مَنْ للثغور الحياتية في شهر الجهاد؟

وليد احمد فتيحي

وعاد شهر رمضان من جديد، وعادت معه أفواج المصلين القوامين العابدين، وعادت المساجد تعج بالمصلين.
مسجد حَيِّنا الذي لا يكتمل فيه صفان في صلاة الفجر على مدى العام تعدى السبعة صفوف في أول يوم من رمضان ... وفي هذا خير.
والكل يبارك بحلول الشهر الكريم وحلول نفحاته، مئات الرسائل الهاتفية التي تبارك وتحث على الاستكثار من فعل الخيرات في هذا الشهر الفضيل واغتنام الفرصة ... وفي هذا خير.
وبدأ التسارع في التبكير للذهاب للمساجد لصلاة العشاء والتراويح خشية أن لا يجد المصلي مكاناً مكيفاً يصلي فيه خاصة في بعض مساجد جدة التي تحظى بأئمة حَباهم الله الصوت الجميل والقراءة المؤثرة ... وفي هذا خير.
وارتفع مؤشر تطبيق الشعائر التعبدية من صيام وقيام وقراءة للقرآن، في خير أمة أخرجت للناس ... وفي هذا خير.
ولكن هل حُقِّقت الغايات العظمى والمقاصد العليا من وراء هذا الشهر الفضيل؟ هل تحققت التقوى في قوله تعالى }لعلكم تتقون|.
التقوى التي أشار الرسول إلى قلبه وقال «التقوى ها هنا»، التقوى التي مكانها القلب ويصدقها العمل كأسمى صور الشكر للخالق }اعملوا آل داوود شكرا|.
رمضان شهر الجهاد الذي كان فيه معظم انتصارات المسلمين وفتوحاتهم، ولكننا نجد غير ذلك نجد الانتاجية تقل وساعات العمل تتقلص بذريعة التفرغ للشعائر التعبدية، وكأن الشعائر التعبدية أصبحت حائلاً دون العمل.
سُئل الإمام مالك عن الاعتكاف فقال أكرهه حتى لا يشغل الناس، وينفر المسلمين، ولا تتعطل به المصالح العامة.
فأين شهر الجهاد من الوقوف على الثغور الحياتية؟.
كم من الثغور الحياتية في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والإعلامية والتعليمية والتربوية والصحية والاقتصادية والسياسية والقانونية وغيرها.. يؤتى الإسلام من قبلها في ايامنا هذه.
كم من الثغور الحياتية يُغزى الإسلام والإنسانية من قبلها فيصبح أبناء الأمة بل والإنسانية جميعها فريسةً سهلة لغزاة الفكر الهدَّام وأصحاب الغايات المنحرفة.
ألم يكن شهر الجهاد «رمضان» هو شهر تدريب أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لكي تعتاد على حمل رسالتها بقوة وجِدْ وتعيد تصحيح مسارها وتتولى قيادة الإنسانية إلى جادة الحق وإلى عمارة الأرض كما يحبها الله أن تعمر؟!.
هل أصبح الشهر بالنسبة لكثير من المسلمين كالذي لا يغتسل إلا يوماً واحداً كل اثنى عشر يوماً ليخرج فيه نظيفاً ثم يعود مرة أخرى إلى مَرتَعهِ الذي كان فيه فيصيب فيه قذارة ونتناً، أو كراعٍ خصص يوماً في كل اثنى عشر يوماً يصوم فيه ويكثر الصلاة والقيام، فإذا جاء يوم عبادته نسي غنمه وغفل عن رعيته فسُرق منها ما سُرق وأكل الذئب منها ما أكل وهو يحسب انه يحسن صنعاً، فكيف إذا ظل على أمره هذا ونقص قطيعه وفني تدريجياً من حيث لا يدري، وهو لا يدرك أنه قد فرّط وأفسد من حيث أراد الإصلاح، ألا يدري أن انكبابه على شعائره التعبدية ذلك اليوم مع تفريطه في الأمانة التي أُوكلت إليه لن يشفع له عند خالقه يوم القيامة «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
كم من شباب هذه الأمة وجيلها القادم يُسرق منَّا كل يوم من جرَّاء انكشاف الصفوف في أرض المعارك الميدانية والثغور الحياتية، الإعلامية منها أو الاجتماعية أو التعليمية أو التربوية أو الاقتصادية أو غيرها مما نعلم ومما لا نعلم، ومما نرى ومما لا نرى.
نريده شهراً يُخرج لنا من أبناء الأمة مئات الرجال والنساء الذين يقفون على الثغور الحياتية ويدفعون عن الأمة مكائد الكائدين ويحمون حمى الدين ويُخرجون من الانسانية خير ما فيها ويُعيدونها إلى ربها وخالقها ويضربون الأمثلة والنماذج والقدوات، ويصبغون الحياة بالصبغة الربانية في كل مجالات الحياة.
فيكون بذلك شهر رمضان هو شهر تطبيق الجهاد العملي، وشهر التقوى والمغفرة بإذن الله وشاهداً لنا لا علينا يوم القيامة.