات، 40 طن حشيش، و39 ألف قضية، ما يشير بوضوح لا يدع مجالا للشك وجود استهداف منظم لشبان المملكة وشاباتها.
تزايد في الأعداد
وكشفت إحصائيات صادرة عن مجمع الأمل للصحة النفسية في الرياض، أن 278634 راجعوا قسم الإسعاف والطوارئ والعيادات الخارجية خلال الأعوام 1430 هـ /1431هـ / 1432هـ ، و بلغ عدد مراجعي قسم الطوارئ (163911) بينهم ( 58881) من مراجعي الإدمان خلال الأعوام الثلاثة، فيما وصل عدد مراجعي الإدمان للعام 1430هـ ( 17762) بينهم 17751 من الذكور و11 من الإناث فيما بلغ العدد عام 1430هـ ( 22295) حالة بينهم 22272 من الذكور و23 مدمنة، وفي عام 1423هـ بلغت الحالات 18824 بينهم 18795حالة من الذكور و29 حالة من الإناث.
وبالنسبة لمراجعي العيادات الخارجية للمجمع خلال الفترة نفسها، فقد بلغ عددهم ( 114723) بينهم (22048) من مراجعي الإدمان، أما في العام 1430هـ، بلغ مراجعوا الإدمان ( 12805) حالة بينهم (12667) من الذكور و138 من الإناث، وفي العام 1431هـ بلغ مراجعو الإدمان ( 4958) من مراجعي الإدمان بينهم (4881) من الذكور و( 77) من الإناث كما بلغ مراجعو الإدمان عام 1432هـ (4258) حالة بينهم ( 4183) من الذكور و( 102) حالة من الإناث، يحدث ذلك في الوقت الذي تكثف فيه مجمعات الأمل والصحة النفسية جهودها للرقي بخدماتها الصحية والوقائية للحد من ظاهرة تفشي الإدمان بين فئات الشباب داخل المجتمع خصوصا بين الطلبة والطالبات.
الطلاب واتجاهاتهم
وفي ذات السياق، كشفت دراسة أجريت على عينة من الطلاب لبيان الاتجاه العام لطلاب المدارس الثانوية (الثالث الثانوي) في موضوع المخدرات، أن 62 طالبا (37 في المائة) لديهم اتجاهات قوية وقريبة من تعاطي المخدرات، و أن 52 طالبا (35 في المائة) لديهم اتجاهات قوية وقريبة من أشخاص ممن يتعاطون المخدرات، و72 طالبا (38 في المائة) لديهم اتجاهات قوية وقريبة نحو مروجي المخدرات، وأوصت الدراسة بتنظيم برامج تربوية وقائية لمواجهة تعاطي المخدرات شريطة أن تكون بأسلوب مشوق يضمن جذب انتباه المستهدفين، كما أوصت بضرورة رعاية الأسرة لأبنائها ومتابعتهم والجلوس معهم لمعرفة مشكلاتهم الشخصية، والعمل على تقوية الوازع الديني، وركزت التوصيات على ضرورة منح التائبين الفرصة في الحياة الاجتماعية والعملية من خلال إلغاء صحيفة السوابق ومساعدة التائب في الحصول على عمل.
جهود مضنية
عبدالإله الشريف، وهو مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية، ألمح إلى أن مشكلة المخدرات مشكلة عالمية تعاني منها معظم دول العالم، وأن أخطارها بالغة على الشعوب والمجتمعات وعلى أمن الدول واقتصادها، مؤكدا «المخدرات بأنواعها وأصنافها ومسمياتها المختلفة أصبحت داء داهما وخطرا فتاكا يستهدف العالم بأسره». واستطرد الشريف «المملكة العربية السعودية تحارب آفة المخدرات بشتى السبل والطرق»، وأشار مبينا «الكميات التي يتم ضبطها من المواد المخدرة تصل لملايين الحبوب وأطنان من الحشيش المخدر»، مؤكدا استهداف المملكة وأبناءها من قبل عصابات المخدرات بهدف التجارة الدنيئة والكسب الحرام وتدمير عقول النشء والشباب والفتيات. وأضاف الشريف: الدولة تبذل كل الجهود الأمنية والوقائية والعلاجية والإصلاحية من أجل محاربة هذه الآفة ومنع وصولها لأفراد المجتمع والحد من انتشارها، مؤكدا «الجهود الأمنية الميدانية مستمرة لمنع وصول المخدرات لجميع شرائح المجتمع». وتطرق الشريف إلى مشكلة أخرى «للأسف، يتم استخدام النكات التي يتم تداولها عن الذين يتعاطون مادة الحشيش كأحد أنواع الدعاية، لإظهارها بأنها عالم من السعادة والأنس، وهو خلاف الحقيقة التي أظهرت دمارا صحيا ونفسيا واجتماعيا يصيب المتعاطين، وهذه النكات تؤثر بطريقة خاطئة على المراهقين وصغار السن عبر وسائل التقنية الحديثة كتويتر والواتس آب والفيس بوك، خصوصا إذا ما اقترنت بظروف أسرية تلبي الاتجاه السلبي للحدث أو المراهق»، وعاد للتأكيد: ما يتم ضبطه من كميات مهولة من حين لآخر يشير إلى استهداف العصابات المتعمد لأبناء الوطن «وأنا أعرف حجم المعاناة التي تعانيها الأسر بسبب تعاطي أحد أفرادها للمواد المخدرة».
تصدي المؤسسات
سألنا الشريف باعتباره يعمل على الوقاية من هذه الآفة: إذا، ما هي الخطوات التي اتخذتموها للوقاية من هذه الآفة خصوصا بالنسبة للطلاب والطالبات؟، أجاب: البرنامج الوطني الوقائي للطلاب والطالبات استهدف 5 ملايين طالب وطالبة في 25 ألف مدرسة، ذلك بالإضافة إلى المشاركة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للمبتعثين وتنظيم معارض توعوية متنقلة، والمطبوعات والكتيبات التوعوية والأفلام الوثائقية التي منها فيلم وثائقي عن البيانات الرسمية المعلنة من وزارة الداخلية عن ضبطيات المخدرات، وفلم لعرض صور الشهداء الذين قدموا أرواحهم فـداء للوطن وهم يحاربون هذه الآفة الخطيرة، وأكد أيضا: هناك تعاون وثيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة إضافة الى الدور الذي تضطلع به المديرية العامة لمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية مع السلطات الأمنية في الدول المجاورة والدول العربية والأجنبية وتعمل على تطبيقها للاتفاقيات الثنائية والدولية «الأمر يتطلب تصدي المؤسسات التربوية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المدني بدورها الكامل لحماية أفراد المجتمع السعودي».
الحي يحمي شبابه
الدكتور سعيد السريحة مدير الدراسات والمعلومات باللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات قال إن الإقبال على العلاج في حد ذاته خطوة إيجابية، مبينا ملاحظة زيادة في مستوى الوعي في المجتمع بشكل عام، مع أن الرقم يعد صغيرا نسبيا، وحول كيفية وصول المخدرات للفئات صغيرة السن، أوضح السريحة، أن بدء التعاطي محليا وعالميا يبدأ في سن العاشرة وغالبا لوجود عضو في الأسرة يتعاطى المخدرات أو بسبب ترك أدوية العلاج النفسي في المنزل، مؤكدا «نسبة الأطفال دون سن الثالثة عشرة لم تتصاعد في السعودية وهذا مؤشر إيجابي». وأشار إلى إطلاق برنامج «الحي يحمي شبابه» قريبا بهدف توعية الأسر لمخاطر الادمان وكيفية الحد منه.
من عمل الشيطان
ويوضح القاضي تركي القرني قاضي المحكمة الجزائية في جدة قائلا: حرم الإسلام تناول جميع أنواع المسكرات، سواء كانت خمرا أو مخدرات، وسواء كانت الكمية قليلة أو كثيرة؛ وذلك لما تسببه من أضرار على الفرد والمجتمع الإسلامي بصفة عامة، قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون» المائدة 90 91.، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر حرام» وقد ثبت بالدليل أن من المخدرات ما هو مسكر ومفتر ويذهب عقل ووعي وإدراك الإنسان، وأضاف أن النظام شرع عقوبات منصوص عليها في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتتراوح بين السجن والغرامة والمصادرة، فضلا عن عقوبة من اختصاص المحاكم العامة تتمثل في القتل تعزيرا للمهربين.
آثار أمنية
من جانبه، تحدث الدكتور محمد أيمن استشاري الطب النفسي موضحا الآثار الأمنية للمخدرات «هناك ازدياد في العلاقة بين التعاطي وجرائم إزهاق الأرواح وهتك الأعراض والدعارة، لأن المخدر يبعد الإنسان عن واقعه ويضعه في عالم من الوهم ينسى معه وجوده وفضائله، وينـسى معه ارتباطه بمجتمعه، وتكرار هذا الانفصال عن الواقع يجعل متعاطي المخدر في حالة تبعية للسم الذي يتعاطاه، فينهش جهازه العصبي ويهيج من يتعاطى المخدرات هاربا هروبا مزمنا من محيطه ومن واقعه، والشواهد على مدى ارتباط المخدرات بالانحراف الاجتماعي والسلوكي للأفراد كثيرة»، وأضاف أن دراسة على تعاطي الحشيش بينت أن 76 في المائة من أفراد العينة متهمون بارتكاب جرائم وأكثرها الاعتداء المباشر على النفس، أو الشروع في القتل و «تبين أن 58 في المائة من قضايا القتل العمد ارتكبت فيها الجريمة بسبب المعتقد الخاطئ بالخيانة الزوجية، وقتلت الزوجة في 31 في المائة من هذه القضايا، كما أثبتت البحوث التي عنيت بتفسير السلوك الإجرامي في المجتمع السعودي أن هناك علاقة أكيدة وقوية بين ميل الفرد إلى شرب الكحول والخمر وممارسته للجريمة والانحراف، وفي دراسة أجريت على المجرمين من الجنسين في المجتمع السعودي ظهر من نتائج البحث أن الغالبية 78 في المائة من المحكوم عليهم في جرائم جنسية كانوا يتعاطون المسكرات والمخدرات».
ويقول د. محمد الأحمد إخصائي الطب النفسي، إن استخدام المنبهات والمواد المنشطة بدأت تتضح معالمه بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة «خصوصا بين الطلبة والطالبات، ويعود هذا لعدة أسباب منها الرغبة في زيادة طاقة الاستذكار وضرورة اليقظة في بعض الأعمال الليلية كالسائقين لمسافات طويلة أو بغرض فقدان الشهية بالنسبة لحالات السمنة لما تعطيه أو تمنحه من قوة وهمية ونشاط ذهني، بينما إذا نظرنا إلى حقيقة هذه المواد والآثار المترتبة لوجدناها البداية الحقيقية التي ستقودهم إلى الإدمان».
ويشرح الدكتور الأحمد نوعيات من هذه العقاقير والمواد «أهمها الإمفيتامينات كمنشطات، الكوكايين والكانيين والنيكوتين كمنبهات، أو الكوكايين باعتباره من المواد المخدرة الخطيرة ويصاحب استخدامه زيادة الحركة والهياج الحركي وتقليل الشهية وسرعة ضربات القلب، إضافة إلى حدوث اضطراب في التنفس وارتفاع ضغط الدم، وتشوش الأفكار والهلاوس السمعية واللمسية، ويسبب الإدمان وبطء الحركة وصعوبة الكلام والترنح والخمول وحدوث اضطرابات عقلية والعته المبكر والجنون والإضرار بالنخاع الشوكي والشلل المفاجئ لعضلات القلب والوفاة المفاجئة، والإصابة بأمراض الكبد الوبائي من نوع (ب) ومرض فقدان المناعة المكتسبة نتيجة لاستخدام الكوكايين بالأبر الملوثة عن طريق الوريد، بالإضافة إلى هبوط نسبة التنفس، والتدهور العقلي والثرثرة والإصابة بالهلاوس والتشنجات والغيبوبة، والاضطراب الزماني والمكاني والإحساس بالأرق والقلق والتوتر والإصابة بالأنيميا ونقص كريات الدم البيضاء في الجسم، واعتلال الصحة والسلوك الهستيري دون وعي، والميل إلى ارتكاب جرائم السرقة والسلوك الاجرامي واضطراب السلوك وإهمال العمل، كما أن الاعتماد على الإمفيتامينات يسبب الإحساس بالنعاس والكسل والاكتئاب وكثرة الأحلام المزعجة والكوابيس، وحدوث خلل في الجهاز التنفسي وضربات القلب، كما يؤدي إلى التعرق والرجفة والغثيان وفقدان الشهية».